Article de presse - مقال صحفي

جبران خليل جبران، شواهد الناس والأمكنة، هنري زغيب (لبنان)، دراسة Gibran Khalil Gibran, Henri Zoughaib (Liban), Etude

, بقلم محمد بكري

جريدة النهار اللبنانية
الثلاثاء 20 آذار 2012- السنة 79 - العدد 24682
أدب فكر فن
مي منسى

جريدة النهار اللبنانية


هنري زغيب جامعاً شواهد ثمينة ممّن عاصروا جبران

مرّت عقود على افتراقهم عن جبران، لكن وفاءهم لذكراه لا يزال نابضا وراء تجاعيدهم، كأننا في كل شهادة استقاها هنري زغيب من بحثه الدؤوب عن أشخاص عاصروه ورافقوه في خلقه وحياته، نقترب منه، ندخل صومعته، من هذا الباب الذي قال عنه أندرو غريب، مترجم قصائده إلى الانكليزية، “بابه كان دوما مفتوحا لا قلبه”.

“جبران خليل جبران، شواهد الناس والأمكنة” الصادر عن “دار درغام”، حصيلة سنوات ترعرع خلالها قلم الشاعر هنري زغيب في الأمكنة التي عاش فيها جبران، واستمع إلى من حملوا إليه شهادات حيّة عنه. يقول هنري زغيب: “هذا الكتاب ليس دراسة في أدب جبران. الكتابات عنه لا تحصى، وليس استقصاء بيوغرافيا، بعدما سيرة جبران باتت منتشرة في كل لغة ودراسة”. الكتاب رحلة بدأها كاتبه قبل ربع قرن في أول رحلة له إلى نيويورك، إذ شعر في تجواله في الأمكنة التي عاش فيها جبران وعبر شوارعها، كأنه بدأ رحلة بحث ميداني عن المطارح التي رسمت خريطة حياته والناس الذين عرفوه أو عايشوا من عرفوه.

أندرو غريب

اسم ورد مرات على درب بحوث زغيب، أكان في كتاب النحات خليل جبران “خليل جبران- حياته، عالمه” أم في كتاب “قصائد نثر” الصادر عن “دار كنوف” ناشر مؤلفات جبران، وقد ورد في مقدمة برباره يونغ كلام لافت عن أندرو غريب، مترجم هذه القصائد إلى الانكليزية، وعاد إسمه في أنطولوجيا “مئة عام لشعراء عرب كتبوا وعاشوا في أميركا” لشريف موسى وغيرغوري أورفيليا، كأول من ترجم مطالع جبران العربية وآخر من ترجم له على حياته.

حيث كان يمضي شيخوخته قرب ماساتشوستش، ذهب إليه زغيب برفقة الدكتور عدنان حيدر، وكانت جلسة ذكريات ثمينة أجاب عنها إبن التسعين بنقاء ووضوح نختصرها ببعض ما قاله. كيف كانت هالة جبران قبل أن تعرفه؟: “عظيمة. كانت شهرته واسعة نتلقّف كتاباته في”مرآة الغرب" لنجيب دياب و"الفنون" لنسيب عريضة و"السائح" لعبد المسيح حداد وجريدة “النسر” لنجيب جرجي بدران. كان معروفا وحبوبا جدا وموضع اعتزاز الجالية اللبنانية. وكانت كتاباته قوية التأثير عليّ فما كان أن انطلقت أترجم له ما يصدر له من قصائد إلى الانكليزية ، “وعظتني نفسي” و"أيها الليل" وكنت أرسلها بعد نشرها بالجريدة المحلية إلى ميخائيل نعيمة فأطلع جبران عليها. وكان جبران يجد في ترجمتي له أسلوبا قريبا من الأصل".

كيف كان جبران في ذاكرته؟: “كان يحب الانزواء ودائما على حزن مكتوم. كان واعيا حجمه المتصاعد إلى العالمية ما جعل لديه شعوراً بالأشاحة عن كل ما لا يخدم مسيرته إلى الشهرة”.

يتذكر يوم ارتقى جبران المنصة في حفلة تكريمية أقامها له أعضاء “الرابطة القلمية” عشية عيد ميلاده، ليلقي كلمة شكر، فما كاد يتكلّم حتى تحشرج صوته وارتجفت شفتاه وانهمرت دموعه فغادر المنبر متأثراً.

من ذكرياته الضجة التي قامت ضد نعيمة عند إصداره كتابه عن جبران وصولا إلى ترجمة “النبي”، فيرى أن الترجمة الأشد إلتصاقا بروح جبران تبقى ترجمة يوسف الخال.

فؤاد خوري

التقيته في مكتب “الهدى”. من يزور نيويورك ولا يزور “الهدى” يكون كما قال يوسف الخال كمن يزور روما ولا يزور الفاتيكان. صافحته وإحساسي أن الكف التي أصافحها كم صافحت كف جبران ونعيمة، وكف تلك الشلّة المباركة من رعيل “الرابطة القلمية”.
الجلسة إلى رئيس تحرير “الهدى” عابقة بذكريات 87 سنة صحافة في عالم الانتشار اللبناني، وزغيب يستمد من أجوبته مادة لبحثه، نذكر ما قاله عن جبران: “كان جبران يأتي إلى إدارة”السائح" مقر الرابطة القلمية وكان دائما يتمشى حاملا عصاه يضرب بها الأرض ودائما يتذمر ممن يستهلكون وقته على الهاتف. كان جلودا على العمل، لا يتعب. لم يكن ميذرا لكنه كان يتأنى بمظهره اللائق. وهذا ما جعل له شهرة مميّزة. أسمع أحيانا أنه زاهد بالنساء ومنصرف إلى أمور الروحانيات. فليسمحوا لي بها (ويضحك) كان صاحبنا نجم نساء. ثم ما عرفت أحدا لم يكن يحبه لما كان عليه من شهرة عالمية".

المونسنيور منصور إسطفان

في العام 1924 تم نقل منصور إسطفان إلى نيويورك خادم رعية سيدة لبنان في بروكلين. “ذات يوم أثناء زيارتي لصديقي ابرهيم الحتي، التقيت برجل ربع القامة عرّفه بي ثم قال:”أقدم إليك أديبنا اللبناني جبران خليل جبران. تأملته. في يده عصا وحول رقبته شال كشمير ووجهه مائل إلى صفرة. قلت: عرفتك قبل أن ألتقيك. بقي صامتا فأكملت: أنا جمعت مقالاتك المتفرّقة وأعطيتها عنوان “البدائع والطرائف” وأصدرتها في كتاب أشرفت على صدوره في مصر". عندئذ خرج من وراء صمته وشكرني ورحل. رافقته بعيني وقلت “هذا الرجل لن يعيش طويلا. هو ناحل أكثر من الطبيعة”. أخبروني في المكتب عن شهرته في نيويورك خصوصا بعد صدور “النبي”. وقالوا إنه لا يزور أحدا. يعيش منعزلا في صومعته. في العام 1927 هاتفني جبران يسألني عن نسخة سريانية للكتاب المقدس كنت أخبرته أنها عندي. عاد فهاتفني ليذكّرني بنسخة الكتاب المقدس ورجاؤه ألا يكون أزعجني. لكني لم أجدها. علمت من أحد أبناء الطائفة في رعيتي أنه يهيئ كتابا عن المسيح".

بطرس يوسف جبران

ما القرابة بينك وبينه؟: “أبوه خليل جبران هو إبن عم أبي يوسف جبران. هو إشبيني في عرسي. كان يأتي أحيانا إلى بوسطن لزيارة أخته مريانا ويعود إلى شغله في نيويورك. الصورة عنه صورة رجل حزين كأن به ألما مخيفا. يحب أن يتمشى برفقة أحد ولو لم يكلّمه. أرافقه أحيانا ولا يخاطبني. يمشي ويفكّر. إذا سألناه عن نتاجه كان ينزعج. لم يكن يحب أن يقرأ كتاباته لناس مثلنا دون مستواه الفكري”.

الملاك الخفي

كانت تصحح مخطوطاته خفية عن زوجها العجوز. يروي الكاتب أن المحاضرين في إحدى جلسات المؤتمر الدولي الأول للدراسات الجبرانية في جامعة ميريلاند العام 1999 كانوا يشيدون بماري هاسكل صاحبة الفضل الأكبر في عنايتها به، إنكليزيا ومعنويا ومادياً وعاطفيا “في لفتة إلى القاعة لمحت شابة دامعة رآها مثلي رئيس المؤتمر الدكتور سهيل بشروئي فقال لي:”إنها قريبة ماري هاسكل".

في نهاية الجلسة جئت إليها معرّفا عن خبرتي الجبرانية ومعرفتي بماري هاسكل، فبادرتني مشيرة إلى عنقها حيث عقد جميل مرصّع : “هذا منها. هي عمة أمي”.

روت لي أنها قرأت “النبي وأحبت جبران قبل أن تعرف علاقته بعمة أمها. في عيدها الثامن عشر أهدت اليها أمها كتاب”النبي الحبيب"، رسائل الحب بين جبران وماري هاسكل ودفاتر مذكراتها: “يوم كشفت لي أمي عن علاقة جبران العاطفية بعمتها، أخذت من يومها تكتشف عالم جبران وعمة أمها”. ثم أخبرته إليزابيت نقلا عن أمها كيف أبقت ماري هاسكل علاقتها بجبران سرّية بعد زواجها من جاكوب فلورنس ماينس ومغادرتها بوسطن. وكيف حين تسافر مع زوجها إلى نيويورك تسرق أويقات تمضيها مع جبران وتراجع كتاباته الأخيرة سرا وتعيدها بالبريد إليه. العام 1930 راجعت آخر مخطوطة لآخر كتاب له “آلهة الأرض” في صالون منزلها بعد نوم زوجها وحين أرجعتها إليه مصححة وحين تلقت النسخة المطبوعة في 31 آذار 1931 قرأتها وكتبت إليه رسالة كانت آخر ما قرأته عيناه قبل أن تتدهور صحته ويدخل في الغيبوبة الأخيرة.

يجول الكاتب في قسم شواهد الأمكنة على بشري وواشنطن يقتفي آثار جبران، وميريلاند وفيلادلفيا وتلك الصرخة الأميركية “يا لجنة جبران لا توقفي”نبي" جبران.

في الفصل الأخير “لا مكان لجبران في دولة جبران” يكتب هنري زغيب كمن يكتب شاهدة على قبر: “كأنه يوم مات لم يمت ليموت بل ليولد كل يوم في بلاد جديدة، في لغة جديدة، فيبقى حيا. فماذا فعلت له دولة وطنه كي تعرفه الأجيال الجديدة في وطنه؟”.

عن موقع جريدة النهار اللبنانية


النهار هي صحيفة لبنانية سياسية مستقلّة رائدة. وقد صدر العدد الأوّل في 4 أغسطس/آب 1933 في أربع صفحات. بدأت الصحيفة التي كان عدد موظّفيها خمسة بينهم المؤسّس جبران تويني، مع رأسمال من 50 قطعة ذهبية جُمِعَت من الأصدقاء، وكانت تُوزِّع 500 نسخة فقط. ولاحقاً تولّى ابن جبران، غسان تويني، وحفيده الذي يحمل الاسم نفسه، جبران تويني، رئاسة التحرير والنشر. حالياً تشغل نايلة تويني منصب رئيسة التحرير ورئيسة مجلس الإدارة.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)