الكومبيوتر قدر الكتابة لكن لا مفر من الحنين

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ١٨ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧
جريدة الحياة
بيروت، القاهرة - «الحياة»


الكومبيوتر قدر الكتابة لكن لا مفر من الحنين ...والمخطوطات إلى أدراج النسيان


قد يصعب فصل صورة الكاتب العالقة في مخيلتنا عن الورقة والقلم، اللذين شكّلا طويلاً الإطار «الرسمي» لصورة هذا الكاتب أو أيقونته. لكنّ الثورة التقنية التي شهدها زمننا حوّلت الثابت وهدمت ما كان راسخاً قديماً في وعينا. هكذا توارت أشياء استقرّت طويلاً في حياتنا لتحلّ محلها أشياء مستحدثة دخلت فجأة في صلب يومياتنا. هذه التحولات الطارئة استهدفت ميادين الحياة كافة، فلم تسلم منها حتى الكتابة التي حاول الكثيرون من أبنائها النأي عنها بأنفسهم وطقوسهم المحصورة داخل عوالهم الحميمة.

وبعد ارتباك جلي خلّفته التكنولوجيا الحديثة في نفوس كتّاب ارتبطوا غالباً بنوستالجيا الحبر والورق، حدث شرخ فصل الكتّاب بين جيلين: جيل الكمبيوتر وجيل القلم والورق. لكن الكومبيوتر سرعان ما غزا عالم الكتّاب على اختلاف مواقعهم وشـواغلهم فاستسلموا لطقوسه مرغمين أولاً لأنه بات الأداة الأحدث التي لم يعد ممكناً الفرار منها.

أصبح الكومبيوتر قدر الكتاب الجدد، الشباب والمخضرمين، وحتى بعض «المحافظين» الذين قاوموه في البداية تصالحوا معه منفتحين على تقنية الكتابة العصرية ومتخلين عن النوستالجيا او الحنين الى بياض الورق ورائحة الحبر. الا ان بعضهم لم يتخل بتاتاً عن الورق والحبر بل ازداد تمسكهما بهما، ربما لأنهم لم يتمكنوا من اللحاق بهذه الطريقة الحديثة في الكتابة التي تتطلب جهداً في البداية او لأنهم شاءوا الحفاظ على طقوسهم الخاصة في الكتابة.

هل كسر الكومبيوتر مفهوم الطقس الذي طالما هيمن على الكتاب وعلى الكتابة أم أنه خلق طقساً جديداً هو طقس الكتابة على الكومبيوتر؟


قاسم حداد

الكتابة هي آلية يصوغها الكاتب بالأداة التي يستخدم. الأمر الذي يستطيع الكاتب أن يبتكره كلما تغيرت أداته، قبل الكمبيوتر، توهمنا أننا لن نستطيع الكتابة بغير القلم. الآن، أعتقد أن هذا وهم يضاهي وهم الكاتب المدمن على التدخين، بأنه لا يمكن أن يكتب حرفاً من دون السيجارة.

كل تلك عادات نرثها وتفرضها تقاليد نخضع لها بلا تبصر. لكن ما إن نتعرض للتجربة الجديدة حتى نكتشف الأوهام.

منذ نهاية الثمانينات، بدأت أولاً بعادة نقل المسودة الأولى من الورق الى الكمبيوتر وأعمل على تبييضها. ثم بعد فترة، شعرت بأن آلة الرقن بدأت تستجيب لأصابعي. كان شعوراً فذاً فعلاً. أحببت ذلك ورحت أكتب مقالاتي، وبعد فترة صرت أرى في شاشة الكمبيوتر ما يغري لرسم الكلمات ومحوها. لم تكن أمراً عادياً رؤية الكلمات تولد وتتحرك مثل أحلام الطفل. وسرعان ما اندلع الشعر هناك.

بدأت أعتاد على الكتابة على آلة الرقن (الكيبورد) برشاقة المرتبك أولاً، ثم بعد ذلك صار الأمر متعة زاخرة بالمكتشفات. فكل آلة وكل أداة لها جمالياتها. بالنسبة إلي، يحدث كثيراً أن أرى في بعض أخطاء الرقن، التي تنتج أثناء كتابة المسودة، كلمات جديدة تفتح لي في النص أفقاً إضافياً نوعياً غبر متوقع. عندما تحاول مثلاً، أن تكتب كلمة/ ليلى/ وكلمة/ المجنون/، فتكتب ملمة ثالثة غير متوقعة هي «ليلون»، تكتشف شيئاً من جماليات الخطأ.

الآن، يمكنني الزعم بأن الكمبيوتر قد نقلني من طريقة الى طريقة أخرى بالغة الاختلاف والعملية والفاعلية أيضاً. بعد فترة، اكتشفت أنني لم أعد أكتب جملة مفيدة بخط واضح. لاحظت بشاعة خطي.

وأذكر أنه عندما صادف أنني بدأت أكتب مسودة كتاب «طرفة بن الوردة»، استخدمت بغتة القلم والورق على رغم توافر الكمبيوتر، لم أعرف المسألة إلا بعد أن قطعت وقتاً طويلاً في المسودة. صرت أتأمل خطي وهو يبدأ يتحسن ويتوضح. حتى أن تلك التجربة أضافت إلي سبباً فنياً ثانياً لكي أعمل على فكرة المخطوطة الفنية لكامل كتاب «طرفة بن الوردة». لذلك، أعتبر هذه التجربة نتيجةً من معطيات علاقتي الجديدة مع الكتابة على الكمبيوتر.

أعتقد أن كثراً من الكتاب أخذوا يعتادون، حدّ الولع، على الكتابة مباشرة على الكمبيوتر. وفِي هذا ما يساهم في تحرير الكائن الإبداعي من أوهام التقاليد والتقليد.


هاشم شفيق

أنّ فقدان الحميمية ولوازمها، من طقوس وتقنيات كتابية وأسلوبية، هي التي قد غابت في أجواء الطقس الجديد وعوالمه في الكتابة على الكومبيوتر، وأعني بذلك القلم ونوعه وحبره الخاص وطريقة مسكه والسيطرة على زمامه، ثم يأتي في ما بعد الورق ونوعه ولونه ومقياسه ورائحته ودرجات النقاء التي تتوافر بين نوعية وأخرى، يُضاف إلى ذلك كله الطقس الكتابي، أين تكتب في المطبخ أم في غرفة المكتب أم في الصالة، ومن ثم ما يتبع هذا الطقس من حوافز وعادات ومقبلات تدفع بالذاكرة كي تنشط، والجو كي يتتبَّل بروائح وأبخرة القهوة والشاي والسجائر وما شابه، هكذا كان الطقس القديم للكتابة بالورق والقلم، وهذا ما كنت أفعله دائماً، هو الجلوس في مطبخ البيت مع فنجان قهوة وسيجارة، دقائق من التأمل ثم الشروع بالكتابة، أما الآن فإنني منقسم إلى شطرين، الكتابة على الكومبيوتر مباشرة في حال كتابة المقال الأدبي والنقدي والنثري الذي يختص بأحد شؤون الكتابة، مع القهوة وغياب السيجارة التي تخليت عنها نهائياً، أما الكتابة الإبداعية وأعني الشعر والرواية، تحديداً، فإني ما زلت وفياً للكتابة بالقلم الرصاص بالنسبة للشعر. أما الرواية، وأخص «أشهر من شهريار» و «البرج الأحمر»، التي صدرت نهاية العام الفائت، فإني قد كتبتهما على الورق أيضاً وبأي قلم يتوافر بين يدي، ثم تمت بعد ذلك عملية النقل إلى جهاز الكومبيوتر.


إبراهيم عبدالمجيد

لقد اختبرت الطريقتين، الكتابة على الورق والكتابة على الكومبيوتر، فأنا من الجيل الذي اعتاد الكتابة بالورقة والقلم، ولكن مع انتشار الوسائط الإلكترونية وتطورها وثبوت فاعليتها وقدرتها على اختصار مجهود كبير وتوفير وقت يكفي لإنجاز أعمال أخرى، قررت التعامل معها. منذ سبع سنوات بدأت أستجيب لهذا التطور، فكتبت آخر أربع روايات على الطريقة الحديثة. أجلس إلى الكومبيوتر لأكتب، بدأ الأمر مع رواية «هنا القاهرة» وكانت أول ما كتبته بهذه الطريقة. نجح الأمر فعاودت ممارسته عبر الرواية التالية «أداجيو». وأنجزت، بالطريقة نفسها، كتابي الحائز جائزة الشيخ زايد للعام الماضي «ما وراء الكتابة: تجربتي مع الإبداع». وأخيراً روايتي «قطط العام الفائت» عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة. عندما كتبت بالطريقتين وجدت أن الأمر يرجع أساساً إلى فكرة التعوّد. نحن تعوّدنا في الماضي على الكتابة على الورق، وعندما مرت سنوات توطدت فيها علاقتي بالتكنولوجيا وجدتني أمارس الأمر بطبيعية وفي يسر تام. الكتابة لها مذاق خاص يشعر به الكاتب في أي وسيلة يكتب، وفي النهاية تبقى الوسيلتان فاعلتين وجيدتين من وجهة نظري.


خليل صويلح

أقول بحسم إن الكتابة على شاشة الكمبيوتر، كانت أشبه بمصباح أديسون، ليس في وداع الورق فقط، إنما في إضاءة طريقة التفكير أيضاً. الآن لا أستطيع أن أنجز فكرة نهائية باطمئنان إذا لم تشع على الشاشة. هكذا كتبت أربع روايات على الكمبيوتر مباشرة، ما كان لها أن تنتهي على النحو الذي كُتبت به لو أنها مكتوبة يدوياً. لكنني في المقابل سأفتقد المسودات الورقية والشطب والأسهم التي كانت تملأ الهوامش بوصفها إضافات لاحقة على النص. الكمبيوتر مطبخ مفتوح على تعديل النكهات نظراً لسهولة الإضافة والمحو، والقص واللصق، والإطاحة باسم شخصية لمصلحة اسم آخر بكبسة زر واحدة. لست من أولئك الذين ينظرون برومانسية إلى انتهاء عصر رائحة الحبر على الورق واختفاء مسودات خط اليد، وليس لدي وهم بيع هذه المسودات مستقبلاً في مزاد عالمي ما. الكتابة على الكمبيوتر علمتني الكثافة والاختزال واصطياد الخطأ بسهولة، وتنقية حقل النص من الأعشاب الضارة بمجرد نظرة واحدة بالعين المجرّدة. في المقابل أعيش رعب فقدان النص بخطأ تقني ما، أو بسبب تسلل فايروس إلى الوليمة أثناء الطهي، وصعوبة إعادة كتابتها بالشبق نفسه، لذلك أقوم بإرسال ما كتبته إلى بريدي الالكتروني على دفعات خشية ضياعه المباغت. أجل أنتمي إلى تاريخين مختلفين، روائي الورق المحتضر الذي لا يشبه روائي اليوم، وهو يجلس أمام كمبيوتره باطمئنان إلى كتابة عبارة نهائية وحاسمة.


أحمد المديني

إلى حدود سنوات قريبة كنت أحسب تركي القلم، والانتقالَ إلى الرقن على الحاسوب ضرباً من المستحيل، لا يعدِله عندي إلا وهمي بأن التوقف عن التدخين سيمنعني عن الكتابة مطلقاً، لولا أن سخّر لي الله بالهداية شيخي وخِلِّي محمد عابد الجابري رحمه الله. الحقيقة أن انتقالي إلى الحاسوب جاء بعد سخرية من صحافي غمز من قناتي يسألني وقد طلب مني مقالة إن كنت ما زلت أخط، مثل الئك!. ثم وجدتني مع واحد من طلابي في الجامعة في موقف شعرت فيه بالحَرج، إذ ظهر عليه استغرابٌ مُريب كيف، أنا الأستاذ، أحمل أوراقي مخطوطة لمن يطبعها. وإني لا أنسى اليد البيضاء لصديقي الأديب العراقي شاكر نوري، عبر بي بتشجيع وإلحاح هذا المجاز، قضيت فيه يعلم الله أوقاتاً ممضة وعثرات كادت تصل بي إلى اليأس، وأضعت فيها نصوصاً ثمينة عندي، إلى أن وصلت اليوم، أزعم، إلى شط أمان معقول، يبدأ من رقن أول كلمة، إلى وضع تصميم نهائي لكتابي، مع الناشر، يذهب رأساً إلى المطبعة.

لا أكتمكم أنني لم أعد أحسن اليوم الكتابة بالقلم. يسوء خطي وتتعثر كلماتي، لا تأتي. حاسوبي قريب مني قربَ حبل الوريد. وصرت أكتب بدقة ونظام ووضوح وخبرة وحبور أيضاً لم أعرفه من قبل. وأنا عادة إذا جلست لأكتب فلأدوِّنَ ما هو مكتوب تقريباً سلفاً في رأسي وبإحساسي. أتاحت لي هذه التقنية وضع ملفات، وترتيبَ خزانة، وتصميمَ مواد ومشاريعَ، خزانة متنقلة، وكل شيء. استمعت إلى مشيل بوتور يقول في حديث له قبل وفاتِه إنه لم يستطع تغيير عادته في الكتابة لأن الزمن فاتَه، وأنا والزمن في عراك دائم من التحدي، والصفحة البيضاء أمامي هي الشاشة معشوقتي وخصمي، وكلما جلست إلى الحاسوب تقول لي هيت لك، إنه أعظم اكتشاف قدمه العلم للأدب والأدباء!


نجوى بركات

حين كتبت لأول مرة على الكومبيوتر إحدى رواياتي، تندّمت على عدم وجود مخطوطة يدوية تبقى من ثمّ، وتُظهر لي مراحل ولادة عملي. شيء حميم للذكرى عن فترة أمضيتها مع تلك الشخصيات والأحداث والعوالم، يبقى لي وحدي ولا يفك شيفرتَه سواي، قبل أن ألقي بمخطوطتي بين الأيدي الكثيرة التي ستحملها حين تبدأ رحلتها إلى القرّاء.

ومع ذلك، وجدتُ في الكتابة على الكومبيوتر أمراً يشبهني تماماً وأتوق إليه، ولم أكن أبلغه في المخطوطة اليدوية إلا بعد طبعها، للعمل عليها نسخةً ثانية. صرتُ قادرة على التكثيف مباشرة، الحذف والضبط والإصابة منذ الضربة الأولى، إذا صح التعبير، كما أمكنني التحرّك بحرية أكبر على ورقتي، تقدّماً وتراجعاً، وقفزاً وحتى تحليقاً.

اليوم، صارت الكتابة على الكومبيوتر لكل الأمور المتعجلة: مقالات ورسائل ومداخلات. لكنّ العودة إلى المخطوطة اليدوية ما عاد قابلاً للتفاوض أو للنقاش. الكومبيوتر يقتل عيني وساعديّ وظهري. هو ليس للكتابة الأولى التي تستغرق ساعات طويلة ولا يمكنني التحكم بها إذ هي التي تتحكّم بي. إنه للكتابة الثانية، «لمزمزة» النصّ والتأمّل فيه، وبخاصة للتعدّي عليه.


جبور الدويهي

مررت بالكتابتين. اعتقدت في بداياتي أن الجمل تخرج من قلم الرصاص في احتكاكه بدفتر مدرسي مسطّر وإلى ما هنالك من مشاعر تفننتُ في روايتي الأولى «اعتدال الخريف» بوصفها: «أشتري الأقلام بالدزينة واختارها من عيار «ب» أو «ب٢»، الأول صلب ما فيه الكفاية للكتابة المترددة والثاني ضروري للصياغات النهائية...». لكن مع انتقالي الى الحاسوب وبرنامج «وورد» أدركت أن هذا كان مجرد أوهام لحظة خرجت منها نهائياً الى «الماك بوك». وها أنا بتّ عاجزاً عن العودة الى الكتابة اليدوية بسبب هامش الحريّة والاحتمالات المفتوحة التي توفّرها الشاشة ولوحة المفاتيح من محو وإضافات وبحث وكل أشكال التحكّم بالنص حتى الفراغ منه، وكل ما هو معروف من هواة هذه الكتابة التي اجتاحت العالم وصار من يكتب بيده أقرب الى صنف منقرض. أما حول تأثير هذا الانتقال في طبيعة الكتابة والأسلوب فلا شك في أننا خسرنا تراث المسوّدات والتنقيح وأفكّر هنا بالصفحات المليئة بالهوامش والتشطيب التي تركها لنا روائي عظيم مثل مارسيل بروست يبقى ان التأثير في الأسلوب في حاجة الى مزيد من مرور الزمن وما أشعره في شكل أوليّ وفي ما يخصني ان ما أكتبه يكتسب رشاقة أكثر وميلاً الى التكثيف والاختزال. إنها ثورة كبيرة ربما تغيّر تدريجاً من مضمون الكتابة وتواصلها وقد نشهد (بفضل نمط الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي) بروز نوع أو أنواع سردية جديدة. لا مفرّ من النوستالجيا لكن المستقبل يبدو مثيراً.


منصورة عز الدين

«أمارس الكتابة على الكومبيوتر منذ سنوات. أجد فيها توفيراً للوقت وأستطيع خلالها إنجاز الكثير، ولكن علاقتي بالورق لم تنقطع تماماً؛ فأنا أحتفظ دوماً بمفكرة صغيرة أودعها ما يخطر لي من أفكار، وما يتراءى لي من تعديلات على الكتابة ومحاولات للربط بين الفصول. أكتب فصولاً كاملة على الكومبيوتر ولكن لا بد من المفكرة، التي إن حدث ونسيت اصطحابها معي، أشعر بشيء ينقصني. الكتابة عبر الوسائط الحديثة لها مذاق أيضاً، وليست الكتابة على الورق وحدها هي التي لها مذاق خاص. الكتابة ممتعة على أية حال، وكما قلت؛ لا أكتب على الورق ولكن، في الوقت ذاته، عندما تأتي مرحلة المراجعة، أطبع النص كاملاً، وأقوم بالحذف والتعديل، ومع مفكرتي التي تساعدني على ترتيب أفكاري، فالأمر لا يقتصر على طريقة في الكتابة معينة، ولكن الكاتب يحاول الاستفادة من كل شيء يمكنه من إنتاج نص جيد.


ميسون صقر

علاقتي بالوسائط الإلكترونية مختلفة إلى حد ما. بدأت علاقتي معها من قديم، تحديداً في التسعينات، فكنت أستخدمها في مزاولة عملي في الإخراج الفني، وتجميع المواد التي أحتاجها عندما كنت أعمل في المجمع الثقافي الإماراتي. هكذا بدأت علاقتي بالكومبيوتر تتطور، قراءةً وكتابةً. عندما شرعت في كتابة روايتي «في فمي لؤلؤة» (نشرتها الدار المصرية اللبنانية العام الماضي) أنجزت معظمها على «الآي فون»، وكنت أرسل المقاطع التي أنتهي منها إلى بريدي الإلكتروني، ثم أعود لأجمع الفصول وأعيد قراءتها ومراجعتها من جديد. وجدت متعة في الكتابة بهذه الطريقة، ولكن حدث اختلاف بين «الآي فون»، والكومبيوتر الشخصي، ما اضطرني إلى بذل مجهود كبير. تعلمتُ من التجربة ألا أكتب بوسيطين إلكترونيين، فإما «الآي فون»، أو الكومبيوتر.


محمد سليمان

ما زلت حتى هذه اللحظة أسيراً للقلم والورق، ولم أنتقل مطلقاً إلى مرحلة الكتابة عبر الوسائط الإلكترونية التي شاعت في الآونة الأخيرة. أظن أنني لا أستطيع كتابة قصيدة من دون القلم والورق، بما في ذلك خطوات إعادة الكتابة وما يحدث خلالها من حذف وتعديل، وإعداد مسودات كثيرة. لا يمكنني في أي حال من الأحوال، ممارسة ذلك عبر الوسائط الحديثة. لي عاداتي الخاصة في الكتابة. أجلس على سريري لأقرأ وأكتب، فأستخدم الورق كما يحلو لي. لديَّ مشكلة مع الوسائط الحديثة، فحتى القراءة الإلكترونية لا أتمكن منها، سواء كانت قراءة كتب أو قراءة صحف. حتى الآن لا بد من شراء الصحف الورقية كي أستطيع قراءتها. ما زلت حتى الآن مزعناً للورق، ولم أفكر لحظة في هجره والاتجاه لممارسة التقليد الجديد في الكتابة، بينما يتعامل أولادي عبر التقنيات الحديثة في الكتابة ويمارسونها بسلاسة وراحة تامة. اعتدت منذ نصف قرن على طريقة معينة في القراءة والكتابة وصار من الصعب أن أتخلى عنها بعدما ارتبطت بها طويلاً. منذ عشرين عاماً، وبينما كنت في أميركا، استفزتني فكرة الآلة وسيطرتها على الإنسان وسيطرة المادة على الروح، فكتبت ديواناً شعرياً تحدثت فيه عن الآلة وكيف صار الإنسان خاضعاً لها. فالكل هناك كان يتعامل في شكل آلي مع أجهزة الكومبيوتر. رأيت وقتها أن هذا التعلق بالآلة يعود إلى كونه حالة مرضية تفرض على الإنسان شعوراً بالغربة والعزلة والوحشة. التعامل مع الورق والأقلام والثرثرة حول النشاط الإبداعي يدخل الناس في حال من التعاطف بعضهم مع بعض، والشعور بالدفء الإنساني. الآن، تمكنت هذه الوسائط من عزل الكثير من البشر عن بني جنسهم. حتى في داخل المنزل الواحد، تجد الأسرة جالسة كلٌّ ينظر في هاتفه المحمول أو حاسوبه الخاص، ولا يتكلمون معاً. اتسمت العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية عموماً بالبرود والجمود. أتصور أن الأمر أكبر من فكرة المقارنة بين الكتابة على الورق أو الاعتماد على الوسائط الحديثة في عملية الكتابة، فأنا أشعر أن العالم صار مهدداً، يفتقر إلى الدفء والشعور بالآخر. من مساوئ النشر الإلكتروني، على رغم سهولته، هو أنه يخدع الكثيرين.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عن الصورة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)