تخييل الذات والتاريخ والمجتمع: قراءة في روايات عربية، محمد برادة (المغرب)، نقد الدار المصرية اللبنانية- سلسلة رؤى نقدية - 2018

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ١٦ فبراير/ شباط ٢٠١٨
جريدة الحياة
القاهرة – علي عطا


محمد برادة يرصد «تخييل الذات والتاريخ والمجتمع»


صدر للناقد والروائي المغربي محمد برادة كتاب «تخييل الذات والتاريخ والمجتمع: قراءة في روايات عربية» (الدار المصرية اللبنانية- سلسلة رؤى نقدية)، ويقدم فيه قراءات منفصلة متصلة لأكثر من 40 رواية صدرت بين 1966 و2017.

في مقدمة الكتاب، الذي يتألف من 300 صفحة، يوضح برادة أنه انطلق من تصور يعتبر الرواية شكلاً فنياً يصوغ الحياة التي يعاصرها الروائي صوغاً مغايراً لما تتبدى عليه في تفاصيل المعيش والمحسوس. ووفق ما ورد في المقدمة ذاتها، يرى برادة أن الحياة هي دائماً شرط وجود الرواية، لأنها الوعاء الواسع الذي يشمل فضاء الكينونة والتحقق والإخفاق، وفضاء الطفولة والنمو والتدرج من الشباب إلى نهاية الرحلة وأفول الأجساد والأرواح... إلا أنها (الحياة) عندما تصبح مجالاً للاستيحاء والصوغ الفني، تغدو حياة متخيّلة، متباعدة، مهما اقتربت، عن الحياة الخام في تدفقها وعنفوانها وفوضاها ومفارقاتها.

ويذهب برادة كذلك إلى أن الحياة المتخيّلة التي هي نسغ الرواية وجذورها، ترتكز على إمكانية أن تكون الحياة التي يستوحيها الروائي، متحققة بطريقة مغايرة عبر التفاصيل والعلائق ومنظومة القيم، واختلاط الواقع بالتوهم، وإسكان المتباعد والمتعارض في فضاء مشترك يطمح إلى إعادة مزج مكونات عجين الحياة، لخلق نماذج ومشاهد لا تتطابق مع ما هو دارج وقائم في دنيا الواقع. ليس المقصود بـ «الذات» في هذا السياق، ذات الفرد الضيقة، المنحصرة في هموم وتفاصيل العادات الشخصية، وإنما يعني برادة بها الذات في مجموع مكوناتها للفرد، مادياً ونفسياً، والأسئلة التي تشغله في حياته وصراعاته، مع مؤسسات المجتمع ومع كل ما يجثم على حريته ليعوق الذات عن تحقيق تطلعاتها. ويضيف: «عندما نتحدث عن تخييل المجتمع والتاريخ، نقصد ضمنياً أن هناك روايات تتقصد استيحاء المجتمع والتاريخ لتكشف عناصر وملامح لا مرئية عند الوهلة الأولى، وفي الآن نفسه تجترح سيرورة التحويل والتغيير، إذ تسلط الضوء على أسئلة تفرزها الصراعات المجتمعية أو يبلورها جريان التاريخ على المديين، القصير والبعيد».

ورواية مثل «موسم الهجرة إلى الشمال» (1966) للطيب صالح، هي عند برادة تشكل منعرجاً مهماً في مسار الرواية العربية؛ لأنها تدشن نموذجاً لم يكن قائماً قبلها عندنا، أسماه «الرواية الشاملة»، حيث اجتمعت عناصر متعددة تسلكها ضمن كوكبة الروايات العالمية المميّزة، المبنية على شكل مغاير للشكل الكلاسيكي، التقليدي... «هي رواية تشتمل على تعدد في الأصوات وفي مستويات اللغة والأزمنة والأمكنة».

وإضافة إلى رواية الطيب صالح تلك، يتضمن القسم الأول وعنوانه «تخييل الذات»، قراءات في روايات «مريم الحكايا» لعلوية صبح، «اليتيم» لعبدالله العروي، «لو وضعتم الشمس في يديّ» لخليل النعيمي، «قبل أن تنام الملكة» لحزامة حبايب، «الليالي القمرية» للميلودي شلغوم، «سيدات القمر» لجوخة الحارثي، «شبه الجزيرة العربية» لسلوى النعيمي، «طريق الغرام» لربيعة ريحان، «البحر خلف الستائر» لعزت القمحاوي، «أكابيلا» لمي التلمساني، «أروى» و «ابنة سوسلوف» لحبيب عبدالرب سروري، «سدوم» لعبدالحميد شوقي، «فرح» ليوسف فاضل، «نوميديا» لطارق بكاري، «مرايا الذاكرة» لعلي أومليل، «آخر الكلام» لآمال بشيري، «استديو بيروت» لهالة كوثراني، «أسرار وأكاذيب» لغالية قباني.

في القسم الثاني وعنوانه «تخييل التاريخ والمجتمع»، قراءات في روايات «العائلة» لمحمد الشارخ، «بيت الديب» لعزت القمحاوي، «نساء البساتين» للحبيب السالمي، «قطٌ أبيض جميل يسير معي» ليوسف فاضل، «النبّاشون» لسوسن جميل حسن، «يوم خذلَتني الفراشات» لزياد أحمد محافظة، «غرف للإيجار» لمحمد البساطي، «حليب التين» لسامية عيسى، «شارع إبليس» لأمين الزاوي، «باب الخروج» لعز الدين شكري فشير، «باب الليل» لوحيد الطويلة، «سينالكول» لإلياس خوري، «كتاب الأمان» لياسر عبدالحافظ، «سعادته... السيد الوزير» لحسين الواد، «دموع باخوس» لمحمد أمنصور، «القوس والفراشة» لمحمد الأشعري، «فرانكشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي، «مصائر: كونشرتو الهولوكست والنكبة» لربعي المدهون، «أسوار» لمحمد البساطي، «الحق في الرحيل» لفاتحة مرشيد، «الثوب» لطالب الرفاعي، «اختبار الندم» لخليل صويلح، «أورويل في الضاحية الغربية» لفوزي ذبيان، «حذاء فلليني» لوحيد الطويلة.

ولاحظ محمد برادة أن تلك الروايات تستظل بفهم حداثي للرواية، وتستمد مكوناتها من نماذج روائية عالمية، ذلك أن الشكل يكتسي أهمية حاسمة في إبداع الرواية، إذ يضطلع بتخصيص الدلالة وإخراجها من دائرة التعميم، فضلاً عن أنه يبلور الأبعاد الجمالية المحققة للمتعة والتجاوب. وفي السياق ذاته، يسجل برادة أن الرواية العربية خلال تجربتها التي تربو على مئة سنة قليلاً، جرّبت أشكالاً كثيرة، واقتحمت فضاءات متباينة وعززت الدلالة بأشكال ملائمة تزاوج بين كشف المخبوء وتحويل ما يبدو ساكناً ثابتاً. وهي، أي الرواية العربية، إذا كانت في البدء اقتفت خطوات الرواية الأوروبية الكلاسيكية من أجل أن تحدث قطيعة مع شكل «المقامة» التراثية وتسعى إلى تجسيد التحولات العمرانية والاجتماعية والسلوكية التي عرفتها المجتمعات العربية في مستهل القرن العشرين، فإن اتساع المثاقفة وحركة الترجمة أسعف الفنون الأدبية العربية على النضج والتنويع ولفت أنظار الروائيين إلى أهمية لاستثمار الأشكال السردية التراثية في تطعيم التقنيات السردية. ومن ثم، يؤكد برادة أنه لم يعد مقبولاً، ارتكان الروائي إلى ادعاء البراءة والتلقائية، متجاهلاً ما تحقق من إنجازات روائية على المستوى العالمي. ويشير برادة في هذا الصدد إلى أن الروايات التي شملتها مقالاته عنها في هذا الكتاب يكشف مبدعوها عن تمثل لأهم أشكال الرواية العالمية ينعكس على اختيارهم لأشكال رواياتهم. بل إن بعض هذه الروايات، يضيف برادة، اتجه صوب كتابة تخييل على تخييل لتوليد رؤية قد تناقض رؤية التخييل الذي هو موضوع «معارضة» واستيحاء، على نحو ما فعلته آمال بشير في روايتها «آخر الكلام»، أو أنجزه أحمد سعداوي في «فرانكشتاين في بغداد».

ويعتقد محمد برادة أن الرواية، بوصفها شكلاً تخييلياً بالأساسن هي حاملة لمعرفة حياتية نحن بأشد الحاجة إليها لأنها توسع أفقنا وتحررنا من الرقابة الذاتية التي يفرضها كل منا على نفسه حين يواجه التناقضات الأزلية التي يقوم عليها تكوين العالم، والتي هي تناقضات ترافقه في الحقب والأزمنة كافة.

وهنا يرجع برادة إلى كتاب «محاولات عن فن التخييل» لروبير ستيفنتسون، وتحديداً قوله: «الكتب التي لها تأثير أكثر دواماً، هي الأعمال التخييلية. ويختم برادة تصوره في هذا الشأن بقوله: «نعم، إن الروايات الجديرة بالاعتبار، هي التي تجعلنا نعيش في خضم التناقضات الأزلية التي تطالعنا عندما ننغمر في تخييل الذات، أو حين نستعيد العلائق التي تربطنا بالمجتمع أو التاريخ عبر التخييل، وبوساطتها سننفتح على تجليات تلك التناقضات، وسنساهم في صوغ الأسئلة التي نتكئ عليها لنواصل رحلة الحياة التي نتعلق بها على رغم تناقضاتها ومفارقاتها».

محمد برادة (1938)، حصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة القاهرة سنة 1960، انتخب رئيساً لاتحاد كتاب المغرب ثلاث دورات، حصل على عدد من الجوائز، آخرها جائزة «كتارا» للرواية العربية 2017، ومما صدر له في النقد: «محمد مندور وتنظير النقد العربي»، «أسئلة الرواية، أسئلة النقد»، «الرواية ذاكرة مفتوحة». ومن رواياته «لعبة النسيان»، «امراة النسيان»، وترجمت له أربع روايات إلى الفرنسية والإنكليزية والأسبانية والبرتغالية.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)