بداية دراسة التاريخ السرياني

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٦ مايو/ أيار ٢٠١٧
جريدة الحياة
عبدالحميد صبحي ناصف


متى بدأت العناية بدراسة التاريخ السرياني؟


تميزت الحضارة السريانية بعد ظهور المسيحية بنتاج فكري مسيحي النشأة كنسي المصدر. أبناء هذه الحضارة جعلوا من العلم راية لهم في الحياة، فتطرقوا في بحوثهم إلى الأدب بكل أبوابه والعلوم بكل فروعها وأغنوا المكتبة السريانية بدراسات شملت شتى مناحي العلم والثقافة. وأبدع السريان في كتابتهم التاريخ العام والخاص، وضِمن هذا الإنتاج هناك صفحات مهمة من قصص القديسين وسير الآباء وحياة الشهداء وأيضاً سير البطاركة والأساقفة والرهبان والنساك وغيرهم. وفي كل هذه الكتب سرد لنواحي النشاط الفكري للتراث ونقل المعلومات التاريخية للمسيحية وتسجيلها. إن المجموعات التاريخية المتوافرة لدينا وبعضها ما زال مبعثراً في مخطوطات سريانية تتناول صفحة مهمة من تاريخ المنطقة، ويؤسفنا أن بعضها مفقود.

والأمر الذي لا شك فيه هو أن التراث السرياني لم يدرس دراسة منتظمة إلا منذ القرن 18 حين بدأ يوسف سمعان السمعاني الماروني (ت 1768م) يكشف عن أهمية هذا التراث بما نشره في كتابه “المكتبة الشرقية” من تراث الأدب السرياني عن مخطوطات نقلها من دير السريان العامر بوادي النطرون في صحراء مصر. ومع ذلك، فهناك إرهاصات قام بها بعض المشارقة، حيث نلمح ذلك في كتابات موسى المارديني اليعقوبي، وكذلك الجهود التي بذلت في إحياء النحو السرياني. تلك النهضة قامت بالأساس على أكتاف الموارنة السريان وعلى رأسهم عائلة السمعاني وجهودهم في إظهار المخطوطات السريانية.

أوقف السمعاني على مكتبة الفاتيكان مجموعــة مهمـــة مـــن المخـــــطوطات السريانية التي نقلها من دير السريــان بوادي النطرون، ما مهّد السبــل للعلماء الغـربـيـيـن لنشر نــفــائــسها. ولم يــكن قد طبــع فــي ذاك الحين من فهارس المخطوطات الشرقية المحفوظة بالمكتـبـات العامـة سوى فهرس مخطوطات الفـاتـيـكان الذي أعــــده يوسف السمعاني وإصطفان عـــواد السمعاني وفهرس مكتبة لورانثيين في فلورنسا.

وعموماً، فقد وضعت مؤلفات عدة في تاريخ الأدب السرياني، أولاً كتاب غوستاف بيكل المختصر جداً والمطبوع في مونستر بألمانيا 1871. ثانياً دراسة وليم رايت في دائرة المعارف البريطانية تحت مادة «الأدب السرياني»، ثم أعيد نشرها في كتاب مستقل بعنوان «مختصر لتاريخ الأدب السرياني» في لندن سنة 1894. ثالثاً، كتاب روبنز دوفال «الأدب السرياني»، ضِمن سلسلة الآداب المسيحية القديمة في باريس 1899، وقد وجَّه المؤلف عناية خاصة عند دراسته الأدب السرياني إلى أثر هذا الأدب في الآداب المسيحية عموماً. رابعاً، كتاب بوركيت، وهو محاضرات عن كنيسة المتكلمين بالسريانية، لندن 1904. خامساً، كتاب نولدكه عن الأدب الآرامي ويتناول في قسمه الأول الأدب السرياني، برلين 1986. سادساً، بحث بروكلمان عن الأدب السرياني ضمن كتابه «الآداب الشرقية المسيحية». سابعاً، دراسة شابو عن اللغة السريانية وآدابها في الجزء 14 من دائرة المعارف الكاثوليكية. ثامناً، كتاب بومشتارك عن تاريخ الأدب السرياني، بون 1922، ويجمع فيه كل ما استطاع أن يصل إليه من الكتب المطبوعة والمخطوطة.

ويبدو أن السريان برزوا في إنتاج الكتابات التاريخية بمقدار ما تناولوا جميع فنون الأدب التي كانت معروفة في أيامهم، ومن أقدم هذه الكتابات تاريخ فيضان نهر ديصان الذي وقع سنة 201م وهو من الكتابات السريانية في العصر السابق على المسيحية. فلما جاءت المسيحية أكثر السريان من تدوين التاريخ. وتعد الرها أول مدينة سطر فيها التاريخ المسيحي. كما أخذ السريان يدونون سير شهدائهم، وتوسعوا في ذكر أخبار أخرى، كوصف حالة الدولتين الرومانية والفارسية مثلاً إلى جانب تأريخ سير القديسين وأكابر رجال الدين والمتصوفة. وهناك عدد من النبذ التاريخية عن الأديرة النسطورية، أما الأديرة اليعقوبية فلم يحرصوا على تأريخها.

وبدأ تدوين التاريخ العام عند السريان مع القرن السادس تقريباً، وأقدم ما وصلنا في هذا الباب هو كتاب «تسلسل الأسباط» أو «مغارة الكنوز»، وهو عبارة عن توسع في تاريخ الكتاب المقدس ويتناول التاريخ الأسطوري لأسباط إسرائيل. ومع القرن السادس ظهر تاريخ يشوع العمودي، وقصة يوليان المرتد التي أعطاها مؤلفها المجهول طابعاً خيالياً. وإلى جانب ذلك، ترجم السريان إلى السريانية بعض كتب التاريخ التي ألَّفها أصحابها باليونانية، وظهرت مجموعة سير لعظماء الكنيسة من اليعاقبة، منها نصان ينسبان إلى تلميذ القس برصوما وغيره.

وكان يشوع الراهب العمودي هو مؤرخهم الأول، وكان في الأصل قسيساً في دير زوقنين بالقرب من أمد، وكان يقبع قبل ذلك في الرها، ومن المحتمل أنه عاش مذبذباً في عقيدته بين أصحاب الطبيعة الواحدة والملكية، ونحن لا نعرف من كتاباته إلا تاريخه وسجل فيه الحوادث العصيبة التي طافت بالرها وآمد وغيرها من أنحاء سورية بين أواخر سنة 454 وسنة 506م. ويعتبر هذا التاريخ أفضل سجل للحرب التي وقعت بين الفرس وبيزنطة. ويخبرنا يشوع أنه كتب هذا التاريخ تلبية لطلب القمص سرجيس راعي دير منطقة الرها. ولم يكن هذا التاريخ ليصل إلينا لولا أنه حاز إعجاب مؤرخ آخر جاء بعد يشوع بنحو قرنين، وهو ديونيسيوس التلمحري، فضمَّه إلى تاريخه من دون أي إصلاح.

وكان السمعاني هو أول من اكتشف هذا التاريخ من المحدثين، وكان كذلك أول من دلَّ المؤرخين على ما جاء فيه في الملخص الذي نشره له باللاتينية في كتاب «المكتبة الشرقية». ونقل السمعاني هذا المخطوط من دير السريان في وادي النطرون إلى مكتبة الفاتيكان، وقد نشر الأب مارتين هذا العمل من مخطوط غير واضح، ثم نشره رايت بعد ذلك. وبعد نشر النص السرياني لهذا التاريخ بدأ البحث يدور حول مؤلفه، أهو يشوع العمودي كما ذكر السمعاني أم غيره؟ وكان المستشرق «نو» في بحث له عن تاريخ ديونيسيوس التلمحري، نفى أن يكون هذا التاريخ ليشوع، وشاطره نولدكه الرأي ذاته. ومهما يكن من شيء فقد كان المؤلف شاهد عيان لكثير من الحوادث، كعرضه للحرب بين الفرس واليونان وتاريخ ملك الحيرة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عن صورة المقال

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)