جلال الدين الرومي بطلاً روائياً..

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الخميس 12-09-2019
الصفحة : ثقافة
وجدي الكومي - كاتب مصري


الرومي بطلاً روائياً.. روائيون يتصوّفون أم موضة كتابة ؟

<article5334|cycle|docs=6393,6394>


ظهور جلال الدين الرومي كبطل روائي، في عدد لا بأس به من الأعمال الأدبية، سواء في مصر أو خارجها، بات ملحوظاً، وينبئ بهيمنة ظاهرة أدبية على الكتابات المنشورة والأعمال التي تلقى رواجاً لدى الجمهور. فالظواهر الأدبية كثيرة، وهي أشبه بحجر يُلقى في بحر راكد، كل موجة تتبع الأخرى، وهكذا هو الاتصال بين موجات الكتابة في الظاهرة الأدبية نفسها، سواء جلال الدين الرومي، أو الكتابة عن الأمومة مثلاً.

في العام 2009 نُشرت للمرة الأولى رواية التركية إليف شافاق “قواعد العشق الأربعون”، وأحدث نجاحها دوياً. كانت حجراً أُلقي بقوة في بحيرة راكدة، ولقرب مؤلفتها الجغرافي من عالمنا العربي، كانت دوائر هذا النجاح تتسع ويصل تأثيرها إلى بلداننا، وإلى أذهان روائيينا.

اللافت أن شافاق تستهل روايتها بالقول: “تمسك قطعة من الحجر بين أصابعك، ثم تلقيها في مياه دافقة. إذ ستتشكل مويجة على سطح الماء الذي سقط فيه الحجر، ويتناثر رذاذ الماء، لكن ماء النهر المتدفق يكبحها، إرمِ حجراً في بحيرة، ولن يكون تأثيره مرئياً فقط، بل سيدوم فترة أطول بكثير، إذ سيعكر الحجر صفو المياه الراكدة، وسيشكل دائرة في البقعة التي سقط فيها، وبلمح البصر، ستتسع تلك الدائرة وتتشكل دائرة إثر دائرة”.

هل من الممكن أن يكون كل من ساروا على نهج شافاق، في كتابة رواية تدور عوالمها في ذلك الإطار الصوفي، قد تطلعوا إلى نجاحها، ورغبوا أن يركبوا موجاته؟ أم مجرد أفكار مشروعات خطرت في بالهم ورغبوا في تنفيذها، مندون أن يكون في بالهم أن يعكروا صفو المياه الراكدة؟

لا يمكن إنكار التأثيرات الوافدة على الأدب العربي، خصوصاً في فن الرواية. ففن الرواية في مصر والعالم العربي، كان لإنتاجات الروائيين الغربيين والأوروبيين وما تحقق من نجاح لـ"قواعد العشق الأربعون"، تأثير قوي وملحوظ في طرح سؤال: كيف يمكن أن نحقق نجاحاً كهذا الذي تحقق للروائية التركية؟

في العام 2016 نجح الروائي السعودي محمد حسن علوان بروايته “موت صغير” في استنساخ نجاح مماثل لنجاح “قواعد العشق الأربعون”، إذ نالت روايته الصادرة عن دار الساقي بموضوعها عن محي الدين بن عربي، جائزة البوكر العربية، وأتيح لنجاح رواية علوان تنشيط دوائر الحجر الذي ألقته شافاق في البحر الراكد. صنع علوان دوائر في الماء، تشكلت دائرة إثر دائرة، وكما تقول إليف شافاق في الصفحة الأولى من “قواعد العشق”: “لن تتوقف هذه الدائرة وتتلاشى، إلا عندما تبلغ الدوائر الشاطئ”.

هل ظهرت مجموعات من القراء تهوى قراءة العوالم الصوفية ورموزها.. محي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي؟ أم أن هذه المنطقة من الكتابة باتت من المناطق الآمنة في الإبداع؟ كأنها تحجز فوراً مقعداً في النشر، ومقعداً في اللوائح القصيرة للجوائز، في محاولة لمداعبة مشاعر لجان التحكيم التي اختبرت من قبل منح رواية عن الرموز الصوفية جوائزها الكبرى.

في مصر نشر الروائيان وليد علاء الدين وأدهم العبودي، عملين روائيين ينتميان إلى هذه الثيمة، العوالم الصوفية. والروايتان تدور أحداثهما عن جلال الدين الرومي. نقلت أسئلتي إلى الكاتبَين بوصفهما التجربتين المصريتين اللتين أعقبتا “أليف شافاق”. رواية الأول “كيميا” صادرة عن دار الشروق المصرية 2019، ورواية الثاني “حارس العشق الإلهي” صادرة عن دار المصري للنشر والتوزيع العام 2017.

يقول وليد علاء الدين لـ"المدن"، عن أسباب اختياره موضوعاً تاريخياً ينتمي للعالم الصوفي، ومدى سهولة ذلك الاختيار، إنه لا اختيار في الأساس لكي نصفه بالسهل أو الصعب. يضيف: “الكتابة فعل قهري، وهو وصف أستعيره من الكاتب ديفيد بالداتشي، استخدمه للإجابة عن سؤال لماذا نكتب؟ وقد أورده ضمن كتاب بالاسم نفسه صدرت نسخته العربية العام 2015 عن الدار العربية للعلوم. فالقهر يعني أن الكتابة ليست فعلًا اختياريًا، مثلما تقول تيري ماكميلان في الكتاب نفسه: لم أختر الكتابة، لكنها حدثت لي. الكتابة ليست فعلا اختياريًا، مهما بدت كذلك، سواء على مستوى الفعل نفسه - بمعنى ما الذي يجعلك تكتب - أو على مستوى ما نكتبه”.

يرى وليد أن ما يكتبه هو امتداد وانعكاس وتجليات لما يشغله، الكتابة كما يراها امتداد لما يفكر فيه، هي محاولة لتوسيع تساؤلاته ومشاركة قلقه وتأملاته. ويلفت إلى أن كتابة روايته “كيميا” لم تكن اختياراً، مضيفاً: “لو كنت مخيرًا بالفعل لاخترت من الأساس ألا أكتب، الكتابة فعل شاق؛ عناء حقيقي لا نختاره بل نضطر إليه للتخلص من أشكال عناء أخرى على مستوى القلق والانشغال والتفكير”.

يحكي وليد قصة كتابته الرواية، فيقول: “في العام 2007 ذهبت إلى قونية، بوصفي صحافيًا، لإنتاج كتاب رحلة في مناسبة احتفال العالم بالمئوية الثامنة لجلال الدين الرومي. أعددت برنامج قراءة جادة ومكثفة عن الرجل وحياته والمكان. فظهرت”كيميا" في حياتي وأفسدت المهمة، قفزت إلى عقلي وقادتني مع حبيبها علاء الدين ابن الرومي في رحلة للبحث عن حقها المهدور وصوتها المقموع لصالح أسطرة الرومي وشمس تبريزي، الممزوجة بالدين والشعر والقداسة.. ولم أهدأ إلا بعدما أنجزتُ الرواية خلال سبعة أعوام من البحث والقراءة... فأين الاختيار هنا؟!".

عن تأثير فوز رواية “موت صغير” بجائزة “بوكر” العربية، في اختيارات الأدباء للعالم الصوفي، يقول علاء الدين: “أوافقك، ليس في أن الجوائز الأدبية وحدها لها الأثر الخفي في توجهاتنا، بل إنها –في جانب كبير منها- جزء من صناعة ضخمة يديرها أصحاب المصالح الكبرى في العالم في صنع وتوجيه الأفكار، ونشر الموضات، وحشو أدمغة الناس بمعتقدات وتدريبهم على سلوكيات. تصب في النهاية في أرصدتهم المالية أو الأيديولوجية أو غيرهما”. ويتابع: “قد يكتمل منطق سؤالك تمامًا إذا استخدمت –قبل الجوائز- تلك الشهرة المذهلة غير المفهومة، التي حققتها رواية إليف شافاق”قواعد العشق الأربعون". هناك رغبة حقيقية لدى جهات ما لتسييد الفكر الصوفي بوصفه البديل الأنسب للفكر السلفي والإسلام السياسي.. وما يُنتج في الأدب معظمه أصداء لذلك، عن وعي أو عن انسياق غير واع".

وحينما طرحتُ مع وليد افتراض أن العوالم الصوفية منطقة كتابة آمنة للروائي، تنجيه من محاذير النشر، ومحظورات السياسة، وفرصة للروائي لتمرير رسائل عبر الفن، قال صاحب رواية “كيميا”: “اللجوء للتاريخ في الرواية لم يعد يصلح معه منطق الأدب الرمزي، وفكرة الإسقاطات على الواقع، الرواية لم تعد معنية بإيصال رسالة، في ظني أن الأدب تجاوز منطق الرسالية التقليدي”. وأضاف: “إسمح لي أيضًا أن أرفض مصطلح الرواية التاريخية، ربما هو اجتهاد نقدي جانبه الفهم، لا رواية تاريخية، بل رواية، وتاريخ... صحيح أن التاريخ في الأساس روايات، إلا أن واجبنا احترام أنها روايات خضعت لمناهج بحث علمية. في الأدب، لنا الحق في استخدام تلك الروايات، لا تزييفها، الاستخدام يعني الحق في التشكيك، وفي الاختبار. أقصد عبر ألعاب السرد بالطبع، أو في التداخل معها، بطرح افتراضات أخرى غائبة أو مغيبة، أو تجربة منطق الاحتمالات وتبادل الأدوار مع هذه المعطيات التي ربما قادتنا لاستنتاجات أخرى. هناك من الألعاب السردية الكثير مما يصلح للتعاطي الروائي مع التاريخ من دون تزييفه. و”كيميا" لعبة سردية استخدمت التاريخ بلا تزييف داخل مزيج من التخييل من أجل إشراك القارئ في هواجسي بشأن ألعاب التصنيف التي يمارسها البشر على بعضهم البعض تحت شعارات كبرى كالدين والتصوف، وتُنتهك باسمها حقوق البشر لصالح أصحاب السلطة دينية كانت أو غيرها".

أما أدهم العبودي، صاحب رواية “حارس العشق الإلهي” التي صدرت قبل “كيميا” بعامين، فحينما طرحت عليه الأسئلة نفسها، اتفق مع وليد علاء الدين في الكثير من النقاط، خصوصاً في ما يخص عملية اختيار جلال الدين الرومي. إذ لفت إلى أن موضوع روايته هو الذي اختاره، قائلا لـ"المدن": “يُمكن لمشهدٍ عابر أن يولِّد لديك رواية كاملة، هذه المصادفات، وغيرها من المعارف التي نكتسبها بمرور الوقت، هي الكتابة”. ويضيف العبودي: في “حارس العشق الإلهي” كنتُ أبحث عن موضوعٍ آخر، في زمن آخر، بأحداث وشخصيات مغايرة، واكتشفتُ أثناء بحثي، فترة شائكة في تاريخ بلاد خراسان، وهي دخول المغول إلى المنطقة وتبديل هويتها الإنسانية والجغرافية، وتدمير مدن كاملة تم محوها بعد خروج المغول منها. وعثرتُ على بعض الكتابات الخاصة بمحمد البلخي، والد جلال الدين الرومي، فأدركتُ أن الفترة التاريخية والمنطقة المكانية ما زالا غير مُكتَشَفين، وقرأت أكثر فأكثر".

عن فترة كتابته لـ"حارس العشق الإلهي" يكشف العبودي لـ"المدن"، أنه شرع في كتابتها منتصف 2016، ولَم تكن “موت صغير” قد صدرت بعد، واضطر لقراءة قواعد “العشق الأربعون” التي “لَم تضف لي شيئاً”.

يشير العبودي إلى أنه لم يكن يعرف وقتها محمد حسن علوان، وعمله “موت صغير”، مدافعاً عن نفسه في ما يتعلق بأن فوز علوان بالبوكر دفعه لكتابة “حارس العشق”، قائلاً: “أكبر دليل على ذلك أن روايتي صدرت تقريبًا في توقيت إعلان جائزة البوكر التي لفتت الانتباه إلى رواية علوان، أو بعدها بأشهر قليلة، مدة بالطبع لا تكفي لمسايرة تيار روائي آخر، أو ناجح، على العكس كانت التجربة محفوفة بالمخاطرة”. ويضيف العبودي: “حارس العشق الإلهي، هي أول رواية عربية تتناول التاريخ غير المطروق لجلال الدين الرومي وشمس التبريزي، وكان يمكن ألا يلتفت لها أحد، لكن صُودف نجاحها، وبلغت طبعتها العشرين في أقل من عامين، وهي الطبعة الرسمية، بعيدًا من الطبعات المزورة والطبعات المقرصنة إلكترونيًّا. أزعم أن روايتي ألهمت كتابًا مصريين وعرباً للكتابة عن جلال الدين الرومي”.

أما عن التاريخ، وميل البعض إلى كتابة أعمال روائية بعيدة من الزمن الحاضر، فيقول العبودي: “بخصوص التاريخ، نحن بالطبع نتستر أحيانًا خلفه لصنع رمزيات وإسقاطات على واقعنا المعاصر، يعرف الجميع أن الكاتب العربي الآن محاصر ومقيّد ولا يستطيع الكتابة أو التعبير عن رأيه بحرية كافية”.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)