الليالي اللبنانية في بعلبك

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 06-05-2017
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


الليالي اللبنانية في بعلبك.. العيد الستين لريف بلا مدينة


<article4024|cycle|docs=4731,4732,4733,4734,4735,4736,4737,4738>


تنطلق مهرجانات بعلبك الدولية في السابع من تموز-يوليو بعرض ضخم لبناني بعنوان “عيد الليالي اللبنانية، عيد الشباب”. تُقام هذه الاحتفالية بمناسبة مرور ستين سنة على انشاء “الليالي اللبنانية” عام 1957، وتستعيد مجموعة من الأغاني واللوحات الراقصة التي شهدتها بعلبك في الماضي بأصوات شبابية.

خلت “مهرجانات بعلبك الدولية” عند انطلاقها من أي عروض محلية، وانتقدت الصحافة اللبنانية هذا الغياب بشدة. في صيف 1957، تضمّنت هذه المهرجانات، للمرة الأولى، عرضين خاصين بـ"الفن الشعبي اللبناني"، وعُهد إلى صبري الشريف مهمة إدارة هذين العرضين. جمعت أولى “الليالي اللبنانية” بين فيروز ونصري شمس الدين في برنامج شارك في إعداده الأخوان رحباني مع زكي ناصيف وتوفيق الباشا، أخرجه صبري الشريف بالتعاون مع نزار ميقاتي. وكان للرقص حصة كبيرة فيه، وبطلاه مروان ووديعة جرار.

خُصّص هذا البرنامج لإحياء “العادات والتقاليد اللبنانية” كما كتب يوسف ابراهيم يزبك في مقدّمة الكاتالوغ، وكان ريفياً بامتياز. افتُتح الفصل الأوّل بمقدمة “هلاليا وعليادي” بتوزيع رحباني “تعزفها الأوركسترا بقيادة توفيق باشا”، ثمّ غنت فيروز “لبنان يا أخضر حلو”، وجاءت من بعدها لوحات “الحصاد” و"القطاف" و"المعاصر" و"الخطبة" مع رقصة “مشق الزعرورة” التي “تمثّل فيها الراقصات عدة عادات لبنانية” كما يقول الكتالوغ. وفي الفصل الثاني، قُدّمت لوحة “العرس” المؤلفة مجموعة من الأغاني والرقصات، وفيها شدت فيروز في النهاية “الروزانا”، وتبعتها “دبكات الفرح على ألحان يا بو الميجانا”. رافقت مجلة الصياد الحدث، وكتبت في الباب المخصص للأحداث الإجتماعية: “ذهب فريق كبير من أفراد المجتمع هذا الأسبوع إلى بعلبك، وقضوا ليلتين لبنانيتين من أحلى ليالي الموسم على الإطلاق. وشاهدوا القرية اللبنانية بكل عاداتها وتقاليدها وسحرها”.

نجحت أولى “الليالي اللبنانية”، وأنعم رئيس الجمهورية كميل شمعون بوسام الاستحقاق المذهّب على أبرز الفنانين الذين أحيوها في حفلة أقيم في قصر بيت الدين. تهيَأت هذه المجموعة لتقديم برنامج جديد في العام التالي، غير ان الأحداث التي شهدها لبنان في ذلك الصيف غيّبت المهرجان. تجدّدت “الليالي اللبنانية” في صيف 1959 في برنامج يحاكي البرنامج الأول، وانقسمت المجموعة التي عملت على إعداده إلى فريقين، فكان الفصل الأول من نصيب الأخوين رحباني، وكان الثاني من نصيب زكي ناصيف وتوفيق الباشا. حضر وديع الصافي بقوة إلى جانب فيروز، ولمع في الفصلين، ولُقّب بـ"نجم بعلبك". في الموسم التالي، انفرط العقد، وانفصل الأخوان رحباني عن زكي ناصيف وتوفيق الباشا، وتحوّلت الشراكة إلى منافسة بلغت حدّ العداوة كما تشهد الصحافة التي رافقت هذا التحوّل.

أعلن سعيد فريحة ولادة “فرقة الأنوار” للرقص الشعبي، وكانت أولى عروضها على مسرح “كازينو لبنان” استعراض بعنوان “حكاية لبنان” مع وديع الصافي، كتب قصته وأخرجه نزار ميقاتي. حملت موسيقى العرض توقيع زكي ناصيف وتوفيق الباشا، وصمّم رقصاته مروان ووديعة جرار، وألف أغانيه يونس الأبن واميل رفول وزكي ناصيف. في المقابل، أنشأ الأخوان رحباني مع صبري الشريف “الفرقة الشعبية”، وقدّما في بعلبك أولى مسرحياتهما الغنائية الطويلة، “موسم العز”، مع صباح ووديع الصافي، وشكّلت هذه الإطلالة دخول الشحرورة إلى بعلبك من الباب الواسع. انعكس الصراع القائم بين “فرقة الأنوار” و"الفرقة الشعبية" على الصحافة، فقيل ان الرقص حضر بشكل مزر في بعلبك، وأن الأخوين رحباني وصبري الشريف “شوّهوا صباح وهشّموا الصافي ليقولوا للناس: تذكّروا فيروز”، وقيل “ان صباح فشلت في بعلبك، وكادت تتسبب في افشال وديع الصافي”، وان الناس لم يستطيعوا نسيان صباح، المغنية في كباريه، ولا هي استطاعت ان تدرك أنها تغني في بعلبك وليس في صالة منصور". واليوم، تُعتبر “موسم العز” من أجمل الأعمال الفولكلورية التي حفل بها المسرح الغنائي اللبناني في الستينات.

كانت مسرحية “موسم العز” ريفية بامتياز، ولم تخرج عن تقاليد “الليالي اللبنانية” الأولى. في العام التالي، جاءت “البعلبكية” مع فيروز، وحمل الفصل الأول لوحة ميتولوجية من اللون الكلاسيكي قدّمها الأخوان رحباني “خلسة” دون عرضها على لجنة المهرجانات. في عام 1962، عاد الأخوان رحباني مع فيروز إلى بعلبك، وقدّموا “جسر القمر”، وفيها ساد الجو الريفي المألوف. تحكي المسرحية عن صراع بين أهل قرية الجسر وأهل قرية القاطع، وتنتهي بصلح “عجائبي” رافقه سعيد عقل بكلمة شهيرة تقول: “كل ضيعة بينها وبين الدني جسر القمر، وطالما فيها قلب بيشد قلب، مهما تعرّض للخطر، ما بينهدم جسر القمر”.

غاب الأخوان رحباني عن بعلبك العام 1963، وحضرت صباح من جديد في مسرحية تحاكي بشكل كبير “جسر القمر”، كتبت قصتها ألين لحود، وأعدّ حواراتها يونس الإبن، ووضع ألحانها وليد غلمية. وفقاً للتقليد المتبع، احتل الرقص “الشعبي” مكاناً واسعاً في العرض، وكان من تصميم نهاد شهاب وسركيس باسكاليان، وإشراف فرانز بانتولييه. حملت المسرحية عنوان “الشلال”، وكان موضوعها صراع الأخوة الذي ينتهي بمعجزة تعيش القرية على إثرها بهناء ورغد، على وقع موال “لبنان عم بيضحك حواليي” موصولاً بدبكة “يا مروج”. في العام التالي، دخلت “فرقة الأنوار” بعلبك مع صباح ووديع الصافي، وقدّمت مسرحية “أرضنا إلى الأبد” التي ألفها نزار ميقاتي، وشارك في تلحينها زكي ناصيف، توفيق الباشا، وديع الصافي، عفيف رضوان، وليد غلمية، فيلمون وهبي، وسامي الصيداوي. في مراجعة نقدية لهذه المسرحية، كتب أنسي الحاج: “فشل كبير، لا سيما وقد تعاون سبعة موسيقيين وسبعة حواريين في البرنامج. فشل اجتاح كل الذين يشكلون الحقل الفني الوطني. لا قصة، لا حبكة، لا عناصر باهرة، لا اختصاص في الإخراج، لا خلق. ومن عجزهم عن تكوين أثر موسيقي بالمعنى المفهوم، تآلفوا على مجموعة أغان ولوحات فولكلورية”.

للمرة الثالثة على التوالي، حضرت صباح عام 1965 في بعلبك، واجتمعت مع الأخوين رحباني من جديد في “دواليب الهوا”. كما في عام 1960، قيل إن أغنيات صباح “لم تكن تلائم صوتها وشخصيتها، لأن الدور أصلا غير ملائم لها ولسنها ولماضيها المعروف في عالم الفن”، وقيل إن غناءها كان “حزينا لا ينسجم مع صوتها واللون الغنائي الذي عُرفت به”، وتبدو هذه الآراء في زمننا مثيرة للسخرية. بعد “موسم العز”، قدّم الأخوان رحباني مع فيروز “أيام فخر الدين” في عام 1966، واحيط العمل بحملة صحافية استثنائية. في العام التالي، أعلنت مهرجانات بعلبك عن مسرحية جديدة بطلتها صباح وعنوانها “القلعة”، لكن هذا العرض تأجل بسبب هزيمة 1967، واستعيض عنه بحفل منوعات أعدّه روميو لحود بالتعاون مع وليد غلمية. قُدّمت “القلعة” في العام التالي، وماثلت بأجوائها “الشلال”، وغنت فيها الشحرورة مجموعة من الأغاني الجميلة وضع كلماتها موريس عواد، ولحنها وليد غلمية.

عام 1969، قدّم الأخوان رحباني “جبال الصوان”، وفوجئ النقاد بمسرحية تراجيدية تنتهي بموت بطلتها فيروز على المسرح. حاولت مهرجانات بعلبك أن تقدّم نجمة جديدة في عام 1970، وجاء إليها روميو لحود بمغنية شابة اكتشفها وأطلق عليها اسم مجدلا، وقدّمها في مسرحية من تأليف نادية تويني حملت عنوان “الفرمان”. لم تتكرّر هذه التجربة في السنوات التالية. عام 1971، حضرت صباح في “مهرجان” روميو لحود، وغنت لصلاح الدين الأيوبي “يا فاتح القدس” على لحن “يا مريم البكر”، ومن كلمات عمر أبو ريشة “أنت يا لبنان”، وخرجت عن تقاليد المتبعة في “الليالي اللبنانية”، فظهرت في شورت مودرن من تصميم بابو لحود، وظهر إلى جانبها شوشو في شورت مماثل. بعد هذا المهرجان العجيب، عاد الأخوان رحباني مع فيروز إلى بعلبك، وقدّما في 1972 مسرحية “ناطورة المفاتيح” التي استقبلت بحفاوة بالغة، ثم منوّعات “قصيدة حب” في 1973.

مع اندلاع الحرب اللبنانية، توقّفت “الليالي اللبنانية”، وكانت آخر عروضها في صيف 1974 مسرحية “وتضلو بخير” التي جمعت للمرة الثالثة صباح ووديع الصافي. كتب قصة المسرحية ريمون جبارة، وشارك في وضع ألحانها زكي ناصيف، توفيق الباشا، وديع الصافي، فيلمون وهبي، طعان أسعد، ملحم بركات، وايلي شويري. كما تضمّن العرض مجموعة كبيرة من رقصات فرقة كركلا. غير أن العمل لم يحصد أي نجاح. رغم انحيازها لفريق العمل، كتبت “الشبكة” بعد العرض الأول: “موعد سنوي مع الفرح والسعادة، ولقاء مشوق مع قمة الأعمال الفنية اللبنانية من فولكلورية ومسرحية غنائية راقصة منوعة، هكذا تعودنا النظر إلى ليالينا اللبنانية في بعلبك. هذا العام بدت هذه الليالي وكأنها شذت عن القاعدة. بدت وكأنها لم تعد تلك المواسم السعيدة، ولا ذاك الموعد السنوي مع الفرح، ولا هذا اللقاء مع الأعمال التي تستحق أن تُتوّج في بعلبك”.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)