ثقافة - تراث - سياحة - Culture - Patrimoine - Tourisme

العمامة الكردية لم يعد لها وجود إلا في الكليبات الغنائية La coiffe traditionnelle kurde

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الثلاثـاء 21 ذو القعـدة 1432 هـ 18 اكتوبر 2011 العدد 12012
الصفحة : عين الشرق
أربيل : شيرزاد شيخاني


أزاحها جيل الجوال والـ« فيس بوك » بعدما كانت رمزا قوميا


تتكون العمامة الكردية من طاقية صوفية تنسج عادة من قبل حرفيين محليين («الشرق الأوسط»)

قبل ثلاثة أو أربعة عقود كان معيبا على الرجل الكردي أن لا يعتمر عمامته التي كانت رمزا قوميا تحولت في فترة «المد الثوري» بالستينات والسبعينات إلى هوية يعتز بها الشباب الكردي، ولكن التحولات التي شهدها المجتمع الكردستاني وانجذابه خصوصا في السنوات العشر الأخيرة إلى التكنولوجيا الحديثة، والجري وراء تقليد الموضة العالمية في الملبس، بل وحتى في المأكل، التي غرقت مطاعم كردستان بأنواع شتى من الأكلات الغربية مثل البيتزا والماكدونالد والدونر والكنتاكي وغيرها، هذا الجري وراء صيحات الموضة أفقد العمامة الكردية مكانتها وهويتها. وأصبح من النادر أن تجد من يعتمرها اليوم إلا من تجاوز الستين أو السبعين من عمره، وهو يعتمرها كعادة وليس تعبيرا عن هوية قومية، فقبل ثلاثة أو أربعة عقود كانت نسبة من يلفون العمائم تتجاوز الـ70 - 80 في المائة، واليوم لا تتجاوز النسبة الـ7 - 8 في المائة.

ولعل الكرد كانوا من قلة شعوب المنطقة الذين حافظوا على العمامة الإسلامية، بعد أن غيرها الكثير من عرب المنطقة بالكوفية والعقال، فعمامتهم تشبه إلى حد بعيد تلك العمامة الإسلامية التي نراها في الأعمال التلفزيونية التاريخية خصوصا بطريقة شدها على الرأس.

تتكون العمامة الكردية من طاقية صوفية تنسج عادة من قبل حرفيين محليين، وخصوصا من النساء اللائي يتفنن في نسجها بألوان مختلفة، وتلف حول هذه الطاقية قطعة من القماش بحدود متر مربع واحد تسمى بالكردية «جامانة» وعادة تكون من اللونين الأبيض والأسود بخطوط متداخلة منسوجة بشكل هندسي بديع. وتتنوع العمائم الكردية من حيث الألوان والشد والربط من منطقة إلى أخرى ومن عشيرة إلى أخرى، فلكل منها طريقة معينة في الشد تميز سكان كل منطقة عن الأخرى. فطريقة الشد لسكان كويسنجق تختلف عن طريقة شدها في سهل أربيل، وكذلك تختلف طريقة شدها في دهوك وزاخو عن سكان السليمانية، وحتى في مناطق السليمانية تختلف الطرق بين منطقة هورمان مثلا وبين سهل شهرزور.

أما الألوان فقد كانت تقتصر عموما على لونين أساسيين، الأبيض والأسود المعمول به في معظم مناطق كردستان العراق، أما في السنوات الأخيرة فقد ظهرت ألوان أخرى منها الأخضر والبني والأصفر، وتنفرد العشيرة البارزانية وحدها بالعمامة الحمراء التي تميزها عن بقية عشائر كردستان.

وللباحث الكردي فريد أسسرد دراسة حول هذا الموضوع إذ يشير في كتابه «أصول العقائد البارزانية» الصادر عن مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية إلى «أن من بين كل القبائل الكردية، يعتمر البارزانيون وحدهم عمامة حمراء، ويحمل اللون الأحمر مدلولات تتصل بجذور العقائد البارزانية، وقد ظلت هناك فكرة خاطئة، لم تثبت صحتها على الإطلاق، تربط بين شعار الأحمر كشعار للبارزانيين وبين الشيوعية، بيد أن هذا الربط لا أساس له من الصحة على الإطلاق، حتى بين البارزانيين، وعلى وجه الخصوص الشبان منهم، ثمة من يرى أن اختيار العمامة الحمراء يرتبط بمرحلة عودة البارزانيين من المنفى في روسيا في عام 1958، على أن هذه الفكرة تطرح عن جهل أكثر مما تطرح كتأييد لتأثير الشيوعية في البارزانيين، وهي لا تستند على مرتكزات قوية، لأن البارزانيين اتخذوا العمامة الحمراء شعارا قبل لجوئهم إلى روسيا في عام 1947، عليه فإن خطل الربط بين شعار البارزانيين وشعار الشيوعية لا يحتاج إلى أدلة». ويمضي بالقول «إن أول إشارة واضحة إلى العمائم الحمراء وردت في عام 1909 في قصيدة تمجد معركة قادها الشيخ عبد السلام الثاني البارزاني ضد إقطاعي قبيلة زيبار، ومهما يكن فإن الشعار الأحمر يرتبط في العقائد البارزانية بعقيدة طبقية وبظروف محددة، ويهدف اختيار اللون الأحمر للعمامة البارزانية إلى تفريقهم عن بقية القبائل والعشائر الكردية».

وبنتيجة اتجاه الجيل الحالي نحو الموضة العالمية، وقلة الطلب على استخدام العمامة، قلت بالتالي محلات بيعها، حيث لم تعد المحلات التي تبيعها حاليا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في كل سوق أربيل.

وفي جولة بالسوق التقت «الشرق الأوسط» صاحب أحد المحلات ويدعى محمد عزيز الذي سلط الضوء على هذه التجارة الكاسدة، وقال «المبيعات قليلة جدا، والمشترون الذين يأتوننا هم من كبار السن». وحول مصادر الأقمشة الخاصة بالعمامة الكردية، يقول «هناك قماش كوري وسوري، وفي بعض الأحيان نستورد من اليابان والصين». وعندما أبدينا دهشتنا من قيام شركات صينية ويابانية بتصنيع العمامة الكردية وتصديرها إلى كردستان، قال عزيز «لا تستغرب ذلك، فحتى الأزياء الفولكلورية الكردية (الشروال) تأتي من المنشأ الصيني، فهم باتوا يقلدون كل شيء في هذا العالم». وعن أسعارها، قال «الأسعار تختلف حسب المناشئ، فعلى سبيل المثال هناك قماش ياباني يباع المتر الواحد منه بأربعمائة دولار، والأسعار تختلف حسب النوعية».

ويقول بهرام صالح وهو أحد الباعة المتجولين يبيع الطاقيات والعمامة داخل السوق «في السنوات السابقة لسقوط النظام السابق كنا نستورد الأقمشة من تجار بغداد، فقد كانت أقمشة العمائم الكردية تنسج في المصانع العراقية، ولكن مع افتتاح التجارة مع دول شرق آسيا أصبحت هذه الأقمشة تأتي من هناك، فالشركات هناك على استعداد لتصنيع أي شيء حسب الطلب». وعن نوعية المشترين، يقول «من النادر جدا أن نصادف شابا يشتري العمامة، وحتى من يشتريها من الشباب وعددهم قليل جدا فإنه يلفها حول عنقه اتقاء للبرد في فصل الشتاء، وليس للفها على رأسه».

أما الطاقية الكردية المعروفة بـ«كلاو» فلها ميزاتها أيضا. فقد أشار محمد عزيز إلى «أن هناك أنواعا متعددة منها، هناك الطاقية التي تسمى طاقية العريس وتستخدم لعدة أيام فقط أثناء العرس، وهناك طاقيات عادية وكلها تنسج محليا».

ولعل أشهر الطاقيات الكردية تلك التي اعتمرها شاعر العرب الأكبر الجواهري تلك الطاقية المنقوش عليها عبارة «كردستان» التي أصبحت من ملامح هذا الشاعر الكبير. وبحسب الروايات المنشورة، فإن تلك الطاقية أهداها الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني للشاعر في ستينات القرن الماضي، وكان طالباني من أحد أكبر المعجبين بالجواهري وما زال يردد في مناسبات كثيرة قصائده الشعرية التي يحفظ منها الكثير والكثير.

وليس هناك مصدر تاريخي معتمد حول زمان استخدام العمامة الكردية، وما إذا كانت جاءت إلى كردستان أثناء فتحها من قبل المسلمين الأوائل، أم أنها جاءت بعد ذلك، وهناك من يعتقد أن هذه العمامة كانت شائعة في زمن انتشار الديانة الزرادشتية في كردستان قبل الإسلام، والأرجح أن هذه العمامة انتشرت بفعل تأثيرات المناخ في المناطق الكردية التي تتصف طبيعتها الجغرافية بالبرودة الشديدة خصوصا في الشتاء، فهناك من يعتقد بأن استخدام العمامة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الشخصية الكردية منذ الأزمان السحيقة كان لحماية الرأس من البرد والحر معا. وهناك من يعتقد أن الكرد شدوا العمائم تأثرا بطبيعة منطقتهم الجبلية، حيث هناك شبه في طريقة شدها بشكلها المخروطي وشكل الجبل.

ويبدو أن نزول الكرد من الجبل إلى المدن الحضرية واندماجهم مع تطورات العصر وجري شبابهم وراء الموضة قد ساهم في نسيان عمامتهم الجبلية التي لم يعد لها وجود إلا في بعض الكليبات الغنائية على سبيل التباهي بشخصيتهم القومية.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)