رشدي أباظة الدنجوان، أحمد السماحي (مصر)، نقد سينمائي القاهرة - 2016

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الثلاثاء 09-05-2017
الصفحة : ثقافة
وجدي الكومي


الدنجوان"..عاش طولاً وعرضاً وضيّع العالمية ومات طليقاً"


<article4028|cycle|docs=4741,4742,4743,4744,4745>


يقولون في مصر.. عاش الرجل حياته بالطول والعرض... ربما ظلت هذه العبارة مبهمة المعنى سنوات، وإن انضوت على معنى أن أحدهم استمتع بحياته، أو كسب ثروة، أو أحب أجمل امرأة، ربما تصلح هذه العبارة أيضا لتصف حياة رشدي أباظة، الذي كلما شاهدنا فيلما له، نتذكر فورا ما ردده أهلنا عن سيرته، الفنان المزواج، الرجل الذي تزوج الفاتنات، الدنجوان، الذي أحبته تحية كاريوكا وسامية جمال وصباح، وتزوجهن، المحظوظ، الذي ظل وسيماً حتى في كبره، كل هذه السيرة أزاحت عن أذهاننا احتمال أن يكون للرجل سيرة أخرى، سيرة ألم، ومعاناة، وأن الطريق لم يكن ممهدا بالتأكيد، كما كنا نظن.

يظن قارئ كتاب الناقد أحمد السماحي الصادر في القاهرة بعنوان “رشدي أباظة الدنجوان” وعنوان فرعي" أسطورة الأبيض والأسود"، أنه لن يجد سوى السيرة المتداولة عن الفنان المولود العام 1925، سيرة الفنان الشهير، الذي “قطع السمكة وذيلها” فدخل في علاقات حب مع فنانات عصره الشهيرات، وطبع بصمته الفنية في طريق حافل بالأعمال الفنية المهمة، لكن مؤلف الكتاب لا يعتمد فقط على السيرة المتداولة متناً للكتاب، بل يعمد إلى استقصاء القصص الغائبة ململما حكايات الوجع التي عاشها رشدي أباظة، وكذلك لحظات تعاسته سواء في قصص حبه التي فطرت قلبه، أو لحظات مرضه الأخيرة، التي أطلق فيها العنان لنفسه ليتخلص من كل من كانوا قربه، سواء زوجته الأخيرة نبيلة أباظة أو إغضاب أمه الإيطالية تريزا لويجي بطردها من منزله عقب عودته من رحلته العلاجية في لندن.



حياة متقلبة مثيرة، يستعرضها الناقد أحمد السماحي في كتابه عبر ثمانية أبواب، منح لنفسه في الأول منها البراح ليحكي قصة حياته بأسلوب شيق، عرض فيه لنشأة رشدي أباظة بين أبوين منفصلين، الضابط سعيد أباظة، الذي أحب ابنة الجالية الإيطالية تريزا لويجي حينما كان يخدم في المنصورة مطلع العشرينات، وتزوجها رغماً عن عائلته الأباظية، فتسفر الزيجة عن ميلاد الطفل الجميل الذي جمع بين وسامة وقوة عائلة الأب، وشموخ الإيطاليين، يشير السماحي إلى أن رشدي أباظة عاش بائسا، ومات وحيدا، وهي العبارة التي يصدم بها قارئ الكتاب في مستهل صفحاته، وهي ربما تكون العبارة التي لن تصدم وعي من يعرفون سيرة حياة الفنان الشهير. ويروي السماحي منذ الصفحات الأولى كيف تسبب انفصال الزوجة الإيطالية عن زوجها في الشتات الذي سيعاني منه رشدي أباظة، حتى يحقق نفسه في عالم التمثيل، لا تفلح محاولات الأب في لم شمل زوجته، التي كان غضبها الرئيس من حماتها، جدة رشدي، أول من رفضت الزيجة، وكأن أم رشدي أباظة تتحين فرصة إنجابها الابن، لتعاقب العائلة التي لفظتها، ورفضت الاعتراف بها زوجة لنجلهم.

يتزوج والد رشدي أباظة، لتزداد الهوة بينهما، يلتحق الأخير بمدرسة داخلية، لكنه لا يتحمل الدراسة فيها، فيهجرها، محاولاً إقناع والدته بمساعدته على العمل الحر، يعمل رشدي أباظة سائق أجرة، بعد محاولات مضنية لإقناع والده، تشتري له الأم سيارات صناعة أميركية، ماركة “هدسون” و"ستدي بيكر"، ويحقق شهرة في المدينة بسرعته الجنونية، لكن مشروعه يفشل، فيتخلص من السيارات، ويفتتح محلا لبيع قطع غيارات السيارات الأصلية، ثم لا يلبث أن يخفق في إدارته، ليجد نفسه في علب الليل، والسهرات الساخنة، يدخلها بوسامته، واللغات التي يجيدها، يتعرف على حياة السهر، والتي تقوده في مرة من المرات إلى لقاء مع المخرج كمال بركات، الذي يدعوه للعمل في السينما، ويرشحه لدور في فيلمه “المليونيرة الصغيرة” أمام فاتن حمامة.



يقاطع رشدي أباظة والده الأميرالي سعيد أباظة، بعدما هاج الأخير أثر مطالعته صورة نجله في صفحة الفن، التي أعلنت عن مولد نجم جديد، تستمر هذه القطيعة عقوداً، يعود أباظة بعدها وقد أثبت نفسه، وحقق مجده الفني، لكن مؤلف الكتاب لا يقفز فوق الأحداث بهذه الطريقة، يتروى في فصول الباب الأول بينما يروي علاقات رشدي أباظة النسائية، وقصة زواجه من الفرنسية “آني برييه” ورفض أمه استكمال طريقه السينمائي، بعدما لم يعجبها دوره في الفيلم الأول، كما يتطرق مؤلف الكتاب إلى واقعة تحرش الملك فاروق به وغضبه منه لأنه اصطحب “آني” من الأوبرج، حيث كان يسهر الملك، وحيث كانت “آني” تؤدي فقرتها الغنائية.

يمزج مؤلف الكتاب مغامرات رشدي أباظة النسائية، بمشواره الفني، يمر على العروض الفنية التي تلقاها، وكان لها فضل تمهيد الطريق السينمائي له، ومنها العرض الذي تلقاه من المخرج الإيطالي، جوفريدو السندريني الذي قدم إلى القاهرة عام 1949 لتصوير مشاهد أحد أفلامه فيتعرف على رشدي، ويوقع معه عقدا لفيلم “أمينة” بأجر 500 جنيه، الذي مثل ثلاث أضعاف أجر رشدي في فيلمه الأول، لن تكون هذه التجربة الأخيرة لرشدي أباظة للعمل مع مخرجين أجانب، سيروي مؤلف الكتاب في الصفحات التالية، عروضا رفضها رشدي أباظة من الفنان الأميركي روبرت تايلور للعمل في هوليوود، كما سيروي تجربة عمله في فيلم “الوصايا العشر” مع أنطوني كوين. لكن ما يجعل الكتاب شيقا، أن الفصول الأولى له تحمل القصص التي نعرفها عن حياة رشدي العاطفية، وهي قصة حبه لكاميليا، مرورا بزواجه بتحية كاريوكا، ومعاناته من قلة العمل والعروض السينمائية بينما جدولها الفني مشغول دائما، وإصرارها على الطلاق بعد اكتشافها خيانته لها، ثم زواجه من الأميركية بوبي وإنجابه منها ابنته “قسمت” قبل تطليقه لها، لتبدأ علاقته بسامية جمال، بعد فيلمه “الرجل الثاني” الذي صنع شهرته.

اللافت في الكتاب الذي لم يدعه مؤلفه يمر مرور الكرام، فرص العالمية التي ضيعها رشدي أباظة، حيث لم تكن فرصة روبرت تايلور الوحيدة التي ركلها رشدي أباظة بقدميه، حيث تلقى من النجم الإنكليزي جاك هوكنز عرضا للعمل في فيلم تدور أحداثه حول ملحمة بناء الأهرامات، فشارك فيه على مضض “بديلاً” لبطل الفيلم لهوكنز، ثم تلقى عرضا آخر للعمل في فيلم المخرج العالمي سيسيل دي ميل، فحاول الاعتراض، لكن حسام الدين مصطفى أثناه عن الرفض، وحثه على القبول بقوله: “اسمع يا رشدي.. لو طلبوا مني أنقل اللمبات والكشافات على كتفي، لقبلت، لأن العمل مع سيسيل في أي موقع فرصة لا تعوض”.

يمثل رشدي أباظة دوراً في فيلم الوصايا العشر، مجسدا دور فارس عربي يتزعم جيشا صغيرا يصد به الأعداء، ويسافر إلى فرنسا لتكملة مشاهده هناك، حيث يلتقي بداليدا، وبعدها بأعوام حينما ينتهى من فيلمه “واإسلاماه” يلتقي بالمخرج العالمي ديفيد لين الذي حضر إلى القاهرة لاختيار ممثل مصري للعب دور مهم في فيلمه “لورانس العرب”، ويشاهد رشدي أباظة في فيلمه “في بيتنا رجل” فيطلب منه ديفيد لين أداء اختبار بملابس وماكياج الشخصية، لكن رشدي يرفض الاختبار، حسبما يشير السماحي في الكتاب، معللاً رفضه بأن احترامه لنفسه أكبر، فإذا كان يريده في الفيلم، فأنه ينتظر “أوردر” تصوير" وليس “أوردر” اختبار، فتطير الفرصة وينالها عمر الشريف.

يحكي مؤلف الكتاب بطرافة قصة اقتران رشدي أباظة بصباح، يوم 17 مايو 1967، يقول السماحي: هاجر عدد من النجوم المصريين إلى لبنان عقب تأميم شركات الإنتاج والسينما في مصر، وكان من بينهم رشدي أباظة الذي سافر للعمل مع صباح في فيلم بعنوان “إيدك عن مراتي” واصطحب معه زوجته سامية جمال آنذاك، وفي أول سهرة لهما في أحد الملاهي، دخلت صباح المكان فهتف الحضور لملكة بيروت، غضبت سامية جمال وهي ترى نظرات الإعجاب والعشق تحيط بزوجها، فعادت إلى القاهرة، وبدأت جلسات الإعداد للفيلم، وجمع منتجه نزيه العاكوم بين رشدي وصباح في العديد من المناقشات، التي استشعر خلالها الأول اهتمام الأخيرة برشدي، فانفرد العاكوم بالدنجوان قائلا: لماذا لا تتزوج صباح؟ فرد: لأنني ببساطة متزوج من سامية، فعاجله المنتج: صباح تبقى لبيروت، وسامية للقاهرة، شقراء للأرز، وسمراء للنيل.

يزود السماحي كتابه بمادة أرشيفية مصورة، وحوارات أجرتها الصحافة اللبنانية - مجلة الموعد- مع والدة رشدي تريزا لويجي تحكي فيه الأيام الأخيرة وغضبه منها، والوقيعة التي دبت بينهما، وجعلته يطردها من منزله ظناً منه أنها ترغب في سرقته، كما زود المؤلف كتابه بمادة أخرى لشقيقة رشدي أباظة زينب تتحدث فيه عنه في ذكرى رحيله الثامنة والعشرين، وشقيقته منيرة ويلحق أخيرا بكتابه مادة نقدية عن أعمال رشدي أباظة.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)