تقنية “بلوك تشين” Blockchain أو تقنية سلسلة الثقة

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 10-09-2016 العدد : 10392، ص(18)
الصفحة : ثقافة
العرب - لندن - إياد بركات - محلل تكنولوجي


الإنترنت تتحول من شبكة معلوماتية إلى شبكة من سلاسل الثقة


الإنترنت الحالية هي عبارة عن شبكة تصلح لتبادل المعلومات، إلا أن تقنية بلوك تشين تمهد لظهور الجيل الثاني
من الإنترنت الذي سيتحول إلى شبكة من الثقة تسمح بتبادل المعلومات بخصوصية أعلى، وتتيح التبادلات التجارية والمالية دون الحاجة إلى مؤسسات وسيطة.

ليست السوشال ميديا ولا حتى الروبوتات التقنية المرشحة لإحداث الأثر الأكبر في العقدين القادمين، إنها تقنية “بلوك تشين” Blockchain أو تقنية سلسلة الثقة.

وبلوك تشين هي التقنية الأساسية أو البنية التحتية التي تعمل بموجبها العملات الرقمية مثل البيتكوين، ويعتبرها العديد من الخبراء بمثابة الطفرة النوعية التي ستؤدي إلى ظهور الجيل الثاني من الإنترنت حين يتم تبنيها بشكل واسع، هذه التقنية ستقدم فرصا كبيرة إلى المجتمعات والأفراد حول العالم.

الإنترنت الحالية هي شبكة معلوماتية، فعندما تقوم بإرسال إيميل أو صورة لشخص آخر، أنت في الواقع ترسل نسخة إلى ذلك الشخص ولا ترسل الأصل، مع أن هذا النظام مناسب جدا لتبادل المعلومات بصيغها المختلفة إلا أنه لا ينفع عندما يتعلق الأمر بتبادل الأصول الثابتة والمتحركة مثل المال والملكية الفكرية والأسهم والسندات والأصوات الانتخابية وغيرها من الأشياء التي لا تقبل أن تنسخ أو تتكرر.

عندما تعطي شخصا مئة دولار فإنه من المهم أن تنتقل هذه النقود منك إلى الشخص الآخر ولا تبقى معك ومعه في آن واحد، لتحقيق هذا، ما زلنا نعتمد على مؤسسات وسيطة مثل البنوك والمؤسسات الحكومية، هذا الاعتماد على الشركات والمؤسسات الوسيطة أصبح، في نظر البعض، غير فعال وغير عادل، يقول دون تابسكوت مؤلف كتاب “ثورة بلوك تشين” موضحا “مع أن هذه المؤسسات الوسيطة العملاقة قامت بعملها بشكل جيد حتى الآن إلا أن مشكلاتها تنمو يوما بعد يوم، فبطبيعتها إن هذه المؤسسات مركزية، مما يجعلها عرضة للاختراق من قبل قراصنة الإنترنت كما حدث مع بنك جي بي مورغن والحكومة الأميركية وشركة لينكد إن”.

ويضيف دون تابسكوت “كما أن هذه المؤسسات البنكية العملاقة تميز بين المليارات من البشر ولا تسمح لهم باستعمال خدماتها، فكل من لا يمتلك المال لا يستطيع فتح حساب بنكي، في حين أنه يمكنك إرسال إيميل إلى شخص في الجهة الأخرى من العالم خلال ثوان، وقد يستغرق إرسال مبلغ بسيط من المال عدة أيام إلى شخص في نفس المدينة التي تسكنها، وتكون تكلفة تحويل الأموال عالية، لأن هذه البنوك تقتطع نسبة كبيرة مقابل هذه الخدمة”.

تقنية بلوك تشين هي عبارة عن سلسلة طويلة من البيانات المشفرة والموزعة على الملايين من أجهزة الكومبيوتر والأشخاص حول العالم، تسمح لأطراف كثيرة بإدخال المعلومات والتأكد منها، كل جهاز كومبيوتر أو جهة في هذه السلسلة يملك نفس المعلومات، وإذا تعطل جزء منها أو تم اختراقه لا يؤثر على باقي السلسلة، هكذا تكون عبارة عن سجل علني مشفر وآمن، وسلسلة قوية من الثقة. وفي حالة إضافة عقود واتفاقيات إلكترونية لبلوك تشين، يتم التأكد من تحقق الشروط آليا ودون تدخل أو عبث بشري.

تمكن هذه التقنية مثلا مبرمجا شابا في البرازيل من التعاقد مع شركة في فرنسا لكي يقوم بتزويدها ببرنامج كومبيوتر معين، وحين استعمال تقنية بلوك تشين وتعزيزها بتقنية العقود الإلكترونية، تقوم الشركة بإيداع المبلغ المتفق عليه مسبقا عند طرف ثالث في سلسلة الثقة، وعند إتمام المبرمج الشاب لعمله، تقوم تقنية العقد الإلكتروني بالتأكد من استيفاء شروط العقد وتحويل المبلغ مباشرة إلى محفظة الشاب الإلكترونية دون المرور بأي طرف ثالث مثل البنك ودون أن يكون عند الشاب حساب بنكي خاص به، كل الأطراف في بلوك تشين تضمن الاتفاق.

ومع أن هذه التقنية سوف تحرر أعدادا كبيرة من البشر حول العالم من سطوة البنوك وتكلفة استعمالها الباهظة إلا أن البنوك نفسها يمكن أن تستفيد منها لكي تجعل من عملها أكثر دقة وأقل تكلفة وأكثر أمانا.

تقول بلموبيرغ ريفيو “الكثير من البنوك الصغيرة حول العالم لا توجد لديها الإمكانيات التي تتوفر للبنوك العالمية، مما يجعلها تعتمد على وساطة البنوك العالمية الكبيرة، وبتكلفة عالية، من أجل إتمام الكثير من العمليات البنكية التي تقوم بها، عندما بدأت بعض هذه البنوك الصغيرة استعمال تقنية بلوك تشين في معاملاتها دون المرور بالبنوك العالمية، قامت أكبر البنوك بتشكيل اتحاد لمحاولة الدفاع عن مجالها الحيوي”.

نشر منتدى الاقتصاد العالمي في تقرير بعنوان “البلوك تشين سيصبح “القلب النابض” للنظام المالي العالمي”، جاء فيه “هذه التقنية ستؤدي إلى خفض الرسوم البنكية، وتقليل الأخطاء البشرية، مما قد يؤدي إلى تحصين الاقتصاد العالمي ضد الفقاعات المالية”.

ويشير التقرير إلى أنه “في بدايات تبني هذه التقنيات، قد تحدث إضرابات وقلاقل في الاقتصاد وقد يخسر عدد كبير من موظفي القطاع المالي وظائفهم، والتقليل من هذه الأضرار يستوجب تعاون المؤسسات المالية في ما بينها لضمان عموم الفائدة على الجميع”.

إن أهم الفوائد المستقبلية للتقنية تبرز في مجال الحفاظ على الخصوصية، فهي توفر إمكانية إجراء المعاملات سواء التجارية أو غيرها دون الحاجة إلى تبادل معلومات شخصية، فتقنية بلوك تشين وسلسلة الثقة تمنحان الشركة الثقة بأن المبرمج مؤهل وعمله ممتاز دون أن يحتاج إلى طرف مركزي لإثبات ذلك ودون أن يقدم معلومات أو تفاصيل شخصية.

ويرى مايك شوارتز خبير تقنيات بلوك تشي “البنوك ليست وحدها هي التي أصبحت تتحكم في حياة الملايين من الناس وتقرر مصائرهم، فشركات الإنترنت مثل فيسبوك وغيرها، أيضا أصبحت عبارة عن مستودعات هائلة للمعلومات الشخصية علنا وتتحكم فيها، هذه الشركات الوسيطة هي عبارة عن قلاع ضخمة تحدد لنا كيف نتعامل مع بعضنا البعض وتتدخل حتى في علاقاتنا الاجتماعية، في المقابل فإن استخدام تقنيات بلوك تشين سوف يجعلنا نتخلص من هذه المركزية البوليسية ويسمح لنا بأن نتبادل ما نريد دون الحاجة إلى الأخ الأكبر”.

تاريخيا وحتى الآن اعتمد البشر على مؤسسات كبرى لتأمين كل تبادلاتهم التي تحتاج إلى الضمان والثقة، فمثلا عقود تسجيل ملكية الأراضي والعقارات تكون في سجلات حكومية مركزية وصكوك الملكية في حوزة الأفراد، في أغلب بلدان العالم هذا النظام يعمل بشكل جيد ويكفل لكل ذي حق حقه، لكن ليس دائما، ففي حالات الحروب والنزاعات يتم أحيانا الاعتداء على حقوق الناس وانتزاع ملكياتهم منهم إما بالقوة أو الاحتيال، يقول دون تابسكوت “في هندوراس حصلت المئات من عمليات الاحتيال ونزع ملكية الأراضي من أصحابها الأصليين باستعمال نفس أجهزة الكومبيوتر التي من المفروض أن تضمن الملكية، امتلاك صكوك الملكية للأراضي أهم من امتلاك حساب بنكي للاقتصاد، لهذا بدأت العديد من الشركات والحكومات بتسجيل ملكية الأراضي باستعمال تقنية بلوك تشين”.

لقد أتت الإنترنت والتقنيات الحديثة بثروات هائلة للعديد من الأشخاص والشركات حول العالم، ولكن توزيع هذه الثروات ليس عادلا، ووسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وبلوك تشين يمكنها تغيير الوضع القائم، وإعادة توزيع الثروات بالتخلص من الوسطاء وإعادة توزيع الثروات بشكل أكثر عدلا.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)