سهير المصادفة تطرح سؤال الذكريات في مواجهة هدم الذاكرة. رواية “يوم الثبات الانفعالي” تجدد انحيازها للمهمشين في أسلوب بوليسي
تبدأ أحداث رواية “يوم الثبات الانفعالي” (منشورات إبيدي) للكاتبة سهير المصادفة، بمقتل راقصة تدعى “صافي” ذبحاً في مطعم يسمى “لازانيا” في منطقة “مثلث ماسبيرو” في القاهرة. المطعم تملكه عجوز إيطالية اسمها “فيرونا”، والأحداث ترويها بطلة الرواية؛ “راوية”، التي تعمل مغنية في المطعم نفسه باسم فني هو “شمس”، علماً أنها كانت تبلغ في ذلك الحين (العام 2018) السابعة والثلاثين من عمرها، ووظيفتها الأصلية هي معدة برامج في التلفزيون الرسمي المتخم بآلاف الموظفين العاطلين واقعاً من العمل. ويقع مبناه في قلب ذلك المثلث السكني الذي تُنفَّذ حالياً (في الرواية وفي الواقع) خطة إزالته لتحل محله أبراج سكنية وإدارية، في إطار “تطوير” ذلك النطاق المطل على النيل والقريب جداً من وسط القاهرة.
تهرب “راوية”، من موقع الحادث بعدما رأت لحظة وقوعه في ضوء خافت، أعضاء في جماعة سرية تدعى “الثبات الانفعالي”، كانت قد تدرَّبت معهم قبل 13 عاماً على “العمل من أجل تغيير العالم”، في إطار تنظيم عنكبوتي غامض، ما يستدعي إلى ذاكرة القراء أخوية “الأخ الكبير” في رواية جورج أورويل “1984”، وأخوية “ساكي جاكِه” في رواية هاروكي موراكامي “1Q84”، على سبيل المثال.
المجموعة المختارة من “مثلث ماسبيرو”، لن نعرف مَن اختارها، أكبرهم سناً “فرج الألفي”؛ تتلمذ الآخرون على يديه، في مدرسة جمال عبد الناصر الإبتدائية (لاحظ دلالة الاسم الذي يحيل إلى زمن يراه البعض عنواناً لإنصاف الفقراء في مواجهة تغول الأثرياء) لكن أثناء يوم الثبات الانفعالي ذاك، يتم قتله هو بالذات، ربما لأنه وقد بلغ الخمسين من عمره، كان نغمة نشاز وسط مجموعة من الشباب الطامح إلى تغيير واقعه المزري، ولو حتى في اللاوعي.