رحيل التونسية مفيدة التلاتلي رائدة السينما النسائية. إبنة سيدي بوسعيد صورت الواقع بموضوعية وفاز فيلمها “صمت القصور” بأرقى الجوائز العالمية
“ماتت مفيدة التلاتلي عن 73 عاماً”. خبر حزين تناقلته المواقع الإلكترونية التونسية ظهر الأحد للإعلان عن الرحيل المفاجئ لواحدة من أهم السينمائيات في تونس والعالم العربي. “نرحل واحداً تلو الآخر بصمت، لم يعُد لي كلام”، كتب المخرج التونسي رضا الباهي على صفحته، معزّياً بزميلته.
ولدت التلاتلي وعاشت في سيدي بوسعيد، الضاحية السياحية الجميلة الواقعة في شمال شرقي العاصمة التونسية. تربّت في عائلة تقليدية محافظة، ولها أصول جزائرية لناحية أمها. بدأت تهوى السينما وتبدي اهتماماً شديداً بها مذ كانت على مقاعد الدراسة. أستاذ الفلسفة الذي علّمها كان له فضل كبير في جعلها تكتشف الأفلام. عالم الصورة أبهرها، فلم تستطِع سوى أن تمتهنها. عندما بلغت عمراً معيناً يخوّلها السفر، غادرت إلى باريس فدرست فيها السينما. التحقت بصفوف الـ “إيديك” ("فيميس" حالياً)، مدرسة السينما الشهيرة التي خرّجت كبار السينمائيين في فرنسا من أمثال ألان رينه وكلود سوتيه.
تخرّجت عام 1968، وكانت العاصمة الفرنسية حينها تعيش ثورة مايو (أيار). عملت لفترة في التلفزيون الفرنسي كمحررة نصوص ومديرة إنتاج، الأمر الذي جعلها تتعلّم أسرار صناعة الصورة. وعندما عادت إلى تونس عام 1972، بدأت تعمل في المونتاج، فحققت شهرة واسعة في هذا المجال.
اللافت في تجربة التلاتلي أنها لم تنطلق في مسيرتها الفنية من الإخراج السينمائي، إنما كرّست وقتاً طويلاً من حياتها للمونتاج قبل أن تقف خلف الكاميرا. عملت في التوليف مع مخرجين معروفين أمثال مرزاق علواش على “عمر قتلته الرجولة”، وناصر خمير على “الهائمون”، وميشال خليفي على “نشيد الحجر” و"الذاكرة الخصبة"، ومع الطيب الوحيشي على “ظلّ الأرض” وفريد بوغدير على “الحلفاوين - عصفور السطح” الذي يُعدّ أحد أشهر أفلام السينما التونسية، وغيرهم من المخرجين التوانسة والعرب.
بيد أنها انتبهت، في لحظة من بداية التسعينيات، إلى أهمية الانخراط في الإخراج في بلد مثل تونس، حيث لم يكن يوجد الكثير من المخرجات السينمائيات، لذلك قررت أن تخوض غمار هذه التجربة، لتصبح لاحقاً واحدة من الرائدات في هذا المجال على غرار سلمى بكّار وكلثوم برناز...