رحيل المفكر والمؤرخ التونسي هشام جعيط، الذي توفي اليوم الثلاثاء، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 86 عاماً

... ولد جعيط في تونس العاصمة لعائلة من المثقفين والقضاة ورجال العلم والدولة، ورغم انتمائه إلى عائلة محافظة دينياً، انتسب إلى المدرسة الصادقية ليتعلم اللغة الفرنسية باكراً، وفي مطلع شبابه، وبسبب ولعه بالثورة الفرنسية، شرع الراحل يبتعد شيئاً فشيئاً عن الوسط المحافظ الذي ينتمي إليه... وعندما سافر إلى فرنسا لمواصلة تعليمه العالي في دار المعلمين العليا، سنة 1962، لم يهتم جعيط بالسياسة، بل بالفكر، وحصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة السوربون.

ولم يخفِ جعيط أنه تأثر كثيراً العام 1968، بعد هزيمة حزيران، بكتاب ميشيل عفلق “في سبيل البعث”، ووجده “جريئاً وقومياً وحداثياً في آن واحد”. كما أعجب بكتاب المغربي عبدالله العروي “الأيديولوجيا العربية”، وأيضاً كتاب الشاعر الباكستاني محمد إقبال “تجديد الفكر الديني في الإسلام”.

شهرة جعيط لم تكن من عمله الأكاديمي بقدر ما مثلت في مؤلفاته ومواقفه المثيرة للجدل، فبعدما أصدر كتاباً ضخماً عن تاريخ الكوفة، اهتم المفكر الراحل بالسيرة النبوية مقدّماً من خلالها قراءة فلسفية وعلمية مدهشة للإسلام، نذكر من بينها مؤلفاته الأشهر “الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر”، “جدل الهوية والتاريخ”، “في السيرة النبوية جزء 1: الوحي والقرآن والنبوة”، “في السيرة النبوية جزء 2: تاريخية الدعوة المحمدية”، “في السيرة النبوية جزء 3: مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام”.

يقول جعيط إن اهتمامه بالإمبراطورية الإسلامية، انطلق أساساً من كونه مؤرّخاً يعتمد على الاطّلاع على المصادر، ويطرح التساؤلات عن حقيقة الأحداث والأفعال المنسوبة إلى الشخصيات الإسلامية الأولى. من ذلك، التساؤل عن علاقة الإمبراطورية الإسلامية، التي تكوّنت على يد أبي بكر وعمر بن الخطاب، من طريق الفتوحات الكبرى، بالنبي محمد، بمعنى هل كان هؤلاء متمّمين لمشروع أتى من الرسول بذاته؟ وقال بأنه لم يتسن له التعمّق في هذا السؤال في كتاباته، رغم أنه كان مطروحاً في المصادر وكتب السّير، وأرجع ذلك إلى أن الرسول كان مهتماً بأن يطرح الدين الجديد في بلاد العرب، أي خارج “مركز الإسلام المحمّدي”(الحجاز)، وقد كوّن لذلك جيشاً مستقرّاً له قيمة وقدرة منذ زمن تبوك، وكوّن روحاً نضالية ودينية قوية، وكوّن “مفهوم الجهاد الحقيقي في سبيل الله”. ولم يعتبر جعيّط أن الرسول كان له مشروع للقيام بفتوحات خارج بلاد العرب، لذلك ففكرة تكوين الإمبراطورية الإسلامية الكبرى بدأت تختمر أساساً في ذهن أبي بكر ومن بعده عمر، بدافع ما حصل من حروب الردّة. واعتبر أن فكرة الفتوحات لم تكن في سبيل السيطرة والهيمنة، وإنّما كانت بهدف ترسيخ الإسلام في روح العرب وتوحيدهم وجعلهم على استعداد دائم لاكتساح العالم، لا لفرض دينهم على الغير، وإنما للمحافظة عليه. واستحضر في هذا السياق قول لايبنتز بأن فضل محمّد وأتباعه هو أنّهم نقلوا الديانة التوحيدية لشعوب متعدّدة لم تكن تعرف معنى الإله وكانت في ظلام مبين...


مقالات ذات صلة :
 رحيل هشام جعيط المفكر الذي أعاد النظر في المسلمات التاريخية
 رحيل المفكر التونسي هشام جعيط المؤرخ الجريء للإسلام
 تونس تودع مفكرا ومؤرخا ’مرجعيا’ برحيل هشام جعيط
 رحيل المفكر التونسي هشام جعيط… الحقيقة التاريخية ضد الحقيقة المطلقة
 هشام جعيّط... رحيل مؤرخ المراجعات الكبرى
 هشام جعيط... المؤرخ التونسي الإسلامي التنويري
 في رحيل هشام جعيّط.. تملك النقد المعرفيّ


عن الصورة


رابط : عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

أخبار أخرى

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)