ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

الشاشية التونسية.. زي شعبي وعلامة غير قابلة للتقليد Chechia, couvre-chef masculin - Tunisie

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاثنيـن 07 ربيـع الاول 1433 هـ 30 يناير 2012 العدد 12116
الصفحة : عين الشرق
تونس : المنجي السعيداني


عادت إلى الرّواج واستعادت مكانتها كرمز وطني


إذا كان التعريف العادي لـ«الشاشية» هو أنها قبعة رجالية تعتمرها العديد من الشعوب الإسلامية، فإنها بالنسبة للتونسيين أكثر من لباس رأس رجالي، بل لقد تحوّلت إلى ما يشبه «العلامة الفارقة» التي ينفرد بها التونسيون عن غيرهم من الشعوب المجاورة.

والحقيقة أنه ليس أفضل من الشاشية التونسية - التي يسميها بعض العرب المشارقة «الطربوش المغربي» - للدلالة على ما يميّز التونسيين، على امتداد أجيال متعاقبة، ظلّت خلالها أعلى الرأس تقيه من الحر والقر وتضفي عليه بحمرتها القانية الكثير من الرونق والجمال.

ثم إن الشاشية التونسية علامة مميزة لا يمكن أن تخضع للتقليد، فصناعتها المعتمدة على حنكة حرفيين تخصّصوا فيها وأتقنوها. وهي اليوم تعود بقوة في صفوف الشباب وحتى الشابات لتمثل شيئا مختلفا لدى الأجيال التونسية، التي ألفت الشاشية زيا يميّزهم عن غيرهم من الشعوب.. من خلال شكلها وأطوالها ومقاساتها وطريقة صنعها.

الشاشية - أو «الطربوش المغربي» - هي إذن نوع من القلنسوات، ألوانها حمراء بالأساس في تونس، وتتحوّل إلى اللون الأسود في ليبيا المجاورة. ومن الناحية التاريخية تعود صناعة الشاشية في تونس إلى مدينة القيروان، حيث برزت كحرفة تقليدية منذ القرن الثاني للهجرة. أما اسمها فيعود حسب بعض المراجع التاريخية إلى النعت المشتق من «شاش»، وهو الاسم القديم لمدينة طشقند عاصمة جمهورية أوزبكستان، وإحدى القواعد العامرة في ما كان يُعرف ببلاد ما وراء النهر إبان الفتوحات الإسلامية لوسط آسيا.

وقد اتخذت الشاشية شكلها النهائي إبان هجرة الأندلسيين إلى تونس بعد سقوط غرناطة في أيدي القشتاليين والآراغونيين الإسبان عام 1492 للميلاد، ومن ثم ازدهرت صناعتها كصناعة يدوية ذات شأن بالنسبة للمجتمع الإسلامي في تونس. ولاحقا، مثلت الشاشية خلال عقد العشرينات من القرن الماضي رمزا للنضال الوطني بالنسبة لقادة الحزب الدستوري الحر، الذي قاده عبد العزيز الثعالبي في البداية، وفي ما بعد تولى زعامته الحبيب بورقيبة اعتبارا من عام 1934.

صناعة الشاشية تعد من الفنون الراقية، وهي تخضع لعادات وتقاليد صارمة خلال كامل مراحل صناعتها. ولقد عرفت هذه الصناعة انتعاشة قوية حتى أن ممارسيها ممن يطلق عليهم اسم «الشوّاشين» باتوا يستحوذون على نسبة 75 في المائة من الأسواق في «المدينة العتيقة» بتونس العاصمة. وحسب المعطيات التي يقدمها الديوان التونسي للصناعات التقليدية، فإن الشاشية التونسية تسافر لتستقر فوق رؤوس سكان ليبيا والجزائر والمغرب والسودان ونيجيريا.. وصولا إلى الشرق الأوسط، وحتى آسيا.

ولدى العودة إلى أطوار صناعة الشاشية والمراحل التي تمر بها، يُلاحظ أنها تبدأ بعملية «التلبيد» وتجرى في مدينة طبربة ومدينة البطان (نحو 30 كلم غرب العاصمة التونسية) ثم تتوجه إلى مدينة العالية حيث تجرى عملية «الكربلة» باستخدام نبتة «الكرضون»، وتسافر المواد الأولية بعد ذلك إلى مدينة زغوان، قرب العاصمة) لصبغها بمياه العيون الصافية، وبعدها تتخذ مرة أخرى طريق العاصمة لمُعالجتها بالكرضون والقالب، وعندها تصبح جاهزة للبيع.

تجرى كل هذه المراحل تحت إشراف «المعلم» القار بتونس. وقائمة المدن التي ذكرناها أي طبربة والبطان والعالية وزغوان.. معظم سكانها ذوو أصول أندلسية.

محمد بن يوسف، أحد أقدم الشوّاشين في سوق «المدينة العتيقة» بتونس العاصمة (دخل السوق سنة 1955) قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقيناه: «الرجوع إلى الشاشية في صفوف التونسيين أكثر من لافت للانتباه، وكل الشواشين مبتهجون لهذه العودة القوية». ومع أنه يقرّ بوجود صعوبات ظرفية عرفها القطاع، فهو سرعان ما يستعيد أنفاسه من جديد. وهنا يوضح أن الأسواق الخارجية التي تتزوّد بالشاشية التونسية استعادت أنفاسها خلال فترة ما بعد الثورة، وبالتالي، باتت الشاشية بحمرتها المرتبطة بالثورة أكثر من علامة على التحرّر الاجتماعي ومعارضة الظلم السياسي. ولا تزال نيجيريا والنيجر، وخاصة ليبيا، على رأس الدول التي تطلب الشاشية التونسية.. التي قلما تجد لها منافسة جادة بين بقية من يحاولون منافسة التونسيين في هذا المجال. ويرى بن يوسف أن «نسبة تقارب 20 في المائة من الليبيين يقبلون على الشاشية التونسية، أما على مستوى السوق المحلية التونسية فإن الإقبال يكاد يكون في حدود 10 في المائة، وجلهم من الشبان إلى جانب بعض كبار السن المتمسكين بلباسهم التقليدي».

ولكن، على الرغم من نبرة التفاؤل التي تطبع كلام محمد بن يوسف «الشواشي» فإنه صرّح لـ«الشرق الأوسط» بأن «من أصل عدد المحلات المتخصصة في صناعة الشاشية التونسية، التي كان عددها عام 1975 في حدود 400 محلّ، وهؤلاء كان لديهم صبية يتعلمون أصول الصنعة، لم يبق منها اليوم إلا 20 محلا فقط». وتابع بن يوسف: «إن من يفارق الحياة من الشواشين لا يعوّض بسهولة.. فالصنعة تتطلب الصبر والمعرفة».

أما عن المواد الأولية المستعملة في صناعة الشاشية، فأوضح بن يوسف أنها «تعتمد بالأساس على مادة الصوف، إلا أن السوق التونسية تصدّر الصوف كمادة أولية إلى فرنسا، ثم تستوردها مصنّعة غالية التكلفة». وأضاف: «إن النوع الجيد من الصفين الأول والثاني يستورد من فرنسا، وتعتمد السوق على كمية ضئيلة ولكنها منخفضة الجودة من الصوف التونسي».

ويلاحظ محمد بن يوسف أن «المادة الأولية المستوردة شهدت ارتفاعا كبيرا على مستوى الأسعار لارتباطها بسعر صرف اليورو. إذ كانت كمية الألف كيلوغرام تسوّق بسعر يقارب 22 ألف دينار تونسي (نحو 15 ألف دولار أميركي) خلال السنوات الماضية، ولكن السعر ارتفع إلى 30 ألف دينار تونسي (قرابة 20 ألف دولار أميركي) في فترة وجيزة. وهذا الأمر أثر على الأسعار المتداولة للشاشية التونسية. ونتيجة لارتفاع أسعار المواد الأولية، ارتفعت أسعار بيع الكيلوغرام من الشاشية التي يسميها التونسيون «الكبوس» (لكونها تضغط على الرأس برفق صوفها ودفئه) وقفزت من 40 دينارا تونسيا (نحو 28 دولارا) إلى 53 دينارا (نحو 41 دولارا).

وفي ختام اللقاء، قدم محمد بن يوسف مقارنة طريفة بين الشاشية التونسية والشاشية المقلدة المستوردة من الصين، وكذلك تشيكوسلوفاكيا. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الشاشية التونسية يمكن أن تعمر قرابة السنة على رأس حاملها من دون أن تتأثر ألوانها أو ترتخي أنسجتها، أما بالنسبة للشاشية المقلدة فهي ذات منظر قد يكون أفضل من الخارج لكنها لا يمكن أن تعيش أكثر من ثلاثة أشهر». وحول أسعار الشاشية التونسية، لاحظ محمد بن يوسف أنها تبدأ من سعر خمسة دنانير تونسية (نحو أربعة دولارات) وتصل لحدود 15 دينارا (نحو 10 دولارات) للنوع الجيد من الشاشية. وهذا، قبل أن يسرّ لنا بوجود شاشية يطلق عليها اسم «شاشية الباشا» وهذا الصنف يقدر سعره بنحو 25 دينارا (قرابة 18 دولارا) ويعتمره بعض التونسيين خلال الأشهر الشتوية الباردة فقط ثم يحتفظون بها إلى الموسم التالي.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)