ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

تونس : سوق الزرارعية لا تزال عامرة.. والأسعار لا يحددها العرض والطلب Tunisie - Tunis

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاربعـاء 17 صفـر 1433 هـ 11 يناير 2012 العدد 12097
الصفحة : عين الشرق
تونس : عبد الباقي خليفة


التجار يستغلون حالة الإرباك لرفع الأسعار


ما يحتاجه الإنسان لطعامه اليومي هو الأكثر رواجا، ومنه التوابل، والحمص في سوق الزرارعية («الشرق الأوسط»)

قليلة هي الأسواق المتخصصة في بيع مادة من المواد أو صنف من الأصناف، أو خاصة بنوع من أنواع المهن التي لا تزال تحافظ على مكانتها، وتعلن عن نفسها في شكل تجمعات من الدكاكين والحرفيين والتجار. ومن بينهم ما يعرف في تونس باسم «الزرارعية» وهم باعة البخور والأعشاب والبقول المجففة أو الجافة مثل الحمص، والفول، والحناء، والكبار، والعرعار، والإكليل، والزعتر (أنواع من النباتات الجبلية ذات المنافع الصحية) وغيرها.

وينتشر الزرارعية في مختلف المدن التونسية، وإن كان (ويا للمفارقة) أغلب زبائنهم من سكان الأرياف.

وقال الزرارعي، قاسم عيسى (48 سنة) لـ«الشرق الأوسط» الذي يعمل في السوق منذ 20 سنة: «أبيع هذه المواد منذ سنين طويلة، وكونت منها ثروة والحمد لله، فلدي بيتان أسكن في أحدهما وأؤجر الآخر لضابط في الأمن». وتابع: «دخلت هذه التجارة بعشرين دينارا فقط (نحو 10 يوروات) ولم أجلس في المقاهي ألعب الورق كما يفعل شباب اليوم، فببضعة دنانير تستطيع أن تكون تجارة عظيمة إذا كنت ذكيا».

وعن المواد التي يشتهر الزرارعية ببيعها أفاد بأنها «التابل والكروية والثوم والإكليل الجبلي والحمص والكاكاوية (الفول السوداني) والحناء والرند والذرة الجافة والعدس والشيح والفيجل والفل المجفف، والمردقوش والضرو والقتابة وست مريم، والكركدن».

وقسم عيسى التوابل والبقول والأعشاب إلى قسمين «بعضها للتغذية، وبعضها الآخر للتداوي، مثل المردقوش، والإكليل، والزعتر»، وعن الأمراض التي يتم معالجتها بالأعشاب المذكورة ذكر عيسى أن «تغلية كمية من الترنجية (تشبه المرامية إن لم تكن هي نفسها) وقليل من التابل ويشربها المريض فيشفى بإذن الله». ولدى عيسى أدوية للبرد «ورق الريحان، عدو لدود للبرد يقضي عليه تماما». وأدوية لمرض السكر «الحنظل المجفف يغلى في الماء وتوضع فيه الأرجل، أما حبوبه فتوكل لمعالجة البرد، ولن يكون هناك روماتيزم بعدها» و«الحلبة تبرد الأمعاء، والكمون (الحبة السوداء تقريبا) للتخلص من الهواء داخل البطن»، ويصف عيسى طريقة للتداوي من الأنفلونزا: «الدواء سهل ومتوفر في كل بيت، وهو وضع كمية قليلة من السكر في كانون به جمر ويستنشقها فتسلك جيوبه الأنفية فورا ويشفى بعون الله».

وكشف عيسى عن دور استشاري يقوم به لصالح الزبائن: «يأتون إلي فأصف لهم الدواء المناسب، دون أن يضطروا للجوء للأطباء والمعالجة بالسكينر والإبر والأدوية الكيميائية». ويضيف: «شعارنا غلي الأعشاب واشرب».

ولم يكن يخطر ببالنا السؤال عن مكونات «السويق» على الطريقة التونسية، وتسمى باللهجة المحلية (البسيسة) حتى دخلت زبونة تسأل عن «الحمص المقلي، والزعتر، والإكليل، والمردقوش، وحبة حلاوة، والبسباس والعدس». وانبرى عيسى معلقا: «في السابق لم يكن الأمر هكذا، فكل شيء كان يعد في البيت بما في ذلك الحمص، يقلى على التاوا، ثم يخلط بالقمح المحمص بدوره في آنية من الطين تسمى الغناي، ويخلط أيضا بأشياء أخرى ثم يرحى بالرحى ويوضع في جراب الجلد أو الجرار والخوابي، ويؤخذ منه عند الحاجة، وهناك من يخلط السويق بالماء والزيت، وهناك من يخلطه بزيت الزيتون فقط، وهناك من يضيف إليه التمر والطحينية وأشياء أخرى، وغالبا ما تؤكل البسيسة في الصباح».

ويختلف البخور المستعمل في تونس عن ذلك المستخدم في منطقة الخليج «لدينا الجاوي، والشق ووداد، والكيلو الواحد بـ95 دينارا، وهناك الساتا ومستوتا، والكندر، وغيرها تأتي من الشرق».

من الأشياء التي لاحظناها في محلات الزرارعية أنهم يبيعون الجرائد بالكيلو، وليس بالنسخة، ويشرح عيسى ذلك بالقول: «هذه الجرائد يشتريها الحرفيون ولا سيما البلاغجية، ومصانع الأحذية، وورشات صناعة الحقائب، ليحشوا بها فراغات الأحذية والحقائب، ويبلغ سعر نحو 30 نسخة 24 دينارا تونسيا، أي قرابة سعرها بالنسخة».

لم يكن قاسم عيسى محاطا بمساعدين، بحثا عن راحة البال، والتخلص من الشكوك في وقت افتقدت فيه الثقة، وهو حريص على إكمال المشوار بمفرده، بينما كانت دكاكين زرارعية، آخرين تضيق بالحرفاء والمساعدين، مثل خميس المثناني، الذي أكد أن «مهنة الزرارعية منتشرة في كل أنحاء العالم»، لكنه يشكو من تراجع الإقبال على الشراء من قبل الزبائن: «الأسعار في 2012 مرتفعة والله يجعل العاقبة خيرا». ويشرح أكثر: «السلع لم تعد موجودة، والأسعار تلتهب». وعن مصدر سلع الزرارعية في السوق أفاد بأنها «من مصر ومن سوريا، فمن سوريا يأتي الحمص، ومن مصر يأتي الفول، والعدس من الصين، ولذلك تلتهب الأسعار، وأصبح من كان يشتري كيلوغرامين من الفول يكتفي ببضع مئات من الغرامات». ويقدم المثناني كشفا بالأسعار مقارنة بما كان في السابق: «الحمص كان بـ1100 وأصبح بـ2500 مليم، والحمص المقلي كان بـ2250 وأصبح بـ3250 مليم (ألف مليم تساوي دينارا واحدا) في حين حافظت مواد أخرى كالحناء والبخور على أسعارها، أما الوشق فالكيلو بـ135 دينارا، والبندق كان بـ32 دينارا وأصبح بـ56 دينارا، والفستق كان بـ32 وأصبح بـ37 دينارا للكيلو الواحد، والصنوبر بـ13 دينارا وكان بـ9 دنانير، والفول السوداني ارتفعت أسعاره للضعف، والسبب هو أن التجار يستغلون حالة الإرباك ليزيدوا إرباك السوق أكثر فأكثر ويجنوا أرباحا خيالية، مستغلين الأوضاع الحالية وعدم دراية الحكومة الجديدة بحال الأسواق». وتمنى «إنهاء الاعتصامات في تونس، والانخراط في العمل من أجل تونس»، واشتكى من الإتاوات التي كان يدفعها في السابق للسلطات «نيابة عن بعض المقربين منهم الذين كانوا يعفون من الضرائب».

أكثر دكاكين الزرارعية ازدحاما كان دكان الحاج الشاذلي البليلي، الذي ورث العمل أبا عن جد، كما يقول، ولأنه قديم في السوق، فقد صنع له اسما لدى الناس. ويكشف عن سر ذلك الإقبال: «الاستقبال الجيد والكلمة الطيبة هي سر النجاح في العمل، والتغاضي عن المبالغ البسيطة المتبقية في ذمة الحرفاء، جعلت الناس يحبون هذا المحل».

وخلاف المثناني يرى البليلي أن الأسعار مرتبطة بالسوق: «عندما نشتري بأسعار باهظة نبيع بأسعار مرتفعة»، وأكد وجود سلع من الخارج ومراكزها داخل تونس في مناطق الساحل وما يعرف بالوطن القبلي، منزل تميم، وقربة، ونابل، ومن هناك يتم التوزيع على التجار في مختلف أنحاء تونس. ثم استطرد قائلا: «ليست كل السلع من الخارج، فهناك سلع من تونس وأخرى من الخارج، والسلع التونسية أفضل من حيث النوعية، والأسعار متقاربة جدا سواء كانت السلعة من تونس أو مصر، أو سوريا، أو تركيا». وعن أكثر السلع طلبا من قبل الحرفاء أفاد بأن «ما يحتاجه الإنسان لطعامه اليومي هو الأكثر رواجا، ومنه التوابل، والحمص الذي يطبخ به الكسكسي»، ويضرب عدة أمثلة تونسية على حاجة الإنسان للأكل: «اقتله يصبح حيا» و«أمعاء تدفع وأرض تبلع» و«من باع المعاش عاش».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)