خابية الحنين، جمال أبو غيدا (الأردن)، رواية المؤسسة العربية للدراسات والنشر و مكتبة كل شيء - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ٢٣ يونيو/ حزيران ٢٠١٧
جريدة الحياة
منال عبد الأحد


«خابية الحنين» الفلسطينيّة ... أوجاع شعب في الشتات


كأن «خابية الحنين» لا تزال قابعة تحت تلك الدالية في بيت أم عواد تقطر ماءً زلالاً، فالأمس قريب جداً من اليوم، إن لم نقل أنّه نسخة طبق الأصل لتناقضاته وتنوعه الأيديولوجي، صراعاته الفكرية وتبعيته كل إلى جهة أو عقيدة أو نظام. والخابية لا تزال ترشح حنيناً إلى وطن محتل يعبث به الصهاينة شرذمة واستملاكاً وظلماً وقهراً. إن هذه البقعة من شرق المتوسط محكومة بالقلق والخوف ومنكوبة بتركة ثقيلة من الأعباء والصراعات التي تتمخض عن حروب ومعارك تتّقد نيرانها في أكثر من مكان لتكوي أجيالنا بأوجاع مؤلمة وخيبات أمل، وهذا ما دأب الكاتب الأردني جمال أبو غيدا على تبيانه على امتداد صفحات روايته «خابية الحنين» الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» و «مكتبة كل شيء». أحداث أيلول (سبتمبر) من عام 1970 في عمان وأحداث جامعة اليرموك في إربد عام 1986، محطتان موجعتان تشكلان مسرحاً لمجريات الرواية، فالبنادق التي يفترض أن تكون موجهة نحو العدو غالباً ما تستدير نحو الإخوة.

الرواية، التي يغلب عليها الطابع السردي تروي عذابات - وخيبات - شعوب ولدت وعاشت في هذه البقعة من شرق المتوسط، بحيث جاءت الشخصيات متعددة ومتشعّبة، لكل منها دوره، ولو الصغير أحياناً، في إلقاء الضوء على ما كان يحدث في تلك الآونة. سلمان وزوجته سلافة وابنهما نايف هم جيران الخابية القابعة تحت دالية أم عواد الممتدة فوق فناء الدار. وفي إربد، جامعة اليرموك التي كانت تحتضن عدداً كبيراً من فلسطينيي 1948 بعدما تركوا قراهم وبيوتهم بوعد قطعه المستعمر البريطاني بأن الخروج سيكون موقتاً والعودة مضمونة بعد تسوية الأوضاع. ياسمين الصبية المسيحية الآتية من القدس ونايف طالبان في تلك الجامعة، وقد افتتن بجمالها منذ رآها، إذ ذكرته بالملكات الكنعانيات اللاتي حكمن الجزء الجنوبي من سوريا الطبيعية. وهنا يستخدم الكاتب وصفه لجمال ياسمين كأداة أستيتيكية يمرّر عبرها أيديولوجيا سياسية واضحة المعالم. أما فرج العسكري أو الحاج المشهور بـ»أبي عوني»، فهو صاحب مخرطة خرج من فلسطين منذ أكثر من 20 عاماً، شارك في معركة القسطل أيام الحرب مع اليهود، ويمثل بالنسبة الى «خابية الحنين» امتداداً يختصر بين ثناياه طبقة عاملة كادحة كانت مرادفة للتجمع الطلابي في الجامعة، وإن باختلاف بسيط. وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب، وفي وصف شخصياته المتعددة، يستخدم أسلوباً مبسطاً يكثر فيه من استعمال العامية مع ما قد تحويه أحياناً من عبارات مبتذلة.

كان نايف يدرك تمامَ الإدراك أن ياسمين تعرف بانتمائه إلى التيار الماركسي ويعي أن شيوعيته لا تخفى عليها، لكنّه لم يعلمها بذلك من منطلق حرصه على سرية انتسابه الى التنظيم ومخاوفه من أن تؤدي معرفة ياسمين العلنية إلى مواجهتها مشاكل مع سلطات الاحتلال على الجسور خلال زياراتها المتكررة لأهلها في القدس، نظرا الى ما يربطهما من علاقة عاطفية. كأن الكاتب من خلال الحديث عن أهمية معرفة ياسمين بانتماء نايف من عدمها، يلمّح في شكل مبطّن إلى السرية التي كان انعدامها يشوب العمل الحزبي في تلك المرحلة ويؤدي بالتالي إلى فشله وشرذمته، بحيث أسرّت رانيا، رفيقة في التنظيم، لياسمين بانتماء نايف إليه، وأطلعتها على أسماء أشخاص آخرين.

ومن الشخصيات البارزة شخصية، أيضاً، الشيخ صويلح (أبو عبيدة) الذي كان جاسوساً يتسقّط أخبار الجنود المعادين للوجود البريطاني مقابل مكافآت مادية أو عينية، لذلك وبعد أن استلم الجيش الأردني القيادة طرد أبو عبيدة من الجيش وتحوّل إلى داعية ديني منافق أطلق لحيته وتفنن في صبغ جبينه لكي تبدو عليه آثار «زبيدة السجود». تمكّن، بعد أن مرض إمام الجامع، من أن يأخذ دوره تدريجياً، فكان يجمع التبرعات تحت اسم عائلات مستورة ويضعها في جيبه، وهنا يتطرق الكاتب إلى التجارة في الدين واستخدامه كمطية لتحقيق المكاسب الشخصية مادية كانت أو سياسية.

إن تعدد شخصيات الرواية، وعدم تقاطع مصائرها يجعلانك تشعر بالشرذمة بعض الأحيان فتعجز عن تتبّع أثرها وتضلّ عن الدور الذي يؤديه كلّ منها، وما قد ستلقي عليه هذه الشخصيات الضوء من معطيات في المرحلتين الزمنيتين اللتين تدور بينهما الأحداث، فإن كانت الرواية عملاً يوثق أحداث أيلول الأسود وأحداث جامعة اليرموك في إربد، فإن الإكثار من الشخصيات والتفاصيل يجعل القارئ تائهاً بين مسرحين اثنين من المتوقع أنها تدور حولهما.

هذا وتطالعك أيضاً شخصية مثل فواز توفيق الكيالي وهو مرهف الإحساس، صادق في وطنيته كان ينتمي إلى صفوف الفدائيين وراح يلاحقه الجيش الأردني إبان الاشتباكات إلى أن اعتُقِل ونُقِل إلى الزنزانة حيث التقى بسجينين يمثلان التعددية الحزبية والانتماءات الكثيرة للشباب في تلك المرحلة. فبمجرد أن قال لهما «يعطيكوا العافية» بدلًا من «السلام عليكم» صرخا معاً: «عرفنا التهمة اللي جاي السجن بسببها إنت إيش بالزبط؟ شيوعي؟ شعبية؟ ديموقراطية؟ كادر؟ تكتل؟ فتح؟ والا فتح الانتفاضة؟».

جاءت المعارك الشرسة التي ذهب ضحيتها الكثير من أبناء الشعب الواحد وفشلت كلّ التنظيميات الموجودة على الساحة في ذلك الوقت في أن تكون درعاً متيناً لفلسطين، فباتت جرحاً ينزف في خاصرتها، انفرط العقد، طارت حبّاته في أكثر من اتّجاه، وكان الفراق وحده من يتحكم بالمصائر. فالأحكام العرفية التي طُبِّقت في الأردن في تلك الفترة وملاحقة السلطات لكل قيادي في الحراك الطلابي الذي أفرزته الثورة ومقتل ثلاثة طلبة في الجامعة عند اقتحام قوات الأمن لها، كلّها عوامل أدّت إلى اعتقال كثر من الطلاب، وبينهم نايف، وبات شهر أيلول بالنسبة إليه والى عمّان التي يحب شهراً موجعاً. فعمه فواز اختفى أيضاً في الشهر نفسه. وما وقع في صبرا وشاتيلا من مجازر في بيروت عام 1982 أتى على ذكرها الكاتب كأنّي به من خلال أحداث الرواية يرسم بانوراما سياسية تظهر معاناة الشعب الفلسطيني في الشتات في تلك المرحلة.

وفي الختام، ها هي طائرة «البوينغ 777» التي أقلّت نايف من لندن إلى نيويورك لمتابعة حياته العملية هناك، قد حملت غالبية شباب الثورة الفلسطينية وزرعتهم في كل بقاع الأرض بحثاً عن رزقهم وهرباً من القمع والتعسف.

مما لا شكّ فيه، أن هذه الرواية هي عمل تاريخي يلقي الضوء على حقبة لم تنل حقها من التاريخ المعاصر، وقد سعى الكاتب من خلال شخصياته المختلفة والتنوّع في الأحداث إلى رسم صورة بيانية لما كانت عليه الأمور في تلك المرحلة، في قالب سردي سقط أحياناً في فخ الإسراف، كما أسلفنا، من حيث التفاصيل وتعدد الشخصيات. فلرواية «خابية الحنين» عقدة يمكن القول إنها محكمة، إلى حدّ ما، تتفلت أحياناً إلا أنها تعود فتلتئم مجدداً.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)