“رباعيات” عمر الخيام : في انتظار عمل كبير عن حياته الغريبة Omar Khayyam 1048 - 1122

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ٢١ مارس/ آذار ٢٠١٤
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


على رغم غرابة حياة عمر الخيام وتميّزه في زمانه كعالم وشاعر ومفكّر عرف بقوة كيف يشاكس على ذلك الزمن كما على مجتمعه، يلفت النظر ان عدد الأعمال الأدبية، ولا سيما الفنية، التي تناولته وتناولت حياته، يبدو ضئيلاً للغاية بحيث إن الأمر احتاج الى انتظار رواية الكاتب اللبناني باللغة الفرنسية أمين معلوف، «سمرقند» قبل ان يكون الخيام شخصية أساسية في عمل ادبي كبير يكتبه قلم شرقي. ومع هذا، فإن الخيام كما نعرف لا يتربع وحده على عرش «بطولة» تلك الرواية الرائعة والتي اتت اواسط سنوات الثمانين من القرن العشرين لتجدّد في فن كتابة الرواية التاريخية، بل هو في «سمرقند» واحد من ثلاث شخصيات تاريخية - الى جانب الحسن الصباح ونظام الملك - عرف معلوف كيف يجمعها «عشوائياً» لخدمة عمله الأدبي/التاريخي من دون ان ينصبّ الاهتمام على سيرة اي منها بالمعنى الحصري للكلمة. وبالتالي يمكن القول ان القراء، والعرب منهم في شكل خاص يحق لهم ان يقولوا انهم دائماً في انتظار نص كبير يكتب عن الخيام الذي لا بد من القول انهم يعرفونه من طريق الغناء أكثر مما يعرفونه من اي طريق آخر.

فبالنسبة الى الغالبية العظمى من محبي الفنون العرب، يرتبط اسم عمر الخيام أول ما يرتبط باسم سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم، إذ كانت هي التي خلّدت بعض شعره مترجماً الى العربية في واحدة من أجمل أغانيها: تلك الرباعيات الساحرة التي اختارها وترجمها عن الفارسية الشاعر أحمد رامي الذي على رغم انه كتب في حياته أشعاراً كثيرة بالعامية المصرية والفصحى غنت أم كلثوم بعض أجملها يبقى اشتغاله على «الرباعيات» التي نقلها شعراً الى العربية، من أجمل إنجازات حياته، التي قد يكون من المفيد ان نفتح هلالين هنا لنذكر ان كاتباً لبنانياً مميّزاً آخر في اللغة الفرنسية تناولها مركّزاً على حكاية وله رامي بأم كلثوم في رواية عنوانها «أم»، غير ان هذه حكاية أخرى طبعاً.

فحكايتنا هنا هي حكاية عمر الخيام و «الرباعيات» ومن ثم لا بد من ان نشير هنا مباشرة الى ان عمر الخيام كان أكثر بكثير من مجرد شاعر أنشدت كوكب الشرق رباعياته. كان شاعراً، بالطبع، لكنه كان عالماً وطبيباً وفلكياً وفيلسوفاً، من نوع نادر، من نوع قد لا تكشف عنه رباعياته، حتى لو قرئت كلها بإمعان، ولكن تكشف عنه حياته. ومع هذا تظل «الرباعيات» عمله الشعري الأساس، ذلك العمل الذي عرّف الناس به، شرقاً وغرباً، وأطلق موجة عارمة من حب الحياة والتغني بالوجود والدعوة الى النهل من الملذات طالما ان ذلك ممكن، ولا يتعارض مع حب الإنسان لخالقه. وهو ما يقوله الشاعر نفسه في واحد من أجمل الأبيات التي اختارتها أم كلثوم من الرباعية، حيث بعد كل شيء يذكر عمر الخيام أنه مهما فعل واقترف في حياته، فإن عزاءه أنه أبداً لم يشرك مع وحدة الله أحداً. وجاء ذلك في سياق طلب عمر المغفرة من خالقه على هنّات يمكن ان يكون اقترفها، حيث قال ما معناه... «ويشفع لي انني قد عشت لا أشرك في وحدتك».

كتب غيث الدين أبو الفتح عمر بن ابراهيم الخيام - وهذا هو الإسم الكامل للشاعر -، «الرباعيات»، بلغته الأم الفارسية، خلال فترات متقطعة من حياته. ولا سيما خلال مرحلة تنقل فيها بين بخارى وسمرقند وبلخ، حيث كان يمارس التعليم ويخوض التجارب العلمية، ثم يخلد الى نفسه آخر الليل مدوّناً، - في ذلك النوع من الشعر الذي لم يكن معروفاً بالنسبة الى اوزان الشعر العربي السائدة في ذلك الحين -، تجاربه وحبه للحياة ونهمه الى ان يعيشها طالما انها حياة قصيرة. ومن المعروف ان عمر الخيام كان تلميذاً للفيلسوف ابن سينا وقد تأثر به كثيراً، ولا سيما بأشعار مماثلة كان ابن سينا قد كتبها وهو يتأمل الوجود والحياة. غير ان المؤكد هو تفوق التلميذ على استاذه، في الشعر على الأقل. أما في الفلسفة والعلم، فإنه اتبع منهجه الاشراقي. في شعره، يدعو الخيام الى السهر والشراب والفرح، في نظرة لا شك في انها صنعت جزءاً كبيراً من النزعة «الهيدونية» (نظرة طلب الملذة) التي سادت في الغرب بعد ان ترجم بعض الرباعيات للمرة الأولى، الى الالمانية في فيينا عام 1818 من جانب جوزف فون هامربورغشتال. غير ان الترجمة الأهم والأكثر انتشاراً كانت تلك التي قام بها، الى الانكليزية ادوار فيتزجيرالد، الذي نقل 75 رباعية من أصل رباعيات الخيام التي يصل عددها، وفق بعض الروايات الى أكثر من 500 رباعية. ومنذ ذلك الحين تكونت عالمية عمر الخيام في الغرب، الى درجة ان كثراً راحوا يسمّون ابناءهم «عمر» تيمناً باسمه، علماً أن ترجمة احمد رامي الى بعض «أهدأ» تلك الرباعيات هي التي عرّفت العرب إلى هذا الشاعر/ الفيلسوف الذي كانت نخبة منهم قد عرفته خصوصاً كعالم فلك وباحث في العلم اشتهرت دراسة له في الجبر وضعها في العربية.

مع مرور الزمن، تحول عمر الخيام الى اسطورة. وقد حدث له، كما يحدث لكل اسطورة، ان أضيف وحذف من رباعياته الأصلية وإليها الكثير، بحيث ان من الصعب الآن تحديد أية رباعيات نظمها بنفسه وأيها أضيف من طريق تلامذة له، أو من عمل رواة عاشوا بعد زمنه بزمن. والحال أن اقدم مجموعة تضم الرباعيات، لا تورد سوى 206 رباعيات، بينما هناك طبعة تعود الى العام 1461 تحتوي على 158 رباعية... وفي المقابل، ثمة طبعات تضم ما يصل الى 500 رباعية. ولعل السبب الأساس في هذا يكمن في ان أشعار عمر الخيام قد منعت طويلاً من التداول، فكان أن راحت تُنسخ وتُوزّع سراً، ما أضفى هالة من الغموض عليها ومكن الناسخين من ان يضيفوا اليها ما شاء لهم الهوى. ولكن مهما كان من شأن الاضافات، من المؤكد ان روحها تبقى هي نفسها. ومن المؤكد أن مطربتنا العربية الكبيرة، وشاعرها أحمد رامي، حين جرؤا على تحويل بعض الرباعيات الى واحدة من اجمل الاغنيات العربية راعيا الكثير من الظروف ولم يقدما سوى ما هو مقبول، بل يعبّر حتى عن توبة الرجل، وهو الجزء الأسهل في رباعياته، بالطبع.

ولد عمر الخيام العام 1048 على الأرجح في نيسابور التي سيموت فيها في العام 1122. واسمه الخيام يعود كما يبدو الى مهنة ابيه الذي كان يصنع الخيام ويتاجر بها. أما هو، فإنه تلقى منذ نعومة أظفاره علوماً ودروساً في الفلسفة في نيسابور نفسها ثم في بلخ، في الفارسية والعربية، وبدأ يبرز كواحد من ابرز تلامذة ابن سينا، وصار معروفاً وهو في العشرين من عمره بتجديداته العلمية، ما جعل السلطان السلجوقي ملك شاه يعهد اليه بإنشاء مرصد غايته ضبط الوقت والروزنامه في شكل نهائي ففعل. ثم بنى مرصداً ثانياً ضخماً في مدينة اصفهان بالاشتراك مع عدد من العلماء الآخرين. وفي العام 1092 وكان بلغ الخمسين من عمره وشعر بأن الوقت حان لسلوك درب التوبة، قام عمر الخيام بالحج الى مكة المكرمة، ومنها عاد الى مسقط رأسه نيسابور حيث انصرف الى تدريس العلوم والفلسفة. وقد عرف عنه خلال تلك الفترة المتأخرة من حياته ميله الى التنجيم، فكان يروى عنه توقعه أحداثاً كانت سرعان ما تقع بالفعل. خلال تلك السنوات كتب عمر الخيام الكثير من الدراسات في الطب والفلك والفلسفة (ولا سيما نصوص يشرح فيها فلسفة ابن سينا)، غير ان قليلاً من تلك الكتابات بقي طويلاً من بعده، ومن اهم ما بقي - الى رباعياته - نص يفسر فيه كتابات أقليدس. والحال ان كتابات عمر الخيام كلها، سواء أكانت شعرية أم علمية، مطبوعة بهاجسين: هاجس الشك والبحث المضني عن يقين، وهاجس التوبة وطلب المغفرة. وهذان الهاجسان صنعا، في الحقيقة، شهرته كلها.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


لقراءة حقوق نشر الصورة المرفقة بالمقال

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)