موسيقى - Musique

رياض السنباطي فيلسوف الموسيقى العربية Riyad al-Sunbati

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت ١٧ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٢
جريدة الحياة
القاهرة (مصر) – محمد الصاوي


تكرّس ألحان رياض السنباطي لما يمكن أن نسميه الكلاسيكية بشقّيها التقليدي والحديث، في إطار تاريخ الموسيقى العربية في القرن العشرين. فقد نسج جملة موسيقية تمتاز بقوة البناء الدرامي. هو فيلسوف الموسيقى العربية وحاوي أشعارها. يُخرجها من أوتاره وخياله ألحاناً متينة، رصينة، مصاغة في سلاسل من النغم المنساب.

استقرت مكانة السنباطي في مخيلة جمهور الطبقة الوسطى في مصر، كمثال للأصالة والسمو بالمشاعر الإنسانية، بمنأى عن العواطف السقيمة. فيعيشون قصة حبهم على وميض موسيقاه التي تنتشلهم من سذاجة الألحان التجارية التي تغازل حواسهم وهم يتعاملون معها بمنطق التسلية والاستهلاك.

تشبّع السنباطي في ألحانه الأولى مثل «على بلدي المحبوب» و «افرح يا قلبي» في أواخر الثلاثينات، ببراءة شيخ الملحنين زكريا أحمد. وتبلورت ملامح شخصيته الموسيقية مع أغنية «النوم يداعب جفون حبيبي». وفي الأربعينات، بدأت رحلته المفضلة في عالم القصائد بواحدة من روائع أحمد شوقي وهي «سلوا كؤوس الطلا»، ثم لجأ الى سلسلة من الأغاني الطويلة نسبياً مثل «فاكر لما كنت جنبي»، و «اذكريني»، و «هلت ليالي السهر»، و «غلبت أصالح»، و «عودت عيني»، حتى حقبة الخمسينات.

وعلى رغم انتشار موجة جديدة من الألحان السريعة نسبياً على أيدي كمال الطويل ومحمد الموجي بصوتَي عبدالحليم حفاظ ونجاة الصغيرة، فقد احتفظت أم كلثوم بمكانتها العالية كأسطورة غنائية بفضل ألحان السنباطي التي لا شبيه لها، خصوصا بعد غياب الشيخ زكريا أحمد واكتفاء القصبجي بمكانه كعازف عود في فرقتها، وإن عاد بعد محاولات لحنية عدة بلحن بديع هو «رق الحبيب».

وبذلك أصبح السنباطي ملحن أم كلثوم الوحيد في تلك الفترة. وكان يشكو أو يتظاهر بذلك، أن العمل مع أم كلثوم يأخذ كل وقته ومجهوده. ولم يكن يرتاح لكثرة تعديلاتها وتدخلها في أسلوب التلحين. ويُقال إنه خرج في إحدى المرات من بيتها في حي الزمالك بعد منتصف الليل وهو يقول: «ابقي لحنيها انت»، وكان يقصد أغنية «عودت عيني». إلا أن علاقة الاحترام بينهما كانت هي الأساس، فلم تجرؤ أم كلثوم يوماً على النيل من شخصه، كما كانت تفعل بخفة دمها المعروفة مع كثيرين.

وعلى رغم تعاون أم كلثوم بعد ذلك مع كمال الطويل ومحمد الموجي ثم بليغ حمدي ومحمد عبدالوهاب، فإن ألحان السنباطي كان لها وقع مختلف، وإقبال جماهيري لا ينقطع، خصوصاً بالنسبة إلى من يسمّون «السميعة» من الذين ارتبطوا وجدانياً وفنياً بالغناء على الطريقة الكلثومية، تلك التي تتحقق في وجود السنباطي وأم كلثوم. فقد قدم لها في ظل تلك التحولات أغاني مثل: «أقول إيه»، و «هجرتك»، و «الأطلال» التي لم تكن تنجح حفلة لأم كلثوم من غيرها، خصوصاً في رحلاتها خارج مصر بعد نكسة 1967. نجاح «الأطلال» الفريد، جعل القطبين يُفكران بالاعتزال، فهي بمثابة تتويج للمسيرة والمدرسة الكلاسيكية العربية. كيف لا، وقد اعتبرت «الأطلال» تراثاً موسيقياً وأهم أغنية عربية في القرن العشرين بحسب منظمة «يونيسكو» التي كرمت السنباطي بدرع تقدير.

لم يتوقف السنباطي يوماً عن تطوير جملته اللحنية وإبداعه، لرغبته في عدم الظهور كملحن من طراز عتيق، في ظل تعامل أم كلثوم مع ملحنين آخرين. فكان أول من استخدم البيانو في مقدمة أغنية «أراك عصي الدمع»، في خطوة جريئة وجديرة، إذ استطاع فرض سطوته الشرقية على البيانو ليبدو حزيناً شجياً. وكانت المرة الوحيدة التي شارك فيها البيانو في أغنية لأم كلثوم. أما في أواخر الستينات فذهب الى الأجرأ والأكثر حداثة، وهو الغيتار الكهربائي، كما طوّع الأورغ الذي انتشر حينها وقدّمه بلغته الخاصة في أغنية «من أجل عينيك» وغيرها.

عازف فريد ومطرب خجول

لعزف السنباطي على العود طريقة فنية فريدة ومنهج متميز بالتقاسيم التي سجل منها مقطوعات عدة في العام 1970. والطريف أنه عندما جاء الى القاهرة من بلدته المنصورة حيث ذاع صيته وكان يُلقب بـ «بلبل المنصورة»، وأراد الالتحاق بـ «معهد فؤاد الأول» للموسيقى العربية، قررت لجنة الاختبار أن تعيّنه مدرساً للعود وليس طالباً بعدما ذهلت بعزفه.

قدم السنباطي بضع أغان بصوته، أشهرها قصيدة «أشواق وإله الكون»، كما له تسجيلات لبعض ألحانه لأم كلثوم منها «الأطلال» و «عودت عيني». ويعيب البعض على أدائه الغنائي قلة استخدامه القرار واعتماده على الغناء المرسل. أما في السينما، فكان أول ظهور له في فيلم «الوردة البيضاء» من بطولة محمد عبدالوهاب، في مشهد لا يتعدى نصف دقيقة. وخاض بطولة سينمائية وحيدة مع الفنانة هدى سلطان في العام 1952 في فيلم «حبيب قلبي»، وتشاركا أغاني الفيلم ومنها «بتبكي ليه يا نغم».

بعدما نال السنباطي أوسمة عدة وكرّمه الرئيسان جمال عبدالناصر وأنور السادات ومنظمة «يونيسكو»، يكرّم مهرجان الموسيقى العربية ذكراه في دورته الحالية التي افتتحت أخيراً بأوبريت «أمير النغم» (سيناريو رتيبة الحفني) بمشاركة 13 مطرباً ومطربة منهم وعد البحري وأمجد العطافي. وتناول الأوبريت أهم النقاط في حياة السنباطي، وتخللته لقطات وثائقية تضمنت بعض اللقاءات المصورة التي تتحدث فيها نخبة من مشاهير الموسيقى والأدب عن السنباطي الذي رحل عام 1981.

عن موقع جريدة الحياة


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)