داخل الكادر.. رؤى سينمائية للناقد السينمائي هشام النحاس الهيئة العامة لقصور الثقافة - 2019

, بقلم محمد بكري


إيلاف


السبت 06 أبريل 2019
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
محمد الحمامصي


هشام النحاس : بدون الحرية يظل فن الفيلم مجرد صورة باردة مسلوبة الروح



يضم هذا الكتاب “داخل الكادر.. رؤى سينمائية” مجموعة من المقالات التي سبق للناقد السينمائي هشام النحاس نشرها بين عامي (2007 و2014) في جريدة القاهرة، في العامود الأسبوعي الذي يحمل عنوان “داخل الكادر”، حيث قدم فيها رؤى سينمائية لإشكاليات السينما المصرية كمؤسسة مجتمعية، ورؤى أخرى فنية خاصة بالسينما كفن، ومجموعة مقالات أخرى تتعلق ببعض الشخصيات الفاعلة المؤثرة في السينما المصرية مثل نجيب محفوظ وصلاح أبوسيف وعاطف الطيب ونور الشريف وحسن التلمساني وغيرهم، وقد حرص في كل مقال منها أن تحمل فكرة أو قضية تتجاوز تاريخ نشرها ومازالت حية حتى الآن.

رأى النحاس في كتابه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة أن تخلي الدولة عن القطاع العام السينمائي لا يعني أن تتخلى الدولة عن دورها في السينما، لأن معنى ذلك هو الفوضى، حيث تتضارب المصالح وينتهي الفن، أو أي نشاط اقتصادي مماثل إلى الانهيار، ومن ثم كان لابد من تدخل الدولة للحيلولة دون الوقوع في هذه الفوضى، والحفاظ على التوازن بين المصالح المتضاربة لحماية أصحابها دون السيطرة عليهم، وبما يضمن تدفق فن الفيلم بحرية، ويسمح له بالتطور والمزيد من النضج.

وقال إن دور الدولة بقطاعاتها الثلاث “التشريعية، التنفيذية، القضائية” مع القطاع الخاص السينمائي لا يقل أهمية عن دورها مع القطاع العام سابقا، بل يبدو أكثر تعقيدا وديناميكية. ومن ثم لا يمكن في هذه الحالة وضع روشتة تتضمن تفاصيل الوصفات التي تحدد العلاقات بين السينما والدولة، ولكن يمكن أن نحدد المباديء التي تمثل الإطار المنهجي لوضع استراتيجية العلاقة بين الدولة والسينما، وتكون بمثابة خارطة للطريق، وأرى من المباديء الأساسية : الحماية، والدعم، وتوفير البنية التحتية، وإشاعة الحرية.

وأوضح النحاس أن الحماية الصحيحة: هي التي تحقق العدالة بين مصلحة كل من الطرفين الفرد والمجتمع، المنتج والمستهلك معا، ليأخذ كل منهما حقه دون أن تطغى مصلحة أحدهما على مصلحة الآخر، فالعمل على التخلص من احتكار الدولة لوسائل الإنتاج، يجب ألا يؤدي بنا إلى الوقوع في براثن احتكار من نوع آخر، على يد القطاع الخاص، ولا يقل خطرا على المجتمع والمستهلك معا، وهنا يأتي دور الدولة في وضع القوانين واللوائح المنظمة للحيلولة دون ظهور هذا الاحتكار، حفاظا على التوازن بين مصالح كل الأطراف “رأس المال، والصناعة، والمستهلك”.

وأضاف “لعل انسحاب الدولة من مجال الإنتاج وتصنيع الفيلم يجعلها قادرة على التركيز على دورها الرقابي في مراعاة المواصفات القياسية العالمية لهذه السلعة، بتطبيق معايير التوحيد القياسي للفيلم على جميع مراحل الإنتاج والعرض”الاستديوهات، المعامل، دور العرض"، وذلك ضمانا لمستوى الجودة الفنية، وحماية حق المستهلك في الحصول على سلعة أو خدمة سينمائية جيدة. وفي مقدمة عمليات الحماية التي يجب أن تتولاها الدولة، ولا يستطيع أن يقوم بها

الأفراد أو الشركات، حماية المنتج المصري وحقوق المبدعين في الخارج، حيث كثيرا ما تتعرض الأفلام المصرية الى القرصنة.

ولفت إلى أنه في حالات كثيرة يكون العائد من العمل المنتج أو المستورد غير مجز لصاحبه، بينما هو مطلوب لما له من قيمة ثقافية أو اقتصادية عالية تعود بالنفع على المجتمع فيما بعد، وهو ما ينطبق على الأعمال الفنية الرفيعة والرائدة، والتجارب الجديدة التي يخشى المنتج أو المستورد استثمار أمواله فيها خوفا من المغامرة، أو تكون من الأعمال الثقافية البحتة، كالأفلام التربوية والتعليمية والعلمية وما شابهها، مما يحتاجه التطور المطلوب للمجتمع، وفي هذه الحالة لابد أن تدخل الدولة بدعم هذه النوعية من الأعمال، لضمان استمرار التطور المنشود، دون أن تتركها وحدها للتنافس الحر الذي قد يغلب عليه تفضيل المنتج أو المستورد لمصلحته الخاصة بغض النظر عن مصلحة المجتمع.

ونبه النحاس إلى أن الدعم يأخذ عدة أشكال منها المسابقات والجوائز المختلفة والمنح المالية أو العينية التي لا ترد، كما فعلت وزارة الثقافة منذ بضعة سنوات حيث وفرت الدعم لإنتاج عدد من الأفلام، غير أن المحاولة شابها بعض العقبات مما أوقف الدعم في السنوات التالية؛ ومن ثم تجدر دراسة هذه المحاولة لضمان تدفق الدعم سنويا. ومن المسلم به أن البنية التحتية لا يقدر على توفيرها الأفراد أو المؤسسات لقلة عائدها الاقتصادي، ولما تتميز به فائدتها من عمومية لا تخص فردا بعينه أو مؤسسة بعينها، وبالتالي لابد من تدخل الدولة كليا أو جزئيا لتوفيرها، وفي مقدمة هذه الخدمات بالنسبة إلى مجال السينما المصرية: السينماتيك، والفيديوتيك، ومتحف السينما، والتعليم، وإصدار القوانين.

وأكد النحاس أنه بدون الحرية يظل فن الفيلم مجرد صورة باردة مسلوبة الروح، فاقدة القيمة مهما حاولنا حقنها بكل الإصلاحات السابقة وربما كان أول ما يتبادر بالذهن لتحقيق هذه الحرية السينمائية هو تقليص دور الرقابة الرسمية، إلا أنه سيظل إصلاحا محدودا جدا، إذا لم تواكبه جهود جادة وشاملة من قبل الدولة لتغيير التوجه الثقافي العام الغالب في السنوات الأخيرة، ففي مثل هذا المناخ الثقافي أصبحت السينما والفن عموما مما يوصم بتهمة الحرام.

وأشار إلى أن هذه الرؤية الاستراتيجية للعلاقة بين الدولة والسينما، التي تقوم على المحاور الأربعة: الحماية، الدعم، تأسيس البنية التحتية، الحرية، تساعدنا على اكتشاف جوانب القصور القائمة في هذه العلاقة، كما تساعدنا على إضافة ما نراه فاعلا لتطوير هذه العلاقة لصالح المجتمع والفرد والسينما.

ورأى النحاس أن قانون ضمانات وحوافز الاستثمار “رقم 8 لسنة 1997” أدى إلى تشجيع وجود شركات سينمائية كبيرة، وهذا أمر إيجابي، ولكنه خلق إمكانية لوجود شكلين من أشكال الممارسات الاحتكارية التي يجب التخلص منها أولهما: أن القانون قصر الحوافز التي منحها على الشركات ذات رأس المال البالغ 200 مليون جنية، وحرم منها الشركات الصغيرة والمتوسطة والإنتاج المستقل، وثانيهما: هو تكتل هذه الشركات الكبرى في منظمات مؤسسية أكبر، لإحكام السيطرة على سوق الفيلم “الإنتاج، التوزيع، العرض” مما يؤدي إلى خضوع الشركات الصغيرة لشروطها في العرض، والتوزيع، أو القضاء عليها ونهائيا.

وشدد على أن ترك سوق الاستيراد حرا تماما دون تدخل تنظيمي من الدولة يؤدي إلى إغراق السوق بالفيلم الأجنبي، وغالبا ما يسيطر على السوق جنسية واحدة من الفيلم الأمريكي مثلا، وهو ما يؤدي إلى ضرب الفيلم الوطني المصري من ناحية وإلى ضيق أفق المشاهدة من ناحية أخرى، ومن ثم كان على الدولة منع هذه الممارسات الاحتكارية بوضع آلية بين تحرير الاستيراد، وضمان حماية الإنتاج المحلي للفيلم كما فعلت الحكومة الفرنسية.

وقال إنه لحماية حقوق المنتج السينمائي المصري يستلزم من الدولة عدة إجراءات مثل: الاشتراك في الاتفاقيات الدولية لحماية الفيلم المصري، وتوقيع الاتفاقيات اللازمة مع الدولة الأجنبية، والاتفاق مع مكاتب المحاماه أو مؤسسات خاصة، لحماية الفيلم المصري من القرصنة في البلاد العربية والأجنبية. وفيما يخص محور الدعم تجاه الأفلام التسجيلية والقصيرة، يجب أن تقوم الدولة بتوفير منح لا ترد لأصحاب المشروع، تساعدهم على إنتاج الفيلم بعد التأكد من جدية المشروع ومستواه الفني، وتوفير الضمانات اللازمة لإنجازه، مع منح الفنان الحرية الكاملة في التعبير عن رأيه وطريقة معالجته للفيلم، كما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة. ويمكن دعم الأفلام الروائية الطويلة الجيدة بداية من مرحلة الإعداد والسيناريو، بإعلان المسابقات بشكل دوري، ويمكن أن يأخذ الدعم للأفلام التي تم إنتاجها تقديرا لكفاءتها العالية أشكالا عدة منها: الجوائز، وشراء نسخ للعروض الثقافية بالداخل والخارج، أو الإعلان عنها في التليفزيون، وقد أخذت الدولة مؤخرا ببعض مظاهر هذا الدعم، وإن كانت التجربة تواجه بعض العسرات التنظيمية التي يجب مراجعتها من حين لآخر.

وأشار النحاس إلى أنه من الواجب على الدولة عمل الدراسات والاتصالات اللازمة، عن طريق سفارتنا بالخارج، لدراسة إمكانية فتح أسواق جديدة للفيلم المصري في البلاد المختلفة، وتوفير هذه الدراسات للعاملين بالتصدير، وعلى الدولة أن تواصل توفير الحوافز اللازمة لبناء دور العرض المحلية في الأقاليم، بالإضافة إلى تشجيع الشركات على بناء دور عرض جديدة في دول السوق التقليدية والدول الأخرى لتوسيع نطاق عرض الفيلم المصري.

ورأى أنه في مقدمة ما يجدر أن تقوم به الدولة لنشر الثقافة السينمائية: العمل على إضافة التذوق السينمائي ضمن النشاط المدرسي والجامعي بما يتفق والمراحل الدراسية المختلفة، ورصد الجوائز السنوية للنقد السينمائي، والعمل على إصدار مجلة للنقد والدراسات السينمائية، تديرها مؤسسة مستقلة وتدعمها الدولة ماليا. وفيما يخص البنية التحتية يجب العمل على الإسراع بإصدار القانون الخاص بإنشاء أرشيف الفيلم “السينماتيك” الذي سبق تقديم مشروعه إلى مجلس الشعب منذ بضع سنوات، وذلك لجمع وحفظ كل الأفلام المحلية وأهم الأفلام العالمية، والصور الفوتوغرافية والسيناريوهات.. إلخ، وذلك لحفظ التراث السينمائي الذي يمثل جانبا كبيرا من تاريخنا الثقافي، والاستثمار الثقافي لهذه المقتنيات.

ومن جانب آخر العمل على إنشاء، نوادي عامة للأسطوانات المدمجة على غرار المكتبات العامة، تتضمن الأفلام المصرية والأجنبية الجيدة، وذلك لنشر الثقافة السينمائية الرفيعة، وحماية الشباب من العروض التجارية الرديئة، كما يجب تشجيع الأبحاث الأكاديمية لنيل الدرجات العلمية التي تربط بين السينما والعلوم الإنسانية.

وطالب النحاس بإعادة النظر في كافة القوانين السينمائية، لإسقاط ما أصبح غير مناسب منها للمرحلة التي نعيشها، ووضع بناء قانوني جديد متكامل يضمن تدفق الحيوية لفن الفيلم وتقدمه. وقال “إن وضع استراتيجية للسينما لا تكون متكاملة دون تحديد علاقة واضحة للسينما بالدولة وفقا للتحولات الاقتصادية / السياسية العامة للدولة. فعلاقة الدولة بالسينما في النظام الحر لا تعني أن ترفع الدولة يدها تماما عن التدخل في مقدراتها، لأن معنى ذلك الفوضى، حيث تتضارب المصالح، ويصاب النشاط السينمائي أوأي نشاط اقتصادي أخر بالعقم، ومن ثم كان لابد من وضع استراتيجية للنظام الأمثل، الذي يحول دون وقوع هذه الفوضى، بالحفاظ على التوازن بين المصالح المتضاربة ؛ لحماية أصحابها دون السيطرة عليها، وبما يضمن تدفق فن الفيلم بحرية، ويسمح له بالتطور والمزيد من النضج. غير أن تحديد الرؤية الواضحة لمثل هذه الاستراتيجية المطلوبه لتحديد العلاقة الأمثل بين السينما والدولة تقع مسؤليتها على عاتق السينمائيين أنفسهم.

حول إشكالية المشهد الجنسي في أفلامنا العربية، رأى النحاس المشهد الجنسي في أفلامنا المصرية والعربية يمثل مشهدا إشكاليا، يثير وجوده جدلا واسعا بين فريقين، أحدهما يرى أنه خروج عن تقاليدنا الشرقية وثقافتنا، والآخر يرى أن من حق الفنان أن يعبر عن نفسه بالطريقة التي يختارها، لكن الفنان ليس مطلق الحرية، وإنما تحكمه قواعد اللعبة التي يمارسها، ومن ثم فإن المشهد الجنسي المجاني الذي لا يلتحم بالسياق الدرامي للفيلم، بل يكون أحيانا خارج قواعد اللعبة، يستحق أن يتصف بالرداءة والقبح ولا مبرر له، ويجب نبذه فنيا كما ننبذ سوء السلوك أخلاقيا، والعكس صحيح عندما يكون لوجوده ضرورة درامية.

وتناول النحاس عدد من أفلام محفوظ سواء المأخوذة عن أعماله أو تلك التي كتب لها السيناريو والحوار، والتي بلغ مجموعها 64 فيلما، فتوقف عند بداية ونهاية، بين القصرين، اللص والكلاب، ثرثرة فوق النيل، قلب الليل، الشيطان يعظ، الفتوة، ميرامار، الطريق المسدود، أنا حرة. وأكد أن نجيب محفوظ مثل طلعت حرب، كان نشاط كل منهما الأساسي خارج حقل السينما، نجيب في الأدب وطلعت في الاقتصاد، ولكن الأثر بالغ الأهمية الذي تركه كل منهما في فن الفيلم المصري العربي، سجل اسمهما بحروف من نور في تاريخ السينما المصرية.

كما توقف النحاس مع سينما عاطف الطيب التي يطلق عليها”سينما التحريض" مشيرا إلى أفلامه “البرئ” الذي عالج قضية المعتقلين السياسيين وما يمارس ضدهم من تعذيب، وفيلم “ضد الحكومة” الذي يفضح الإهمال الحكومي، وفيلم “كشف المستور” الذي يكشف الأساليب القذرة التي تستخدمها أجهزة المخابرات للحصول على معلومات سرية من مسئولين وساسة أجانب، وكذا أفلام التخشيبة، الزمار، ملف في الآداب، الهروب، ضربة معلم، وغيرها من الأعمال التي كانت تفضح النظام السياسي في عهد حسني مبارك.

عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)