سير التراث العربي للدكتورة منى بو نعامة معهد الشارقة للتراث - 2018

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت 24 نوفمبر 2018
جريدة الحياة
خالد عزب


«سِيّر التراث العربي»... التاريخ على أبواب الأسطورة


في مقدمة كتاب «سير التراث العربي» (معهد الشارقة للتراث) من إعداد وتحرير الدكتورة منى بو نعامة، جاء أن «السير» جمع، ومفردها «سيرة»، والسيرة هي قصة الحياة، أما السير العربية، فهي تراجم حياة أبطال العرب وملوكهم وشعرائهم، والأصل في المصطلح هو السيرة النبوية، وهي الترجمة المأثورة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أصبحت تدل على ترجمة الحياة بعامة. وتذكر منى بو نعامة أن الوجدان الشعبي العربي اجتذب بعض الشخصيات التي تعتبرها مثلاً وقدوة ورمزاً يحقق القيم الدينية والقومية والاجتماعية، وهذا ما يفسر انتشار عدد من السير الشعبية التي قامت في أساسها على شخصية بطل أو مجموعة من أبطال مثل: سيرة سيف بن يزن، والزير سالم، وعنترة بن شداد، والأميرة ذات الهمة، والظاهر بيبرس، وقد تلقاها الناس بالقبول، ونسجوا على منواله. ويقدم الدكتور محمد حسن عبد الحافظ في هذا الكتاب دراسة مختصرة تحت عنوان «السير الشعبية العربية... المصطلح وحدود الجنس الأدبي»، وهو يرى السير لغة؛ السنة والهيئة والطريقة، وقيل: سار بهم سيرةً حسنةً. ويبدو أن الدلالة الأخيرة (أي الطريقة) هي ما رمى إليه الرواة والمؤرخون بكلمة «سيرة»، فقد فهم العرب السيرة بوصفها مجموعة من الأحداث، التي مرت بصاحب السيرة، وطريقته في معالجتها، إلا أنهم ما لبثوا أن اتخذوا «السيرة» عنواناً للكتاب الذي يسجل ما مرَّ من الأحداث بإنسان معين، منذ ما قبل ولادته، فولادته، ثم مراحل حياته، فموته، وبعض الأحداث التي جرت بعد موته، ولها علاقة بالأمور التي كرَّس لها حياته. وتمثل «السيرة النبوية» النموذج المرجعي الأول الذي احتذى به الإبداع السيري الشعبي العربي. ويكشف التحليل النصي والسيميائي للخطاب السردي عن اشتمال «السيرة النبوية» على الخصائص نفسها التي اقتدت بها «السيرة الشعبية». وقد انتخبت الذهنية الشعبية العربية شخصيات تاريخية، بدءاً من عصر ما قبل الإسلام، مثل: الملك سيف بن ذي يزن (50 قبل الهجرة- 574 ميلادية) المهلهل بن ربيعة (نحو 100 قبل الهجرة- 525 ميلادية) وعنترة بن شداد (نحو 22 قبل الهجرة- 1277 ميلادية) ثم شخصيات أخرى من عصور ما بعد الإسلام، كالظاهر بيبرس والأميرة ذات الهمة وحمزة العرب وطومان باي، وغيرهم، لتُروى وتُكتب لهم سير شعبية كاملة ومطولة، صور فيها ما عصف بها من الأحداث، وكيف تصدوا لها، وانتصروا عليها، وإن اكتملت هذه السير، وأخذت شكلها النهائي، ابتداءً من العصر المملوكي، خصوصاً. تنبئ كلمة سيرة، إذن، بتأثر الرواة الشعبيين، أو على الأقل المؤلفين الأوائل، بـ»أدب السيرة» في الثقافة العربية الإسلامية، بخاصة أن «السيرة الشعبية» تحمل عادة اسم بطلها، وتروي قصة حياته من الولادة إلى الوفاة. وهو أحياناً شخصية تاريخية وردت أخبارها في كتب التاريخ والسيرة والأدب. ويتجلى تأثر «السيرة الشعبية» بـ «أدب السيرة» في عناصر أخرى، من أبرزها: ابتداؤها ببيان النسب، وذكر النبوءات المبشرة بميلاد البطل وتكونه، وقيام المسار الحدثي على صراع البطل من أجل تحقيق أهدافه، أو ما يُنتظر منه. ولكن ذلك لا يعني أن «السيرة الشعبية» قد أفادت من نصوص «أدب السيرة» وحدها، فأخبار الجاهلية وأيامها وأخبار الفتوح وقصص فرسانها وفارساتها، قد مثلت روافد مهمة استقى منها الراوي الشعبي عناصر لتشكيل الأجواء الملحمية التي صورها في السير الشعبية. وقد استند أيضاً إلى تراث شفهي ومكتوب من الخرافات والحكايات الشعبية المكتنزة بالجن والسحر، وكذلك قصص الأنبياء والأولياء والصالحين وكراماتهم.

منذ النصف الأول من القرن العشرين، أطلق مصطلح «سيرة شعبية» (geste)، على مجموعة من الخطابات السردية الطويلة التي تولدت في مجال الإبداع الشفهي، وتواتر على روايتها رواه وشعراء مغنون في ساحات المدن العربية الكبرى، وفي المجالس، والأرياف، قبل دخول المطبعة إلى الحواضر الحديثة. وتحكي السيرة الشعبية سيرة حياة بطل، أو جماعة قومية، أو مجموعة قبلية، وتعكس من خلاله/ خلالها أحلام وتصورات المجتمع الذي يمثله/ يمثلها، كما تعكس أيضاً رؤية الضمير الجمعي لنفسه وللعالم وللكون، عبر تلك النصوص، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. وهذا التأريخ. في حقيقته هو مزيج من الوقائع التاريخية والمبالغات الميثولوجية، حتى قيل: إن السير الشعبية هي التاريخ يُنشد على أبواب الأسطورة.

تعددت أنواع السيرة الشعبية العربية، فمنها القبلي والقومي والإسلامي، على سبيل المثال، تعد «سيرة بني هلال»، أو «السيرة الهلالية» سيرة قبلية في شكلها الأولي، وكما أنها سيرة جماعة؛ تحكي عن قبيلة بني هلال وحلفهم مع قبائل العرب في نجد والحجاز، ولكن بطل من أبطال السيرة الهلالية فصل أو أكثر خاص به، وإن كان «أبو زيد الهلالي» هو المسيطر على كل حلقاتها.

ولكل سيرة من هذه السير الشعبية مؤدون ورواة متخصصون (تتعدد أسماؤهم المحلية وفقاً لأماكن وجودهم) ينفرد كل فريق منهم بإنشاد سيرة بعينها، يتوارث روايتها جيلاً فجيلاً، وذلك منذ أن تكاملت في منتصف العصر المملوكي، وإلى وقت قريب في بدايات القرن العشرين، باستثناء السيرة الهلالية التي لا تزال حية تروى شفهياً حتى اليوم في معظم البيئات العربية. وتنتمي السيرة الشعبية إلى جنس الأدب الشعبي؛ لكونها مجهولة المؤلف، وخاضعة عند روايتها وتداولها المستمر عبر القرون للتجدد والإضافة. وقد ترتب على ذلك أن نسخ السيرة الشعبية الواحدة تختلف في ما بينها اختلافاً كبيراً، على نحو ما يظهر في السيرة الهلالية، كما أن نص السيرة الشعبية يمكن أن يطول بشكل لافت، فيضم مخطوطها آلاف الصفحات، شأن «سيرة الأميرة ذات الهمة والبطال وولدها عبد الوهاب»؛ التي تقع في 26 ألف صفحة مخطوطة.

والكتاب الذي يروي أيضاً عدداً من السير بصورة مختصرة مثل: الأميرة ذات الهمة، وعنترة بن شداد، والزير سالم، يصلح أن يكون كتاباً مقرراً على طلبة المدارس؛ لأنه كتب بأسلوب سلس يجذب الأجيال الجديدة نحو هذا التراث الذي لا يعرفون عنه الكثير.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)