«باتمان» يطفئ شمعته الـ 75 : البطل الشهم الذي يشبه أيّاً منا Batman

, بقلم محمد بكري


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٢٢٩٦ السبت ١٧ أيار ٢٠١٤
جريدة الأخبار
ادب وفنون


في أيار (مايو) 1939، أبصرت هذه الشخصية النور على يد الأميركيَين بيل فينغر (1914 ـــ 1974) وبوب كاين (1915 ــ 1998) اللذين كانا سئما من مهنتهما. سريعاً، ستتحوّل إلى دجاجة تبيض ذهباً بفضل عوامل كثيرة ميّزتها عن الأبطال الخارقين الآخرين أولها أنّ أياً كان يمكنه أن يصبح بطلاً !


باتمان - الوطواط


عبدالرحمن جاسم


«لقد خطرت لكاين فكرة شخصيّة أسماها «الوطواط». أراني الصور التي رسمها لها: كانت تشبه «سوبرمان»، خصوصاً مع بنطالها الأحمر، وترتدي قناع «دومينو» صغيراً بلا قفازات ولا حزام، تتأرجح على حبل بأجنحةٍ صغيرة متصلبة على شكل جناحي خفاش، ومكتوب تحتها بخطٍ عريض: الوطواط».

الكاتب بيل فينغر (أحد مخترعي شخصية «باتمان»).

في أيار (مايو) 1939، جنَّت بنات أفكار الأميركيين بيل فينغر (1914 ـــ 1974) وبوب كاين (1915 ـــ 1998). بائع الأحذية فينغر والرسام ومحرك الدمى كاين أصرّا على منافسة شخصية «سوبرمان» التي كانت تحصد نجاحاً هائلاً في شركة «ناشيونال كوميكس»(ستتحول لاحقاً إلى شركة «دي سي كوميكس» الشهيرة). هكذا ولدت شخصية «الرجل الوطواط» (أو «الوطواط» اختصاراً) أشهر بطل خارق من دون أي قوى خارقة، وخلقت الأسطورة التي ستعيش أكثر من مؤلفيها وستظل شابةً مدى الحياة.

لماذا الوطواط؟

في عالم الكوميكس، تقول الحكاية بأنّ شخصية «الوطواط» ولدت نتيجة مقتل والدي بروس واين، الدكتور توماس واين وزوجته مارثا إثر خروجهما من السينما (كانا يشاهدان «علامة زورو» (1920)، أحد الأفلام المؤثرة أساساً في اختراع الشخصية عند بوب كاين). الحادثة التي تركت بروس الطفل يتيماً جعلته يحتقر السلاح («السلاح علامة الكاذبين» كما يقول في قصة «الوطواط: السنة الأولى» لفرانك ميللر)، ويقسم على قبريهما في مشهدٍ مهيب بتحقيق العدالة. ولأنه كان يخشى الوطاويط كثيراً، قرر استغلال مخاوفه لردع المجرمين، فارتدى قناعاً واتخذ الوطواط شعاراً له. خارج الكوميكس، وعلى أرض الواقع، فإنّ الأمر بدأ مع المؤلفين الشابين كاين وفينغر اللذين كانا بحاجة إلى دفعةٍ معنوية تنسيهما ممارستهما لمهنتين لا يحبّانهما. كان الإبداع وتحديداً عالم «الكوميكس» بطاقتهما للنجاح. لم يأت الوطواط من فراغ، فهو ليس الشخصية الأولى التي يقدمها الرجلان، لكنه كان أول نجاحهما الذي لم يتوقّعاه أصلاً. عوامل عدة تقف وراء شهرة الشخصية، خصوصاً أنّ المؤلفين استعارا بعض ملامحها من شخصيات كوميكس أخرى مثل شخصية «الشبح» لكاتبها لي فالك، أو «الروح» لمؤلفها ويل إيسنر، (أو حتى شخصية «زورو» لناحية القناع، الوشاح الخلفي). لِمَ حققت هذه الشخصيةٌ نجاحاً أكبر من مثيلاتها إذاً؟ السببُ واضح: الوطواط لا يمتلك قوى خارقة.

إنه إنسانٌ عادي (ولو أنّه يمتلك ثروة كبيرة، ومعدات متطورة، وقصراً منعزلاً وحياة خاصة) وهذا ما يجعله «الأمل». أمل الناس العاديين بالتفوّق على خصومهم/ نظرائهم الممتلكين قوى «خارقة» (في عالم الكوميكس)، وأمل القرّاء أنفسهم بالتفوق على زملائهم في الصف/ العمل/ الحياة. يقول الكاتب ومؤلف الكوميكس والمخرج الأميركي ديفيد غوير: «ما يميّز فيلم «الوطواط» عن أفلام الأبطال الخارقين أنّه ليس هناك أي قوى خارقة في الفيلم. ليس هناك متحولون جينياً، ولا فضائيون. إنه العالم الواقعي بكل تفاصيله. وهذا ما يجعل الفيلم أقرب إلى المشاهدين، فأنت لا تستطيع أن تكون «سوبرمان»، أو المسخ العجيب «هالك»، لكن الجميع يمكن أن يصبح الوطواط». الميزة الثانية أنّه لا يحمل أي سلاح (عدا بعض المعدات غير القاتلة أبداً). فكرة الفارس الشهم، المقاتل النبيل الذي لا يحمل سلاحاً، شديدة الجاذبية. مجمل الأبطال الآخرين حملوا السلاح (حتى منافسه الشهير كابتن أميركا من شركة «مارفل» يحمل درعاً). لكن كره «باتمان» الشديد للسلاح جعله شخصيةً أكثر احتراماً.


من قصة «موت في العائلة» التي توضح بدقة كيف يتم استخدام الكوميكس للتأثير على جيل بأكمله عبر تحويل شخصية الخميني إلى عدو للفتيان الصغار الذين لا يعرفونه. وهنا يطلب الخميني من «الجوكر» عدو باتمان اللدود أن يتحالفا


ميزته الثالثة أنّه لا يقتل عكس جميع محاربي الجريمة الآخرين المنتشرين في عوالم «الكوميكس». مثّل الوطواط ذلك الفارس، ومن هنا جاءت تسميته Caped Crusader أي تيمناً بالحملات الصليبية لإعطاء حملته على الجريمة ذلك البعد المقدس في مدينته «جوثام» (سمِّيت «جرجر» في ترجمتها العربية). هو فارسٌ لا همَّ له إلا المساعدة على طريقته وبقوانينه لا بقوانين المجرمين. أضف إلى ذلك مهاراته المتميزة، فهو تحرٍّ بارع، ومحقق مشهودٌ له. هاتان الصفتان ستظلان تسمانه حتى اليوم، حتى إن خصمه «رأس الغول» (التسمية من العربية Ra’as Al Gaul) مثلاً لا يناديه إلا بلقب «المحقق» متجاهلاً تماماً اسم «الوطواط».
هكذا، استحق «الوطواط» تلك المكانة الخاصة في قلوب معجبيه، ليس لأن قناعه «لافت» أو أن قصصه مبهرة، بل لسبب أكثر أهمية: إنه البطل الأرضي، البشري، الوحيد بلا قوى خارقة. هو يعتبر الوحيد الذي يثق به «سوبرمان» كي يعطيه قطعة «كريبتونيت» (المادة التي تقتل «سوبرمان») ليحملها في حزامه. لِمَ يثق به سوبرمان؟ لأنّه الوحيد الذي يجبر الجميع على احترامه، ويسبقهم بخطواتٍ تكتيكياً، ويهتم بأدق التفاصيل سواء على الأرض أو معلوماتياً، لا يخشى خصومه ولو كانوا أقوى منه، وينتصر عليهم (مواجهته في «الأزمة النهائية» مع داركسايد، أو حتى قبلاً مواجهاته المتعددة مع باين أو «التمساح القاتل»). متفرغٌ تماماً لعمله، مجدٌّ فيه، قليل الكلام، قاسٍ أغلب الوقت، وإن انسل بعض طيبته في قصص كثيرة؛ منها مثلاً في الحلقة 26 من مسلسل «رابطة العدل» Justice League التلفزيوني (2005): يظهر جانبٌ غير معتاد منه عبر طريقة تعامله مع فتاة صغيرة تمتلك قوى خارقة، يُطلب منه «قتلها» لأنها تدمّر العالم. يدخل الوطواط، مؤكداً للجميع أنّه «سيحل الأمر»، لتخبره الفتاة أنها تحتضر وأنها علمت بأنه لن يقتلها لأنها تقرأ العقول، وتطلب منه أن يجلس إلى جوارها إبان لحظاتها الأخيرة. «الوطواط» يمتثل للأمر، ويظل ممسكاً بيدها حتى توافيها المنية.
بعد 75 سنة على ولادته، لا يزال «الوطواط» شاباً في الخامسة والثلاثين، يانعاً ونشيطاً حتى أنّ مسلسل «احذر باتمان» (2014) يصوّره أصغر من هذا بكثير. الشخصية لن تموت، ستبقى شابةً في عيون معجبيها وكتّابها، فالرمز لا يموت أبداً وفق ما يرد في فيلم Batman Begins. تعرف الشركات الكبرى ذلك تماماً، وتستغله لصالحها. هي ترغب بزيادة أرباحها، لكن بذكاءٍ شديد، وعبر إعطاء المعجبين ما يرغبون به أكثر من ذي قبل. مثلاً، قد يستغرب بعضهم إذا عرف أنّ فيلمين أو ثلاثة سنوياً تبصر النور عن الرجل الوطواط. ما يعدّه البعض تخمةً، يعتبره عشاق الشخصية نوعاً من الحلوى اللذيذة والمتعة القصوى. أغلب هذه الأفلام مقتبسة عن قصص مطبوعة قبلاً (إلا في بعض الحالات القليلة مثل فيلم «باتمان ضد دراكولا» عام 2005). لكن أن يتم تحويلها إلى فيديو مع أصواتٍ ومؤثرات، فذلك قمّة الترفيه والتسلية. ذلك نصف القصة بالتأكيد، وليس القصة كاملةً. نصف القصة الآخر، هو الإنجاز الأكبر، الجائزة الكبرى: الفيلم الحقيقي.

كريستيان بايل الممثل الإنكليزي القدير، أثبت بإجماع النقاد وعشاق الشخصية أنه أفضل «وطواط» حتى الآن. أداؤه العالي في الأجزاء الثلاثة الأخيرة من الفيلم (2005 و2008 و2012) جعله أقرب إلى ما يريده الجيل الجديد من شخصية بروس واين/ الوطواط. ثريٌ ولعوب في النهار، محاربٌ شرس للجريمة في الليل. لكن ما لم يستطع بايل التفوق عليه كان الأداء الخارق لشخصية «الجوكر» (عدو «باتمان») من قبل الراحل هيث ليدجر. الممثل الاسترالي انتحر بعد أدائه للشخصية، ما أثار عاصفةً لا تنتهي من التأويلات: هل أثّرت عليه الشخصية «الأنارشية» إلى هذا الحد، خصوصاً مع التحقيقات التي أثبتت أنه انعزل في غرفته في أحد الفنادق لأكثر من ستة أشهر كي يدخل في الشخصية ويعيشها فعلياً. حالياً نجمٌ آخر قرر ارتداء «الحلة» هو بين أفليك ليكون الرجل الوطواط في سلسلةٍ من ثلاثة أفلام كما تشير تقارير الشركة، فهل سيكون كما يتوقّع عشاق الشخصية خلفاً جيداً لبايل؟ أم أنه سينضم إلى كوكبةٍ من النجوم الكبار (مايكل كيتون، فال كيلمر، جورج كلوني) ممن فشلوا في إعطاء الشخصية حقّها، فرحلوا من دون بصمةٍ؟ ما الذي ستفعله «دي سي» بالشخصية لاحقاً؟ بل الأصح: ما الذي ستفعله الشخصية بالشركة، فهي أصبحت أكبر من الشركة بنفسها... وسيبقى الشعار: طالما هناك جريمة، سيكون هناك الرجل الوطواط.




صبحي اللعوب !

يمتلك الوطواط شخصية سرية هي المليونير اللعوب بروس واين (تحول في العربية إلى صبحي حين نشرت مجلة «المطبوعات المصورة» في لبنان قصصه وترجمتها ضمن سلسلة «العملاق»)، على عادة الأبطال الخارقين، أو كما يسمون بالتعبير الإنكليزي حرفياً Masked Vigilantes أي «محاربي الجريمة المقنّعين» الذي لا يسيرون تحت طائلة القانون. وللوطواط أيضاً شخصية سريةٌ أخرى ليست مستعملة كثيراً هي «ماتش مالون» أو «مالون أعواد الثقاب» وهي شخصية مجرم يستعملها للتحقيقات أحياناً. لكن ما يجعل الوطواط مختلفاً ومبهراً بحق أنه يعتبر في قرارة نفسه بأن هذه الشخصية (أي بروس واين) هي القناع وليس العكس؛ وبأنّ شخصية الوطواط هي شخصيته الحقيقية والأصلية. في إحدى القصص، يزور الوطواط مع عدوه باين Bane حارس النار المقدّسة. علماً أنّ باين هو الوحيد الذي كسر ظهر الوطواط وأقعده لسنة كاملة في جزئية «سقوط الفارس» (العدد 497 من مجلة «الوطواط» عام 1993) ليعود الوطواط ويتغلب عليه ويصبحا صديقين. يطلب حارس النار من باين خلع قناعه لأن لا أحد يستطيع الوقوف أمام النار المقدسة إلا بوجهه الحقيقي. يخلع باين القناع، ويسأل الحارس: وماذا عنه؟ (مشيراً للوطواط)، فيجيب بثقة: هذا هو وجهه الحقيقي. الفكرة نفسها تظهر أيضاً في مسلسل «الوطواط من المستقبل» التلفزيوني (1999) الذي يتحدث عن وطواطٍ جديد (تيري ماجينيس) في عصورٍ مستقبلية، وبروس واين كبير في السن وحيد وذي شخصية ارتيابية قاسية. يتعرض بروس لهجوم من مجرمٍ يرسل موجاتٍ عقلية موهماً ضحاياه بأنهم مجانين (الحلقة السابعة من الموسم الأول). بروس لم يقع في الحيلة، وحين يسأله تيري كيف ميزّت بأن الصوت بداخلك ليس أنت؟ أجابه بروس: لم يكف عن مناداتي ببروس، وهو ليس الاسم الذي أنادي نفسي به!


بوب كاين وحده


بوب كاين


بعد اختراع «باتمان» سوياً، تفاوض بوب كاين (الصورة) مع شركة «ناشيونال كوميكس»، متجاهلاً شريكه في اختراع الشخصية بيل فينغر. وحتى اليوم، تتم الإشارة إلى كاين وحده بأنّه «صاحب» الشخصية، فالحق القانوني الحصري للشخصية يعود له. فينغر الذي قام بكتابة العديد من الشخصيات في عالم الكوميكس (وخصوصاً في عالم الوطواط مثل «الجوكر» أشهر عدو للوطواط (بالاشتراك مع كاين)، روبن (بالاشتراك مع كاين)، «لانا لانغ» (حبيبة سوبرمان الأولى)، الفتاة الوطواط (الأولى)، إيس كلب الوطواط وغيرها، لم يحصل على التقدير إلا بعد وفاته بسنوات طويلة حين «ذكره» بوب كاين في سيرته. وأشار كاين إلى أنه كان «القوة الدافعة» التي أدت إلى ظهور الوطواط على ما هو عليه من دون أي إشارة إلى حقوقه «المادية» الفعلية المكتسبة من الشخصية. اليوم مر على الشخصية مئات المؤلفين والرسامين. بعضهم غدا مشهوراً جداً، مثل آلان مور وفرانك ميللر، لكن الشخصية بقيت ممهورةً بتوقيع كاين وحده!


عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)