المدينة في العالم الإسلامي للباحثة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ٤ يونيو/ حزيران ٢٠١٥
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«المدينة في العالم الإسلامي» لسلمى الجيوسي وآخرين: الوجه الحقيقي للحضارة


«خلف هذا الكتاب، في الأصل، رغبة استبدت بي قبل ثلاثين عاماً تقريباً، وهي السعي الى التغلب على الحصار والقمع المفروضين على معرفة الثقافة العربية والحضارة العربية - الإسلامية خارج الوطن العربي؛ ومحاولة إظهار التشابهات وكذلك التباينات، ونقاط التلاقي ونقاط الافتراق بين الاتجاهات الرئيسية العربية، وتلك غير العربية، وبخاصة الغربية والتقليدية، والعمل من خلال ذلك على استخراج وحدة الثقافات الإنسانية (...) وقد أوجدت من أجل هذه الغاية مؤسسة «تواصل شرق - غرب/ بروتا» بهدف تزويد العالم الناطق بالإنكليزية بوجه خاص، وعلى أفضل ما أستطيع، بعض أفضل آيات الإبداع العربي، ماضياً وحاضراً». بهذه العبارات قدمت الكتابة والباحثة الفلسطينية المعروفة سلمى الخضراء الجيوسي، لكتابٍ في مجلدين ضخمين، صدر قبل فترة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، في اكثر من ألف وستمئة صفحة من القطع الكبير عنوانه «المدينة في العالم الإسلامي».

صحيح ان استعراضاً لما نتج من اهتمام العالم الغربي، فكرياً وفنياً وسياسياً وتاريخياً ايضاً، بالعالم العربي والإسلامي، ولا سيما منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم، يعارض الفكرة التي بدأت بها الجيوسي تمهيدها هذا، حيث نعرف أن ثمة ألوف الدراسات والكتب وعشرات المعاهد والمؤسسات ودور النشر المتخصصة والتي لا شك تناولت العدد الأكبر من الجوانب المتعلقة بـ «معرفة الثقافة العربية والحضارة العربية - الإسلامية»، في دراسات وبحوث لسنا نعتقد ان العقل العربي نفسه انتج ما يوازيها كماً ونوعاً - كما نعرف أن معظم الأبحاث والدراسات التي يُستند اليها لكتابة بحوث وأطروحات عن العالمين العربي والإسلامي إنما هي من إنتاج ذلك «الخارج» نفسه -، غير ان هذا لا ينفي عن هذا الكتاب الذي يمكن حقاً وصفه بـ «الجامع المانع» أهميته الفائقة في مجال كونه اول مجموعة دراسية علمية شاملة من نوعها تتناول كل ما له علاقة بحضارة المدينة الإسلامية وذلك في دراسات ندر ان جمع كتاب واحد، او ندوة واحدة، ما يماثلها ليس فقط من ناحية الكمّ بل كذلك وبخاصة من الناحية النوعية. ولعل الملاحظة الأولى التي تفرض نفسها هنا، لتناقض كذلك ما ذهبت اليه معدة الكتاب والمشرفة عليه، اي سلمى الخضراء الجيوسي نفسها، هو ان معظم الدراسات، ولعل اكثرها عمقاً ومعرفة وتحليلاً، هي تلك التي ينشرها الكتاب، في جزءيه، بتواقيع عشرات الباحثين الأجانب الذين يعرّفهم الكتاب نفسه بكونهم تكوّنوا في معاهد غربية - وشرقية غير عربية ولا إسلامية في بعض الأحيان - ويمارسون اليوم عملهم وبحوثهم داخلها في ما يتعلق بالمادة التي يشتغلون عليها: الحضارة الإسلامية.

غير اننا هنا، لا بد من أن نترك هذا البعد السجالي في الكتاب جانباً، كي نعود الى واحد من أبعاده وإن في شكل عابر بعد قليل، ونركز عرضنا هنا على الكتاب نفسه. ان المعنيين بمثل هذا النوع من الدراسات المعمقة، يعرفون طبعاً، أن الأمر لم يخل، وربما طوال القرن العشرين، من دراسات كتبت وصدرت حول المدن الإسلامية - والعربية (وكثير منها يحمل تواقيع عدد لا بأس به من الباحثين المشاركين اصلاً في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه هنا)، ما يفترض أن تناول موضوع المدينة الإسلامية لا يمكن أن يعتبر بالأمر الجديد هنا، غير ان الإنصاف يقتضي منا أن نقول ان كل الذي صدر قبل الآن، إنما يبدو كأنه كان التمهيد الطبيعي لصدور هذا الكتاب. فما في هذا الكتاب يبدو كأنه الاستنتاجات المنطقية، السردية والتحليلية، لأشغال مئات السنين من التحليلات التي طاولت المدينة الإسلامية. وحسب المرء ان يستعرض تقسيم الكتاب «التيماتيكي» ليدرك هذا. ففي القسم الأول وتحت عنوان «موضوعات عامة» وبعد ايراد ملاحظات تاريخية - بيانية حول المدينة الإسلامية مع إشارة خاصة الى صورة المدينة المبنيّة، يدرس اندريه ريمون على سبيل المثال، التنظيم المكاني للمدينة، ويدرس بسيم حكيم مسألة القانون والمدينة وهيوكندي، المدن الموروثة، لتتوقف سيلفي دينوا عند المدن المؤسَّسة خلال القرون الخمسة الأولى للإسلام. وإثر هذا، كما إثر «مقاربة اقليمية» تدرس مدن البلقان العثمانية فالمدن الإيرانية والهندية ثم العثمانية، يبدأ القسم الثالث من الكتاب والذي يدرس، في شكل معمق وتفصيلي، حالات العديد من المدن الإساسية، من بغداد العصر العباسي، الى شيراز - مدينة الحدائق والشعراء -، ومن فاس وتونس إلى هرر والرباط والقدس وإسطنبول وحلب وصنعاء ودمشق، ونحو نصف دزينة أخرى من مدن تنبعث حياتها امامنا على الورق بعمق وتفصيل، ولا سيما منها تلك التي ترد أخبارها التدميرية في نشرات الأخبار اليومية في أيامنا هذه، ما يمكّن القارئ من الغوص في تاريخ هذه المدن واكتشاف ما في طوبوغرافيتها وسيرتها ما يبرر حزننا على مصائرها اليوم.

ويصل الكتاب، بعد ان يدرس هذه المدن الرئيسة وغيرها، متوقفاً عند العلاقة الأساسية بين تاريخها وتقسيمها المكاني والظروف الاجتماعية والسياسية التي ساهمت بنموها على الشكل الذي نمت عليه، يصل في المجلد الثاني الى القسم الرابع وعنوانه «وظائف المدينة». وهنا في هذا القسم الذي يبدو، في أساسه، وكأنه تلخيص وتوليف معمقان، لكل العناصر المتفرقة التي تمت دراستها في القسم السابق التفصيلي، تتوزع الدراسات على الوظائف الإساسية للمدينة، عبر عناوين تبدو دالّة في جوهرها: «دار الماء: فن العمارة المائية في البلدان الإسلامية»، «اقتصاد المدينة التقليدية»، «مدينة الحج»، «ادارة المدينة»، «الريف: التراث الهيدروليكي والزراعي الروماني للبلدان الإسلامية والمتوسطية»، «المواطنة الحضرية في مواجهة القرن»، «المنزل والنسيج العمراني في المدينة الإسلامية المتوسطية»، «المدينة المقسمة وفق الجنس»، «النقابات في الدراسات التاريخية الأخيرة»، و»الوقف في المدينة».

ولما كانت كل دراسات القسم السابق، كاستنتاجات إجمالية لما كان قد درس في حالات كل مدينة اسلامية على حدة في مئات الصفحات السابقة، تتوقف بخاصة عند التاريخ وغالباً عند ما كانت المدينة الإسلامية عليه قبل بدايات القرن العشرين، كان لا بد، أخيراً، من قسم خاص يدرس الظروف الأكثر حداثة للمدينة الإسلامية. وتعهد هذا الأمر القسم الخامس وعنوانه «المدينة الحديثة والمعاصرة»، وفيه دراسات تبدأ بـ «تحديث مدن السلطنة العثمانية بين 1800 و1920»، لتنتهي بـ «إعمار بيروت» عند نهاية القرن العشرين، وبين تلك وهذه تتوقف عند تصاميم المعماريين الفرنسيين والإيطاليين في الثلاثينات في مدن الشمال الإفريقي، ثم «الجزائر العاصمة: المدينة المستعمرة»، فالدار البيضاء (المدينة في العالم الإسلامي)، وصولاً الى «الهوية والعولمة والمدينة الإسلامية المعاصرة»، مع توقف لافت وخاص عند «آلام دبيّ المتنامية» باعتبارها «مدينة تبحث عن هويتها»، ثم «القاهرة بين آثار الماضي وإعادة التأسيس الليبرالي».

قد تكون لبعض من الباحثين الأكثر تخصصاً، مآخذ على دراسة من هنا، وبحث من هناك، لكنها بالتأكيد أمور تتجاوزنا حقاً، لأنها «عمل متخصصين»، اما بالنسبة الى القارئ المثقف، وإنسان الزمن الحالي الذي يجد نفسه، أمام اسماء المدن العربية وأحوالها، بل حتى امام آمالها ودمارها - بفعل الحروب، أو بفعل همجية البناء العشوائي -، فإن هذا الكتاب يحمل من الإجابات والوقفات، ما يجعله دراسة في الحضارة العربية - الإسلامية، وليس فقط في المدينة او في بعض السمات العمرانية او التاريخية لهذه المدينة او تلك. وحسب القراء الأكثر تخصصاً من القارئ العادي، ان يدركوا ان من المساهمين في هذا الكتاب بعض اكبر الأسماء في مجال دراسة الحضارة الإسلامية - العربية (من امثال اندريه ريمون وأوليغ غرابار وفدريكو كريستي وسعيد مولين وأتينيلو بتروشيولي وميا فوكر وجان لوك أرتو وحسن الدين خان وغيرهم، الى جانب اسماء جديدة تظهر في هذا المجال الدراسي الذي لم يفتأ يفتن القراء ويعمّق دراسات الحضارة العربية والإسلامية، منذ عقود، حتى يدرك انه امام عمل قد لا يكون من الظلم لأحد ان نقول انه يغني عن قراءة عشرات الكتب التي تحاول ان تتحدث عن حضارتنا من شتى وجوهها، وبخاصة اننا هنا امام مئات من الصفحات التي يبحث فيها المرء عن اي أثر للإيديولوجيا التي غالباً ما أساءت الى موضوعية البحث التاريخي ولا يجد... وهذا حسن ونقطة اساسية في مصلحة الكتاب بالتأكيد.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)