سمير صبري و"حكايات العمر كله". الفنان المصري يتحدث عن تجربته في الفن والحياة بعد رحلة ممتدة بدأت في الستينيات من القرن الفائت واستمرت إلى اليوم
ما زال المشهد المصري، والعربي، متعطشًا إلى المزيد من سيل الكتب والإصدارات، وأحيانًا المجلّدات ذات الأجزاء المتعددة، المتعلقة بالاعترافات والمذكرات والكشف عن الأوراق المجهولة، سواء التي تخص مؤلفي هذه الأعمال الرائجة أنفسهم، أو التي تتصل بمن حولهم وفي دائرة علاقاتهم من شخصيات أخرى.
عشرات الكتب الاعترافية، والبوحية، والاسترجاعية، ملأت الساحة في فترة وجيزة، بين مؤلفة ومترجمة، من قبيل: “كتابيه - مذكرات عمرو موسى” (دار الشروق)، “الأيام الحلوة فقط” (إبراهيم عبد المجيد، بيت الياسمين)، “ليالي نجيب محفوظ في شبرد” (إبراهيم عبد العزيز، بتانة)، “يومًا أو بعض يوم” (محمد سلماوي، الكرمة)، “هيكل.. الوصايا الأخيرة” (أنور عبد اللطيف، بتانة)، “الصبيّ الذي كنتُ” (محمد فريد أبو سعدة، النابغة)، “حياة دستويفسكي.. أبي فيودور” (ترجمة: أنور محمد إبراهيم، الدار المصرية اللبنانية)، “فرناندوا بيسوا.. رسائل ونصوص” (ترجمة: وائل عشري، الكتب خان)، “الجواهر من رسائل فان جوخ” (ترجمة: ياسر عبد اللطيف ومحمد مجدي، الكتب خان)، وغيرها.
أسباب كثيرة تفسح المجال لانتشار هذه الأعمال وبلوغ بعضها لائحة الأكثر مبيعًا، فهي جميعها، على تفاوتها في القيمة والرصانة والأهمية الفنية والتوثيقية والتاريخية، تطرق بشكل من الأشكال باب المسكوت عنه والكتابة التحررية الجريئة غير المحكومة بضوابط شكلانية وقوانين صارمة، وتتلمس باب المصداقية وتعرية الذات وربما التطهر، وتقدم العادي والمجاني بأسلوب تلقائي شيق مثير، كما أنها تلعب على فضول القارئ وشغفه بالمفاجآت ونهمه لمعرفة التفاصيل، ونزعته إلى تقديس الماضوي والقديم (ذكريات الزمن الجميل)، في ظل واقع بائس جرى تجريفه وتفريغه من الرموز والنجوم والأساطير.
جاء صدور “حكايات العمر كله” (مذكرات سمير صبري) منذ أيام قليلة عن “الدار المصرية اللبنانية” ليضيف حلقة أخرى إلى هذا المسلسل الناجح، بمعايير السوق على الأقلّ، وتوزّعت صفحات الكتاب الثلاثمئة على فصول كثيرة بعناوين الشخصيات التي يحكي عنها المؤلف، وتشاركه حكاياته ويومياته، إلى جانب ملحق للفوتوغرافيا (المشوار في صور)، وثلاث مقدمات؛ لزاهي حواس، ومفيد فوزي، وللمؤلف، ومقتطفات ختامية من أقوال: مصطفى أمين، ويوسف إدريس، وأنيس منصور، لترسيخ ما يتضمنه الكتاب من وقائع كحقائق لا تقبل التشكيك.
ولأن شخصية سمير صبري ذات شقين أساسيين: الفنان والإعلامي، فإن مذكراته احتضنت دائرتين: مجتمع الممثلين والسينمائيين والمطربين والموسيقيين والمتصلين بالفن، ومجتمع الإعلاميين وضيوف البرامج التليفزيونية الكبرى التي كان يقدمها مثل “النادى الدولي” و"هذا المساء" من الشخصيات العامة، المصرية والعربية والأجنبية، في مجالات متنوعة.
بالرغم من أن حكايات المجتمع الأول (العالم الفني) قد تكون أقرب إلى اهتمامات الأغلبية من القرّاء، وبالرغم من أنها استولت على الشق الأكبر من المذكرات، فإنها ربما لا تكون الأهم في الكتاب، كونها لم تقدم الجديد في معظم الأحوال، لأن أخبار الفنانين وأسرارهم وتفاصيلهم تكاد تكون معروفة ومنسوخة ومكرورة، جيلًا بعد جيل، ويومًا بعد يوم.
من ثمّ، فإن حكايات سمير صبري عن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش ومحمد فوزي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وشادية ووردة وصباح وسعاد حسني وليلى مراد وعمر الشريف وفاتن حمامة وعادل إمام وشريهان وغيرهم، على طرافتها، جاءت في إطار المتوقع، ما يخالف تكنيك التشويق والإثارة الذي تقوم عليه فكرة الكتاب وآليات صياغة فصوله وعباراته وكادراته.
من ذلك، على سبيل المثال، ما أورده عن غيرة عبد الحليم حافظ على سعاد حسني، وأنه كان يقود سيارته ليلًا بجنون بحثًا عنها في أماكن السهرات والتجمعات التي يحتمل أن تكون فيها ليلقي نظرة عليها، وأن والدة عبد الوهاب هي التي قالت له “بلاش تبوسني في عيني” عندما قبّلها، فتولدت فكرة الأغنية الشهيرة، وأن أم كلثوم تمنت لو لم تكن مطربة أن تكون “حارس مرمى الأهلي”، لأن المدافع عن المرمى هو المدافع عن الأرض، والعرض، والشرف، والبلد، وما إلى ذلك من أمور متداولة بكثرة منذ سنوات.
أما الأهم في الكتاب، لحداثته بعض الشيء أو لعدم ذيوعه على نحو واسع، فهو ما يتعلق بالشخصيات “غير الفنية”، من القادة والزعماء والعلماء والسياسيين والأدباء والمثقفين والرياضيين والصحافيين والإعلاميين، الذين حلوا ضيوفًا على البرامج التليفزيونية التي كان يقدمها سمير صبري، وتعرف إليهم عن قرب، ودارت بينه وبينهم أحاديث خاصة، ونشأت علاقات سمحت له بمعرفة شؤونهم الشخصية، كما لم يُتح لآخرين...
مقالات ذات صلة :
– سمير صبري و"حكايات العمر كله"