جائزة نوبل للآداب للعام 2016 للفنان الأميركي بوب ديلن

, بقلم محمد بكري


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٣٠٠٧ الجمعة ١٤ تشرين الأول ٢٠١٦
جريدة الأخبار
ادب وفنون


«إعصار» بوب ديلن يجتاح الأكاديمية السويدية


يزن الحاج


بعد 23 عاماً من تجاهل «الأكاديمية السويدية» للأدب الأميركي، حيث كان تتويج توني موريسون عام 1993، أنهت جائزة «نوبل» للآداب اللغط هذا العام، ليبدأ لغط آخر مع منحها للفنان الأميركي بوب ديلن (اسمه الحقيقي روبرت آلن زيميرمن ــــ1941) لأنّه «خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأميركية». لم ينتج اللغط لكون ديلن مجهولاً لكثيرين، كما حدث مرات كثيرة مع الجائزة، بل لكونه ليس كاتباً بحسب التقاليد المتعارف عليها. ديلن، المطرب وكاتب الأغاني، موجود على لائحة المراهنات والترشيحات غير الرسمية منذ سنوات، لكن لم يكن أحد يتوقّع تتويجه فعلاً. إذاً، هادنت الأكاديمية جمهور الأميركيّين، لكنّها أغضبت ذوّاقي الأدب لأنّها كررت تجاهلها لكتّاب كبار سيبقون على لائحة الانتظار، وبات على الأرجح أنّهم لن ينالوها أبداً، وبخاصة مع دخول معظمهم شيخوخته، مثل: فيليب روث، دون ديليلو، كورمك مكارثي، توماس بنتشن، جويس كارول أوتس وأورسولا لي غوين.

كان الإعلان عن الفائز قد تأجّل أسبوعاً. ومع أنّ الكاتب السويديّ بير فاستبرغ، عضو الأكاديمية السويدية، كان قد أعلن أنّ المشكلة محض «تضارب وقت»، إلا أنّ بيرون فيمان، المحرر الثقافيّ في الصحيفة السويديّة «داغنس نييتر»، رفض هذا التبرير، مشيراً إلى أنّ ثمة اختلافاً بين أعضاء اللجنة. كان بعضهم يظنّ أن سبب الاختلاف سياسي أو ديني، كما حدث عام 2005 حين انتشرت أخبار غير رسميّة بأنّ اللجنة لا تحبّذ منحها إلى أورهان باموق كي لا تُغضب الحكومة التركيّة، ففضلت منحها إلى المسرحي البريطاني هارولد بنتر، ليكون الاختلاف هذا العام على اسم أدونيس، كما أشار عديدون، بسبب انتقاداته الدائمة أخيراً للإسلام السياسيّ، حيث يفضّل عدد من أعضاء اللجنة أن لا تقوم الجائزة ببعث «رسائل خاطئة» في كونها تتبنّى مواقف هذا الكاتب أو ذاك. كانت النتيجة ذهاب الجائزة إلى «شاعر» أميركيّ، لتنفض الأكاديميّة عنها إشكاليّتين في الوقت ذاته: تردُّدها في منحها إلى شعراء أخيراً، وتجاهلها للأدب الأميركيّ.
لم يكن اقتحام بوب ديلن ميدان المؤسسات الأكاديميّة جديداً. بدأت المقالات النقدية عنه منذ عام 1972، فأعماله ــ بحسب كاتب سيرته كلينتون هيلين ـــ «أهم معتَمد في موسيقى الروك»، ويمنحها كيفن ديتمار، محرر كتاب «دليل كيمبردج إلى بوب ديلن»، قيمةً أكبر ليعتبرها «أهم معتَمد في الموسيقى الشعبيّة الأميركيّة في القرن العشرين»، حيث تخلّى ديلن عن «طفوليّة» الكلمات التي تعتمدها الأغاني الشعبيّة عادةً، واستورد الرمزية الفرنسية، مع منحها حمولةً سياسيّة كبيرة، لتصبح الكلمات قصائد بذاتها، عدا عن احتلالها محور الأغاني مُزيحةً اللحن والصوت، وبخاصة أنّ صوت ديلن ليس من الأصوات التي تميل إليها الآذان. حتى مع اتفاق معظم النقّاد على أنّ ديلن ليس شاعراً بالمعنى المتعارف عليه، إلا أنّ إسهاماته كـ«فنّان أدبي» هي من المرتبة الأولى بكل تأكيد. حُلّت مشكلة إدخال اسمه وأعماله في المؤسسات الأكاديميّة تدريجاً مع تحوّل بؤرة الاهتمام من الأدب بتعريفه الضيق إلى «الثقافة» ككل، منذ أواخر السبعينيات، حين باتت الثقافة الشعبية مكوّناً نقدياً مهماً في المشهد الثقافيّ العالميّ.

ولعلّ أكثر ما أفاد ديلن هو ترافق أغانيه الأشهر في الستينيات مع انطلاق حركة الحقوق المدنيّة واندلاع حرب فيتنام وردود الأفعال الرافضة لها، فأصبح ديلن «أيقونة» هذه الحركات لسنوات طويلة، بحيث باتت أغانيه بمثابة أناشيد غير رسميّة لهذه الحركات، وإن كان قد بدأ يتخلّى عن تلك «الأمجاد» تدريجاً، مؤكّداً أنه قد أعطى بما فيه الكفاية، وأنّ على الناس التوقّف عن التعويل عليه أو انتظار ما هو أكثر، إذ «لا يمكنك مواصلة الاعتماد على شخص واحد ليمنحك كل شيء». ولكن إن كان أثر الأغاني سيبهت مع السنوات، يواصل النقّاد نبش كلماتها لدراستها كنصوص مستقلة، مثل أي أعمال شعرية أخرى لكيتس أو شيلي.
ومع أنّ اختيار ديلن من الأكاديميّة سيثير جدلاً كبيراً، إلا أنّه يحقق عملياً «معايير» الفوز بالجائزة التي تحاول تكريم أصحاب التأثير المتفرّد ضمن حقل الأدب (بمعزل هنا عن كونه يندرج تحت تعريف ضيّق أو أوسع) على أجيال بأكملها، مع وجود بصمةٍ تميّزه عن غيره. ينطبق هذا المعيار على بوب ديلن (وعلى أدونيس) على نحو أكبر من فيليب روث أو ديليلو أو حتى بنتشن، فهم متقاربون تقريباً في الأهميّة والفرادة، وربما كان هذا سبباً آخر في تأخر «نوبل» عن الأميركيّين حيث انتهى عصر الأدباء العمالقة الذين يَسِمون الجيل (أو القرن بأكمله) بسمتهم، مثل وليم فولكنر. بالمقارنة، يبدو ديلن هنا شديد الملاءمة بمسيرته الممتدة أكثر من نصف قرن، حيث كان هو المطرب (وكاتب الأغاني) الأبرز دون منافسة، وبخاصة بعد رحيل إلفيس بريسلي. كلمات أغانيه، كانت هي ما يكرّس تعريفات العصر، لا العكس، حيث باتت فترة الستينيات تُنسَب إلى حركة الحقوق المدنيّة بكل تجلّياتها، بما فيها الأغاني. وحتى بعد التخفّف من الجرعة السياسيّة تدريجاً، أصبحت مسيرة ديلن متسمةً بتجريبيّة مرنة وتنقّل مدهش بين جميع أنواع الموسيقى الشعبيّة، حيث حقّق مكانةً فريدةً لم تخبُ طوال هذه العقود، وحتى مع ألبوماته الأخيرة، وإنْ أشار بعض النقّاد إلى كونها أدنى مستوى من ألبوماته القديمة، إلا أنّ الإجماع المطلق تقريباً على تألّق كلماته، كرّس مكانته كـ«شاعر الأغنية الأميركيّة الأبرز» طوال نصف قرن.

لكنّ مشكلة هذا المعيار الفضفاض الذي تنتهجه الأكاديميّة منذ العام الماضي حين منحت الجائزة لسيفتلانا ألكسييفتش ونوّهت إلى «ابتكارها جنساً أدبياً جديداً»، هو عبارة عن سرد تسجيلي لضحايا الكوارث والحرب، قد تؤدّي في نهاية الأمر إلى تتويج كتابٍ إشكاليّين يحقّقون معايير الأكاديميّة تماماً، ولكنهم ليسوا أصحاب «أدبٍ عالٍ»، مثل ستيفن كنغ أو مايكل كرايتن أو حتى جورج مارتن، وتجاهل كتّاب أهم بكثير، لكنّهم لا ينفردون بمكانةٍ مطلقةٍ بين مجايليهم، مثل سلمان رشدي أو خابيير مارياس أو ريو موراكامي أو بيتر ناداس.

في جميع الأحوال، ليس بوب ديلن بعيداً عن مضمار الأدب كما يبدو الأمر للوهلة الأولى، وليس وافداً مفاجئاً على المشهد الأدبي، وإن كان هو يرفض اعتباره شاعراً. نجد عشرات الكتب النقدية المكرّسة لدراسة «قصائده» التي كانت أحد الأسباب الأبرز في تغيير معايير الدراسة الأكاديمية للأدب وتجسير الهوّة التي كانت سائدةً حتى بداية الستينيات بين «الأدب العالي» و«الأدب الشعبي»، بحيث سينفتح المستقبل على احتمالاتٍ جديدة ومفاجئة في فهمنا للأدب وتعريفنا له. وربما يكون حظّ كتّاب آخرين مثل حظ بوب ديلن في انتزاع شرعيّة كلماتهم من أعرق المؤسسات الأدبيّة في العالم، من «بوليتزر» التي منحته تنويهاً خاصاً عام 2008 «لأثره الهائل على الموسيقى الشعبيّة والثقافة الأميركيّة»، وصولاً إلى الأكاديميّة السويديّة التي ستتابع إبهارنا في السنوات القادمة.






عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا


عن الصورة



جريدة الحياة


الإثنين، ١٧ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦
جريدة الحياة
هناء عليان


بوب ديلان الذي أنصفته نوبل وظلمته


«الأوقات تتغير»، عنوان هذه الأغنية لبوب ديلان كان ردّ أمينة سر الأكاديمية السويدية سارة دانيوس على موجة من الأسئلة التي وجهت إليها حول منح الموسيقي الأميركي المخضرم بوب ديلن جائزة نوبل للآداب لعام 2016، بخلاف كل التوقعات.

وفي وقت ارتفعت فيه صيحات الاستهجان واستحال الخبر مادة نقاش دسمة، نقدياً وفايسبوكياً، آثر الفنان الفائز بوب ديلان الصمت عقب سماع الخبر، هو المعروف بأنه لا يكترث ولا يفرح كثيراً عند نيله الجوائز.

لا شكّ في أنّ صورة ديلان الفنان (مطرباً وعازفاً) هي التي انطبعت في أذهان الناس أينما كانوا، لكنّ هذا الفوز يدفعنا من دون شكّ الى إعادة قراءة بوب ديلان الشاعر، وبعينٍ أخرى.

قصائد ديلان خرجت من صميم الواقع الذي غاص فيه، والمرحلة التي عاصرها. هو ابن الـ Beat generation، تيار أدبي وفني عرفته الولايات المتحدة في خمسينات القرن العشرين، مثّله عدد من الكتّاب والفنانين في مقدمهم جاك كرواك، صاحب التسمية التي قصد فيها شلّته الأدبية (جون هولمز وآلن غينسبرغ وويليام برغوس). مثل آلاف الشباب في الولايات المتحدة، تأثّر ديلان بالمفاهيم الخاصة لهذا التيار فتبنّى قضايا الحرية والسلم. استحدث مدرسة غنائية - شعرية خاصة به، عُرفت فيما بعد بالـ «ديلانسكية»، وتميزت بأغانٍ حماسية - احتجاجية، وبقافية ذكية، وبثيمات مسّت الأجيال الجديدة وجعلتها تتذوق الشعر عبر الغناء.

خلال مسيرته، نظم ديلان الشعر بأسلوبه الخاص، غير أنه لم ينفصل عن الحركة الشعرية الكلاسيكية، فقرأ عظماء الشعر في أوروبا وأميركا وأحبّ منهم الفرنسي رامبو. ولو قرأنا قصائده، بعيداً عن موسيقاه، لوجدنا أنّ كاتبها شاعر ثاقب الرؤية، بسيط الأسلوب، عميق المعنى. لكنّ النقاد لم يفلحوا في الفصل بين ديلان الشاعر و «النجم» (الموسيقي)، فسلكوا مساراً قاسياً ضدّ فوزه، معتبرين «أن عالماً يمنح بوب ديلان جائزة نوبل للآداب، هو العالم نفسه الذي يرشح دونالد ترامب للرئاسة!».

نعم، المفاجأة لم تكن عادية وفوز ديلان لن يمرّ عابراً، لكنّ المتابعين الحثيثين لجائزة نوبل وترشيحاتها يعلمون أنّ اسم ديلان ورد ضمن قائمة المرشحين غير الجديين للفوز بجائزة نوبل، وإن مرات قليلة فقط. لكنّ الخبراء استبعدوا فوزه لاعتقادهم بأن الأكاديمية السويدية لن تكسر تقليداً امتد على مدى أكثر من قرن بمنح الجائزة لشاعر أو روائي، لكنهم كانوا مخطئين. مع ذلك، بدا ضمنياً أن الأكاديمية حاولت تلافي الانتقادات عبر تبرير اختيارها، وهو أمر لم تفعله من قبل وعلى الأرجح لم تكن لتفعل لو كانت الجائزة من نصيب فيليب روث أو هاروكي موراكامي أو ميلان كونديرا مثلاً.

اعتبرت سارة دانيوس أن بوب ديلان «يكتب شعراً للأذن يجب أن يُلقى بصوت عال. إذا ما فكرنا في اليونانيين القدامى مثل صافو وهوميروس، فهم كانوا ينظمون الشعر ليتم إلقاؤه برفقة آلات موسيقية، وكذلك أعمال ديلان»، مشيرة إلى وجود «تماسك كبير» بين أفراد الأكاديمية حول هذا الخيار، وكأنها بذلك تنفي الشائعات التي ترددت حول سبب تأخير الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل للآداب لنحو أسبوع، وعلى عهد غير مسبوق، جراء خلاف بين أعضاء الأكاديمية حول الصنف الأدبي وليس الشخصية المرشحة للفوز.

يجد ديلان نفسه اليوم في مصاف يوجين أونيل وبيرل باك وتي أس إيليوت وويليام فولكنر وإرنست همنغواي وجون شتاينبيك وتوني موريسون وغيرهم من مواطنيه الذين حصلوا على التكريم عينه، لكنّ صدمة الفوز والخبر الذي استُقبل بموجة ضحك وصيحات الاستهجان من داخل قاعة الأكاديمية الملكية الفخمة في ستوكهولم، ستظلّ تلاحق ديلان وتضع إنتاجه الشعري موضع شكٍّ وسؤال.

ولكن، مهما يكن موقفك من ديلان (1941) فإنّه شاعر يملك حرفة الكتابة، وهو يُقدّم الكلمة على اللحن. وقد سبق أن تُرجمت قصائده الغنائية الى لغات العالم، ومن أهمها الفرنسية. لقد استطاع بقصائده، قبل نغماته، أن يسهم في انتشار الوعي السياسي والاجتماعي وثقافة رفض الحروب والدم. وثمة مؤرخون يعتبرون أن ديلان لم يكتب مجرد أغنيات بل مقطوعات شعرية ذات قيمة أدبية صرفة تجعلها في مصاف الشعر العالمي، ربما ساعدها اللحن على الانتشار لكنها في العمق قصائد تستحق كل ثناء وتقدير.

مع اندلاع الحرب الأميركية على فيتنام، أصبحت أغنياته مثل «في مهب الريح» و «الأوقات تتغير» أناشيد للمقاومة الرافضة للحرب، وللحركات المدنية المطالبة بالعدالة الاجتماعية والقانونية بين البيض والسود، وبرفض استخدام السلاح النووي. يقول ديلان في «مهب الريح»:

«كم من الطرقات ينبغي للإنسان أن يقطعها/ قبل أن ندعوه رجلاً؟/ كم من البحار ينبغي للحمامة البيضاء أن تطير فوقها/ قبل أن تنام في الرمال؟/ وكم من القنابل ينبغي أن تقذفها المدافع/ قبل أن تُحظر الى الأبد؟

... الجواب، يا صديقي، في مهب الريح/ الجواب في مهب الريح».

ركز ديلان في قصائده المغناة على أوجاع المواطن الأميركي العادي، مشكلاته وخيباته، انكساراته وآماله، واتسمت كلماته بأنها متعددة التفسيرات بحيث إن كل مستمع يستطيع أن يتماهى معها أو يسقطها على حياته من زاوية ما، كما هي الحال في أغنية «أطرق باب السماء»، عن شرطي أصيب أثناء ملاحقة مجرمين: «أماه... انزعي هذه الشارة عن صدري/ لم أعد أقوى على النظر/ كل شيء غدا مظلماً في عيني/ أشعر كأنني... أطرق باب السماء/ ... أماه، ضعي مسدسي على الأرض/ لم أعد قادراً على التصويب/ وتلك الغيمة الطويلة المظلمة/ تدنو من الأرض/ أشعر كأنني... أطرق باب السماء».

بصوته الجامح، سجل ديلان الكثير من الألبومات التي تتمحور حول الأوضاع الاجتماعية، الدين، وشجون الحب. واشتهرت كذلك أغنية «مثل حجر يتدحرج» التي اعتبرت من أهم أغنياته على الإطلاق وأكثرها انتشاراً. فيها تحدث عن جيل من الشباب الأميركي ممن فقد بوصلته وخسر حياته جراء تخليه عن القيم، عن فتاة جميلة أصبحت مشردة في الطرقات لأنها لم تتمكن من حماية نفسها. «كان الناس ينادونك أيتها/ الجميلة الطائشة.../ احذري... ستسقطين/ فظننت أنهم يمزحون/ أنتِ اعتدت على السخرية من أي فرد بدا عليه الإحباط/ الآن أنتِ لا تتحدثين بصوت مرتفع/ لا تبدين مغرورة/ عندما تضطرين لتسول وجبتك المقبلة/ كيف يبدو هذا، كيف تشعرين/ حين تكونين وحيدة... ولا تعرفين طريق البيت/ مثل نكرة كاملة.../ مثل حجر يتدحرج؟/ ... حسناً يا آنسة «وحيدة»/ قد درست في أرقى المدارس، لكنك تعرفين/ أنهم كانوا يعصرونك فيها/ ولم يعلمك أحد كيف تعيشين على قارعة الطريق/ لكنك الآن مرغمة على اعتياد ذلك». ديلان الذي عرف بأنه صوت مناهض للحرب وقريب من حياة المهمشين والمضطهدين، هو آخر من يمكن اعتباره داعماً لثقافة المؤسسة الأميركية وهو ما ينفي الاتهامات التي سبق وأن وجهت للأكاديمية السويدية بـ «تسييس» خياراتها والابتعاد عن الموضوعية والمهنية. فلو كان الهدف اختيار أميركي للفوز، لكان اختيار روث أسهل بكثير كونه من أبرز المرشحين للجائزة منذ سنوات.

تلقى ديلان العديد من الجوائز منها 11 جائزة غرامي وجائزة أوسكار واحدة وغولدن غلوب واحدة، وفي عام 2012 تلقى وسام الحرية الرئاسي من الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو من أشد المعجبين به.

عندما سئل عن رأيه باختيار ديلان، قال عضو الأكاديمية السويدية بير واستبرغ «إنه أعظم شاعر غنائي على قيد الحياة»، ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن الخطاب الذي يلقيه الفائز بجائزة نوبل في ستوكهولم في وقت لاحق من السنة سيتحول إلى حفلة موسيقية، أجاب: «دعونا نأمل بذلك».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثامنة والعشرون العدد 8622 الجمعة 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2016 - 20 محرم 1438 هـ
رامي أبو شهاب


بوب ديلان وجائزة نوبل.. تجاوز المتوقع نحو عالم تعبيري متحول


شكل حصول الشّاعر وكاتب الأغاني بوب ديلان على جائزة نوبل هذا العام مفاجأة للوسط الثقافي في العالم، غير أنه اتخذ في الثقافة العربية مظهراً آخر، إذ بدت معظم الأصوات مستهجنة لهذا الخيار، إذ لم تستسغ العقلية أو الذاكرة العربية هذا التحول الذي طال نهج القائمين على الجائزة، الذين استجابوا حقيقة لمفردات العصر من حيث أهمية تجاوز المنظور الذي لا يرى الثقافة إلا عبر تمظهرها الأدبي أو النخبوي.
ومع أن الثقافة العربية كما المثقفين العرب، خاصة المشتغلين في التحليل الثقافي يدركون أن الثقافة هي في المقام الأول ظاهر وممارسة اجتماعية تحتفي بكافة النماذج، ولاسيما ذات التأثيرات الشعبية، بل إنها تعد هذا النوع من الإنتاج نموذجاً مفضلاً لتطبيق الممارسة النقدية الثقافية التي تنحاز للتمثيلات أو القيم التي تخترق المنظورات الهرمية للمجتمع، والثقافة، بل إنها ربما تفتعل خطاباً نقدياً للسخرية من النماذج المتعالية في الثقافة أو الأدب.

في تعليق لجنة جائزة نوبل على منح بوب ديلان نقرأ مسوغات الاختيار، حيث جاء «منحت جائزة نوبل لبوب ديلان لأنه خلق تعابير شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأمريكية». كما ذكر أيضاً بأنه «شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقين بالإنكليزية». يتضح من هذا التعليق أن ثمة تجسيداً لتقييم فني في الدرجة الأولى يسوغ هذا الاختيار، غير أن اكتناه هذه العبارات بما تختزنه من دلالات يحيلنا إلى أنها تتصل بمنتج ثقافي شائع كمسوغ لمنح الجائزة، ونعني الكتابة الشعرية الخاصة بالأغاني، أو التي تتخذ من منصات الغناء أداة للتأثير، وهذا يعني أن ثمة تأثيراً واضحاً لهذا النوع من الكتابة في ثقافة أمست لا تعترف كثيراً بالحدود، علاوة على أنها ترى أن الفنون والآداب لم تعد تحتفي بالتخصيص، أو التوصيف النوعي الأجناسي النخبوي، فهي تنظر للأثر الذي أحدثته – على سبيل المثال- كلمات بوب ديلان، وتنظر لأدائه الفني الذي استطاع أن يضيف تقاليد شعرية جديدة في الغناء، ما يعني أن ثمة تكويناً جديداً لمدرسة ابتكرها بوب ديلان استطاعت أن تشق طريقها في المشهد الغنائي الأمريكي، ولعل التعبير الأخير، يعني أن هنالك نموذجا لخصوصية محلية تتصل بالثقافة الأمريكية التي لا يمكن أن نتجاهل حجمها، وبهذا فإن لجنة الجائزة استجابت لأثر هذا الحضور الغنائي في اللغة الإنكليزية، أو الثقافة الأنكلوسكسونية، ولكنها في الآن اتجهت إلى الثقافة الأمريكية باختلاف مظاهرها، وتنوع مصادرها، كون هذه الثقافة لا تعنى بالمرجعيات العرقية والدينية كما تدعي في خطابها.

لا شك في أن بوب ديلان مارس موقفاً في تعبيراته الغنائية كما تجلت في مواقفه من الحروب، والدفاع عن المهمشين والمضطهدين، وهذا ما يعني أن بوب ديلان ليس مجرد كاتب أغان، إنما هو شاعر انحاز لمنهج تعبيري، رأى فيه قدرة على التأثير. وبهذا فقد كرس ديلان موهبته بالكتابة في مجال الأغاني لصالح قضايا محورية مهمة في الثقافة الأمريكية، التي تبدو هي الأخرى نموذجاً لكسر الحدود والقوالب، ورفض المتعاليات والنماذج الهرمية للثقافة. فالقيمة هنا تناط بالأثر، والنموذج الفني، بالإضافة إلى شيوع مفردات إنسانية تعبر عن بعض القضايا الهامة. وهكذا نستنج بأن العالم الآخر يبدو في نسق من التفكير والتوجه لفهم الأدب والفنون يختلف كلية عن فهمنا الخاص الذي ما زال يخضع لجملة من التصورات والتعريفات الحديّة أو المتوارثة، ما يعني بأن هنالك أسئلة تتعلق بهذا القصور في فهم الثقافة، كما الفنون، أو التعبير عامة، ولكن بمعزل عن التخصصات المعرفية التي باتت من مخلفات الماضي.

لقد كان فوز بوب ديلان بجائزة نوبل استجابة طبيعية لإيقاع الزمن الذي بات يغادر الحصون النخبوية لثقافات شعوب لم تعد قادرة على الصمود ما لم تتخلص من سيطرة إرثها الماضوي القائم على معايير بائدة من الفهم الكلاسيكي، أو بعبارة أخرى الفهم القديم للأدب أو الفن… أو الثقافة، ولاسيما ما قبل الثورة التقنية، أو العالم الرقمي الافتراضي حيث لم تعد كافة الحدود والاشتراطات التي تزخر بها معاجم الكتب والتعريفات الاصطلاحية للأدب أو الثقافة ذات جدوى، أو صالحة كونها تنتمي إلى عالم آخر لا يمت بصلة لما يمكن أن تفرزه حركة التاريخ التي تتجه إلى جهة لا معلومة، وبهذا فقد فقدت شرعيتها، ولكن هذا لا يعني نفيها، ولكن ينبغي ألا يمارس أعلامها إقصاء نماذج من التعبير الجديد. إن التثمين الجديد للعالم القائم على الموسيقى والكلمة في تقاطعهما معاً، يعني أن مدى التأثير الذي أحدثته موسيقى بوب ديلان، وكلماته قد تجاوز في حدودهما قوة الخطاب الأدبي الذي يعاني من جملة الانكسارات لا على المستوى العربي فحسب، وإنما على المستوى العالمي أيضا، ومع أن ثمة علامات استفهام كبيرة حول مقولة موت الأدب، ولكن هذا لا يمنع من طرح طرق تفكير، وبدائل أخرى لتعديل هذا النسق من التعبير، فهنالك اعتقاد بأن الأدب ينبغي أن يعيد إنتاج ذاته من خلال البحث عن منصات أو أنماط أخرى جديدة، وبوجه خاص من التشكيلات الفنية، والأنساق، كما أيضا الموضوعات التي ينبغي أن نسعى للولوج لها بعيداً عن المألوف أو السائد.

لاريب أن منح ديلان جائزة نوبل – على الرغم من الانتقادات التي يمكن أن نصادق على بعض منها- من حيث معيارية المنح، ومقدار ما يطرأ من المنظور السياسي على توجهات اللجنة، ولكننا مع ذلك لا يمكن أن ننكر الأثر الذي كان لبوب ديلان في صوغ الوعي الجديد للثقافة، وهذا لا يقتصر على فئة محدودة من البشر كبعض المثقفين والمتعلمين، وقراء الأدب ممن انتظروا اسماً أدبياً لامعاً أو رصيناً، إنما هذا يشمل قطاعات هائلة من المتلقين نظرا لجماهيرية الموسيقى وشعبيتها، لقد اختارت الجائزة أن تكون شائعة النهج، وقريبة من الناس.

إن القضايا التي ناضل من أجلها بوب ديلان عبر الموسيقى والكلمات، والفن عامة مما لا يمكن أن نتجاوزه، ولاسيما موقفه من الحروب وويلاتها. فبوب ديلان ليس مجرد فنان، أو كاتب أغان فحسب إنما هو وعي قائم بذاته، ولكن لا يمكن أن يفهم إلا في سياق الغرب الذي لا يرتهن لقيم زمانية أو مكانية، أو حتى لتحديدات المنهجيات والأكاديميات، فهو يتبع الحياة بتكوينها، وإعادة تشكيلها، والذي يكفل لها أن تبقى في حدود التأثير، وعدم الانكفاء، مع الحرص على تجسيد وعي جمالي، وهنا نقع على أحد أهم مبادئ الفهم العربي للثقافة التي ترى أن الخطاب والتعبير الشعبي، يحتفي بالقدر الأقل من الجمالي، ولكن هذا نشأ لعدم تكريس تنظير حقيقي للجمالي، علاوة على وجود ممارسة نقدية متطورة. وهنا تتضح لنا أهم إشكاليات الثقافات التي تسعى إلى الإبقاء على نماذج من المتعاليات الفنية بوصف من أنتجوا هذا النمط… لن يسمحوا بتجاوز التقعيد المنهجي الذي وضعوه في تعريف الفنون والآداب، ولهذا فأن أي محاولات لهتك هذه المنظومة من التعبيرات والمفاهيم سوف يجابه بالرفض، كما الإقصاء، ونتيجة لهذا يبقى الأدب في حالة من الجمود، فضلاً عن اللغة الخشبية المنعزلة عن الحياة، وحيوية الواقع، بالتجاور مع تقدم نماذج رديئة من الكتابة أو الغناء أو الثقافة عامة.

لا شك أن إطلالة على بعض النماذج لسيطرة النخب والمؤسسة على الثقافة سوف يجعلنا نفهم أسباب قصور الثقافة العربية عن الوصول إلى العالمية، مع جملة أخرى من الأسباب، ولعل أهمها يتصل بقتل المستقبل لصالح الماضي، والمواهب لصالح تحيزات، ومحاصصة اجتماعية أو سياسية، ومن ذلك على سبيل المثال ما نشاهده من مفارقات حيث يُقصى شاعر موهوب من مسابقة شعرية محلية، كما يتجاهل إعلامياً، ويرفض نشر ديوانه لكونه لا يستجيب لذائقة مجموعة من سدنة الثقافة، ومؤسساتها، أو لمعياريتها العرقية، أو الطائفية، أو القبلية، أو السياسية. وهذا ينسحب على كثير من المطربين الذين لم يظهروا لولا برامج المواهب الإقليمية التي سمحت بتميزهم ونجوميتهم، على الرغم من أنهم رفضوا، وتم تجاهلهم في منصات بلدانهم، وبرامجها للموهوبين، وهذا ينتج بفضل القائمين على صنع السياسة الثقافية والفنية في العالم العربي، فمعظمهم يرغبون في الإبقاء على فهمهم المتخيل للثقافة.

إننا بحاجة إدراك بأن عدم القدرة على المفاجأة، والتزام المتأمل، والمتوقع، كما السعي للاستجابة للنموذج الرسمي لتحولات الثقافة هو أحد أبرز أسباب تراجع الثقافة العربية، وعدم قدرتها على أن تجد لها موطئ قدم في المشهد الثقافي العالمي، إذ ما زلنا نتعامل مع الثقافة بمنطق الدولة، والبوليس، والعشيرة، وما يجوز وما لا يجوز… فثمة تراتبية في الثقافة ينبغي عدم تجاوزها، كما ثمة آباء وأسلاف، كما تقاليد للكتابة، ودعايات بأننا في هذا العالم نتعرض لاستلاب مخزوننا الثقافي، ولهذا يجب أن نتحول إلى جنود للدفاع عن تعريفات الأوائل للشعر، والوزن، والقافية، وصلاحية قصيدة النثر، ومشروعيتها، لا أن ننشغل بالتعبير عن همومنا، في عالم بات يمزج الثقافة بروح العصر المتسارع من قيم رقمية، وافتراضية، ومدى من الحرية… كون هذه العناصر هي مفتاح التلقي الجديد.

إن فوز بوب ديلان مع تقدير الإتاحة لكافة الخيارات في فهم نوايا اللجنة، وقيمها المسيسة، لا بد أنه لم يكن سوى إشارات إلى اتجاهات جديدة بأن الثقافة، والأدب، والفنون ليست سوى ممارسة لا تستجيب لحدية التاريخ، فضلاً عن قيمه ذات الطابع الماضوي، بل إنها تتجه نحو المستقبل الذي لا نمتلكه، إنما هو نتاج العصر الذي نعيشه، وللأجيال الأخرى، وأي محاولة للإبقاء على فهم محدود لن ينتج معه سوى إعادة تكرار للقوالب القديمة، وعدم التقدم في تكريس أنماط تعبيرية جديدة تستجيب لإيقاع هذا الزمن. فما الممارسة النقدية الثقافية إلا أداة لرصد هذا التحول من الأجناسية الخاصة بالممارسة الخطابية، بالإضافة إلى كونها فعلا ثقافيا يتخلل الإنسان، وعالمه، وبهذا فإن ثمة دعوة للتوقف عن محاولة التعلق بأوهام النخب، ومؤسساتها الثقافية التي تبدو متأخرة جداً عن فهم تحولات الثقافة، ولعل هذا يضعنا أمام علامات استفهام عن السياسة الثقافة الفنية في عالمنا، كما أنه يشير إلى رؤية ارتجاعية نكوصية للثقافة يمكن أن تؤدي بنا إلى المزيد من التلاشي والضياع، كما الغياب عن المشهد الثقافي العالمي.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)