الوشم في العالم العربي

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 10-10-2017، العدد : 10777، ص(20)
الصفحة : حياة وتحقيقات
العرب - تونس


الوشم في الوطن العربي وسم للجمال واعتقاد واهم في قوة الشخصية


أشكال غريبة ورسومات عجيبة ومختلفة ومتنوّعة، بدأت تظهر على أجساد الشباب والصبايا في الوطن العربي، في موضة الوشم التي تختلف بين من يريد أن يضيف زينة وجمالا على جسده وآخر يريد أن يعبّر عن قوة عضلاته أو شخصيته أو يريد أن يلفت الانتباه إليه، ورابع يريد التخلص من تشوّه خلقي، غير أن النتيجة واحدة، أجساد ملونة تسبح في بحر من الوشوم، ولم تعد تقتصر على رسمة أو رمز خفيف كما كانت تفعل العربيات، بل أصبحت رسومات لحيوانات وحروف ورموز غامضة لا يعرف معناها إلا أصحابها.

انتشر الوشم في الوطن العربي وخاصة في صفوف الشباب بعد أن كنا نراه على أجساد الأجانب، بل غزا الخط العربي أجساد بعض النجوم والمشاهير الأوروبيين، وأصبح الشبان العرب يستخدمون أشكالا وزخارف وكتابات يظنون أنها تعبر عن شخصياتهم، ومن هذه الرسومات ما يستقر على الصدور والأذرع أو على الأكتاف ومنها ما يرسم على الرقاب أو على الوجوه وبعضها في أماكن مخفية من الجسد.

لكن في بعض الأحيان يرغب بعض الشبان في إزالة الوشم، لأنه ببساطة لم يعد يروق لهم، ويمكن إزالة الوشم بواسطة الليزر، غير أن هذه العملية محفوفة بالمخاطر.

وإذا كان الشبان يميلون إلى رسم وشم كبير بألوان مختلفة ورسومات عديدة، منها النسر المحلق ومنها النمر الغاضب وغيرها من الرسوم التي تعبر عن القوة، فإن الفتيات يملن إلى وشم ناعم كالفراشات والأزهار ورسوم صينية وحروف لاتينية وأخرى عربية لاسم الحبيب أو عزيز عليهن.

ويرى الأخصائيون في أمراض الجلد أن للوشم آثارا سلبية كإمكانية الإصابة بسرطان الجلد والصدفية والحساسية التي تحصل في الجلد في بعض الحالات والالتهاب الحاد بسبب التسمم، وقد تصل إلى التأثير في الحالة النفسية للموشوم فتؤدي إلى تغيرات سلوكية في شخصيته.

الوشم حرية شخصية

رغم التحذيرات التي يطلقها الاختصاصيون من الأمراض التي يمكن أن ينقلها الوشم، مازال الكثيرون من الشبان يقبلون عليه دون الوعي بخطورته، معتبرين ذلك حرية شخصية وقد خبرته جداتنا كبار السن وخاصة في شمال أفريقيا.

يرى مصطفى (طالب جامعي في كلية الأدب قسم اللغة الإنكليزية في تونس)، أن الوشم تعبير عن حرية شخصية، ولكل فرد حرية التعبير عن رأيه وأفكاره الخاصة وله أن يختار جسده ليعبر عنها، كما يختار آخرون الشعر والأدب والرسم وحتى المظاهرات للتعبير عن أفكارهم ومبادئهم. ويقول الأخصائيون في علم النفس، إنه رغم امتداد الوشم في تقاليدنا التاريخية والاجتماعية إلا أن شباب اليوم اتخذه للفت الانتباه أو لإثبات شخصيته.

تقوى لكبير (وهي أيضا طالبة جامعية اختصاص لغة إنكليزية) تقول، إن الوشم زينة وجمال ورمز للخصوبة عند جداتنا الأمازيغيات، لكنه بات في العصر الحديث تقليدا اقتبسه الشبان العرب عن النجوم والمشاهير الأوروبيين ليعبروا عن أفكارهم وقناعاتهم وإيهام الناس بقوة شخصيتهم، في حين أن الرجال في العصر القديم كانوا لا يوشمون أجسادهم إلا للتداوي، وترفض تقوى أن توشم جسدها لأن طرق التعبير بالنسبة لها عديدة، خاصة وأن الوشم له مخاطره.

وإذا كان الوشم عند العربيات للزينة والجمال، فكلمة وشم تعني باللاتينية وصمة العار، وهو ما جعل الجيش الألماني، خلال الحرب العالمية الثانية، يقوم برسم الوشم على أجساد السجناء في معسكرات الاعتقال النازية لإهانتهم، وهو تقليد يعود إلى عهد الإمبراطورية الرومانية حين كان الجيش يضع وشوما معيّنة على أيدي الجنود المنشقين أو الهاربين من خدمة بلادهم.

مجدل الغربي (طالبة ماجستير لغة إنكليزية)، توشم يدها بطائر أنيق، وتقول إن الطيور تمثل الحرية، كما أنها الوحيدة في العالم القادرة على الطيران، مضيفة أن “الوشم يكمل جمال المرأة ولا أرى فيه أمرا غريبا وإلا لما وضعته النساء كبار السن”.

وتقول سيرين (20 سنة) التي تتعمد إظهار وشم على كاحلها، إنها في البداية كانت تخفيه عن عائلتها وخاصة والدها وأخاها، لكن هذا الحال تبدل بعد أن شاعت الظاهرة في المدن التونسية الكبرى خاصة، وصارت الفتيات يقبلن عليه دون خجل، “كثرت الرسومات على أكتاف البنات وأعناقهن وأياديهن، وهذا ما شجعني على إظهار الوشم الذي أضعه علنا”.

وتضيف “أن أغلب الفتيات يضعن الوشم لمسايرة الموضة ولإظهار المفاتن، حيث تقوم الفتيات بوضعه في أسفل الظهر، وهناك من تختار وضع فراشات وزهور ونقوش فرعونية على أياديهن وأكتافهن وأرجلهن وفي مناطق حميمة من أجسادهن”.

وتقول سيرين “إن الوشم رمز التفرد والتميز وهو أمر طبيعي وخاص بالشباب، ولا أعرف لماذا يرفضه الناس في مجتمعنا، فالوشم له معنى لدى شباب هذا الجيل، على الآخرين احترامه كما احترمت تقاليعهم السابقة”.

يوسف لكبير (طالب ثانوية عامة)، يقول إن حكاية الوشم الذي في ذراعه بدأت بتحد بين الأصدقاء الذين ظلوا يرونه أقوى بوشم في كتفه أو في ذراعه وهو الشاب المفتول العضلات ويجيد السباحة ويقضي الصيف في البحر لقربه من مسكنهم، “كنا نتباهى بالوشم الأجمل فيما بيننا، ومن أصدقائي من رسم أكثر من وشم على جسده رغم أنه كان يشكو من الألم أثناء عملية الوشم، ولكنه كرر ذلك مرارا وفي أماكن كثيرة من جسده لعله يفوز ببعض الثناء بيننا”.

ويعتبر بعض المحللين النفسيّين أنّ عملية الوشم لدى شباب اليوم هي رغبة كامنة في تعذيب الذّات للحصول على إثارة أو لذّة، كما يقولون إن الذي يوشم جسده يريد أن يقول أنا حرّ أفعل بجسدي ما أشاء وأوشمه بما أشاء، وهو في الحقيقة عجز كامن لدى الشباب، فيجعل الجسد يتكلّم بما لا يستطيع أن يفعل، فالضعيف يلجأ إلى وشم رموز القوّة لإبراز ما يفتقده.

ويؤكد هؤلاء على انتشار الظاهرة في العصر الراهن لأن الشكل بات الغالب في مجتمعنا، وتأتي هذه الرموز عبر الوشم لتعبّر عن ذلك، لأنَّ الدّاخل فارغ، ويأتي الوشم ليعوّض ذلك النقص والعجز في شخصية الشباب.

أنيس أولاد احمد (سائق سيارة تاكسي في تونس العاصمة) يقول إن عمره كان حوالي أربع سنوات حين انقلبت عليه طنجرة ماء ساخن شوهت يده اليسرى، و”ظل ذلك التشوه معي إلى أن كبرت وأصبحت أجد إحراجا خاصة في فصل الصيف فكنت محروما من الألبسة الصيفية، فقررت التخلص من هذا التشوه، ولأن عمليات التجميل مكلفة جدا في بلادنا قررت أن أرسم وشم دراغون لأغطي عيوب يدي”. ويضيف “لا أخفي أنني تألمت كثيرا خلال عملية الوشم، ولكن لا يوجد شيء دون ألم، وهذا هو الحل المناسب لي، لأنني لا أستطيع تحمّل نفقات عملية التجميل وأرفض البقاء مشوّهاً كما أنا، والآن بات المنظر ملفتاً، وخاصة أن الرسم تضمّن دراغون بالألوان”.

يعتبر الوشامون أنفسهم من فصيلة الفنانين، فالوشم ما هو إلا رسم بالإبر والحبر والألوان تماما كما الفنان التشكيلي، يقول ماجد الشراربي -وشام تعلم هذه الحرفة حين كان طالبا في فرنسا واستهوته إلى درجة ترك معها دراسة الهندسة ليتابع عمل الوشم وينال ديبلوما في ذلك- “الوشم ما هو إلا رسم، والإبرة فرشاة”، لكنه يبدي قلقه من أنه رغم زحف فن الوشم داخل المجتمعات العربية، إلا أنه يبقى معرضا دائما للخطر من قبل غير المختصين والذين قد يتسببون في إيذاء من يأتيهم.

ويقول ماجد إن الوشم أنواع، وشم المحترفين، وهو يرسم بواسطة فنيين متخصصين في الوشم، ويتميز بوضوح رسمته وحدتها، ويتم حقن الحبر بواسطة آلة خاصة، وألوان الحبر المستخدمة كثيرة كالأحمر والأزرق والأصفر والأخضر، والنوع الثاني وشم الهواة أو غير المحترفين، ويتم رسمه بواسطة الشخص نفسه أو أحد المتطفلين على رسم الوشم، فيخزون بإبرهم مناطق مكسوة بالشرايين ما قد يتسبب في التهابات في الدم ويسمم الجسم، ويتسبب في عدوى الأمراض، وكذلك يستخدمون مواد رخيصة، وإبرا دون تعقيم، وهو ما يؤدي إلى انتقال الأمراض.

ويضيف ماجد “أما الوشم الثالث فهو التجميلي، ويتم رسمه بواسطة اختصاصيي التجميل على حاجب خاصة ليكون بديلا عن الكحل، والأحبار المستخدمة عادة تكون ذات اللون البني أو الأسود”.

أما عن الرسوم التي يحبذها الشباب العربي فيقول ماجد، إن أغلب الشبان يفضلون رسوما بالخط العربي، وفي الوقت نفسه تعبر عن شيء خاص بهم وقريب إليهم، مثل أسماء الحبيبة أو الأم أو أقوال مأثورة، ومنهم من يكتب اسم وطنه أو يرسم علم بلاده. وهناك آخرون يريدون تقليد المشاهير وخاصة النساء اللاتي يردن رسما من رسومات الفنانات والممثلات الشهيرات.

إزالة الوشم

فاتن جادلي (رياضية تبلغ من العمر 28 عاما) لم تكن تفكر حين قررت وشم جسدها في ما إذا كانت ستبقى معجبة بالرسم أم أن ذلك سيصبح عاديا بل مقلقا بعد أن تعتاده.

رسمت أكثر من وشم على جسدها، الأول في عنقها وكان في شكل عقرب صغيرة للدلالة على قوة شخصيتها، ورسمت في ساقها غزالا يقفز في إشارة إلى أنها عداءة سريعة مثل الغزال، أما الوشم الثالث ومكانه أسفل ذراعها، فهو عبارة عن رمزين متداخلين للحياة والنار.

الرسومات التي اختارتها فاتن كانت في لحظة طيش أو إعجاب بنفسها، لكنها اليوم تقر بأن هذه الرسوم لا تعبر عن شخصيتها الحقيقية، فبعد أن كانت مراهقة مشاكسة تحولت بعد أن نضجت إلى فتاة هادئة ودودة، وهي اليوم تعيش في حيرة، فبقدر ما تريد التخلص من وشومها يساورها الخوف مما قد تخلف لها من تشوهات.

تفكر أحيانا في تغيير الرسومات بدل إزالتها تماما، خاصة أن الموضة الدارجة بين الفتيات اليوم هي وردة أو فراشة وما شابههما. ويقول طبيب الأمراض الجلدية البروفيسور كريستيان راولين إن الطريقة الأكثر شيوعا لإزالة الوشم هي العلاج بالليزر؛ حيث يتم توجيه أشعة الليزر إلى الوشم من مسافة قصيرة تعطي وميضا شديدا تصعب رؤيته.

ويقوم هذا الوميض باختراق الجلد ويحطم الأصباغ إلى شظايا لا حصر لها، وهو ما يترتب عليه في الغالب فقدان الأصباغ للونها. وتتسلل بعض هذه الأجزاء إلى الجهاز الليمفاوي، وتخرج عن طريق الكلى والأمعاء، ولكن المشكلة تكمن في بقاء جزء منها في الجسم.

ويقول أخصائيو الأمراض الجلدية إن هذه الشظايا يمكن أن تكون سامة أو مسرطنة. وقد تنتج عن الخضوع لعملية إزالة وشم كبير بالليزر أورام تؤدي إلى تلف الخلايا في الجلد. وشددت كريستيانا مانتي، من مركز حماية المستهلك بولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية، على ضرورة شرح هذه المخاطر بالتفصيل قبل إزالة الوشم.

كما أكدت مانتي على ضرورة أن تتم الإزالة لدى أطباء أمراض جلدية متخصصين في العلاج بالليزر أو أطباء التجميل والجراحات التجميلية، مع العلم بأن الوشم متعدد الألوان، والذي يغطي مناطق كبيرة من الجسم لا يمكن إزالته بنسبة مئة بالمئة.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر



جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
الجمعة 7 تموز (يوليو) 2017 - 13 شوال 1438هــ


الوشم في التراث الثقافي الأمازيغي

بين زينة المرأة وعربون المحبة وثورو الشياب :


لقرون عديدة كان الوشم من السمات المميزة للمرأة الأمازيغية في المغرب، قبل أن يستهوي الرجال، وخاصة الشباب المدافعين عن كون الجسد ملكية فردية، ويحق لهم الخط والرسم عليه، ما يعني التحرر من القيود الدينية والتقاليد الاجتماعية.

والوشم هو مجموعة من الرموز والخطوط الحاملة لدلالات متعددة، وتفضل النساء وضعه غالبا على الوجه واليدين، للتزيين وإثارة انتباه الرجل، لما يضفيه من جمال على المرأة، بينما يضعه بعض الشباب في مختلف أنحاء الجسد.

و»الأمازيغ» هم مجموعة من الشعوب الأهلية، تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة غربي مصر شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.

«عربون محبة»

عن بقايا خطوط ورموز ما تزال تطبع أجزاء من وجهها، تقول رحمة الزياني (67 عاما)، وهي ربة بيت وأم لستة أبناء، من سكان مدينة مكناس (شمال)، للأناضول: «هو عربون محبة وضعته أمي لي حين كنت في سن المراهقة».

وتتابع موضحة: «يحمل هذا الوشم، الذي رسم على جسدي بوخز إبر عصية عن التحمل، دلالات كثيرة مهما ارتقينا في الأسباب، وعرجنا في السبل، فلن نحسن فقهها كما فعل أجدادنا، فهي رسوم بركة ورحمة وجمال ورثناها من آبائنا».

فوجهها الذي نال منه الدهر، وخط عليه الكثير من التجاعيد، بدا غير قادر على النيل من الوشم، لا لشئ، كما تقول رحمة، إلا أن «هذا الوشم يستمد قوته من بركة الأجداد والآباء».

«حُرّ في جسدي»

أما عمر الزموري، وهو طالب جامعي في مدينة الرباط يدرس الفلسفة، ويكاد يغطي جسده كاملا برسوم وخطوط عصية عن الفهم، فيقول بانفعال للأناضول: «هذا جسدي، وهو ملكي، ولي كامل الحرية في التصرف به كما أشاء».

ويمضي قائلا: «أخط على جسدي أفكاري التي أستمدها من الطبيعة، وتشعرني أني سيد نفسي، لست بعبد مملوك لأي سيد، هي ليست بخطوط، إنما رسم متكلم لجسد لا يقوى على الكلام، صوت يقول: إني إنسان يركع لأحلامه وأفكاره، لأحيا حياة عبقها الحرية».

من الجماعية إلى الفردانية

ووفق فاطمة فايز، وهي أستاذة جامعية باحثة في علم الإنسان، بجامعة «ابن زهر» في مدينة أكادير (جنوب)، فإن «الوشم هو شكل من أشكال الاشتغال على الجسد، عبر به ومن خلاله الأمازيغ عن وعيهم بأهمية الجسد، باعتباره مرآة للذات/الفرد، كجزء من الجماعة، فالبعد الهوياتي للوشم لا يمكن تجاوزه».

وتضيف فايز، في حديث مع الأناضول، أنه «في الماضي كان الوشم يعبر عن عمق المجتمع، كان يعبر عن روح الجماعة، فقد كان له أثر على وحدة الجماعة وعلى حس الانتماء الموحد، فيما أصبح اليوم يدلل على العكس من ذلك، وهي قيم التفرد والفردانية، وعلى حس الثورة على التقاليد وعلى المجتمع وقيوده».

وتشير إلى أن «ممارسة الوشم كانت منذ ما قبل التاريخ ممارسة معممة، يقبل عليها الرجال كما النساء، ومع مرور الوقت صار أكثر التصاقا بالمرأة؛ لأن بعده التزييني بات حاضرا أكثر من بقية الأبعاد، لكننا حاليا بتنا أمام ممارسة أخرى للوشم، يعد الرجال أكثر المقبلين عليها، لا ترتبط بالتراث، بقدر ما ترتبط بخلفيات ثقافية أخرى».

وتخلص الأكاديمية المغربية إلى أن «الوشم ابتعد كثيرا عن بعده التزيني، وبات شكلا من أشكال التمرد على المجتمع، وشكلا من أشكال الثورة على القيود الاجتماعية، إنها طريقة الشباب في البحث عن شخصية مميزة، تأخذ مسافة من المجتمع، الذي لا يحس أساسا بالانتماء إليه».

أبعاد عديدة

ويرى رشيد الجرموني، وهو باحث في علم اجتماع التدين أن «الوشم يتميز بإحالته على مجموعة دلالات، يعد البعد التزييني أهمها، فقد كان يوضع على الوجه والذراعين والساقين والجذع، وكان عبارة عن رسوم هندسية ورموز دقيقة تحيلنا على فنون الزخرفة الأمازيغية المختلفة، التي تحضر في العمارة والنسيج والخزف والبعد الجنسي».

الجرموني يوضح، للأناضول، أن «الوشم كان من جهة يعبر عن نضج جسماني وجنسي، وبالتالي عن القدرة على تحمل أعباء الزواج ومسؤولياته، كما أن له دور زجري (ناهيا)، خاصة عندما يوضع على مناطق غير بارزة مرتبطة بالفعل الغريزي، كالبطن والصدر والأرداف، من أجل كبح الرغبة الجنسية خاصة لدى الفتاة».

ويضيف أن «هناك البعد الاجتماعي للوشم، حيث كان يعبر عن روح الجماعة، فقد كان له أثر على وحدة الجماعة وعلى حس الانتماء الموحد، كما أن له بعدا هوياتيا يتضح من خلاله الانتماء الاثني لواضعه».

ويلفت إلى بعده السحري كذلك، «فقد كان يلعب دور التعويذات والتمائم، وكان يستخدم لدفع الأرواح وسوء الحظ».

ويخلص الجرموني إلى أن «الوشم لم يعد يرتبط بالجانب الجمالي لدى المرأة فحسب، إنما دخل مرحلة جديدة دخلت بدورها بنية الحداثة، حيث يعبر من خلاله الشاب عن أن الجسد ملكية خاصة له الحق في أن يفعل به ما يشاء، كشكل من أشكال العصيان المجتمعي والفردانية، عبر الإصرار على تحرير الجسد من كل ما هو ديني وتقليدي، مع وجود أشخاص كثر يقلدون بالوشم شخصيات أخرى يتخذونها بمثابة نموذج يحتذى به دون وعي غالبا».

عن موقع جريدة القدس العربي


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)