خاتون بغداد، شاكر نوري (العراق)، رواية دار سطور في بغداد - 2016

, بقلم محمد بكري


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الثلاثاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
ثقافة
احمد عواد الخزاعي


“خاتون بغداد”.. جدلية السرد والتاريخ


هناك جدلية قائمة بين السرد والتاريخ، وطبيعة العلاقة التي تربط بينهما، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إن السرد وبالأخص الروائي منه، يطل بشكل أو بآخر على التاريخ، ويستحضره، بنسب متفاوتة، بحسب طبيعة الثيمة الرئيسية التي يتأسس عليها النص الروائي.. لذا فان الرواية التاريخية تشكل رافدا مهما لوعي المتلقي، فهي تعمل على تسليط الضوء على الحدث التاريخي من خلال السرد، كما يشير الى ذلك الناقد العراقي ثامر فاضل.

في رواية خاتون بغداد الصادرة سنة 2017 للروائي شاكر نوري، نجد إن النص الروائي قد تحول إلى نص تاريخي، من الصعب على كل مشتغل في النقد الادبي، ان يخضعه لمشرط النقد والتحليل، او يتناوله من زاوية فنية صرفة، كونه كان اقرب إلى الوثيقة التاريخية من السرد الروائي، حيث تشعبت احداث الرواية بين، وثائق تاريخية، ومذكرات شخصية، وتقارير صحفية كتبت عن بطلة الرواية مس بيل، امتزجت بآراء شخصية مثلت وجهة نظر الكاتب اتجاهها، وسير الأحداث التي دارت داخل فلك الرواية، حتى اقترب الجو العام لها، لما أطلق عليه الناقد سعيد علوش ( الوعي الخاطئ ) وهو لجوء الكاتب إلى آراءه الشخصية، وهويته الفرعية وثقافته الحتمية في التعبير عن التاريخ .. وهذا ما سنوضحه لاحقا .. تبدأ الرواية بمقدمة تاريخية، مدخلا يتناول فلسفة التاريخ وجدواه، عبر مقولة للكاتب الايرلندي اوسكار وايلد (الواجب الوحيد المترتب علينا حيال التاريخ هو اعادة كتابته).. يلج بعدها الكاتب في نصه التاريخي، المتداخل بين الماضي والحاضر، ببطاقة تعريفية للبطلة الرئيسية ، مس بيل (خاتون بغداد) التي سخر البناء الحكائي، والأنساق السردية، لخدمتها بشتى الطرق، أضفت هذه البطاقة التعريفية كاريزما (هالة) استثنائية عليها بطريقة تجاوزت المعقول والمنقول ( هل مس بيل نصف اله؟ احتار آهل بغداد بها وهم يحاولون استعادة هالتها البيضاء التي أصابتهم بعمى الألوان).. بعدها تدخل عدة حوارات مبهمة لأناس مجهولين، تأخذ طابعا مسرحيا، تستمر لثلاث صفحات متتالية، كان الهدف من هذه الحوارات هو للتأكيد على وجهة نظر الروائي اتجاه البطلة:

– أي جمال يمنحه الحذاء ذو الكعب العالي إلى ساقي الأنثى؟ جمال لانهاية له، هل هي إحدى الحور العين، التي ضلت طريقها الينا؟.

ثم ينفتح النص بإسهاب كبير على وصف مس بيل وحياتها في بغداد، مشاعرها علائقها الاجتماعية والسياسية، شرح دقيق لأحاسيسها، والتداعيات التي تعيشها، يستمر السرد بهذا السياق لعشرات الصفحات، مزيج متجانس بين السرد الروائي والتاريخي، غلب عليه اللغة الأنيقة الشفافة، المنسابة بحرفية وإتقان، واستخدام أسلوب السارد العليم، الذي يروي الأحداث من منظور تاريخي اجتماعي سيكولوجي، إضافة إلى وجود السارد الضمني، الذي تمثل بعدة أصوات تباينت الفترة التاريخية والظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت بهم، وهم البطل المحوري ( مس بيل).. وأبطال الظل ( يونس كاتب السيناريو، نعمان مخرج سينمائي، هاشم مشغل آلة العرض في سينما غرناطة، منصور حارس مقبرة مس بيل، أبو سقراط المثقف)، وضيفهم الفينزولي فرناندو خبير المكتبات، القادم الى بغداد لتقييم المكتبة الوطنية، بعد أن تم إحراقها ونهبها .. كان هؤلاء الستة نافذة استطاع الروائي من خلالها تمرير أفكاره ورؤاه، اتجاه ما حدث في العراق بعد 9-4-2003 عبر حوارات مشتركة فيما بينهم، استعرضت تاريخ بغداد، ومعالمها الحضارية، واستذكرت أهم محطاتها التاريخية، وقد اختار الروائي لهذه الحوارات، وعي مكتسب، ولغة متقدمة امتلكهما أبطاله الستة، لتكون حواراتهم بمستوى وعي الكاتب وثقافته.. كانت جميع النقاشات التي دارت بينهم هي مقاربات فكرية وتاريخية لرؤى ذاتية، لا يمكن تعميمها، وبالأخص في ما يتعلق بالمقارنة التي طرحت بين الاحتلال البريطاني، الذي أشير إليه على انه منح العراق فرصة لدخول العصر الحديث، وبين والاحتلال الأمريكي الذي أنتج الفوضى والخراب.. واعتقد إن هذه المقارنة غير موفقة، لأن للاحتلال وجه واحد عبر التاريخ، وجه بشع لا يمكن بأي حال من الأحوال تجميله، أو إضفاء صفة التحضر عليه.

شكلت خاتون بغداد وثيقة تاريخية في إطارها العام، لكن دون أن ينوه الكاتب إلى مصادره التي اعتمدها، كما فعل الكثير ممن كتبوا في الرواية التاريخية، حيث يتم وضع ملحق يشير إلى تلك المصادر، كما في رواية (مقامات إسماعيل الذبيح) للروائي العراقي عبد الخالق الركابي، التي احتوت على ملحق يذكر فيها المصادر التاريخية التي تعكز عليها نصه المارثوني .. فغياب الهوامش يثير أسئلة جدلية عدة، منها : هل ما ذكر عن حياة مس بيل هو مذكرات ووثائق استعان بها الكاتب لتعضيد نصه، أم إنها تمثل وجهة نظر شخصية له، في محاولته لإعادة كتابة التاريخ العراقي الحديث؟ ..وهل أراء مس بيل التي طرحت في النص، حقيقة تاريخية موثقة، أم إنها تصورات لفهم تلك الشخصية من قبل الروائي؟.

حيث أخذت هذه الآراء مساحة واسعة من النص، وشكلت مفارقة تاريخية وسياسية، ابتعدت في بعض محطاتها عن الموضوعية والمنطق، وأخذت بعدا استشرافيا استباقيا غير مبرر، وسأتناول إحدى هذه الآراء دون الإشارة إلى التفاصيل، وهو الموقف السلبي لمس بيل من إحدى الطوائف الدينية المهمة في العراق، وخلقها لتصورات كارثية مستقبلية إذا ما حكمت هذه الطائفة العراق في يوم من الأيام، وقد تكرر هذا الانطباع في محطات عدة من الرواية.

إن إحدى وظائف الفن الروائي هي البحث عن الحقيقة وليس الأنا، وهذا ما أطلق عليه الناقد لوكاش ( إشكالية البيوغرافية) أي جعل التجربة الشخصية تهيمن على النص التاريخي، فحالة الشغف الكبيرة التي وقع فيها جميع أبطال رواية ( خاتون بغداد) بالبطلة مس بيل، كانت لا تمثل مزاجا جماهيريا عاما أو جزء من العقل الجمعي العراقي، في أي مرحلة من مراحله، كما حاولت الرواية تصويره.

احتوت الرواية على نصوص جانبية سعت إلى تعضيدها، كونها تصب في نفس الثيمة الرئيسية لها، مثل سيناريو كتبه يونس يصور فيه جزء من حياة مس بيل في بغداد، شكل هذا السيناريو مقاربة ميتاسردية حداثوية، انتشلت الرواية من بعض الرتابة التي اكتنفتها، وذلك باستخدام تقنية القفز عبر عنصري الزمان والمكان، بإيقاع سريع ومرن، وقد رُفد النص بتقارير كتبت عن مس بيل بعد وفاتها، بسنوات قليلة في صحيفة التايمز البريطانية، لكن كل هذا الإثراء التاريخي واللغوي، وتنوع أساليب السرد وتقنياته الذي احتوتها خاتون بغداد، إلا أن هامش الخطأ كان موجودا وواضحا في بعض الأحداث التاريخية، مثل ذكر كلمة ( ملكة) إشارة إلى ملكة بريطانيا الايزابيث الثانية (لم يكن السير بيرسي كوكس ثعلبا ماكرا فحسب، بل هو الطفل المدلل لملكة بريطانيا) ..والحقيقة التاريخية تقول أن الملك جورج الخامس جد الايزابيث هو من عاصر الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914.. وكذلك ما جاء على لسان مس بيل وهي تتغزل ببغداد، بأن جنكيز خان قد احتلها ( جنكيز خان فض بكارتها بوحشية) .. والحقيقة التاريخية تشير إلى أن هولاكو حفيد جنكيز خان هو من احتل بغداد واسقط الخلافة العباسية فيها.. إضافة إلى أن مثل هكذا ثقافة غير واردة في البنية الاجتماعية والأخلاقية، التي جاءت منها مس بيل، لتلجا إلى مثل هكذا مقاربة تاريخية للتعبير عن محنة بغداد.

رواية خاتون بغداد، بالرغم من بعض الإشكاليات التي أثارتها، فإنها تمثل إطلالة تحمل بعدا جماليا، تمكن القارئ من التعرف على جزء مهم وحيوي من تاريخ العراق الحديث.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية

من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية

سياستنا في هذه الصحيفة“رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد



العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 12-01-2017، العدد : 10510، ص(14)
الصفحة : ثقافة
العرب - وارد بدر السالم


خاتون بغداد أول رواية تكتب عن مرأة أنكليزية كان لها دور كبير في تاريخ العراق، في محاولة لإنصافها دون قيود.


رواية تعيد الاعتبار لشخصية مس بيل من خلال المزج بين التاريخ والعاطفة والخيال والسيرة، تتجانس فيه عناصر السرد والمسرح والسينما والسيناريو والمراسلات بمهارة وخفة.

بجدية سردية طافحة بالمعلومات التاريخية والوثائقية والشخصية يحاول المبدع شاكر نوري أن يعيد إلى الأذهان، سرديا ووثائقيا، صورة مس بيل، مستشارة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في العراق، في رواية جديدة أسماها “خاتون بغداد”، وهي كنية هذه المرأة المثيرة للجدل بالرغم من مرور وقت طويل على وفاتها وجلاء الاستعمار البريطاني، مثلما حاول بطرق متعددة أن يعيد لها الاعتبار كشخصية نسوية فريدة أسهمت في صناعة التاريخ العراقي المعاصر في العشرينات من القرن الماضي، ولعبت أدوارا مختلفة في ترتيب الحياة السياسية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

يسمونها خاتون بغداد وصانعة الملوك والمرأة القوية، ووصفها اللورد هاردنغ بأنها امرأة خارقة الذكاء ولها دماغ رجل، وهي امرأة مسكونة بالعمل والتحري والاستكشافات والسفر والمطالعة وحب الآثار وتدوين يومياتها أينما حلّت وارتحلت. والمس بيل شخصية معروفة على المستوى الشعبي في زمنها ودخلت المجتمع العراقي من أبوابه الواسعة، وكسّرت إيقاع التحفظ المستشري فيه بشجاعة وكانت تكلم الرجال وتجالسهم وترسم سياسة العراق بذكاء خارق، كما شاركت في تنصيب الملك فيصل ووجّهته في الكثير من المواقف.

هذه الشخصية الفريدة والإشكالية حاول الروائي شاكر نوري أن يعيدها إلى واجهة القراءة بتدوير التاريخ، واستحضاره عبر مصدرية بحثية سِيَرية نعتقد بنجاحها إلى حد جيد وهي تلقي الضوء الكاشف على هذه المرأة التي كانت صانعة بشكل أو بآخر لتاريخ العراق المعاصر.

ويبدو أنّ الرواية حاولت أن تعيد الاعتبار في سياقاتها المتتالية ومونتاجها السينمائي للمس بيل كونها بؤرة حدث مركزي تدور حولها الشخصيات الأخرى لتضيء جوانب من سيرتها وشخصيتها الاستثنائية، ثم تتوارى لتبقى المس بيل هي المهيمنة على أنساق السرد المتتابع كشخصية روائية وحيدة تنبثق من وجهات نظر متعددة سرديا ووثائقيا.

ويبدو أن شاكر نوري عاينها في أكثر من موقف من عدسة سينمائية مركّزة في مونتاج سردي متلاحق بتعدد الأصوات المرافقة لصوتها السيري، لهذا بدت مس بيل كشخصية حقيقية مهيمنة كلية على السرد الروائي بعيدة عن أي خيال روائي يمكن للكاتب أن يطوّعه لملء فراغات متشابهة في سيرتها اليومية البغدادية، فبانت كل الشخصيات الأخرى في الرواية كشخصيات ثانوية وهامشية رافدة للمتن المس بيل وتقيم صِلاتها الوثائقية معها على أساس محوريتها السردية الطاغية على مجمل السرد.

هذه رواية سِيرية تمتلك الكثير من شروط الفن السردي في ملامحها الشخصية، وهي رواية الشخصية الواحدة التي لا يمكن أن تكون هناك شخصيات أخرى مؤثرة غيرها بنظامها السِّيري الفردي الذي مثلته المس بيل صانعة السرد البغدادي في فترة الاستعمار البريطاني.

وكونها الصوت المنفرد في هذه الملحمة، وجدنا الكثير من الأصوات الثانوية ما إن تظهر حتى تختفي لتتيح المجال إلى سيدة السرد في مونتاجات سينمائية صوتية ووثائقية تكشف معطيات اجتماعية وسياسية وعشائرية وملوكية وصراعات خفية ومعلنة، تستهدفها مرة وأخرى تستهدف غيرها في وضع سياسي كانت عليه أكثر من علامة استفهام وطنية.

رواية الشخصية الواحدة تستدعي ضمير الأنا على نحو واسع، لكن شاكر نوري وزع الضمائر بطريقة مونتاجية سينمائية، مستفيدا من توزيع الأدوار على الكادر السردي القليل، ومستندا على جملة من الوثائق الحقيقية التي كتبتها خاتون بغداد أو مَن عاصرها في تلك الفترة، لكن صوت الأنا الواحد بضمير المتكلم كان هو الأنسب في مفاصل سردية كثيرة كانت فيها مس بيل إنسانة عاشقة لكنها فشلت في الحب مرتين فغادرت إلى الحياة بطريقتها الاستكشافية مبتعدة عن كل أثر رومانسي أربك حياتها وهي في سن الشباب الأول.

خاتون بغداد أول رواية تُكتب عن هذه المرأة في محاولة لإنصافها من دون قيود سياسية واجتماعية، فالأثر الإبداعي يبقى في نهاية أمره خيالا مهمّا بالرغم من واقعيته الحقيقية المعروفة.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر



العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 27-12-2016، العدد : 10496، ص(14)
الصفحة : ثقافة
العرب - عمّان


رواية عراقية مثيرة عن مس بيل أو خاتون بغداد


رواية تعيد الاعتبار لشخصية مس بيل من خلال المزج بين التاريخ والعاطفة والخيال والسيرة، تتجانس فيه عناصر السرد والمسرح والسينما والسيناريو والمراسلات بمهارة وخفة.

يكشف الروائي العراقي شاكر نوري في روايته الأخيرة بعنوان “خاتون بغداد” عن رؤى وتصورات مجموعة من الشخصيات لامرأة إنكليزية إشكالية، أصبحت جزءا من تاريخ العراق المعاصر، هي مس جيرترود بيل (1868-1926)، عالمة الآثار، والرحالة، والمصورة الفوتوغرافية، إضافة إلى كونها كاتبة ومترجمة، ومستشارة قائد الاحتلال البريطاني للعراق برسي كوكس أثناء الحرب العالمية الأولى، التي أجمع المؤرخون على أن تأثيرها كان حاسما في تنصيب فيصل بن الحسين ملكا على العراق، وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، ورسم حدودها.

وكلمة “خاتون” ذات جذر مغولي، تعني باللغة التركية المرأة عالية المقام، أو النجيبة والأميرة.

عُرف عن هذه المرأة، التي تنحدر من أسرة ارستقراطية، وتُلقّب بـ”ملكة الصحراء”، أنها من ذلك النوع من الإداريين المستعمرين الألمعيين، فقد كانت تتقن عملها المخابراتي والسياسي إتقانا كبيرا، وتجيد العربية والفارسية والتركية ولغات أخرى، وقضت عقدا من الزمن تذرع الصحراء العربية، وتُعدّ الخرائط، وتتصل بزعماء القبائل العربية في المنطقة من أجل إقناعهم بالتحالف مع إنكلترا، قبل بداية الحرب العالمية الأولى، وبذلك أصبحت تعرف بلاد الرافدين معرفة وثيقة.

لذلك مُنحت، أرفع وسام في بلدها هو وسام الإمبراطورية البريطانية. وربما كان دورها أكثر أهمية من دور لورنس العرب، الذي حظي باهتمام أكبر من طرف المؤرخين لكونهم رجالا، ولم يأخذوا جيرترود بيل على محمل الجد لأنها امرأة، حسب رأي المؤرخة ليورا لوكيتز في كتابها “السعي في الشرق الأوسط: جيرترود بيل وتكوين العراق الحديث”. كما أن لهذه المرأة الأسطورة الفضل في إنشاء المتحف العراقي الحالي بحكم تخصصها في الآثار.

“خاتون بغداد”، الرواية الصادرة عن دار سطور في بغداد، كما يقول ناشرها، رواية ذات طعم خاص اعتمدت على الوثائق، لكنها ليست وثائقية، ولا تؤرخ بقدر ما ترصد الصراع المليء بالعواطف والأحاسيس.

رواية رائدة تعيد الاعتبار لهذه الشخصية الفذة، المدفونة في المقبرة البريطانية ببغداد، من خلال المزج بين التاريخ والعاطفة والخيال والسيرة، تتجانس فيه عناصر السرد والمسرح والسينما والسيناريو والمراسلات بمهارة وخفة قل نظيرهما.

تنبني الرواية على شخصيات مهووسة بالمس بيل: يونس كاتب سيناريو، ونعمان مخرج سينمائي، وهاشم مشغل آلة عرض في سينما غرناطة ببغداد، ومنصور حارس المقبرة البريطانية، وأبوسقراط فيلسوف بغداد، وفيرناندو المحقق الأممي في احتراق مكتبة بغداد، وشخصيات أخرى. وهي تحتشد في العالم الروائي المتخيّل في سياق أزمنة وعلاقات افتراضية تفيد من مرجعيات تاريخية وسيريّة.

غلاف الرواية، في الأصل، لوحة زيتية واقعية ذات دقة تاريخية للرسام العراقي رائد فهمي، تبرز ملامح “الخاتون” في نهار بغدادي مشمس، وتظهر خلف “الخاتون” قفف دجلة (مراكب نهرية) قرب جسر “الكطعة” الخشبي (الشهداء حاليا) وبعض البواخر والطائرات الحربية البريطانية.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)