الموسيقى السورية

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 05-01-2019
الصفحة : ثقافة
علاء رشيدي


الموسيقى السورية : الثورة مفصل.. لا ينتج اختلافاً بالضرورة


<article5000|cycle|docs=6037,6038,6039,6040>


بعدما كانت الكتابة عن الموسيقى والغناء في سورية، خلال السنوات الماضية، محصورة في بعض المقالات المتفرقة، والتي يصعب الجمع بينها لتشكيل رؤية واضحة عن حال فن الموسيقى والغناء في سورية، حمل العام 2018 كتاباً وثلاثة أبحاث تناولت الموسيقى والغناء في سورية، وفيها تنوع في المعالجات والمضامين وسياقات البحث مما منح معطيات غنية للمهتمين بالنقد الموسيقي، والدراسات الموسيقية، خصوصاً منها تلك المهتمة بإنعكاس التجربة السياسية والإجتماعية في الفنون: أي الموسيقى والغناء.

الموسيقى التقليدية في سوريا

الكتاب الأول صدر عن منظمة اليونيسكو ضمن مشروعها “الصون العاجل للتراث السوري”، بعنوان “الموسيقى التقليدية في سورية”، من تحقيق حسان عباس. كنا قد عرضنا للكتاب في مقال خاص على صفحة المدن – ثقافة.

ضمّ الكتاب عملاً أرشيفياً متميزاً للتراث الموسيقي السوري، بدءاً من حضارة ماري التي تعود للألف الثالث ق.م.، وإيبلا وأوغاريت وحضارات أخرى كالفينيقة والآرامية، ومن الموسيقى اليونانية والرومانية التي عرفتها سوريا. ومن ثم برزت الموسيقى المسيحية بالتراتيل وألحانها التي شملت البحر المتوسط، ومن بعدها الحضارة الإسلامية، وصولاً إلى بداية القرن العشرين حيث التأثير الأوربي المتزايد في مدن الشرق، ومن بعد دخول قوات الثورة العربية إلى مدينة دمشق في خريف عام 1918، لتليها دخول قوات الإنتداب الفرنسي العام 1920، إلى أن نالت سورية استقلالها في أواسط القرن العشرين.

وقد وثق الكتاب للأدوار الموسيقية، الالآت الموسيقية، وأنواع الغناء. ومن ثم قسم المؤلف الموسيقى والغناء التقليديين في سوريا إلى أقسام رئيسية تمت دراسة كل منها على حدة: الموسيقى الدينية، الموسيقى الإثنية، والموسيقى المرتبطة بالحياة الإجتماعية. هذا ما سمح للكتاب بأن ينفتح على الممارسات القومية، الدينية، والإجتماعية التي تدخل الموسيقى والغناء كعناصر مرافقة لها. لينتهي الكتاب بإصدار وصايا وخطة عمل متعلقة بإنقاذ التراث الموسيقي والغنائي السوري.

الأغاني كسلعة ثقافية رمزية

لا يتخصص بحث “عندما هتفوا للأبد: لغة الثورة السورية” (دار ممدوح عدوان واتجاهات، 2018) في موضوعة الموسيقى والغناء، إلا أن الباحث إيلاف بدر الدين، يسعى إلى تحليل اللغة الثقافية للخطابات السورية عبر عدد من الفنون، مولياً أهمية خاصة لدور الموسيقى والغناء. يخصص القسم الأول من البحث للفترة التاريخية الممتدة منذ الخمسينات حتى العام 2011. بدايةً يستعرض البحث الأغنية الوطنية السورية في فترة الخمسينات، مروراً بالإنفصال عن الجمهورية العربية المتحدة، ومن ثم ينتقل إلى مرحلة تحول مهم في الأغنية الوطنية تم مع حرب تشرين 1973. ويحلل البحث بعناية النشيد الوطني السوري الرسمي. ومن ثم يتابع الباحث استطلاع أناشيد الحزب الحاكم، أي الأناشيد التي تحمل إيديولوجيا حزب البعث وأفكاره، وتعتبر مؤشراً مهماً لرؤيته السياسية، الإجتماعية، والإقتصادية، منها: نشيد البعث، ونشيد طلائع البعث، ونشيد شبيبة الثورة. كما يعرج البحث على الأغاني الخاصة بكل من الرئيس الرئيس الراحل حافظ الأسد، والتغيير الذي حملته الأغاني الخاصة بالرئيس الحالي بشار الأسد، وأضاء البحث على المفردات في الأغاني التي تصف كلا الرئيسين.

أما القسم الثاني من الكتاب فقد تناول الأغاني التي انطلقت مع التظاهرات الإحتجاجية الشعبية في العام 2011، مستعرضاً تسجيلات مغنين محترفين مثل سميح شقير، مالك جندلي، وصفي المعصراني، وفرق منها فرقة “المندسين السوريين”، وفرقة “الدب السوري”، وفرقة “أبطال موسكو الأقوياء”. لينتقل بعدها إلى الأغاني الجماهيرية التي راحت تؤدى وتُغنى في التظاهرات الشعبية، ومن بعدها الأغاني التي حملت الخطاب الثوري لتلك المرحلة.

يكتب الباحث إيلاف بدر الدين: “وكنوع من الصراع على إنتاج السلع الثقافية في السوق، فإننا نرى أن كلاً من الهيكليتين التابعتين للثورة أو للنظام كانتا تتنافسان بشكل دائم على طرح السلع. ففي السنة الأولى للثورة، شهد السوق السوري تجاذبات كبيرة بين القسم الذي يروج لسلعة النظام اللغوية، وبين القسم المروج لسلعة الثورة. وكان الطرح في أغلب الأحيان يعتمد على إنتاج نقيض المنتج المطروح”. يوضح بدر الدين النتيحة التي توصل إليها، عبر مسيرة البحث التحليلية، بالقول: “وبقراءة أكثر دقة للأغاني الثورة وتلك التي ينتجها النظام، فإننا نرى أن الطرفين قاما بتقليد ممارسات الآخر عن عمد أو من دونه. بملاحظة خط تطور الأغاني الثورية، فإننا نرى أن الجهة الثورية استخدمت في بداية الحراك، المنتجات الرمزية نفسها التي كان النظام يستخدمها، ومن بعدها قامت بتطوير أدائها بنفسها”.

صورة الوطن في الأغنية السورية المستقلة

الكتاب الثالث “أربع أوراق بحثية عن الراهن السوري”، (دار ممدوح عدوان واتجاهات، 2018)، وقد ضم بين أبحاثه عنوان “صورة الوطن في الأغنية السورية المستقلة” للباحث وسيم الشرقي، الذي يحاول بداية تعريف “الأغنية السورية المستقلة”: “بأنها الأغنية المستقلة عن شركات إنتاح الموسيقى العربية الكبرى، الصانعة للمشهد الموسيقي التجاري في العالم العربي، والتي تنتجها مجموعة من الموسيقيين الشباب في سوريا موسيقية وإنتاجية تميزها عن الأغنيتين الشعبية والدينية، كما تتميز عنهما من ناحية الخطاب الفني غير الخاضع لأيديولوجيا دينية أو انصياع تام لرغبة الجمهور كما في حالة الأغنية الشعبية”.
وبالتالي، فإن الموسيقى البديلة في سورية تستمد تعريفها من مغايرتها للموسيقى السائدة، ليس بالضرورة من ناحية آليات الإنتاج فقط، بل أيضاً من ناحية هامش الحرية في عملية خلق الشكل والمعنى، لذلك من الممكن القول إن الأغنية السورية المستقلة كما سندرسها في البحث هي تلك الأغنية التي ينتج صناعها خطابهم الفني والفكري بناءاً على قناعاتهم الشخصية، وفردانيتهم على مستوى الشكل والمضمون، فالشكل الفني غير مفروض من شركة إنتاج ضخمة تملي معاييرها وشروطها. وكذلك المضمون الذي وإن كان محدداً بمحاذير الرقابة، إلا أنه ليس ممولاً من جهة إنتاجية حكومية أو خاصة.

يقدم الباحث الشرقي للقارئ الإطار التعريفي للأغنية الموسيقية السورية، لكي يتمكن من مساءلتها بحثياً: هل تحمل الأغنية السورية المستقلة علاقة نقدية مع الوطن السوري؟ أم تقتصر هذه العلاقة على البعد العاطفي؟ هل يشكل خطاب الأغنية المستقلة خطاباً متفرداً وناضجاً بعيداً عن إيديولوجيات السلطة وأدبياتها؟ أم أن هذا الخطاب لا يملك وعياً بالإمكانيات التي من الممكن أن يصل إليها؟ ما هي صورة الوطن السوري عند أبنائه من الموسيقيين؟ وما الفروق التي أحدثها الحراك الشعبي في العام 2011 عند جيل الموسيقيين الجدد؟



أما بالنسبة للنماذج الخاضعة للدارسة فيختار الباحث ألبومين غنائيين لفرقتين تنتميان إلى جيلين ومرحلتين زمنيتين مختلفتين: الألبوم الأول “إذاعة كلنا سوا” لفرقة كلنا سوا، والألبوم الثاني “خبز دولة”، 2015، لفرقة خبز دولة.

من خلال المقارنة بين هذه التجربتين الموسيقيتين، يتوصل الباحث إلى بعض النتائج، حيث يتلمس في الألبوم الأول “إذاعة كلنا سوا”(2005) غياب أي نوع من الإنتقاد للواقع السياسي أو الشأن العام داخل حدود الوطن السوري، بينما تغلب على موضوعاته السياسية مفاصل تاريخية دولية من مثل أحداث 11 سبتمبر 2001، الغزو الأميركي للعراق العام 2003. في هذين الحدثين التاريخين يرى الناقد تطابقاً بين رؤية الفرقة الموسيقية وبين خطاب السياسة الخارجية للحكومة السورية في تلك المرحلة. كما يشهد الألبوم حالات متكررة من إعلاء قيم معينة كالشبع والإستقرار، على حساب قيم ديمقراطية مثل قيمة الإنتخاب، بحسب تعابير الباحث.



أما الألبوم الثاني “خبز دولة”(2015)، فهو يتخذ من الآثار التي ترتبت على انتفاضة العام 2011 مادة أساسية له، لتخلق بذلك، خطاباً يصف نفسه بالجدة والإختلاف عما كان سائداً قبله. كما أن الذاتية تشكل السمة البارزة في الألبوم. ومن ناحية المواضيع المنتقاة وشكل التعبير عنها، لا يترك ألبوم “خبز دولة” مجالاً للشك أنه أنجز في سياق ما بعد العام 2011، من جهة المواضيع المعالجة، أو المفردات المستخدمة “الحرب، الموت، التهجير، السفر، المطالبة بالتحرر”.

ورغم ما عُرض سابقاً عن خصوصية كل من الألبومين، إلا أن الباحث وسيم الشرقي يتوصل إلى القول: “إذا ما نظرنا إلى الإختلاف بين التجربتين من وجهة نظر الفارق العمري بين جيلين، جيل كلنا سوا، وجيل خبز دولة، نستطيع الإستنتاج أن الجيل الجديد من الموسيقيين المستقلين السوريين على الرغم من كل التجربة القاسية التي عاشها في السنوات الأخيرة، لا يحمل نزعة صدامية قوية مع السلطة السياسية أو الإجتماعية في سورية. حيث يميل خطاب الأغاني، والعتبات النصية المقدمة للألبوم، إلى النأي بالذات خارج مساحة الخطاب السياسي واضح المعالم، حتى وإن تبنت بعض الأغنيات خطاباً سياسياً واضحاً وناقداً للسلطة السياسية، إلا أن التعبير عن هذا الخطاب النقدي يبقى خجولاً متردداً”.

الأغاني المؤدلجة

أما البحث الثالث “أدلجة الغناء: تحليل مضمون الأنماط الغنائية في الصراع السوري”، (مركز حرمون للدراسات واتجاهات، 2018 )، فيقصد فيه الباحث سلطان الجلبي بمصطلح “أدلجة الغناء”: عملية اتخاذ الأغنية أداة من قبل الفاعلين السياسيين لبث أفكارهم وتصوراتهم، بهدف استقطاب أفراد وجماعات من المجتمع، والتأثير في وعيهم وسلوكهم، وبالتالي يقسم الباحث الأغاني التي يخضعها للبحث إلى: أغاني السلطة، الأغاني الثورية، الأغاني الجهادية، وأغان حزب العمال الكردستاني. ويعمد البحث إلى دراسة المفردات اللغوية الأكثر تكراراً ضمن كل من الأغاني أو الأنماط الغنائية المستهدفة في البحث لتعطي مؤشرات حول ملامح الخطاب العامة والقيم الأساسية التي يحملها هذا النمط الغنائي أو ذاك.

توصل الباحث إلى أن الكلمات الأكثر تكراراً في أغاني السلطة هي “بشار القائد، رجالك جنودك، سوريا الوطن، العز والكرامة، الدم الروح”، أما الكلمات الأكثر تكراراً في الأغاني الجهادية فهي “المنايا، القتال، أباة والمجد، البكاء والألم، الله والدين، قادمون والويل لكم”. أما في أغاني الحزب الديموقراطي الكردستاني، فالكلمات الأكثر تكراراً هي “وحدات حماية الشعب الكردي، أبطال وأسود، حلم يتحقق ونور سيبزغ، الكرد، الثورة الإنتفاضة”، وأخيراً في الأغاني الثورية يوضح البحث أن أكثر الكلمات تكراراً: “أسماء المدن المنتفضة، قتلونا آلامنا، سورية الوطن، كرامة شجاعة”.

تعتبر هذه الحصلية من كتب وأبحاث، حصاداً غنياً للموسيقى والفن الغنائي السوري، تتنوع المقاربات وتتنوع الإسهامات التي يقدمها الباحثين في إطار التعامل مع هذه الموضوعة، ويغني الدراسات والأبحاث الثقافية المتعلقة بإثنين من أهم الفنون البشرية، أي الموسيقى والغناء.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عن الصورة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)