حوار مع الروائي العراقي نزار عبد الستار حول رواية مسيو داك

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الأحد 19-04-2020
المدن - ثقافة
محمد حجيري - رئيس القسم الثقافي في “المدن”


نزار عبد الستار لـ"المدن":حياتنا في الروايات هي الأصح والأجمل


عند الشعوب الحية كل حكاية واقعية لها ذاكرة اسطورية


اختار الروائي العراقي نزار عبد الستار أن يكون لبنان مسرحاً(منطقة حمانا تحديداً) لروايته الجديدة “مسيو داك - دار هاشيت انطوان”، ربى عالمة النباتات الايطالية التي، يجب عليها العودة للعمل في مزارع ريمر لمعالجة أمراض العنب والتفاح إلا ان “الحب يأخذنا إلى أبعد مما يجدر بنا التوقف عنده”، بين إنقاذ كرز أوروبا وكرز حمانا تختار ربى القضاء على الحشرة في جنينة توفيق في حمانا، لنشهد على قصة حب متشعبة ودرامية وشيقة ومثيرة للاهتمام، في رواية تتحدث عن الطبيعة لا على المدن التي اعتدناها في السنوات الاخيرة. مع صاحب “مسيو داك” هذا الحوار".

  بداية من عنوان الرواية يطرح سؤالا عن المعايير التي تجعل الروائي يختار هذا العنوان او ذلك، هل يفكر في القارئ، هل يفكر بشيء جديد مختلف، هل العنوان يختصر فكرة الرواية، هل يشارك الناشر في الاختيار ؟

العنوان هو الاشعار الاول او لنقل انه الاستدراج الاغوائي الذي يأخذك للكتاب، والدارج أن العنوان يدل إلى المؤلف قبل أن يكون صفة لمحتوى الكتاب، فهو يعبر عن الهوية الاسلوبية واللغوية لمنتج النص وبالتالي هو جزء من المنظومة العقلية التي اوجدت الكتاب ككل. “مسيو داك” العنوان يبدو اشكالياً وهو يمتلك من الغموض ما يجعل القارىء يبحث في الرواية عن أصل العنوان. هناك الكثير من الروايات التي تشتت عناوينها القراء مثل “الحارس في حقل الشوفان” لسالنجر و"غاتسبي العظيم" لفيتزجيرالد. “مسيو داك” من هذا الصنف الذي يخلق الفضول. في الحقيقة لم تكن الرواية تحمل هذا العنوان، فقد أرسلتها للناشر وهي بعنوان “كرز حمّانا” وكنت وقتها احب الاشارة إلى بلدة حمّانا في محافظة جبل لبنان. في البداية لم تعترض ادارة تحرير دار هاشيت انطوان، وكنا قد انهينا البروفة الاولى، وحين وصلنا إلى مرحلة انجاز الغلاف واجهتنا عقبات عدة منها اسم حمّانا نفسه وكذلك كلمة الكرز، وكان رأي هيئة التصميم في الدار أن نبتعد في الغلاف عن الدلالة إلى العنوان، أي ألا نضع صورة للكرز والعنوان فيه كلمة كرز، وهي وجهة نظر فنية دقيقة، فاقترحت دار هاشيت انطوان تغيير العنوان وأنا وافقت على ذلك واشتركنا في البحث عن عنوان آخر للرواية. استغرق الأمر أكثر من شهر إلى أن استقر رأيي على عنوان “مسيو داك”، الذي وافقت عليه دار هاشيت أنطوان ووجدته جذابا. بعدها صدرت الرواية ولاقى عنوانها قبولا عند القراء.

  ما الذي دفعك الى الكتابة عن حمانا وكرزها، هل هو اكتشاف ما أم عشت الحكاية ؟

وقعت في غرام حمّانا ما إن اكتشفتها. العمل الروائي هو تكوين غير محدّد الاصول ومجاميع متعددة من المعارف الشخصية المكتسبة والمضمرة من التجربة الحياتية للكاتب، لذلك يصعب الفصل بين الحقيقة والخيال، وهذا بالتحديد ما يغريني في الكتابة فعملية خلق الحياة في الرواية هي عملية توازي التطلع للكمال. حياتنا في الروايات هي الأصح والأجمل، وما يفترض بنا ان نعيشه. حمّانا توافقت مع ما يسكنني من تصورات عن المكان الأمثل بالنسبة لي. نحن نبني بيوتنا من حلم السكون الذي نتوق إليه، وحمّانا وجدتها المكان الجمالي الصالح للانتماء. هناك اماكن نعرفها قبل أن نراها ونتجهز لها حتى لو اختلفنا معها بالاحساس، وهناك أماكن نعثر عليها بالمصادفة ونجدها تمثلنا تماما. حمّانا فيها حميمية تصلح أن ننجب فيها ذكرياتنا الجميلة.

  يقول بطل الرواية “أحببت لبنان لأنه بلد بلا صحراء، وبيت للحياة”، هل هذا موقف من العلاقة بالمكان والطبيعة ؟

هذا صحيح فثيمة الرواية تبدأ من هنا. كثيرون من اللبنانيين ينظرون إلى ظهر المرآة وليس إلى سطحها العاكس وزمن الرواية كما هو مثبت في احداثها ينتهي في شهر حزيران من عام 2019 وهو تاريخ حساس جدا. في الرواية ينتصر الحبّ وتُجنى ثمار الجنينة وتهزم الحشرة “ميفيا” ويقام مهرجان الكرز في حمّانا. هذه هي الصورة الحقيقية للبنان. لقد كنت أرى الجوهر وانظر إلى تفاعلات العمق بين الطبيعة وحضارة الانسان. ما ينقصنا دائما هو رؤية الصورة بشكل كامل وانا في كل زياراتي للبنان كنت اتساءل لماذا تغيب صورة الطبيعة عن تفاعل الانسان مع حياته اليومية. في أحيان كثيرة يبدو لبنان وكأنه ليس للبنانيين. أن يكون لبنان بلا صحراء فهذه مكانة فوقية ودلالة على قوة الانسان وهذا ما يجعله بيتاً للحياة. موقفي الفلسفي من الطبيعة في الرواية جاء من انطباعي عن الحياة في لبنان، واعتقد ان من اولويات الكتابة الناجحة الا يسقط الكاتب مفهومه القديم على البيئة الجديدة. أنا بالفعل أحببت لبنان لهذا السبب وكان لا بد لي من الكتابة حتى اشارك في تغيير الانطباع السائد. أنا لا استهدف الغرباء في رواية “مسيو داك” وانما القارىء اللبناني بالتحديد. هنالك اشكالية عميقة جداً في نظرتنا إلى انفسنا، وفي تقييم ما نملك. موسى في رواية “مسيو داك” حين يتحدّث عن النهر الأحمر في جبيل يقول" أنتم في العراق تسمونه أدونيس ونحن في حمّانا نقول عنه نهر إبراهيم". هذا ما قصدته بالنظر إلى ظهر المرآة. ما هو لنا لا يصبح لنا حين لا ننظر إلى الصورة ككل.

  ما الدوافع التي تجعل الروائي يكتب حكاية واقعية على ضفاف حكاية أسطورية كما في “مسو داك” ؟

عند الشعوب الحية كل حكاية واقعية لها ذاكرة أسطورية. جدتي لأبي لم تكن تجيد القراءة والكتابة وكل حكاياتها التي قصتها علي اكتشفت لاحقا انها اساطير آشورية وسومرية ولكنها بأسماء مختلفة. حينما نتكلم عن الارض والطبيعة فالأمر يكون اشدّ وضوحاً وأكثر حضوراً. أسطورة أدونيس وعشتروت هي هوية لبنانية. لا يوجد جبل أو سهل يخلو من علامة تدلّ على انسان سابق، كان يعيش الحياة الصعبة نفسها لكن بطريقته الكنعانية الفينيقية. في اعمال روائية كهذه، تكون هناك ضرورة للربط بين الطبيعة والجوهر الحضاري للانسان، وذلك لأن الشواخص الاثارية تكون ظاهرة في المكان والانسان معا وهذه واحدة من أهم مميزات جبل لبنان، فالارض لا تقاس بصلاحيتها الانباتية وإنما بالطاقة الانسانية التي تسخر كل القوى الغيبية والسحرية من أجل الحفاظ على الخصوبة. أنظر الآن إلى أساليب مزارعي الكرز في البقاع أو في جبل لبنان وماذا يفعلون كي يحافظون على أشجارهم من مزاجية المناخ. هناك طاقة أخرى غير المبيدات الحشرية والأساليب الزراعية الحديثة. إنهم يفهمون الشجرة بروحهم الضاربة في العمق الحضاري، ويعاملون الكرز بطريقتم هم وذلك لأنها أملهم الوحيد. نحن في الروايات نحاول خلق معادلات خيالية. تشكيلة مفاهيم جديدة تربط بين العصرين الكونكريتي والزراعي. الذي فعلته في “مسيو داك” أنني ابتدعت اسطورتي وكي اجعلها قابلة للتصديق ربطتها بادونيس وعشتروت.

  صنف الروائي حسن داوود رواية “مسيو داك” في خانة الحبكة البوليسية، هل توافق على التصنيف، وما الأسس التي تجعل رواية بوليسية ؟

نعم رأي حسن داوود صائب ف"مسيو داك" في قسمها الاول تبدو هكذا فالحبكة التي يظهر فيها دور وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن والمديرية العامة للامن العام للحفاظ على سلامة زياد وربى وحمايتهما من مافيا الشركة الايطالية، هي حبكة بوليسية وقد حاولت أن اجعلها مرحة ممثلة في شخصيتي أنيس وعازف الليل، وهذه ليست الرواية الاولى التي اقترب فيها من الحبكة البوليسية، فقد فعلت ذلك في رواية “الامريكان في بيتي”. هذه الطريقة تحدث شدا في الرواية وهي ممتعة سواء لي أو للقارىء اما الأسس المتبعة في هذا فهي موضوعة الملاحقة أو التتبع السريع للاحداث وعادة ما يدخل فيها الجهاز الامني كطرف وفي العموم هذه النوعية من الروايات تحتاج إلى مهارة واختزالات فائقة في السرد واستخدام المشهد مع الحوار واعتماد النقلات السريعة والجمل القصيرة.

  انت عراقي وتكتب عن المكان اللبناني، تسمي الأشياء باسمائها، ما العوائق التي واجهتها في الكتابة عن أمكنة لا تعرفها، هل كنت تزورها ؟

في “مسيو داك” حرصت جدا على الا أكون سائحاً وان اكتب الرواية بروحية اللبناني العارف بكل شيء وذلك لكي احوز على قبول القارىء اللبناني. كل الاماكن الواردة في الرواية زرتها وتعايشت معها، وقد استخدمت الاسماء الحقيقية لترسيخ المصداقية وتوسيع الوعي بالمكان والزمان والشخصيات. لدي ادواتي التي تجعلني اقنع القارىء بحقيقة ما يقرأ. الرواية صنعة تحتاج إلى مهارة فائقة وهذه النوعية من الروايات تكون مغامرة كبرى واعتقد أن “مسيو داك” نجحت والقارىء اللبناني تقبلها.

  لماذا على غير عادة العرب، وجدت السحر في لبنان، في جبله وطبيعته وليس في بيروت ومقاهيها وبحرها ؟

بيروت مدينة ضرورية للعالم كله ولكنها ليست كل الحقيقة. لبنان من جنوبه إلى شماله قضية تتعلق بانسان يصارع قوى الطبيعة وهذا هو جوهر العناء الانساني من بداية الخلق والى هذه اللحظة. اللبنانيون يملكون أرضا تصلح للسياحة وعاصمتهم بيروت على قدر كبير من الجمال والتحضر وهذه حقيقة مؤكدة لكن جبل لبنان مسألة مختلفة تماما إنه الجوهر والعمق والهوية.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)