جرجي زيدان (1861 - 1914) - لبنان Jorge Zaydan ou Jirjî Zaydân (1861 - 1914) - Liban

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت ٢٤ أغسطس / آب ٢٠١٣
جريدة الحياة
علي عفيفي علي غازي، كاتب مصري


جرجي زيدان (1861 - 1914) مؤسس النهضة العلمية في الشرق


فقيد الأدب العربي في الشرق، مؤسس نهضته العلمية، مؤسس مجلة «الهلال»، ومؤلف العديد من الكتب التي تداولتها الأيدي في الشرق والغرب، بل أجمع المثقفون على أنها خير ما ألف باللغة العربية في القرن التاسع عشر، حيث كتب في التاريخ الإسلامي كتبه في شكل روايات كانت لها ضجة كبرى في الأدب العربي، وترجمها الغربيون والشرقيون إلى لغاتهم، وبذلك رفع شأن الأدب العربي.

ولد جرجي زيدان في مدينة بيروت في 14 كانون الأول عام 1861، وتلقى مبادئ العلوم في بعض مدارسها الابتدائية، اضطرته الظروف لمغادرة المدرسة صغيراً لمساعدة والده في أشغاله، وهو لم يبلغ الثانية عشرة من عمره، وكان في خلال أشغاله لا يترك فرصة من دون أن يستفيد منها بمطالعة ما تصل إليه يده من الكتب، ودرس الإنكليزية في مدة خمسة أشهر في إحدى المدارس الليلية مع مزاولة عمله طوال نهاره وبعض ليله.

في عام 1881 صحّت عزيمته على ترك شغله وطلب العلم، فلاح له أن الطب خير وسيله تقربه من العلم وتساعده على الكسب، فدرس العلوم الإعدادية كلها على أحد أصدقائه بمدة لا تتجاوز الشهرين ونصف الشهر، ولما حان أوان افتتاح المدرسة تقدم للامتحان واجتازه بنجاح باهر، واجتاز السنة الأولى الطبية بتفوق على أقرانه، ولما وافت السنة الثانية عاد إلى المدرسة، وبعد مرور شهرين حدث اضطراب واختلال في الكلية الأميركية أفضى إلى خروج معظم تلاميذها ومن بينهم جرجي زيدان، وبعد خروجه قدم امتحاناً في فن الصيدلة مع بعض رفاقه أمام لجنة من أشهر أطباء سورية كان بينهم مراد بك حكيم باشي العسكرية، والدكتور فانديك الشهير فأحرز الشهادة بالعلوم الآتية: اللغة اللاتينية والطبيعيات والحيوان والنبات والجيولوجيا والكيمياء العضوية والمعدنية والتحليل الكيميائي والمواد الطبية.

وهاجر بعد ذلك إلى مصر لتكملة الطب في مدرسة القصر العيني، ولكنه عدل عن ذلك واشتغل بالعلم وتولى تحرير جريدة «الزمان»، وهي إذ ذاك الجريدة اليومية الوحيدة في القاهرة، ولبث يحررها مدة سنة إلى أن كانت الحملة النيلية إلى السودان عام 1886 لإنقاذ غوردون باشا، فسار برفقتها مترجماً بقلم المخابرات فقضى في هذه الوظيفة عشرة أشهر حضر في خلالها المواقع الحربية كلها، وكوفئ على شجاعته وإخلاصه في الخدمة بثلاثة أوسمة. ولما عاد من الحملة سافر إلى بيروت عام 1885 لطلب العلم فمكث عشرة أشهر يدرس اللغات الشرقية مثل العبرانية والسريانية، ووضع على إثر ذلك كتابه في الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية وانتدبه المجمع العلمي الشرقي عضواً عاملاً.

وفي صيف عام 1886 زار لندن، وتردد فيها على أندية العلم ودور الآثار، لا سيما المتحف البريطاني الشهير، ثم عاد إلى مصر، حيث تولى إدارة أشغال مجلة «المقتطف»، لبث في هذه الوظيفة حتى أوائل عام 1888 حيث استقال وانصرف إلى الكتابة والتأليف، فألف «تاريخ مصر الحديث» في جزءين ضخمين، و «تاريخ الماسونية العام» وغيرهما.

وفي أواخر عام 1889 تولى إدارة تدريس اللغة العربية في المدرسة العبيدية الشهيرة، ولبث في هذه الوظيفة مدة سنتين، ثم تركها وأنشأ مطبعة صغيرة، وانصرف إلى الكتابة والتأليف، ثم أصدر مجلة «الهلال» في أواخر عام 1892 وكان في أول نشأته يتولى كل شؤونها بنفسه من إدارة وتحرير ومكاتبات حتى إنه كان بنفسه يغلفها ويلصق طوابع البريد، ولما اتسع نطاقها عهد بإدارتها إلى شقيقه متري أفندي زيدان، ورحل رحلات عدة إلى الأستانة وأوروبا وفلسطين، وأنشأ مكتبة الهلال الشهيرة، وعهد إدارتها إلى شقيقه إبراهيم أفندي زيدان.

وفي مساء الثلثاء 21 آب (أغسطس) 1914 وافته المنية فجأة عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، ولم يكن يشكو علة ولا أصيب بمرض، وكانت جنازته عظيمة تليق بعلمه وأدبه وفضله وسمو مكانته، اشتركت فيها الحكومة المصرية ورجالها، وجماهير لا يحصى عددها من مختلف الطوائف، وبعد أربعين يوماً من وفاته أقيم له حفل تأبين أبّنه فيها كبار الشعراء والخطباء، وعددوا فيها مناقبه الغراء وذكروا الخسارة الجسيمة التي أصابت الشرق بوفاته.

كان جرجي زيدان تلوح على وجهه معالم الذكاء والهمة والنشاط، يشع من عينيه الضوء والفطنة، ولا تفارق الابتسامة ثغره، وجمع إلى سمو المكانة والجلال البساطة والتواضع، فكان لا يأنف من مجالسه من هو دونه، وكان أنيس المحضر لطيف المعشر يجتذب إليه محدثيه بقوة، كان يجلس تقريباً عصر كل يوم في قهوة الشانزيليزية بالفجالة، وينضم إلى مجلسه الشيخ إبراهيم اليازجي وسليمان البستاني، وفريق من الشعراء والأدباء أمثال خليل مطران وغيره، فكان مجلسه علمياً أدبياً راقياً، من يرتاده يجد أطيب الأحاديث وألذ المسامرات.

كان يُجيد تسع لغات قراءة وكتابة، وكانت له مراسلات مع أكثر مستشرقي أوروبا وأميركا، وكان عضواً في جمعيات علمية وشرقية عدة منها الجمعية الآسيوية الإيطالية والإنكليزية والفرنسية، منحه باي تونس نيشان الافتخار من الدرجة الأولى فضلاً عن أوسمة حرب السودان، وأنعم عليه خديوي مصر برتبة التمايز الرفيعة، ومنحته الكلية السورية - الأميركية في بيروت لقب شرف من ألقابها العلمية.

وأصدر «الهلال» مدة اثنتين وعشرين سنة انتشرت خلالها انتشاراً عظيماً لم يعهد له مثيل بين الصحف والمجلات العربية، وكان يطرق فيها المواضيع الشيقة التي تستلفت الأنظار وتثير علمية فكرية في النفوس.

كانت أسرة زيدان في بيروت من الأسر العاملة النشيطة التي تكسب رزقها بعرق جبينها، ولما استقر في مصر، استدعى أخوته واحداً تلو الآخر، فعهد إلى متري أفندي إدارة «الهلال»، وأحضر أخوه يوسف أفندي واشتغل بخياطة الملابس وتجارة الأجواخ، واستدعى شقيقه إبراهيم أفندي وعهد إليه بإدارة مكتبة «الهلال»، فسار بها في مضمار الرقي التدريجي حتى أصبحت المكتبة الأولى ليس في مصر فقط بل في جميع أنحاء الشرق، ولم تكتف بنشر مطبوعات جرجي زيدان صاحب «الهلال» بل إنها طبعت مؤلفات الكتاب المبرزين والمؤلفين النوابغ وغيرهم، وولدت مكتبة «الهلال» مكتبتين أخريين هما مكتبة زيدان العمومية لصاحبها الأديب حبيب أفندي نجل الأديب متري أفندي زيدان، ومكتبة الضياء لصاحبها الأديب ميشيل أفندي رحال، فكان تأثير جرجي زيدان على أسرته، أن دربهم على الأعمال الحرة وبث فيهم روح النشاط والإقدام والاستقامة والحزم والعزم.

وأنجب نجلين أصبحا كوكبين لامعين في سماء الفضل والفخر بل غرتين في جبين الدهر هما أميل أفندي وشكري اللذان شمرا عن ساعد الجد والهمة وبما أوتياه من فضل غزير وعلم وفير وفطنة وذكاء سارا في مضمار العلم سيراً مطرداً مقروناً بالنجاح مؤيداً بالفلاح فوسعا نطاق «الهلال» وجعلاها مضماراً تتجارى فيه جياد الأفكار ولم يقفا عند هذا الحد بل إنهما أنشأ مطبعة كبرى لا نظير لها في مصر، وأصدرا مجلات: «المصور»، و «كل شيء»، و «الفكاهة»، وهي مبتكرات في اللغة العربية جاريا فيها أكبر دور الطباعة في أوروبا وأميركا، واقتفيا في عملهما خطوات والدهما في السير بالعمل بهمة ونشاط وفخر.

هذه لمحة موجزة عن جرجي بك زيدان، ذلك الرجل العصامي العبقري الذي ظهر صغيراً ومات كبيراً وخلّد له ذكراً حميداً في قلوب الناطقين بالضاد وغيرهم مقروناً بالاحترام والإجلال والوقار.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



مقالات أخرى منشورة على موقعنا


موقع اللغة والثقافة العربية



سيرة حياة جرجي زيدان على موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)