تجديد الفكر العربي للمصري زكي نجيب محمود كاتب وأكاديمي واستاذ فلسفة 1905-1993

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ٢٣ فبراير/ شباط ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«تجديد الفكر العربي» لزكي نجيب محمود: وصفة للمستقبل


«لست أذكر في حياتي الفكرية سؤالا ألح عليّ كما ألحّ سؤال طوال الأعوام الخمسة الأخيرة (...) وهو سؤال طرح نفسه على المفكر العربي منذ أوائل القرن الماضي وظفر منه بإجابات تتفاوت إيجازاً وإطناباً، وضوحاً وغموضاً، صواباً وخطأ. ومع ذلك لم يكن بين تلك الإجابات (...) إجابة نحس معها بأنها هي التي تقطع الشك باليقين (...) أما هذا السؤال فهو الذي يَسأل عن طريق للفكر العربي المعاصر يضمن له أن يكون عربياً حقاً ومعاصراً حقاً، إذ قد يبدو أن ثمة تناقضاً أم ما يشبه التناقض بين الحدين...». بهذه العبارات افتتح الدكتور زكي نجيب محمود عند بداية سنوات السبعين من القرن الماضي ذلك الكتاب الذي سجل عودته الى ساحة السجال حول القضايا الفكرية العربية، وبالتالي، كما فهم هو الأمر، حول القضايا الشائكة التي تمس ثقافة كانت تتراوح بين حدّين آخرين: حدّ التطرف في لعبة جلد الذات من ناحية، والتطرف في البلادة المستكينة من ناحية أخرى. والكتاب هو «تجديد الفكر العربي» الذي لا مفر هنا من القول إن قراءته لا بد أن تتم، من ناحية بالتواكب مع كتاب آخر للمفكر نفسه صدر في الفترة عينها تقريباً وهو «مجتمع جديد أو الكارثة»، ومن ناحية أخرى على ضوء الأوضاع الاجتماعية العربية المزرية منذ أواسط سنوات الستين. ومن هنا لئن كان هذا المفكر المصري الكبير ينتمي عمرياً وفكرياً الى الجيل الذي استبق أصحاب «النهضة الثانية»، فإن كتابيه هذين، على الأقل، يدخلان في السياق الفكري الغاضب نفسه، والباحث عن آفاق مستقبلية على الشاكلة نفسها.

إن ما أتى زكي نجيب محمود ليدعو إليه في «تجديد الفكر العربي» -ولنقصر حديثنا هنا على هذا الكتاب- هو بالتحديد ما يشير إليه عنوان الكتاب: نوع من ثورة على كل الأصعدة الفكرية تؤدي الى جملة تحولات يرى الكاتب أن لا مفر من تحقيقها في انتقال حاسم من «فكر قديم الى فكر جديد» بدءاً من التساؤل حول المبادئ نفسها أحقائق هي أم فروض؟ وذلك قبل التطرق الى ضرورة إحداث ثورة في اللغة منها تبدأ ثورة التجديد، وذلك بالتحوّل مما يسميه حضارة اللفظ الى حضارة الأداء. ومن اللفظ الى معناه. وهو بعد ذلك يصل بقارئه الى الجناح الثاني من عملية التغيير الفكري: الفلسفة العربية التي يقترحها قائمة على ثنائية السماء والأرض وثنائية الطبيعة والفن. وهو لكي لا يبخس الماضين حقهم في هذا المجال، يكرس فصلاً بكامله للحديث عن «قيم باقية من تراثنا» يرى انها لا تزال قادرة على مشاركتنا بناء المستقبل بل لا بد منها لتحقيق هذا البناء. وهو يركز هنا على ما يشتغل على «قيمة العقل» في هذا التراث متوقفاً عند من يسميهم «ياقوتة العقد للعلم والعلماء» من خلال استعراضه ما جاء في كتاب ابن عبد ربه «العقد الفريد» عنهم، وذلك قبل أن يختم بما يعتبره لب موضوعه: الإنسان ومكانه في التاريخ والتراث العربيين، ليتساءل استطراداً، كيف يواجه الإنسان العربي الطبيعة باعتبار ذلك أم المواجهات بالنسبة اليه.

الآن بعد نحو ربع قرن من رحيله يمكننا أن نعيد التأكيد على أن زكي نجيب محمود لم يكن حدثاً عادياً في الحياة الفكرية العربية، بل كان -بإجماع خصومه قبل مؤيدي فكره- واحداً من المفكرين العرب القلائل الذين كانت لهم فلسفة محددة، محددة رغم نموها الدائم، ورؤية واضحة للمجتمع والحياة. ومع هذا، كثيراً ما أثار صاحب «في حياتنا العقلية» و «خرافة الميتافيزيقا» ضروب سوء الفهم من حوله، ولعل السبب في ذلك احادية النظرة، والتحديد المسبق وهما الموقفان السائدان في فكر عربي لم يكف بعد عن الوصول الى عتبات النضوج من دون أن يجتازها، على رغم الجهود الجبارة التي قام بها عشرات المفكرين من فلاسفة وعلماء وباحثين، وحتى أدباء وشعراء، ملأوا حياتنا الثقافية.

بالنسبة الى سيرة حياته وسيرته الفكرية، وفّر زكي نجيب محمود على الباحثين ضروب العناء، حيث وضع، خلال فترتين متمايزتين من حياته كتابيه الشهيرين «قصة نفس» و «قصة عقل»، وهما يرويان سيرته، ويختص ثانيهما بميزة كونه واحداً من الكتب النادرة في تاريخ الكتابة العربية، التي تصف التكون العقلي والفكري لصاحبها بصرف النظر عن مسار حياته وتقلباتها. وفي جميع الأحوال كان زكي نجيب محمود يصرّ دائماً على ان حياته لا تستحق أن تروى، فهي كانت على الدوام حياة من دون مغامرات ومن دون مفاجآت: تعلّم باكراً ثم درس في المدارس الثانوية، ثم التحق بالجامعة المصرية قبل ان يرسل في بعثة الى انكلترا حيث كان احتكاكه الأساسي بالفكر الغربي الذي اهتم به كثيراً وكتب عنه العديد من الدراسات، وذلك قبل أن يكتشف غنى التراث الإسلامي وحقيقته في مرحلة لاحقة من حياته، فيقف عند لحظة القطافية من تلك الحياة، وقفة تأملية أحدثت لديه انقلاباً فكرياً خطيراً عبّر عنه بقوة في مقدمة «تجديد الفكر العربي» على أي حال، حيث يقول، بعد أن يروي كيف أن «كاتب هذه الصفحات لم تكن قد أتيحت له في معظم أعوامه الماضية فرصة طويلة الأمد تمكنه من مطالعة صحائف تراثنا العربي على مهل، فهو واحد من ألوف المثقفين العرب الذين فتحت عيونهم على فكر أوروبي -قديم أو جديد- حتى سبقت الى خواطرهم ظنون بأن ذلك هو الفكر الانساني الذي لا فكر سواه»، يقول كيف «اخذته في أعوامه الأخيرة صحوة قلقة، فلقد فوجئ وهو في أنضج سنيه بأن مشكلة المشكلات في حياتنا الثقافية الراهنة ليست هي: كم أخذنا من ثقافات الغرب وكم ينبغي لنا أن نزيد (...) وإنما المشكلة في الحقيقة هي: كيف نوائم بين ذلك الفكر الواحد الذي بغيره يفلت منا عصرنا أو نفلت منه، وبين تراثنا الذي بغيره تفلت منا عروبتنا او نفلت منها؟». ويتابع زكي نجيب محمود قائلاً: «استيقظ صاحبنا كاتب هذه الصفحات بعد أن فات أوانه أو أوشك، فإذا هو يحس الحيرة تؤرقه فطفق في بضعة الأعوام الأخيرة، التي قد لا تزيد على السبعة او الثمانية، يزدرد تراث آبائه ازدراد العجلان (...) وهكذا أخذ صاحبنا يعب صحائف التراث عباً سريعاً والسؤال ملء سمعه وبصره: «كيف السبيل الى ثقافة موحدة متسقة يعيشها مثقف حي في عصرنا هذا، حيث يندمج فيها المنقول والأصيل في نظرة واحدة؟».

والحال أن معظم ما كتبه زكي نجيب محمود منذ تلك اللحظة وحتى وفاته العام 1993، كان عزفاً على تلك الالحان التي اكتشف في ذلك الحين ضرورتها. وهكذا حدث انقلاب في اهتماماته كان جذرياً من دون أن يصرفه مع ذلك عن نظرته الفلسفية القديمة التي كانت مزيجاً من عقلانية تنويرية معاصرة، ووضعية منطقية اكتسبها في لندن خلال تتلمذه على أساتذة من طراز جورج مور. وفي مصر بعد عودته، وفي بعض الأقطار العربية التي عمل فيها خلال بعض سني حياته، اكتفى زكي نجيب محمود بالعمل الجامعي والفكري، وساهم في لجان رسمية للترجمة والتأليف وفي العديد من الموسوعات الفكرية، وخاض العديد من المعارك دفاعاً عن العقل والعقلانية، لا سيما مع خصوم عارضوه انما من دون أن يخاصموه وهو على هذا النحو، وعلى رغم النقد الذي كان يوجه اليه ذات اليمين وذات اليسار، حظي باحترام الجميع وكتبت عنه نصوص ركزت على الابعاد العقلانية والتوفيقية في فكره، وكان له تلامذة تعلموا عليه المنهج حتى وإن خالفوه في استنتاجاته.

من ناحية ثانية، كان زكي نجيب محمود كاتب دراسات أكثر من كونه مؤلف كتب، ومن هنا كان معظم كتبه، البالغ عددها أكثر من عشرين كتاباً، تجميعاً لمقالات كان قد سبق له نشرها، لا سيما خلال رئاسته تحرير مجلة «الفكر المعاصر» القاهرية التي مكّنته من الانصراف بخاصة الى الكتابة الفلسفية التي كانت أثيرة لديه. ومن أبرز كتب زكي نجيب محمود إلى ما ذكرنا، «ثقافتنا في مواجهة العصر»، «مع الشعراء»، «مجمتع جديد او الكارثة»، «المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري»، «الكوميديا الارضية»، «حياة الفكر في العالم الجديد»، «هذا العصر وثقافته» إضافة الى كتابه البارز «خرافة الميتافيزيقا» الذي تحول اسمه لاحقاً الى «موقف من الميتافيزيقا».

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


زكي نجيب محمود على ويكيبيديا

قراءة وتحميل كتب زكي نجيب محمود عل موقع المكتبة المفتوحة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)