حكايات الأغاني فارس يواكيم، لبنان، رياض الريس للنشر

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي



05-04-2013
جريدة القدس العربي
سليمان توفيق


رحلة القصيدة من الديوان إلى الأغنية


الفريد عند الكاتب اللبناني فارس يواكيم أنه يصيد الفريد ويرده كتابا ممتعا.

تفرغ من قراءة كتابه الأخير ’حكايات الأغاني’ (رياض الريس للنشر) فتجد السؤال مرتسما أمامك: إلى أي مدى يحق للملحنين وأهل الغناء التصرف في قصيدة الشاعر، التي كانت مصدر النص في الأغنية؟ ربما لم يكن ذلك السؤال هو الهدف الرئيسي الذي وضعه الكاتب فارس يواكيم وهو يتابع القصيدة ’في رحلتها من الديوان إلى الأغنية’، لكن السؤال موجود بين السطور، خصوصا أن منهج البحث في الكتاب قائم على تبيان الفوارق بين نص قصيدة الديوان كما كتبها الشاعر، ونص قصيدة الأغنية، كما بلغت الناس عبر اللحن والغناء.

ثمة ’عمليات جراحية أدبية’ خضعت لها القصائد، أغلبها على يد الشعراء الذين كتبوا النص الأساس. نزار قباني هو النموذج، لأنه أجرى التعديلات بنفسه. وكذلك الشعراء الذين كانوا أحياء وقت تحول القصيدة إلى الأغنية.

لكن ثمة حالات كان الشعراء فيها في الدار الآخرة، كما هو الحال مع أبي فراس الحمداني أو عمر الخيام. ما غنته أم كلثوم تكلف أحمد رامي بإجراء التعديلات التي تناسب المزاج الثقافي، حذف الخمريات من رباعيات الخيام، أو اللحني استبدال نبل وحلول عز محلها في ’الأطلال’، أو الشخصي، كما في مطلع ’الأطلال’ حيث لم ترغب أم كلثوم في غناء ’رحم الله الهوى’ فجعلها رامي ’لا تسل أين الهوى’.

يقول فارس يواكيم في الكتاب إن بعض التعديلات جانبه التوفيق، كما في تخفيف حدة لهجة السيدة الحاقدة التي اكتشفت خيانة الرجل لها في القصيدة التي كتبها نزار قباني ولحنها محمد سلطان وغنتها فايزة أحمد (رسالة من سيدة) فحذفت منها عبارات ’يا نذل’ ’يا دني’ وحلت محلها ’يا رفيق العمر’ اللطيفة التي لا تتناسب مع غضب المرأة المخدوعة. كما يثبت مؤلف الكتاب أن الأخطل الصغير أوكل إلى الأخوين رحباني أمر التعديلات اللازمة في قصائده، وهو عندما أعاد طبع ديوانه اعتمد التعديل الرحباني.

في الكتاب حكايات غنية بالطرائف تعجب هواة الأغاني، منها أن كارم محمود سبق أم كلثوم إلى غناء ’الأطلال’ وبلحن محمد فوزي، وأن ناظم الغزالي غنى مطلع قصيدة أحمد شوقي في زحلة وهي أبيات لم يغنها عبد الوهاب في ’جارة الوادي’.. لكن الكتاب غني بالاكتشافات الأدبية التي تفيد الباحثين أيضا، ومنها قصائد خليل مطران المغناة وهي غير منشوره في ديوانه، ومنها أبيات لأحمد شوقي أيضا غير منشورة، غناها عبد الوهاب في ’علموه كيف يجفو’، والأبيات الجديدة التي صاغها الشعراء وهي ليست مثبتة في الديوان، أو القصائد الملحنة لشعراء ما كان المرء يتوقع أنها خضعت للتلحين مثل قصائد علال الفاسي وعباس محمود العقاد والياس فرحات. والكتاب يتابع قصائد لشعراء من مختلف الدول العربية، ويتوقف عند حدود قصيدة النثر، ويكتفي بالقصائد الفصيحة دون العامية، التي يقول عنها ’إنها كتبت للغناء ولا مراجع لدينا لاستبيان الفوارق بين قصيدة الديوان وقصيدة الأغنية’. هل يعيب الكتاب أنه سها عن ذكر قصيدة لأمين نخلة غنتها نور الهدى؟ أو أن ينسب أداء أغنية ’غير مجد’ (عن قصيدة المعري) إلى ليلى مراد والصواب انها لأسمهان؟ أو أن يفوته ذكر أن فريد غصن لحن ’سكن الليل’ لجبران وغنتها نازك قبل أن يلحن محمد عبد الوهاب القصيدة ذاتها وتغنيها فيروز؟ لا.. فتلك الملاحظات البسيطة لا تنتقص من الكتاب القيـّم الذي تطلب من المؤلف جهدا كبيرا، والذي يدعونا اليوم إلى المقارنة بين أغاني الأمس الرائعة في شعرها ولحنها وأصوات منشديها وبين أغاني اليوم التي هبط فيها المستوى كلاما ولحنا وأداء.

عن موقع جريدة القدس العربي

 المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)