سيرة المنتهى، واسيني الأعرج (الجزائر)، سيرة دار الآداب

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ١٦ مارس/ آذار ٢٠١٥
جريدة الحياة
نبيل سليمان


واسيني الأعرج يكتب سيرته كما يشتهي


يقدم واسيني الأعرج لروايته الجديدة «سيرة المنتهى» بثلاثة مقبوسات/ ثلاث عتبات، أولها هو «حديث الإسراء» وثانيها لابن عربي من كتابه «الإسراء إلى المقام الأسرى أو كتاب المعراج» وثالثها من «تقرير إلى غريكو» للروائي اليوناني كازنتزاكيس. أما المقبوسان الأول والثاني فيشرعان الباب للمخيال الديني، وهو الحركة الكبرى الأولى في الرواية (الصوفية)، بينما يشرع المقبوس الثالث الباب للحركة الأولى – أيضاً – في الرواية: ما سيقص واسيني على جده من حياته، كما فعل كازنتزاكيس. ومنذ مطلع الرواية تشتبك الحركتان، وفيها يعلن الكاتب انتماءه إلى جده. ومنذ مفتتح الرواية أيضاً، تنادي بقوة ماعرف في الفورة الحداثية الروائية العربية بالرواية الصوفية، أو – على الأقل – بالفعل الصوفي في الرواية، كما تدلل روايات جمال الغيطاني وإدوارد الخراط بخاصة، ومروحة واسعة مما كتب في روايات: سليم مطر كامل ويحيى القيسي والطاهر وطّار وعبدالخالق الركابي وآخرين.

يصطفي ابن عربي الكاتب لمعراجه. وتسجل الرواية لحظة انخلاع الكاتب من الدنيا ولحاقه بالشيخ الأكبر. وعبر هذا العروج تتوالى الحكايات الكبرى، فيما يشيّد الرواية كتلةً سردية فكتلة، وأول ذلك هو حكاية الجد البعيد الروخو التي لا تقوم إلا بالتاريخ الأندلسي الذي سبق أن شغل الكاتب في أكثر من رواية (البيت الأندلسي – حارسة الظلال...). لكن الجد الأقرب – والد الوالد – سيحضر أيضاً ليثري حكايات الرواية، وفيها حكاية المرأتين اللتين ألجأهما الجد (نينوت وممات) مما يحفظ الكاتب من طفولته التي سيطغى حضورها في الرواية، مثلها مثل المراهقة.

في جزءي الرواية، يتدفق السرد في مئات الصفحات، حيث تشتبك أقانيم الرواية (السيرة – التاريخ – الصوفية) غالباً في الجزء الأول، بينما تتعاقب غالباً من بعد. أما الشخصيات المحورية فهي أسرة الكاتب أولاً: الجدان البعيد والقريب، الأب الشهيد، الجدة حنا فاطنة والأم (ميماميزار) والأخ عزيز والأخت زوليخا. وإلى هؤلاء تأتي جمهرة النساء اللواتي وشمن روح وجسد الكاتب، المتخيلة منهن والواقعية: ذات الشعر الأحمر وشافية قارة ومينا وديانا و.. وفي المعراج الصوفي والتكوين الروحي للكاتب تتوالى شخصيات ابن عربي وثيرفانتس ومولاي السالك...

الصوفية: يتصادى عنوان الرواية مع سدرة المنتهى. وستلي في الرواية الإشارة إلى تربة المنتهى: القبر، وكذلك غيمة المنتهى: لحظة الموت التي لبسها الكاتب في معراجه، ومشى على أرضها اللدنة، وبدأ يطير في أعماقها باتجاه غير معلوم، في غمرة شلالات النور. ويتقدم الكاتب مولاي السالك (رجل ليلة الرحيل – الموت) مخاطباً «واسيني يا ابني... أمامك مسالك الأنوار الكثيفة التي تعمي الأبصار بقوة... اعبرها بلا تردد فأنت سيد شأنك. ويبلغ الكاتب في معراجه جبل النار (يتغراو) حيث نزل الجد البعيد (الروخو) بعد الهزيمة الأندلسية. وثمة، في عش النسر – قمة الجبل حيث يرى الصوفيين يرقصون كما في الحضرة وبينهم المسيحي واليهودي في إشارة ستتكرر إلى وحدة الأديان، فالجميع يتبادلون الأناشيد باللاتينية والعبرية والعربية، فهل للمرء أن يتساءل عن غياب البوذية – مثلاً – في هذا المحفل – النزوع الإنساني؟

يواجه الكاتب موته أمام تابوت فيه من لا يشبهه «لكنه كان أنا». وتأتي المواجهة على إيقاع الأناشيد الغريغورية والصوت الكنسي الممزوج بجرح التراتيل الإسلامية. ويبلغ الكاتب في إسرائه مع جده الروخو «الصخرة» حيث يرى غرناطة، ويبدأ أقنوم التاريخ في الرواية. وبعد ردحٍ روائي يعود أقنوم الصوفية، حيث يتلمس الكاتب في «الغرفة الزجاجية» جراحاته الداخلية وهو يخطو إلى النور، فيرى معشوقته ذات الشعر الأحمر. وبينما يمضي العاشقان في عالم المعراج، تبدو الجدة (حنا فاطنة) حفنة من النور، وتقود الحفيد الذي يتبدع لحكاياتها نهايات مختلفة عما تروي هي، إلى مقام الشيخ الأكبر ابن عربي، وحوله سادة الخير والشهداء: الحلاج والبسطامي والجنيد. وعلى مولانا ابن عربي وعلى الجدة يقص الكاتب حكاية الكتاب الذي هرب نحوه ليتحول إلى نقطة نور فيه. وفيما يضارع الخيال العلمي، ويسيّد أمر النور على كل أمر، يبلغ الكاتب وادي النور، حيث لا شيء إلا السيول اللامعة كالذهب والفضة وهي تنساب قاطعة الجبال البركانية. وإلى هذا العالم تحضر مينا أيضاً، وتدعو الكاتب إلى الراحة تحت شجرة النور، فيلبث ثمة بينما يتواصل السرد السيري، وتكاد تغيب الصوفية عن الرواية إلى منتهاها.

التاريخ: عندما تجلت غرناطة للكاتب وجده الروخو، يتغنى الجد بها ويتأسى عليها: «سرقوا منا أرضاً صنعناها» فيرد الكاتب بأنكم دخلتموها غزاة كغيركم، فيرد الجد بأنّ أجداده هم من غرس يباسها وأثث فراغها.

وهكذا يتجدد السؤال الأندلسي، وحيث يمكن للمرء أن يمضي به إلى فلسطين وإسرائيل اليوم، مثلاً. وإذ يبلغ الكاتب وجدّه لحظة سقوط غرناطة، تشرع الـتأرخة بالتكشير (ص60-80 من ج1 أو ص 294 – 300 من ج2، مثلاً)، ولا تخفف منها تراجيدية ما يسرد الجد من تظاهره بالمسيحية ليحافظ على المكتبة، مثله مثل اليهودي ميمون بن يعقوب، أو من وصول الموريسكيين إلى الضفة الأخرى، أو مما يتصل بالأكراد والمغاربة.

السيرة: في الغمر السيري في الرواية، تحتار جاذبية القراءة فيمن تبدأ. فلتكن أولاً الأم (ميما أميزار) التي نذرت نفسها لتربية الكاتب وإخوته بعد استشهاد والده. ومما يستعيده الكاتب من حضور الأم في طفولته، مرافقته لها إلى حمام النساء (حمام الخالة وردة) حيث يتلبس الطفل الذي تدعوه شقيقته «لزعر الحمصي» بالشيطان. ومن المعراج والذكريات والأخيولات يرى الكاتب أسرته، حيث تتولى الأم سرد قصتها مع الأب وقصة الأب مع الفرنسية ميا، كما ستتولى قصة محمد، وحيث يتولى الكاتب قصة شقيقه عزيز الذي قضى عليه السرطان، فزجّ الكاتب المناجاة التي تقطع السرد (ص121- 134 ج1). أما الأخت زوليخا، فتعري جرحها السري في قصتها. وعلى أهمية كل ذلك، يأتي الأهم في قصة مينا، حبيبة المراهقة، القديسة التي ترمى في بورديل عيشة وهي التي يقول فيها الكاتب: «من بين كل الذين عبروا طفولتي بقيت مينا فوق الكل هالة من النور». لكن مينا ستتعدد في النساء اللواتي يملأن حياة الكاتب، وصولاً إلى ديانا في أمسٍ قريب، مجسدة الجمال المطلق بين يدي شلالات نياغرا.

يختم الكاتب الرواية بفصل (بعض ما خفي من سيرة عشتها كما اشتهتني)، وهو ما جاء شهادة على الرواية، ربما كان موقعها الأفضل خارج الرواية. وإذ تقدم الخاتمة للكاتب كأكاديمي من قول في السيرة، فإنها تطلق السؤال عن تجنيسه للرواية على غلافها بالرواية السيرية. فالكاتب يقصّ سيرة السيرة كتجربة جمعية مع أصدقاء، بتحريض من سهام شراد التي أنشأت صفحة فايسبوكية سيرية، واسمها هو العنوان الثاني للرواية وإيقاعها في المتن (عشتها كما اشتهتني). والكاتب يرى أن السيرة في جوهرها هي محاولة للتقرب من الجهد الذي يجعلنا، ليس فقط نحب الحياة، بل نفهمها قليلاً لنستحقها. كما يرى أن السيرة اختيار جدي لقدرات الإنسان على قول نفسه، والكاتب، في النهاية، ليس وحده صانع سيرته. وبعد ذلك ينوس الكاتب بين اشتراط ألا تؤذي الحرية في السيرة أحداً، وبين تساؤل عما تساويه السيرة بلا صراحة، وبين المسألة الأخلاقية في السيرة، كمسألة مربكة. ويسوق الكاتب للسيرة تعريفه على أنها ليست تنضيدة معلومات فردية، بل فعل جماعي أيضاً، ويقول: «أعتقد أنني لم أقم بالكثير في هذه السيرة الذاتية سوى أنني أزلت الغطاءات الوهمية التي كانت تثقلها، ليرى قرائي ما لم يروه أبداً خارج التخمين...».

عن موقع جريدة الحياة



جريدة الحياة


الأربعاء، ١٤ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
جريدة الحياة
علي نسر


واسيني الأعرج يُواجه ذاته روائياً


بين سدرة المنتهى وسيرة المنتهى ينقلب الدال ياءً، ما يجعل المصطلحينِ يتقاطعان حيناً ويتوازيان حيناً آخر. ومن الالتفاتة الأولى إلى سيميائية عنوان الكتاب «سيرة المنتهى» (دار الآداب) للجزائري واسيني الأعرج، نجدُ أننا أمام إحالة سريعة إلى ما تختزنه المخيلة من صور لسدرة المنتهى. والمعروف أنّ «السدرة» هي شجرة تحمل ثلاثة أوصاف تميّزها عن مثيلاتها، بحيث إنّ ظلّها المديدُ يمثّل العمل وممارسته، ورائحتها الذكية تمثّل القول، في حين أنّ طعمها اللذيذ يمثّل النية. فما هي إذاً الأوصاف التي قد تجعل من سيرة الكاتب متميزة عن بقية السِّير أو ربما عن بقية مؤلَّفاته؟

تسحبنا سيرة الكاتب من عالم التخييل الروائي إلى العالم الحقيقي الذي نهل منه الكاتب موضوعاته طوال مسيرته الإبداعية، فنجدنا أمام ثلاث محطات تقرّب السيرة من السدرة ذات الأوصاف الثلاثة، وهي: الماضي، الحاضر، المستقبل.

يتكّئ الكاتب على ضفة الماضي، القريب والبعيد، ليقدّم نقداً شبه ذاتي بطريقة مبطنة تارةً، وعلانية طوراً، للمجتمع العربي من جهة، والجزائري من جهة أخرى. وذلك من خلال الإشارة إلى ما آلت إليه صورة الواقع من تخلّف وارتداد نتيجة العنف والاقتتال الداخلي: «لقد سنّوا الطريق يا جدّي أمام قتلة جدد. هذه المرة لم يأتوا من خارج مدننا وديننا...» (ص 56). هو ماضٍ، أبطاله جميعهم ميتون، ما عدا الكاتب المسكون بالموت، والذي لم يعد خائفاً منه، بل صار يستعيد الأموات ليشاركوا في كتابة السيرة وسلخها عن نمطها التقليدي كي لا تستحيل تاريخاً ذا معلومات مرصوفة تخصّ صاحبها فقط: «السيرة ليست تنضيد معلومات فردية ولكنها فعل جمالي أيضاً وإلا ما الفارق بينها وبين التاريخ» (ص 579).

يعيد الكاتب عبر «سيرة المنتهى» إحياء الأموات ليساهموا في نقد الواقع، مستعيداً شخصيات من أربعة قرون مضت وصولاً إلى السنوات الأخيرة. وقد تكون هذه الطريقة التي اعتمدها الكاتب أشبه بالهروب كما كنّا نقرأ في الأساطير التي يلجأ أبطالها لحظة عجزهم عن مجابهة أخطار الحاضر إلى نبش قبور الأحبة المتوارية ليجابهوا بهم الحياة بمصاعبها وأخطارها المحدقة بهم. «لا نلمس من نحبّ ولكننا نستطيع أن نحييهم ويردّوا على التحية» (ص 542).

حوار الأجيال

«الروخو»، أحد أجداد الكاتب، واحد من أبرز الشخصيات التي يستعيدها الأعرج في سيرته مستعرضاً بطولاته وأمجاده. وتمثّل الجدّة حنّا رافداً معرفياً آخر، إضافة إلى الأم أميزار وغيرها ممن شكّل مصادر أساسية استعان بها الكاتب لتوثيق معلوماته وتكريس الشقّ المرجعي أو التوثيقي كما في معظم مؤلفاته الإبداعية.

لقد حاور الكاتب الروخو ليقوم بتبئير التاريخ والإطلالة على الحاضر والواقع من خلاله، نازعاً عنه بعض البطولات الخارقة التي حاولت الجدة أن تزرعها في مخيلة حفيدها، مؤكّداً أن البطولة تأتي متأخرة عن الحدث: «البطولات تصنعها الروايات التي تلي موتك يا حبيبي ولا شأن لك بها أبداً» (ص 78).

وعبر هذه الشخصية المثالية، يطلُّ الكاتب على مرحلة الخروج من الأندلس، ليؤكّد أنّ الهزيمة ليست من أعداء الخارج دائماً، إذ إن المجد الضائع ساهم حكامه بضياعه، حين أصبحت غاياتهم الشخصية تسوّغ قذارة أعمالهم، خصوصاً حين تدخل فتاوى غريبة في تسيير أمور الناس. فاستخدم الكاتب مثلاً رمزية تحليل قتل الخيول لسدّ جوع أصحابها معتمدين على أسباب هزيلة بغية إراحة ضمائرهم، ومنها أن تلك الخيول خذلتهم في التغلّب على أعدائهم النصارى ليردّوا بذلك فشلهم إلى السلاح مبرئين حامله: «أكلوا خيولهم التي ساعدتهم على خوض حروبهم، إذ قال المفتون هي أحصنة في رتبة البغال الثقيلة، لأنها لم تحقق أي انتصار معلوم ضدّ النصارى، بل كثيراً ما خذلت راكبها بأن أوصلته إلى العدوّ. خيول متواطئة ذبحها حلال وأكل لحمها حلال» (ص 57). لكنّ السؤال الأكثر أهمية في علاقة الكاتب بجدّه يتمحور حول أحقية العرب والمسلمين في الاستيلاء على تلك البلاد القائمة خلف البحار.

يترك الكاتب جدّه ومجده الغابر، ليقف أمام حاضر أو ماضٍ قريب، أبطاله هم الجدة والأم والحبيبة والإخوة... هم جميعهم أموات، لكنهم يعودون في حياة الكاتب ليصنعوا له طفولة جديدة، طفولة حُرم منها باستشهاد أبيه، ليصبح ظهراً مكشوفاً غير محمي، شأنه شأن جيل من الأطفال والفتيان الجزائريين الذين خسروا أباءهم بعدما ذهبوا تلبية لنداء الواجب الأكبر. وفي خلقه تلك الطفولة الجديدة، يؤكد الكاتب أن الرجل طفل كبير ما زال اليتم يقيّده: «ما زلت أشعر إلى اليوم، أني لم أغادر طفولتي أبداً فهي معي وفيّ بقوة» (ص 565). ومن ثمّ يزداد يتماً حين يفتقد جدّته، مَعينَ معرفته الذي لا ينضب، وينكسر بموت الحبيبة والإخوة والأم. هكذا، يغدو هو الشاهد على انكسارات شخصية تتوازى وانكسارات الوطن حيث المتاجرة بدماء المضحّين على أيدي الانتهازيين. «لقد باع الورثة كل شيء، الدم والقصص والتاريخ. لقد باعوا حتى أنفسهم. هل بقي لهم شيء يعرضونه للبيع؟ لا أظن. من يبيع حائطاً ليس له يبيع وطنًا بلا تردد» (ص 167).

فقدان الأحبة

إنّ الموت الذي جعل من واسيني الأعرج إنساناً مكشوفاً أمام ضربات الزمن، جعله مكشوفاً أيضاً أمام القارئ والمتلقي كروائي. فالسيرة تنقل أثر فقدان الأحبة في كتابات الأعرج، ليكون المستقبل المحطة الثالثة في هذه السيرة، مؤكّداً أن الموت لا يكفي لبقاء الحياة ولتعظيم الإنسان: «ليس بالموت وحده يكبر الإنسان» (ص 78). وقد كانت رواية دونكيخوت لسرفانتس محفّزاً مهمّاً في عشق المغامرة وعدم الاستسلام، بحيث صار يرفع شعاراً يؤكّد تشبّثه بالحياة الآتية على رغم طعم الواقع المرّ. هو شعار التحدّي وإثبات الوجود: «لم أكن استثناء، ولم أكن إلهاً صغيراً، لكني لم أمرّ على هذه الحياة كغيمة جافة» (ص 45).

بعد قراءة محطات مشوار سيرة واسيني الأعرج الضخمة، يُمكن أن نتساءل ما إذا كانت هذه السيرة ستشفي صاحبها من أسباب عصابه التي تشكّل الدوافع الأساسية في الإبداع، وهو الذي اعترف غير مرة بأنّ محطات سيرته هي الخزان الذي ذخّره بمعارف ومعلومات استحالت بمخبره الكتابي مؤلفات إبداعية أكثر ما ظهرت عبر الروايات. «عندما سئل أحد النحّاتين كيف وصل إلى إبداع أشكاله من عميق المادة الرخامية أو الصخرية؟ أجاب: أنا لا أفعل أكثر من إزالة الزوائد عن المنحوتة الموجودة أصلاً في عمق الصخرة أو الرخام. أعتقد أني لم أقم بالشيء الكثير في هذه السيرة الذاتية سوى أني أزلت الغطاءات الوهمية التي كانت تثقلها، ليرى قرّائي ما لن يروه أبداً خارج التخمين والتأويل والافتراض التي ليست بالضرورة رديفاً للحقيقة» (ص 564).

ولأنّ الكاتب اعتمد أسلوب الرواية في سيرته، كاشفاً جوانب حياتية كثيرة بحقيقتها الجارحة أحياناً، معترفاً بأن هناك جوانب أخرى لم يدرجها بين دفتي هذا الكتاب، بقي أن نقف عند الإيضاحات التي استخدمها في نهاية النص مشيراً فيها إلى تلك المحطات التي شكّلت ينابيع رؤاه وفنّه، حارماً المتلقي من لذة هذا الاكتشاف وحده، إذ استنتج عنه وصيّره متلقياً سلبيّاً منفعلاً بدلاً من يكون إيجابياً فاعلاً ومشاركاً في الكتابة، وهو يعترف بذلك كونه مبدعاً وناقداً يعرف ما يصبو إليه القارئ: «للقارئ حقه في اكتشاف خفايا وسحر وأسرار الأشياء في لحظة قراءتها والتوغّل في النصّ» (ص 579).

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


الكتاب على موقع أبجد

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)