المسرح في مصر

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثلاثون العدد 9460 الثلاثاء 19 شباط (فبراير) 2019 - 14 جمادى الآخرة 1440 هـ
إبراهيم عبد المجيد - روائي من مصر


المسرح في مصر


يشكل المسرح في مصر ظاهرة رائعة في التاريخ، لن أستطيع أن أمشي معها منذ بداياته في نهاية القرن التاسع عشر، لأن أسماء مثل يعقوب صنوع وأبوخليل القباني وإسكندر فرح وسليم النقاش ويوسف خياط والشيخ سلامة حجازي، لا يمكن أن تُنسى فهم المؤسسون الكبار.

وشارع مثل شارع عماد الدين كان هو بيت الفن المسرحي الجميل وشهد بدايات أبطال ومخرجين وكتاب لا يمكن أن ينساهم التاريخ مثل، سيد درويش ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وعلي الكسار وأمينة رزق وروزا اليوسف وبديع خيري وغيرهم، بالإضافة طبعا للأوبرا التي بناها الخديوي إسماعيل والعروض الأجنبية. وظل الأمر حتى الخمسينيات بعد يوليو/تموز 1952 لم يتراجع المسرح، بل ازداد وجودا حتى وصل إلى عصره الذهبي في الستينيات من القرن الماضي.

وكان قد مرَّ وما زال على أسماء رائعة مثل محمد تيمور وتوفيق الحكيم وأحمد شوقي وعلي أحمد باكثير من كتاب ومخرجين كبار مثل، زكي طليمات وظهرت في الستينيات كوكبة رائعة من المؤلفين الموهوبين جدا، الذين هم على اتصال بالثقافة العالمية وبالمسرح وسائر الفنون في العالم، فشغلوا قاعات المسرح في مصر بمسرحيات هائلة، بل عرفت المسرحيات العالمية طريقها بكثافة رهيبة إلى المسرح المصري. هؤلاء منهم، على سبيل المثال، في التأليف يوسف إدريس وسعد الدين وهبة ونعمان عاشور ومحمود دياب ومصطفى محمود وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي وميخائيل رومان وفاروق خورشيد ونجيب سرور، وتبعهم مع استمرارهم، علي سالم ويسري الجندي وأبو العلا السلاموني ولينين الرملي، ومعهم جيل رائع من المخرجين مثل كرم مطاوع وسعد أردش وجلال الشرقاوي وحسن عبد السلام والسيد راضي وسيد بدير وغيرهم.

لم يكن المسرح في مصر في الستينيات والسبعينيات مصريا فقط، بل عرفت المسارح أسماء مؤلفين عالميين كثيرين جدا من المسرح اليوناني القديم أو الفرنسي والإنكليزي والأمريكي والإسباني الحديث.

لم يكن المسرح في مصر في الستينيات والسبعينيات مصريا فقط، بل عرفت المسارح أسماء مؤلفين عالميين كثيرين جدا من المسرح اليوناني القديم أو الفرنسي والإنكليزي والأمريكي والإسباني الحديث، وكان يعاصر ذلك إصدار سلسلة المسرح العالمي المصرية، وكانت المسرحية تباع بخمسة قروش، وكانت هناك مجلة للمسرح. تلك السلسلة قدمت أروع المسرحيات العالمية، وكنت حريصا عليها أكثر من حرصي على الروايات. ظل المسرح في عنفوانه، رغم أن المسارح الخاصة صارت ملكا للدولة، وكان التلفزيون حريصا على نقل مسرحية للمشاهدين كل أسبوع كانت من أجمل ما تحرص الأسرة على مشاهدته. وجوار مسرح الدولة نشط المسرح الخاص، فظهر فنانون مثل عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وعادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي وسمير غانم ومحمد صبحي وغيرهم، أما الفنانات فأسماء رائعة عبرت من هنا مثل سميحة أيوب وسناء جميل وسهير المرشدي ومحسنة توفيق وشويكار وعشرات الأسماء الرائعة – أما أسماء الأبطال في المسرح التراجيدي من الرجال فلا يتسع المقال لهم، بدءا من صلاح منصور ومحمد الدفراوي إلى محمود الجندي ونبيل الحلفاوي وغيرهم. وكانت هناك فرق المسرح الكوميدي ومسرح التلفزيون و»الفنانين المتحدين» وكان لهؤلاء الفنانين الكوميديين حضور جميل أيضا في المسرح التراجيدي. كان لدينا يوما مسارح لا تنطفئ ليلة واحدة هي المسرح التجريبي ومسرح الطليعة والمسرح القومي ومسرح المئة كرسي.

كان من أهم روافد المسرح منذ الستينيات غير مسرح الجامعة والمعهد العالي للفنون المسرحية نشاط الثقافة الجماهيرية، لأن قصور الثقافة في الأقاليم، كانت أكثر من مئة قصر ثقافة ذلك الوقت، كانت فيها ولاتزال لكن بدون عمل، قاعات للمسرح والسينما إلى جوار قاعات الندوات ونادي الأدب ومعارض الفن التشكيلي. كانت رافدا مهما لأن الفنانين البعيدين عن القاهرة كانوا يجدون فيها الفرصة، وكان يقام مهرجان سنوي كل عام في مسرح البالون تعرض فيه أكثر من خمسين مسرحية خلال شهرين، فضلا عن أماكن أخرى وكانت فرصة التقاط فنانين للتمثيل في السينما أو التلفزيون كبيرة للفنانين الشباب. ومنذ بداية الثمانينيات بدأ النشاط المسرحي ينكمش في قصور الثقافة لكن ليس بدرجة ملحوظة ومع التسعينيات بدا الانكماش واضحا وصارت للأفكار الدينية الرجعية مكانها عند كثير من الموظفين، وكنت أنا أعمل في إدارة الثقافة العامة في هذه الهيئة بعيدا عن المسرح، لكنني قابلت أكثر من مدير موقع يعتبر الفن حراما، ما دعا بي إلى أن اتباعد عن العمل بشكل ما مرة بالحصول على تفرغ من وزارة الثقافة، ومرة بطلب ندبي إلى الهيئة العامة للكتاب وهكذا راحة لذهني حتى أكتب رواياتي.

لم نتقدم التقدم الذي يجعلنا نعيد النظر في رؤي هؤلاء الكتاب، فضلا عن أن رؤاهم في كثير منها إنسانية عابرة للزمان. ومن الملاحظات المهمة جدا ذلك الوقت.

ولاحظت أن عددا كثيرا من المسرحيات إن لم يكن كلها هي مجرد إعداد عن مسرحيات سابقة لكتاب مسرحيين وهكذا تسيد المشهد من يقوم بالإعداد، ولم يكن هؤلاء الكتاب الكبار الأصليين قد مضت عليهم سنوات كبيرة تجعل أعمالهم «ريبرتوار» للمسرح باعتبار تغير الأحوال فيمكن إعادة الصياغة أو التفسير. وبالمناسبة مسرحياتهم صالحة حتى الآن، لأن الحياة الاجتماعية لم تتقدم فمازالت «سكة السلامة» لسعد وهبة لها مقامها الكبير. و«الناس اللي فوق» لنعمان عاشور و«المهزلة الأرضية» ليوسف إدريس وغيرها.

أجل لم نتقدم التقدم الذي يجعلنا نعيد النظر في رؤي هؤلاء الكتاب، فضلا عن أن رؤاهم في كثير منها إنسانية عابرة للزمان. ومن الملاحظات المهمة جدا ذلك الوقت. أي نهاية الستينيات أن مسرح العبث أو اللامعقول وجد لنفسه مساحة كبيرة في العروض المسرحية، ولم يكن مسرح العبث هذا محل رضا الاتحاد السوفييتي فكان محظورا عرضه هناك، باعتباره متشائما، ورغم أن مصر كانت في حلف من نوع ما مع الاتحاد السوفييتي، لم يتأثر نشاط ولا حب المسرحيين لهذا المسرح، فرأينا مسرحات ليونيسكو وأرابال وبيكيت. المهم بعد أن تضاءل التأليف وذاع الإعداد لأعمال معاصرة، لم تكن قديمة قلّ مؤلفو المسرح وصار الإعداد هو العمل السهل. وحتى الآن للأسف. وحدث في الثقافة الجماهيرية ضمور في النشاط المسرحي ليس للاتجاهات المتخلفة لبعض المسؤولين، التي أشرت إليها فقط، لكن أيضا لتضاؤل الميزانيات التي لم تعد تتماشى مع القيمة النقدية لها. على الناحية الأخرى ازدهر مسرح لا يجد متابعة هو مسرح الشباب المغامر في مراكز ثقافية أجنبية أو جمعيات ثقافية، لكن مسرح الدولة الذي كان يغطي مصر كلها انكمش إلى القاهرة وقليل من المدن الكبرى وانصرف التلفزيون عن إذاعته، وعدد المسرحيات في العام في القاهرة ضئيل جدا قياسا بسنوات الستينيات والسبعينيات في كل مسارح الدولة، ونفرح بها لأننا نشتاق إلى الفن الجميل ولدينا أمل أن يزدهر. هي نبضات في المسرح القومي أو المسرح الحديث أو مسرح الهناجر، رغم أن لدينا مخرجين وممثلين ليسوا بالقليلين. وأخشى يوما تكون فيه مصر بلا مسرح كما هي بلا سينما الآن للأسف.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


عن صحيفة القدس العربي

القدس العربي”، صحيفة عربية يومية مستقلة، تأسست في لندن في نيسان/أبريل 1989. تطبع في الوقت نفسه في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وتوزع في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا. يتابع موقع الصحيفة يوميا على الانترنت مئات الآلاف من أنحاء العالم كافة.
اكتسبت الصحيفة سمعة عربية ودولية طيبة، بسبب نشرها للأخبار الدقيقة ولتغطيتها الموضوعية للأحداث، والتحليل العميق للقضايا العربية والعالمية، معتمدة في ذلك على مجموعة من المراسلين والكتاب المميزين.

تواصل الصحيفة تطورها خلال الاشهر القليلة الماضية، حيث انضم الى طاقمها مجموعة جديدة من المحررين والمراسلين الاكفاء والكتاب المرموقين. وتحرص الصحيفة على التواصل مع قرائها، ونشر تعليقاتهم وآرائهم على صفحات نسختها الورقية وعلى موقعها الألكتروني و”فيسبوك” و”تويتر”.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)