الكتابة التاريخية ومناهج النقد التاريخي عند المؤرخين المسلمين المؤلف : الدكتور أيمن فؤاد سيد - الدار المصرية اللبنانية في القاهرة - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٢١ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٧
جريدة الحياة
القاهرة - علي عطا


أيمن فؤاد سيد والكتابة التاريخية العربية


«الكتابة التاريخية ومناهج النقد التاريخي عند المؤرخين المسلمين»، عنوان كتاب جديد للدكتور أيمن فؤاد سيد، صدر أخيراً عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، ويتضمن دراسة تتناول مفهوم التاريخ وتطور الفكرة التاريخية عند المؤلفين المسلمين وتطور معالجتهم إياها مع اختلاف المدارس التاريخية، أولاً في المدينة المنورة والبصرة والكوفة، ثم في العراق في القرنين الرابع والخامس للهجرة (العاشر والحادي عشر للميلاد)، ثم في مصر وفي إقليم الشام والجزيرة، الذي غلب عليه في الفترة الممتدة بين القرنين السادس والثامن للهجرة (الثاني عشر والرابع عشر للميلاد) علماء الحديث والفقهاء وكتب الرجال. وتتناول الدراسة الأمور ذاتها في اليمن حتى نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، إضافة إلى المصادر التاريخية التي كتبها النصارى واليهود الذين عاشوا في المجتمع الإسلامي. وتناولت بعد ذلك دراسة الأشكال المستخدمة في عرض المادة التاريخية، وكذلك مناهج ونظريات النقد التاريخي عند المؤرخين المسلمين في إطار نشأة وتطور الثقافة الإسلامية عموماً في الشرق مهد الإسلام ومركز ثقله الدائم، وكذلك التفسير التاريخي ونظريات النقد التاريخي عند الغربيين وكتابة العرب المحدثين للتاريخ الإسلامي.

يتألف الكتاب (406 صفحات) من مقدمة ومدخل وثلاثة أبواب، الأول بعنوان «نشأة الكتابة التاريخية وتطورها عند المسلمين»، والثاني «طرق وأنواع التأليف التاريخي»، والثالث «مناهج النقد التاريخي عند المسلمين»، وثبت المصادر والمراجع وبيان طبعاتها، والكشَّافات التحليلية. في المقدمة يلاحظ الدكتور أيمن فؤاد سيد أن الأدب التاريخي العربي في المجتمع الإسلامي، نما بسرعة كبيرة منذ النصف الثاني للقرن الهجري الثاني(الثامن الميلادي)، أولاً مع مدرسة المدينة ثم مع المدرسة العراقية، واستمرت الكتابة التاريخية نشطة بعد ذلك في الأقاليم الإسلامية كافة حتى القرن التاسع الهجري، بل إنها استمرت إلى ما بعد ذلك في بعض الأقاليم، لأن التاريخ ظل موضوع اهتمام الملوك وأولي الأمر من ناحية، ولأن الكشف عن أحداث جديدة وتسجيلها جعل منها مجالاً لتجدد المعلومات والمفاهيم من ناحية أخرى. هذا إلى أن الكتابة التاريخية عند المسلمين فاقَت بالتأكيد، مع تطورها، ما وصلت إليه الكتابات التاريخية السابقة (اليونانية واللاتينية والفارسية) في الفهم الاجتماعي للتاريخ أو التنظيم العلمي للمادة التاريخية، وخصوصاً اعتباراً مِن المسعودي ومسكويه في القرن الرابع الهجري، ووصولاً إلى ابن خلدون ومدرسته في القرن التاسع الهجري.

هكذا أصبح التاريخ، كما يوضح الكاتب في المقدمة، أحد الفروع ذات المجلدات المتميزة في الإنتاج الأدبي العربي، وتحتل نسخه الآن المكان الأكبر على رفوف خزائن الكتب العالمية. ومع ذلك، فإننا لا نستطيع عمل قائمة بالمؤلفات التاريخية التي أنتجها الفكر العربي الإسلامي على امتداد 13 قرناً هي عمر الإنتاج الفكري العربي المخطوط. ويشار إلى أن أهم المصادر التي نتعرف مِن خلالها إلى الأنواع المختلفة للتأليف التاريخي عند المسلمين، هي «كتاب الفهرست» لأبي الفرج محمد بن اسحاق النديم، ثم المقدمة الشاملة التي كتبها صلاح الدين بن أيبك الصفدي لكتابه «الوافي بالوفيات»، ورسالة «المختصر في علم التاريخ» للكافيجي، وكتاب «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التاريخ» لشمس الدين السخاوي، وأخيراً كتاب «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون»، لحاجي خليفة كاتب جلبي، إضافة إلى كتابي «تاريخ الأدب العربي» لكارل بروكلمان، و «تاريخ التراث العربي» لفؤاد سزكين. ويؤكد سيد أن النصوص الإسلامية المقدسة، القرآن والحديث، كان لها دور أساسي في تشكيل الفكر التاريخي الإسلامي وطرح السؤال الأساسي الذي تفترضه الكتابة التاريخية الإسلامية، وهو العلاقة بين الحقيقة والتاريخ، والتي نستطيع انطلاقاً منها أن نفهم أصالة التفكير والتدوين التاريخي عند المسلمين وعلاقته بالتقاليد التاريخية السابقة اليونانية واليهودية- المسيحية.

وفي مدخل الكتاب، يذهب سيد إلى أن الحياة في الحجاز وجزيرة العرب، قبل ظهور الإسلام في مجتمع قبلي لا يجمعه نظام إداري ولا كيان سياسي ولا يعرف ما نطلق عليه الآن السياسة الخارجية، كانت حياة منقطعة ومنعزلة عن الآخر، باستثناء رحلتي الشتاء والصيف (أو الإيلاف) التي ذكرها القرآن، إذ لا تمكن مقارنة نمط هذه الحياة بما كان في مصر أو الشام أو بلاد فارس والعراق أو بلاد اليونان والرومان، أو حتى في بلاد العرب الجنوبية (اليمن) أو الشمالية في بلاد الغساسنة والمناذرة. ويضيف سيد أن استخدام لفظ «تاريخ» كان جديداً عند العرب، فلم يرد في ما وصل إلينا عن الجاهلية ولم يرد كذلك في القرآن، وكان أول استخدام له في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي أراد توقيت الوقائع والأحداث والمكاتبات في صيغة «أرخ» و «أرخوا»، وهي هنا بمعنى date لا بمعنى history التي تعني تاريخ الماضي البشري وما حصل فيه من أحداث وتعني كذلك الجهد المبذول لمعرفة الماضي ورواية أخباره. وعلى أي حال، فإن تأليف المسلمين كتباً تتناول أخبار الجاهلية وتاريخ العرب الجنوبيين تأخَّر حتى صدر الدولة الأموية، كما في كتاب «أخبار عبيد بن شرية الجرهمي» الذي صنفه للخليفة معاوية بن أبي سفيان حين استقدَمه من صنعاء إلى دمشق وسألَه عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم وسبب تبلبل الألسنة وأمر افتراق الناس في البلاد. وفي فصل «كتابة العرب للتاريخ الإسلامي في العصر الحديث»،

يذهب المؤلف إلى أن الكتابة التاريخية في الشرق الإسلامي ظلت تتبع الأنماط نفسها التي كانت سائدة في العصرين المملوكي والعثماني إلى أن انتهى عبدالرحمن بن الحسن الجبرتي (المتوفى سنة 1825م) من تأليف كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» الذي يعد لآخر الحوليات الإسلامية. ولم يختلف الوضع كثيراً حتى علي باشا مبارك في نهاية القرن التاسع عشر، مروراً برفاعة الطهطاوي وميخائيل شاروبيم وإسماعيل سرهنك وأمين سامي. ولكن حدث تطور مهم في الكتابة التاريخية عند العرب المحدثين، أولاً مع إنشاء الجامعة الأهلية المصرية سنة 1908م ثم مع الجامعة المصرية الرسمية التي أنشئت سنة 1925م وبدء احتكاك طلبتها بجيل المستشرقين الذين استعانت بهم الجامعة وألقوا سلسلة مهمة من المحاضرات في المناهج وطرق التعامل مع المصادر ونقدها والنشر النقدي للنصوص القديمة، من أمثال كارلو الفونسو نلينو وجويدي وجوتهلف برجشتراسر، وذلك إضافة إلى البعثات الدراسية التي أوفد فيها الخريجون المتميزون، الذين جاء قسم منهم من دار المعلمين العليا، وخصوصاً فرنسا وإنكلترا وألمانيا.

ومن أوائل المحاولات الحديثة لدراسة وكتابة التاريخ الإسلامي ما قام به الشيخ محمد عفيفي الخضري، المعروف بالشيخ محمد الخضري، المتوفى سنة 1927م وهو أحد خريجي دار العلوم الذي عهدت إليه الجامعة الأهلية تدريس التاريخ الإسلامي، فألقى على طلبتها سلسلة من المحاضرات طبعت بعد ذلك في كتاب بعنوان «محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية» في جزءين سنة 1916م. أما أول محاولة منهجية لدراسة التاريخ الإسلامي في مصر فهي التي قام بها عبدالحميد العبادي (1892- 1956م) ومن كتبه: «صور من التاريخ الإسلامي» و «المجمل في تاريخ الأندلس»، ونقل إلى العربية كتاب «علم التاريخ» للمؤرخ الإنكليزي هرنشو، وأضاف إليه فصلاً مهماً عن «التاريخ عند العرب»، كما اشترك مع الدكتور طه حسين في نشر كتاب «نقد النثر» المنسوب إلى قدامة بن جعفر. ووفق أيمن فؤاد سيد، لم تبدأ الدراسات الأكاديمية للتاريخ الإسلامي، إلا مع الأجيال الأولى التي تخرجت في الجامعة المصرية والذين أوفدوا في بعثات لدراسة الماجستير والدكتوراه في جامعات أوروبا، وتتلمذوا على أيدي كبار المستشرقين في ذلك الوقت، ودرسوا مناهج المدارس الحديثة في درس التاريخ وكتابته، ومنهم حسن إبراهيم حسن (1892- 1968م) وزكي محمد حسن ومحمد مصطفى زيادة وفيليب حتي وأنيس فريحة وجبرائيل جبور وقسطنطين زريق ونبيه أمين فارس. ومن هذا الجيل أسد رستم (1897- 1965م) أحد أهم المؤرخين اللبنانيين في القرن العشرين، وهو كذلك أحد رواد المنهجية التاريخية في كتابه «مصطلح التاريخ»، وله دراسات مهمة، منها «لبنان في عهد المتصرفية»، و «حروب إبراهيم باشا المصري في سورية والأناضول»، و»الأصول العربية لتاريخ سورية في عهد محمد علي باشا». وفي مجال النشر النقدي للنصوص، كان لقسطنطين زريق إسهامات مهمة، إذ أصدر نشرة نقدية للأجزاء من السابع إلى التاسع لكتاب “تاريخ الدول والملوك» لابن الفرات، كما نشر كتاب «تهذيب الأخلاق» لمسكويه مع ترجمة إنكليزية. ويأتي في مقدم المؤرخين العراقيين عبدالعزيز الدوري (1919- 2010م) الذي كان من أوائل المهتمين بدراسة الكتابة التاريخية وتطورها عند المسلمين في كتابه الرائد «بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب» (بيروت 1960)، وهو أول المحاولات العربية لتأصيل هذا الموضوع المهم الذي كان حتى ذلك الوقت حكراً على المستشرقين، إضافة إلى كتابه «أوراق في التاريخ والحضارة- أوراق في علم التاريخ» (بيروت- مركز دراسات الوحدة العربية 2009م). وكما يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد فإن من المفيد أن نشير إلى اهتمام الباحثين العراقيين بدراسة قضية المصادر وتأصيلها والتي برع فيها جواد علي (1907- 1987م) صاحب موسوعة «المفضل في تاريخ العرب قبل الإسلام». وفي مجال النشر النقدي للنصوص القديمة، نشر الدوري مع عبدالجبار المطلبي «كتاب الدولة العباسية»، المنسوب إلى محمد بن صالح النطاح والقسمين الثاني والرابع من كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)