أدب الرحلة

جيرهارد رولفس... رمز أدب الرحلة الألماني

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


2012-12-13
جريدة القدس العربي
مؤنس مفتاح، باحث ومترجم


يُعتبر أدب الرحلة أحد الأجناس الأدبية التي عرفت تطورا كبيرا خلال نهاية القرن 18 و القرن 19 و قد قام الرحالة بتقريب القارئ الأوروبي من البلدان التي قاموا بزيارتها من خلال تصوير ما جرى للرحالة من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلته.

كما تُعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية والتصوير المباشر مما يجعل قراءتها ممتعة مسلية وقد دوّن الرحالة في مذكراتهم أخباراً ومشاهد وأوصافاً وتعليقات وملاحظات موجزة ثم عمدوا إلى تهذيبها وصوغها بأسلوب سلس وأخاذ إما في أوقات الراحة أثناء السفر أو بعد الرجوع من السفر و هناك طريقة أخرى تتمثل في قيام الرحالة المغامر في سرد حكاياته وقصصه ومغامراته على الكاتب الذي يصوغها بأسلوب أدبي و علمي راق.

يُمكن اختزال اهتمامات الرَّحَّالة في كتاباتهم بما يتصل بالرحلة بداية من الاستعداد لها وتجهيز الخرائط وصولا إلى ذكر صعوبة الرحلة ومن المثير هنا أن بعض هؤلاء الرحالة اضطروا للعمل بالتجارة للإنفاق على تلك الرحلات فتيسر لهم مراقبة الاقتصاد والتحدَّث عن المراكز التجارية والتبادل التجاري و الصناعة والزراعة كما أنهم اهتموا أيضا بطباع الناس وطبقاتهم وألوانهم وانتماءاتهم وصفاتهم ولغاتهم وذكر علماء تلك البلدان وتحدثوا عن مدارسها ومساجدها وعن الأدباء والأطباء والمستشفيات والعمران و أخيرا صوَّروا الطبيعة بتضاريسها من جزر وجبال وسهول ووديان وأنهار وهضاب.

لقد مثل المغرب وجهة الرحالة الأوروبيين عامة و الألمان خاصة فلطالما وصف المغرب بالبلد ’المجهول’ الذي لا يعرف الكثير عنه سواء تعلق الأمر بالبلد أو المجتمع وهذا راجع في الأصل إلى انغلاق البلد و أهله على أنفسهم و عدم السماح للآخر باختراق هذا المجتمع و اكتشافه.

وقد بدأ ظهور الاهتمام الألماني بالمغرب في النصف الثاني من القرن 19 حيث بدأت الدول الناطقة باللغة الألمانية بإرسال البعثات سواء في إطار دبلوماسي أو تجاري و قد أُدرجت هذه الرحلات أيضا فيم عُرف بالطموح و التنافس الاستعماري الأوروبي الذي نما و ازداد في تلك المرحلة تجاه افريقيا.

أظهرالرحالة الألمان اهتماما كبيرا جدا بالمغرب حيث شارك في هذه الرحلات دبلوماسيون ومغامرون وباحثون جغرافيون فصارت صورة المغرب حاضرة بشكل دائم في المنشورات المكتوبة وتقارير الرحلة التي ألفها الرحالة الألمان وجدير بالذكر هنا أن هذه الرحلات إلى المغرب شكلت جزءا من المغامرة الأفريقية التي أراد الرحالة الألمان من خلالها استكشاف العالم الغرائبي فقد كانت تحدوهم الرغبة في التغيير ومواجهة كل ما هو غير متوقع فنما فضول ألمانيا تجاه المغرب و زاد عدد البعثات إلى المغرب و ظهرعدد كبير من العلماء والجغرافيين والجيولوجيين وعلماء الآثار الذين زاروا المغرب، مثال:’ثيوبالد فيشر’ و’كارل فريتش’ و ’أوتو كيرستن’ و ’جورج كامبف ماير’ و’ بول مور’ و ’روبرت ياناش’، ’يواكيم فون بفايل’ و’لودفيغ بيتش’ و ’فيكتور هورويتز’.

كانت الرحلة إلى المغرب تمر دائما من إسبانيا وقد شكل هذا الأمر السبب في تطرق بعض فصول تقارير الرحلات الأوروبية إلى إسبانيا وجبل طارق كما أن هؤلاء الرحالة الألمان استعدوا بشكل جيد للقيام بهذه الرحلات والبعثات لاستكشاف الوجهات الغامضة فقد غلب على هذه الرحلات طابع المغامرة إلا أن قراءة التقارير السابقة حول البلد المراد زيارته وكذلك جمع المعلومات المتعلقة مثلت أهم وسائل الإعداد و التحضير لهذه الرحلات.

اعتبرت المعلومات التي قدمها الرحالة الأوروبيون الأوائل في وقت مبكر مثل ’ليون الإفريقي’ لفترة طويلة واحدا من المصادر الرئيسة والأكثر أهمية التي اعتمدها العديد من الرحالة و من بينهم ’جيرهارد رولفس’ و’أوسكار لينز’ و’مالتزان’ كما أنه لم يكن ممكنا اكتشاف البلاد من قبل الرحالة الأوروبيين إلا استنادا على إرشادات و مساعدة المؤسسات المغربية والأفراد حيث أمكن تحقيق هذا الهدف عبر طريقتين إما بطريقة مباشرة أو أخرى غير مباشرة.

اعتمدت الطريقة المباشرة على مشاركة السكان المحليين مثل الخدم والسائقين وحاملي الحقائب وبحضور المترجمين الفوريين وقد كان ممكنا الوصول إلى هذه الطريقة فقط بوجود شرط قدرة الرحالة على تقديم المال والهدايا وبالتالي فإن الرحالة يدفعون ثمن خدمة مرافقيه الذين يهتمون عادة بالطعام والأمتعة والحيوانات أما بالنسبة للمساعدات غير المباشرة فنعني بها الوثائق المكتوبة وخطابات التوصية التي تضمَنُ للرحالة الأجانب سفرا مريحا و امنا حيث لعبت توصيات المؤسسات المغربية دورا محوريا في إراحة الرحالة والسماح باستضافتهم من لدن مختلف القبائل و القرى كما هو الحال مع الرحالة الألماني ’ جيرهارد رولفس ’ الذي أقام في المغرب ما بين سنة 1861و1864 الذي كان في جعبته توصية من السلطان المغربي شخصيا.

’جيرهارد رولفس’ اسمه الحقيقي ’فريدريك غيرهارد رولفس’، وُلد في 14 في أبريل من سنة 1831 بمدينة ’Vegesack’ في منطقة بريمن الحرة و توفي في 2 يونيو من سنة 1896 بمدينة ’R’ngsdorf’ و هو واحد من أشهر الرحالة الألمان إلى أفريقيا.

يُعتبر ’جيرهارد رولفس’ الابن الثالث لأسرته وقد رفض اقتراح والديه لدراسة الطب فقرر ترك المدرسة في ’سيلي’ في ال17 من عمره فجعل خياره الأول المشاركة في كتيبة ’بريمن’، بعد ذلك شغل منصب رقيب في جيش ’شليسفيغ هولشتاين’ في يوليو 1850 في معركة ’Idstedt’ وقد تم ترقية ’جيرهارد رولفس’ بسبب شجاعته الكبيرة في ساحة المعركة إلى ملازم أول ولكن لسوء الحظ أدت الهزيمة ضد الدنمارك إلى تفكك الجيش وبعد عودته من الجيش أراد ’رولفس’ تحقيق رغبة والديه فذهب سنة 1852 إلى فورتسبورغ والتحق سنة 1853 بجامعة ’غوتنغن’ ولكن بعدما بدأ ’رولفس’ دراسته سرعان ما فقد فضوله واهتمامه بالطب فقد كان حلم ’رولفس’ الكبير دائما زيارة واحة ’ تمبكتو’ الأسطورية ولكن محاولته الأولى باءت بالفشل ورغم ذلك فقد وصل إلى الأطلس الكبير حيث هوجم هناك وهددت حياته و بعد مرور بعض الوقت قام ’رولفس’ بمحاولة جديدة للعودة إلى ’تمبكتو’ومن الواجب الإشارة هنا إلى أن ’رولفس’ يظل أول الرحالة الأوروبين الذين سافروا إلى واحات ’تافيلالت’ و’توات’ و ’تديكلت’.

وصل ’جيرهارد رولفس’ لأول مرة إلى المغرب سنة 1861، متنكرا في زي طبيب مسلم و كان قد حصل على هذا الزي أثناء رحلته عبر الصحراء وفي يوليوز من سنة 1862 واصل ’جيرهارد رولفس’ رحلته إلى طنجة ثم إلى الدار البيضاء ومنها إلى مراكش.

و قد كان يُرافقه إسباني أعلن إسلامه تمثل دوره في الإرشاد من جهة و الترجمة من جهة أخرى ولكن هذا المرافق الاسباني لم يكن جديرا بثقة ’جيرهارد رولفس’ لأنه قام بسرقة أمواله ودابته فأصبح مفلسا في أغادير و انضم إلى قافلة على أمل عبور الأطلس الكبير. كانت الرحلة محفوفة بالمخاطرنظرا لكون قبائل هذه المنطقة كانت تعيش من الهجوم على القوافل، ففي هذا الجزء من العالم كان الحكم للأقوى وبعد هذه الرحلة المرهقة أصيب ’رولفس’ بالحمى واضطر إلى اإيقاف رحلته.

لقد سمح فضول ’جيرهارد رولفس’ و إقامته لمدة سنتين باكتشاف واحات غامضة في عدد من المدن المغربية كما أنه كان يُقدم نفسه دائما بصفة طبيب فتم تعيينه لاحقا طبيب بلاط سلطان المغرب ونظرا لشغفه الكبير بالسفر والتنقل عبر القارات فقد قام برحلات داخل المغرب والصحراء الغربية كلها مما أكسبه شهرة كبيرة فتحت له أبواب المجال السياسي فعُين سنة 1867 مترجما فوريا لملك بروسيا كما شارك كذلك في الحملة البريطانية إلى الحبشة وفي نفس السنة تم إرسال ’جيرهارد رولفس’ مع بعثة للعائلة المالكة البروسية إلى ’برقة’ و كان ’رولفس’ هو الداعم الاساس لهذه البعثة. وقد خالجت ’ جيرهارد رولفس’ فكرة العبور من هناك إلى واحة ’درعة’ والتي لم يكن قد سبق لأوروبي أن زارها فانتقل منها بعد ذلك إلى واحة ’تافيلالت’ و من المعلوم أن الفرنسي ’رينيه كايي’ كان الأوروبي الوحيد الذي زار الواحة قبله.

عند إكماله لرحلته تعرض ’جيرهارد رولفس’ لهجوم من قبل البدو فأصيب بجروح بليغة لكنه نجا واستضافه بعض المغاربة لعدة أشهر حتى استعاد عافيته فعاد إلى الساحل سنة 1863 و اتجه نحو ’’صلاح’ عاصمة واحات ’تدكلت’ حيث تم اعتباره جاسوسا فرنسيا و هذا ما اضطره إلى تغيير خططه والعودة إلى ’طرابلس ’ مرورا ب ’غدامس’ عند ساحل البحر الأبيض المتوسط فعاد ’جيرهارد رولفس’ إلى ألمانيا في يناير 1865 بعد أن كان قد غادر منزله لحوالي عشر سنوات و اجتمع مع رسام الخرائط ’غوتهير كاتوغراف’ فكان لهذا اللقاء نتائج إيجابية جدا ذلك أن الرجل كان قادرا على تحرير وتنقيح رحلات ’رولفس’ وقد تزامن هذا مع انتشار شهرة’ جيرهارد رولفس’ في جميع أنحاء ألمانيا فحصل على وسام من قبل الأمير ’أوتو فون بسمارك’ وملك’ بروسيا’.

بعد إقامة قصيرة في أوروبا قرر ’جيرهارد رولفس’ السفر مرة أخرى إلى طرابلس ولكن هذه المرة بشكل رسمي كرجل دعم لبعثة أوروبية للتنقيب وذلك بهدف استكشاف المنطقة من هناك الانتقال إلى ’تمبكتو’ ولكن في طريق العودة و بالضبط في ’غدامس’ اضطر إلى تغيير خططه بسبب تصرفات معادية للطوارق و قد استقبله السلطان ’عمر’ في ذلك الوقت بأذرع مفتوحة حيث كان قد استضاف قبل 15 عاما من ذلك رحالة ألمانيا آخر هو ’هاينريش بارت’ وفي تلك الفترة كانت المملكة لا تستخلص الضرائب فشكل هذا الوضع أمرا إيجابيا للغاية بالنسبة ل’جيرهارد رولفس’ حيث قام بتجارة الرق.

ظل ’رولفس’ خمسة أشهر في ’برنو’ واستكشف بحيرة ’تشاد’، ثم بمساعدة وتحت حراسة من سلطان ’برنو’ وصل مباشرة إلى منطقة ’بينو’ ثم اتجه إلى الأسفل نحو’النيجر’ وفي مايو من سنة 1867 وصل إلى ’لاغوس’ بخليج غينيا. كانت هذه المسافة الطويلة والتي عبر خلالها الصحراء بأكملها صار’جيرهارد رولفس’ أول الأوروبيين الذي قطعوا هذا المسار دون أن يفقدوا حياتهم.

تُعتبر رحلة ’جيرهارد رولفس’ من البحر الأبيض المتوسط إلى ساحل غرب أفريقيا كثاني رحلة أوروبية ذلك أن ’ديفيد ليفينغستون’ الإنجليزي قام بنفس الرحلة في المرة الأولى عندما كان في الجزائر سنة 1860 بعد تركه للجيش الذي كان جنديا به.

خلف الرحالة الألماني ’جيرهارد رولفس’ وراءه عددا لابأس به من الرحلات وهي كمايلي:

  • ’رحلة عبر المغرب، صعودا إلى الأطلس الكبير و اكتشاف واحات ’تافيلالت’ و’توات’ و’تديكلت’ و رحلة عبر الصحراء الكبرى مرورا ب’غدامس’ نحو ’طرابلس’ شمالا’
  • ’بأمر من صاحب جلالة ملك بروسيا و بمعية سلك البعثة الانجليزية بالحبشة، بريمن 1869
  • ’افريقيا: البلد و الساكنة، بريمن 1870’
  • ’من طرابلس إلى الاسكندرية’
  • ’إقامتي الأولى في المغرب ورحلتي جنوب الأطلس عبر واحات درعة و تافيلالت ’
  • ’رحلة بعرض افريقيا، رحلة من البحر المتوسط إلى بحيرة تشاد وخليج غينيا،الجزء 1-2 ، لايبزغ 1874ـ1875’.
  • ’ثلاثة أشهر في صحراء ليبيا، كاسل 1875’
  • ’إسهامات في البحث و اكتشاف افريقيا، تقارير لسنوات -18751870، لايبزغ 1876’.

يُعتبر ’جيرهارد رولفس’ واحدا من أبرز رحالة ألمانيا وأشهرهم في العالم وقد لاقت رحلاته إلى افريقيا والمغرب إعجابا دوليا واسعا ومن المعلوم أنه احتفظ بتجاربه وأفكاره خلال السفرونُشرت بعد ذلك على شكل كتاب وإذا ألقينا نظرة على رحلات ’جيرهارد رولفس’ يُمكن ملاحظة من خلال ما جاء فيها أن التراث الثقافي المغربي يتميز بالتنوع والغنى فقد جمع ’رولفس’ للقارئ العام و المختص دراسة شاملة و بذلك أمكن القول بشكل قاطع أن ’جيرهارد رولفس’ ترك آثارا عميقة في تاريخ أدب الرحلة وطبع هذا الأدب ببصمته الخاصة و هذا ما جعل الرايخ الألماني يولي تقديرا كبيرا لهذه المساهمة الإيجابية فمنح ’رولفس’ أوسمة عدة، كما أن مؤلفات ’جيرهاردرولفس’ ساعدت على توسيع العلاقات الدبلوماسية وتعزيز موقف ألمانيا في أفريقيا بصفة عامة و المغرب بصفة خاصة وبذلك استحق ’رولفس’ أن يكون أول الرحالة الأوروبين الذين سافروا إلى واحات ’تافيلالت’ و’توات’و’تديكلت’ وجدير بالذكر هنا أن ’جيرهارد رولفس’ رغم تعليمه و تكوينه المتواضعين فقد ظل بالتوازي مع الرحالة االفرنسيين ’رينيه كايي’و’هنري دويفيري’ واحدا من أهم الرحالة المكتشفين للصحراء خلال القرن 19 والذين ذاع صيتهم شرقا وغربا.

عن موقع جريدة القدس العربي

 المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)