الشيخ إمام (1918 -1995) من الظل إلى النور في زمن النكسة

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 17-06-2017
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


الشيخ إمام.. حنجرة اليسار بعد الهزيمة


<article4117|cycle|docs=4875,4876,4877,4878,4879,4880>


بالتزامن مع مرور خمسين سنة على هزيمة 1967، عاد اسم الشيخ إمام إلى الواجهة في الذكرى الثانية والعشرين لرحيله، واستعاد محبوه أشهر أغنياته التي كتبها رفيق دربه أحمد فؤاد نجم، ورثوا “الإبن البار الذي حمل بهية على كتفيه حتى آخر لحظات عمره”.

خرج اسم الشيخ إمام من الظل إلى النور في زمن “النكسة”، وسارع البعض إلى الربط بين تجربته وتجربة “فنان الشعب” سيد درويش. تبنى اليسار المصري هذه التجربة الغنائية المغايرة، ورأى فيها تعبيراً عن طموحاته قبل أن يرفع لواءها عاليا ويجعل منها صوته الأبرز.

وصلت أصداء هذه التجربة إلى بيروت، وانحاز لها اليسار اللبناني بحماس بالغ، غير أن هذا الانحياز لم يخرج عن هذه الدائرة. في شباط-فبراير 1969، تحدث الناقد أنطوان بارودي عن الشيخ إمام في زاويته الإذاعية الأسبوعية في مجلة “الشبكة”، وقدّم قراءة نقدية “مجرّدة” من أي اعتبار سياسي، وخلت هذه المداخلة من اي إعجاب “فني”.

قال الكاتب أنه لم يسمع سوى لحن واحد للشيخ إمام، أو “الظاهرة الفنية” كما يُسمّى في القاهرة، وأضاف في تعريفه: “الشيخ إمام فنان مصري ضرير، يعزف على العود، ويغني بمصاحبة رق لضبط الإيقاع، وبعض المنشدين. وقد أثار هذا الفنان ضجة كبيرة في القاهرة ما زال صداها يتردد في الصحف والمجلات. تناول فن الشيخ إمام بالبحث والنقد عدد كبير من أساتذة علم الفلسفة في الجامعات، والنقاد، وعلماء المجتمع. والشيخ إمام فنان كهل، ظهر فجأة في القاهرة، ولم نسمع به في لبنان إلا في شهر رمضان المبارك، أي منذ حوالي شهرين تقريبا. أمّا لماذا لم يُعرف الشيخ إمام في سن مبكرة، رغم أن الموهبة من النادر أن تهبط على انسان حسب علم النفس، في سن الخمسين، فهذا ما زال غامضاً، ويزيد في غموضه بعدنا الزمني لا الروحي عن القاهرة، وعن الجو الذي عاش فيه الشيخ إمام مرحلة الشباب. وقد يكون ظهور الشيخ إمام في هذه المرحلة بالذات له علاقة وثيقة بالنكسة، على حد تعبير محمد عبد الوهاب، التي تمر بها الأغنية العربية. أو أن ظروف 5 حزيران-يونيو هي التي هيّأت للشيخ إمام فرصة الظهور، وهو، إذا كان وليد هذه الظروف، يكون ظاهرة سياسية أكثر منها فنية”.

نزع أنطوان بارودي عن تجربة الشيخ إمام قيمتها الفنية، وقال ان بعض الكتّاب في الجمهورية المتحدة حاول فلسفة هذه التجربة، مع أنها “أبسط ظاهرة فنية عرفتها الجمهورية العربية المتحدة”، فهي باختصار “صورة عن الواقع بحلوه وبمره، لا تحتاج إلى فلسفة أبداً”، وصاحبها “ليس موسيقياً ولا مطرباً، وهذا الفن ينفي كل محاولة لتشبيهه بالشيخ سيد درويش”، ففيه دعاء وانشاد، وكلمة “غناء” لا تناسبه. وختم الناقد هذه القراءة بالسؤال: “هل يستحق الشيخ إمام الضجة التي أثيرت حوله؟ سؤال ستجيب عنه الظروف الفنية التي ساعدت الشيخ إمام على الظهور، قريبا”.

سطع نجم الشيخ إمام في السنوات التالية، واكتشفه الجمهور العريض من خلال الأغنية التي رافقت مقدمة فيلم يوسف شاهين الشهير “العصفور”: "يسبق كلامنا سلامنا يطوف عالسامعين معنا/ عصفور محندق يزقزق كلام موزون و له معنى/ عن الارض سمرا وقمرا/ وضفة ونهر ومراكب/ ورفاق مسيرة عسيرة وصورة حشد ومواكب/ في عيون صبية بهية عليها الكلمة والمعنى/ مصر يامّا يا بهية يام طرحة وجلابية/ الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية/ جاية فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل ومية/ واحتمالك هو هو وابتسامتك هي هي تضحكي للصبح يصبح/ بعد ليلة ومغربية تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية وصبية". بحسب الرواية الشائعة، سمع لطفي الخولى في المعتقل هذه الأغنية، وكتب من وحيها قصة “العصفور”، وعندما قرأها يوسف شاهين، عزم على إخراجها سينمائياً، واستخدم الاغنية فى الفيلم. ويروي مؤلف الأغنية أنه تقاضى هو والشيخ امام وعازف الإيقاع محمد علي، ثلاثين جنيهاً، ثمناً لهذه الأغنية عند تسجيلها للفيلم، إضافة إلى ثلاث بذلات قديمة قدمها لهم يوسف شاهين.



في 4 حزيران-يونيو 1973، وفي ذكرى الهزيمة، نشرت مجلة “الأسبوع العربي” تحقيقاً مطولاً حول هذا الصوت الذي ارتفع بعد نكسة 1967، وجاء في مقدمة هذا التحقيق: “مع حزيران 1967، عاشت مصر الكثير من الأحداث وردود الأفعال، ووسط تلك التفاعلات انبثق الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم من ذاك النهر الجماهيري العارم ليواكبا المسيرة الجديدة بأغنيات سياسية ووطنية. ألّف نجم الكثير من الأشعار المصرية العامية، ولحّن الشيخ إمام وغنى الكثير من الأغنيات الهادفة، ومع اتساع الرقعة الجديدة، وارساء دروب الإنسان الجديد، أضحى الاثنان تعبيراً جماعياً لآمال وتطلعات القاعدة الشعبية العريضة في مصر، وفي انحاء مختلفة من العالم العربي”.

في هذا التحقيق، تحدّث الشيخ إمام عن بدايات هذه الشراكة، وقال: “في أوائل الستينات التقينا أحمد فؤاد نجم وأنا. كلانا كان يبحث عن طريقه. كلانا كان متململاً من الأغنية المطروحة، يجدها تجارية، لا تقول شيئاً ولا تضيف شيئاً”. انفجرت هذه التجربة بعد هزيمة 1967 “ضمن إطار الغضب والسخط”، ولحّن الشيخ إمام خلال بضعة سنوات “ما يقارب الثلاثماية أغنية، من سياسية إلى اجتماعية إلى عاطفية”، غناها بنفسه، باستثناء بضعة ألحان له توزعت على حناجر عدد من المطربين، منهم فادية كامل، محمد رشدي، لبلبة، ليلى نظمي، وعلي عبد الوهاب. صعد الشيخ إمام سلم الشهرة تدريجياً، وأحيا في العام 1968 حفلاً في نقابة الصحافيين المصريين في القاهرة، وقدّمه يومها محمود أمين العالم، وقال: “هذا فنان كبير حقا،ً موهبة نادرة. أخشى أن يبقى بيننا هكذا، حديثاً بين أصدقاء، تعليقات في صحف، لقاء في دعوات خاصة. تستمع إليه حلقات صغيرة من الناس، ثم يأتي يوم يسألنا فيه مجتمعنا بضمير الواجب: ماذا فعلتم بألحان الشيخ إمام؟ لماذا لم تُسجلوا أغانيه؟ لماذا لم توزّع وتُقدّم للناس جميعاً؟ أخشى أن يأتي يوم نقول فيه: كان بيننا سيد درويش جديد، لكننا لم نحسن استقباله، ولم نحسن الاحتفال به”. انتشرت تسجيلات الشيخ إمام على هامش سوق الأسطوانات في السبعينات، وبات لها جمهورها الخاص في سائر أنحاء العالم العربي، وأضحى صاحبها “حنجرة اليسار” كما يُقال اليوم.

دخل الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم السجن مراراً، وتحولا إلى ظاهرة فنية واكبت صعود التيارات اليسارية في العالم العربي. في العام 1976، صدرت في فرنسا أسطوانة ضمت تسع أغاني من نتاج الثنائي حملت عنوان “عيون الكلام”. وفي منتصف الثمانينات، تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، ولاقت هذه الحفلات نجاحاً كبيراً، وتبعها صدور أسطوانتين حفظت مجموعة من تسجيلات هذه الحفلات. شكل الشيخ إمام مع شاعر أغانيه أحمد فؤاد نجم وعازف الإيقاع محمد علي، فرقة ثلاثية جالت في الدول العربية والأوروبية، إلى أن دب الخلاف المتنامي بين الثلاثي فحدث الفراق، بعدها، آثر الشيخ إمام الذى تجاوز السبعين، العزلة، في حجرته المتواضعة بحي الغورية، ورحل في هدوء في 7 حزيران-يونيو 1995.



حمل الشيخ إمام لواء الأغنية السياسية الملتزمة، ورافق أحداث عصره كما تشهد عناوين أناشيده، مثل: “اصح اصح طال النوم”، “ألف باء محو الأمية”، “الحزب الجديد”، “قاضي المظالم”، “شرفت يا نيكسون”، “هوشي منه”، “جيفارا مات”، “سليمان خاطر”، “فاليري جيسكار دستان”. غلب الجانب السياسي على الجانب الأكبر من هذا النتاج، إلا ان النبرة الشعرية العالية لم تغب عنه. تحضر هذه النبرة في باقة جميلة من الأغاني تظلّ راسخة في الذاكرة، منها “دعاء الكروان”، وفيها: "يهوذا خان/ أكم يهوذا وباع مسيح/ لا يهوذا دام ولا جرح بلاد جريح/ مليون يهوذا خان أمانك وإنهلك/ وانت اللي باقي/ عالسواقي/ ومنجلك/ يفرش حصير القمح فوق دم المسيح/ وانت الجريح/ تيجي الأطبّة وتسألك/ ما أعجبك/ ما أنجبك/ ما أجملك/ ما أنبلك/ يا شعب يا نبض الوجود/ الخلد لك/ والملك لك/ الحكم لك".



عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عن صورة المقال

الشيخ إمام على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)