جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة (لبنان)، سيرة مؤسسة نوفل - 2009

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ٩ مايو/ أيار ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«جبران خليل جبران» لميخائيل نعيمة : ميزان صائغ دقيق


لعل الملاحظة الأولى التي يطلع بها المرء لدى فروغه من قراءة كتاب «جبران خليل جبران» لميخائيل نعيمة تتعلق بمقدار ما استعمل هذا الأخير ميزان صائغ أمين، في كتابته عن صديقه ومواطنه جبران، ذلك النص المدهش الذي، حتى وإن كان قد كتب قبل أكثر من ثمانين عاماً، لا يزال حتى اليوم المرجع الأفضل والأكثر دقة في تناوله، إن لم يكن سيرة جبران، فعلى الأقل تفاعل كاتب كبير مع سيرة حياة كاتب كبير آخر. ونعيمة الذي نشر كتابه بعد أقل من ثلاث سنوات على رحيل جبران، أقر بذلك ولم يدّع أنه إنما كان يتطلع الى كتابة سيرة صاحب «النبي»، بل إلى نوع من «جبران كما عرفته» و «جبران على لسانه». وكان يدرك ذلك حين وضع الكتاب فكتب في مقدمته يقول: «... عندي أن كل ما يرويه الناس عن الناس باسم التاريخ، ليس إلا رغوة متطايرة فوق بحر الحياة الإنسانية. أما أعماق الإنسان وآفاقه فأبعد وأوسع من أن يتناولها قلم أو يستوعبها بيان. فنحن حتى اليوم لم نكتب «تاريخ» إنسان ولا «تاريخ» أي شيء على الإطلاق. ولو اننا كتبنا تاريخ إنسان واحد لقرأنا فيه تاريخ كل الناس. ولو أننا دوّنا تاريخ شيء واحد لطالعنا فيه تاريخ كل شيء». ورغم هذا لم يسلم الكتاب من الرجم.

فما الذي أغضب الراجمين؟ كل شيء... وحتى وإن كان نعيمة قد رسم في الكتاب صورة رائعة لجبران الإنسان بحسناته وسيئاته. بضعفه البشري وقوته الفكرية. بثقافته العريضة وقصوره حتى عن استخدام تلك الثقافة. كان الآخرون يريدون من نعيمة أن يظل عند حدود الأسطورة، وذلك حتى بدءاً من مشهد البداية الرائع الذي يصوّر موت جبران في المستشفى فريسة مرضه، وصولاً الى «مزاعم» نعيمة بأن جبران إنما اقتبس مقاطع وأفكاراً كثيرة في كتابه «النبي» من «هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه وأحياناً حرفياً، وذلك مروراً بتعامل جبران غير الأخلاقي مع النساء ولا سيما مع ماري هاسكل التي كانت الى حدّ كبير وراء بعض النجاح الذي حققه في أميركا...

كل هذه الأمور وعشرات التفاصيل غيرها آثر نعيمة ألا يمر عليها مرور الكرام، لكنه أبداً لم يستخدمها للنيل من جبران ولا طبعاً للافتراء عليه. كل ما في الأمر أنه كان يحرص على تبيان الجانب الإنساني في صديق كان بمثابة أخ له. وها هو في المقدمة نفسها يطرح حيرته أمام الكتاب قائلاً: «إن في حياة كل إنسان أسراراً يكتمها عن الناس. وأنا قد وقفت على بعض أسرار جبران وفاتني منها الكثير، فهل يليق بي أن أبوح ولو ببعض البعض مما أعرفه؟ وأنا إن كتمته، فما معنى الذي أكتبه؟ أأخون نفسي والقارئ وجبران بكتمان ما ليس مكتوماً في سجلّ الحياة الكبرى، وإن يكن مستوراً عن أعين الناس فأصور صورة لا وزن بين ظلالها وأنوارها، لأرضي بعض من لا ذوق لهم في الفنّ ولا رأي لهم في الحياة وأجور على ذوقي وأدفن رأيي في التراب...؟».

ونعرف طبعاً أن نعيمة حسم أمره وقال في الكتاب ما يعرفه مستخدماً ذلك الميزان العجيب الذي أغضب الجبرانيين، ولكن لو كان جبران حياً لكان من أول المدافعين عن صاحبه. أما بالنسبة الى نعيمة فنعرف أن إنما رُبّي على قول كل حقيقة يؤمن بها هو الذي على عكس عدد كبير من رجال الفكر النهضوي العربي، من الذين تلقوا علومهم في باريس، أو في لندن، وبعضهم في روما، وربما حدث لواحد أو اثنين أن بدآ حياتهما في العالم الجديد، كان من قلة من مفكرين تلقوا علومهم في موسكو أو في غيرها من مدن «بلاد الموسكوب»... وفي الأحوال كافة من المعروف ان ولاء النهضوي الفكري، الذي تلقى دروسه في غرب من المغارب، كان ينحصر في ثقافة البلد الذي حضن مرحلته التعليمية، حتى ولو وصل به الأمر، لاحقاً، الى محاربة ذلك البلد سياسياً. مع ميخائيل نعيمة، الأديب اللبناني الكبير، تختلف الأمور جذرياً، لأنه كان، وفي الوقت نفسه، ابناً لثلاث ثقافات اجتمعت فيه، ولم يكن اجتماعها صدفة.

فهناك أولاً ثقافته العربية - السورية التي حصّلها في لبنان ثم واصلها في الناصرة بفلسطين، وهناك بعد ذلك الثقافة الروسية، الفكرية والروحية التي حاز عليها خلال سنوات شبابه الأولى حين اختير ليَدْرس في سيمنار مدينة «بولتافا» بأوكرانيا، ما أتاح له ان يعاصر المرحلة التي كان فيها ليو تولستوي سيد روسيا الفكري والروحي من دون منازع، وأخيراً هناك الثقافة الأميركية التي اكتسبها بعد هجرته الى هناك وانخراطه في الحياة العملية والأدبية في العالم الجديد. فإذا أضفنا الى هذا كله ان ميخائيل نعيمة، حين أُرسل - كمجند في الجيش الأميركي - الى ميدان القتال في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، كان الوحيد من بين أفراد فرقته، الأديب والعالم بشؤون الآداب الفرنسية، نفهم ذلك التعدّد الكبير في ثقافته.

كان ذلك كله ما صاغ لميخائيل نعيمة، ليس فقط ثقافته وأبعاده الفكرية، ولكن كذلك شخصيته. والمعروف ان شخصية نعيمة كانت واحدة من أغنى شخصيات العصر الذهبي للنهضة الفكرية والثقافية العربية. وهو لئن كان قد حكى لنا حكاية ذلك الامتزاج الثقافي لديه في كتاب سيرته الرائع «سبعون» الذي وضعه في 1959، فإن الأوساط الفكرية الأدبية العربية لم يفتها ان تسهب في الحديث عن ميخائيل نعيمة وعن فكره ودوره الريادي في الشعر والقصة والنقد. ولربما كان نعيمة - الى جانب جبران وأمين الريحاني - الأديب اللبناني الذي عرف اكثر من غيره في مصر، حيث صدرت عنه كتب عديدة بوّأته مكانته التي يستحقها في تاريخ الفكر العربي.

صحيح ان ميخائيل نعيمة رحل عن عالمنا، ولبنان منهمك في حروبه ومجازره، أوائل العام 1988، ما لم يساعد الكثيرين على التنبه لرحيله، وصحيح ان المناخات الثقافية المريضة في لبنان، لم تتمكن في كافة الأحوال من جعل رحيل ميخائيل نعيمة، الحدث الكبير الذي كان يمكن توقعه، حيث ان الكثيرين من المهتمين بالشؤون الثقافية في لبنان، في ذلك الحين، كانوا يعتقدون كما يبدو ان نعيمة «دقة قديمة». ومع هذا كان بلوغه التسعين قبل ذلك بسنوات مناسبة دفعت السينمائي الراحل مارون بغدادي الى تحقيق فيلم عنه، ولقد أتى الفيلم يومها ليُخرج من الصمت مفكراً رائداً، نظر على الدوام الى الإنسان بوصفه قيمة أساسية، والى حياة الإنسان الروحية بوصفها الحياة الأولى التي يتعين إيلاؤها كل الاهتمام.

ولد ميخائيل نعيمة في بسكنتا، بالجبل اللبناني، في 1889، وتلقى علومه الابتدائية في منطقته قبل ان ينتقل الى فلسطين ثم الى روسيا، التي ما إن عاد منها حتى هاجر الى الولايات المتحدة، وهناك ساهم في تأسيس وإثراء الأدب المهجري، وراحت تتجمع لديه ملامح مشروعه الفكري الإنساني الكبير، الذي تجسد لاحقاً في العديد من كتبه الأساسية مثل «مرداد» و «الغربال» و «الغربال الجديد» بخاصة كتابه عن «جبران» الذي نتناوله هنا، والذي أثار ولا يزال عاصفة قوية، لأن نعيمة حاول فيه ان يرسم صورة لصاحب «الأجنحة المتكسرة» تختلف عن الصورة الرائجة. ولقد وضعه ذلك الكتاب على خصام مع أمين الريحاني كما مع الكثيرين غيره.

> ولئن عرف ميخائيل نعيمة بريادته في النقد الذي أدخل فيه العوامل النفسية، وفي القصة والرواية، والتحليل الفكري الإنساني، الذي قربه من الفكر الهندي، - وإن كان قد استمده أصلاً من اطلاعه المكثف على الفكر الروسي-، وكذلك بالفكر التأملي الذي عاش عقود حياته الأخيرة يخوض غماره في منعزله الجبلي في صنين، ما دفع الى تلقيبه بـ «ناسك الشخروب» فانه - أي نعيمة - كان كذلك رائداً في الشعر الحديث - شعر التفعيلة - الذي كتب الكثير منه، قبل ثورة السياب والملائكة والبياتي بزمن طويل. وإضافة الى هذا نذكر ان الكاتب المصري الكبير خيري شلبي، الذي كتب عن نعيمة كثيراً، أشار الى ريادة هذا الأخير حتى في مجال الكتابة المسرحية، وذلك من خلال مسرحية «الآباء والبنون» الاجتماعية الحافلة بمواضيع صراع الأجيال، والتي كتبها نعيمة عند بدايات هذا القرن مفتتحاً بها تيار مسرح عربي اجتماعي لم يتوقف عن التطور منذ ذلك الحين.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


جبران خليل جبران على موقعنا

جبران خليل جبران على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)