السينما العربية ومهرجان كان السينمائي

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 26-05-2018
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


مصر في خبر “كان”


<article4705|cycle|docs=5580,5581,5582,5583,5584,5585,5586,5587,5588>


شهد مهرجان “كان” في دورته الأخيرة حضوراً عربياً لافتاً تمثّل في مشاركة ستة أفلام دخل منها فيلمان المسابقة الرسمية للمهرجان. يُعيد هذا الحضور الى الذاكرة مجموعة من الأفلام المصرية وجدت طريقها في الماضي إلى هذا المهرجان، في الفترة الممتدة بين سنة 1946 وسنة 1956.

دخلت مصر مهرجان “كان” لأول مرة سنة 1946 مع فيلم “دنيا” للمخرج محمد كريم، ولم يترك عرض الفيلم أي صدى كما يبدو. بعد ثلاث سنوات، شاركت مصر من جديد في هذا المهرجان من خلال فيلمين، أولها “البيت الكبير” للمخرج أحمد كامل مرسي، وثانيهما “مغامرات عنتر وعبلة” للمخرج صلاح أبو سيف. مر عرض الفيلم الأول مرور الكرام ودخل بسرعة في النسيان، وشكّل الفيلم الثاني انطلاقة لسلسلة من الأفلام البدوية لعبت بطولتها النجمة كوكا. في نهاية العهد الملكي، عادت مصر إلى مهرجان كان سنة 1952 مع فيلمين، ورافقت الصحافة الحدث بحماسة بالغة.

جاء الوفد المصري إلى المهرجان مع ممثل الدولة، محمد الشريف بك، وكانت أبرز وجوهه نجماته الأربع ماري كويني، مديحة يسري، فاتن حمامة، وكوكا. قدم المخرج المخضرم أحمد بدرخان فيلمه “ليلة غرام”، وهو من الأفلام العاطفية التقليدية، وغاب عن المهرجان نجما الفيلم “الجديدين” مريم فخر الدين وجمال فارس. في المقابل، قدّم يوسف شاهين في بداية مشواره فيلم “ابن النيل”، وجذب الأنظار إليه. تحوّل عنوان فيلم “ابن النيل” إلى “نداء النيل” في “كان”، وعُرض في 28 نيسان/ابريل في حفلة ماتينيه. وعُرض “ليلة غرام” في حفلة سواريه في 3 أيار/مايو، كما عرض بعد ثلاثة أيام فيلم مصري قصير بعنوان “ستة آلاف سنة من الحضارة” من اخراج أحمد خورشيد.

رافقت مجلة “الكواكب” البعثة في رحلتها، وكتبت في تحقيقها: “رفرف الفيلم المصري بلونه الأخضر الجميل بين 38 علماً لدول اجنبية، واحتلت مصر مكانها لأول مرة وبصفة رسمية في مهرجان السينما الدولي الذي عُقد أخيراً في كان”. تحدّثت المجلة مطوّلاً عن “ابن النيل”، وقالت إن منتجة الفيلم ماري كويني، جلست قبالة مخرجه يوسف شاهين عند عرضه، وأمسكت بيده “لتشجعه أو لتستمدّ منه شجاعته، ومرّت الخمس دقائق الأولى، ولم ينصرف أحد، ثم أعقبتها أخرى وخرى والجمهور مستغرق في انتباهه، وفجأة دوت الصالة بالتصفيق وأفاق المصريون من ذهولهم والتقطوا انفاسهم عندما تعالى التصفيق مرة أخرى، وانتهى العرض بين عاصفة من التصفيق والاستحسان”. وبحسب “الكواكب”، “أشادت صحيفة”لوفيغارو" بالفيلم وأطنبت في مدحه، وقالت “ان صناعة السينما في مصر في تقدّم سريع بالرغم من حداثتها، وانه يجب، إذا لم يفز هذا الفيلم بجائزة ما، ان نعترف بوجوده ونتمنى للقائمين به توفيقا وحظا طيبا”. من جهة أخرى، أشادت المجلة المصرية برئيس الوفد وممثل الدولة محمد الشريف بك، وقالت انه “بذل مجهوداً ملموساً في ان تظهر البعثة بشكل لائق يتناسب ومكانة مصر بين باقي البلدان”. أما المخرج يوسف شاهين، فكان “دينامو من الحركة، وكان يُخرج نفسه من الفندق لتجده في كل مكان، لا يتحدث الا عن السينما وعن لقطة رآها أمس ويتمنى ان يقوم بها غدا”. كذلك، كان المنتج والمصور عبده نصر “دائم الضحك، يلقي النكات الواحدة تلو الأخرى، بالعربية طبعاً، وإذا سألته عما يضحكه ما دام أحدا لا يفهمه، أجابك: إنى اضحك على نفسي، اذ كيف لم أحضر مثل هذه المؤتمرات قبل ذلك”.

قيل إن نجمة “ابن النيل”، فاتن حمامة، عادت إلى مصر “وهي تصرخ من الغيظ، لأنها صادفت في طريقها عدة حاجيات كانت تتمنى أن تحصل عليها، وتمنت ان يهبها الله خاتماً سحرياً يمنحها كل ما تطلب وكل ما كانت تقع عليه عيناها في الفترينات التي أشرف على إخراجها فنيّون في عرض الحلى والتحف الثمينة، فكانت السيدة ماري كويني تعترض عليها قائلة ان هذه المعروضات لا يظهر جمالها الا وهي في الفترينة، ولذلك يجب على من يقتنيها ان يظل دائما في فترينة، حتى يضمن توزيع الضوء والإخراج”. أما زميلتها مديحة يسري، فعادت لتروي في مقالة من توقيعها انطباعاتها عن هذا المهرجان، وقالت إنها تعرفت هناك على ايفون دي كارلو، وقد لازمتها النجمة العالمية طوال رحلتها في “كان”، “وهي شابة بسيطة لطيفة في تصرفاتها، مخلصة في صداقتها، تميل للدعابة وتهوى النكت”، “تبدو في الحياة أجمل منها على الشاشة، وتشغل السينما حيزاً كبيراً من حياتها، فهي لا تهتم الا بها ولا تنشد الا نجاح الأدوار التي تقوم بها”. واصلت مديحة يسري حديثها عن ايفون دي كارلو، وقالت إن “الحب لا يجد مكاناً خالياً في قلبها، والدليل على ذلك انه خُيّل لها في كان انها تميل الى مصارع ثيران يدعى ماريو، فأحبته لمدة لا تزيد عن 24 ساعة، ثم قدم الأمير علي خان ودعاها الى احدى السهرات، فأنهت حبها مع ماريو ولبت دعوة الأمير، ورد ماريو على هذه الصفعة بان اصطحب الممثلة اليونانية ايرين باباس، صديقة الأمير وخطيبته السابقة إلى نفس الحفلة، ولكن ايفون والأمير لم يحسا بوجودهما على الاطلاق”.

في الختام، قالت مديحة يسري أنها دعت ايفون دي كارلو، للحضور الى مصر وزيارة الأقصر، فقالت لها انها تود من صميم فؤادها ان تحضر الى مصر في نوفمبر المقبل على شرط ان تستضيفها في منزلها. وتحدثت الممثلة لمصرية عن نجوم صادفتهم في كان، منهم النجم الأميركي الذائع الصيت جين كيلي، والنجم الألماني هانز البرس، وهو بحسب وصفها “شخصية عالمية يجب ان تحظى بمعرفتها لتُدرك متى اعتداد الفنان بفنه وايمانه بعظمة هذا الفن”.

في نيسان/ابريل 1954، شاركت مصر مرة أخرى في مهرجان “كان” حيث عُرض فيلم “صراع في الوادي” بحضور مخرجه يوسف شاهين ونجميه فاتن حمامة وعمر الشريف. تحدّثت “الكواكب” عن اعجاب رئيس المهرجان الفنان المتعدد المواهب جان كوكتو بالفيلم، وقالت: “سواء نال الفيلم احدى جوائز المهرجان، أو أخطأه حسن الحظ، فقد أجمع النقاد العالميون على انه فيلم ممتاز حقاً، وان مصر بها الفيلم وامثاله تخطت النطاق الإقليمي الذي ظلت افلامها تحبو داخل حدوده إلى النطاق العالمي الواسع”. أضافت المجلة في رصدها للحدث: وقد صرح جميع الصحفيين انهم دهشوا لما رأوه حقاً، لعلمهم بإمكانيات السينما في مصر، الا انه يخالفون مدير المهرجان في حكمه على الفيلم بأنه يدخل ضمن نطاق الأفلام العالمية الممتازة"، وذلك بسب “التطويل والحشو وضعف السيناريو”، وأداء “قدامى الممثلين الذين لم يتخلصوا بعد من حركاتهم المسرحية”.

في أيار/مايو 1956، شهد مهرجان كان مشاركة مصرية جديدة تمثلت بعرض فيلم “شباب امرأة” الذي استبدل عنوانه بـ"مصاصة الدماء". حضرت نجمة الفيلم تحية كاريوكا إلى كان باللباس البلدي، “وشاركت في مهرجان الزهور، فركبت عربة مع احدى الممثلات الفرنسيات ونجحت في لفت انظار المتفرجين اليها بما كانت تثيره من دعابات”، وظهرت في الصور إلى جانب مخرج الفيلم صلاح أبو سيف والمنتج رمسيس نجيب. وفقا لما نقلته الصحافة، نجح المخرج والمنتج في تنظيم حملة دعاية لمصر وللسينما المصرية، وواجها مع الوفد المصري بعض المتاعب بسبب موقف دولتهما من قضية الجزائر.

غابت مصر عن مهرجان كان إثر الاعتداء الثلاثي، وبعد ثماني سنوات عادت اليه في أيار/مايو 1964. حضر عمر الشريف حفل افتتاح المهرجان، وذلك بمناسبة عرض فيلم"سقوط الإمبراطورية الرومانية" الذي شارك في بطولته. وحضرت فاتن حمامة مع الوفد المصري، وكانت نجمة فيلم “الليلة الأخيرة” الذي مثّل الجمهورية المصرية في المهرجان. عُرض الفيلم بحضور نجمته ومخرجه كمال الشيخ، وانتقدته صحيفة “فرانس سوار”، ورأت “ان المصريين يحاولون ان يجعلونا نفهم ان الثلاثين مليونا من المصريين يعيشون في مستوى مرتفع وفي بلاد متقدمة كالتي ظهرت في الفيلم”، كما نقلت مجلة “الكواكب”.

شكّل “الليلة الأخيرة” نهاية للمسيرة المصرية في مهرجان كان، إلى ان عاد يوسف شاهين ليقدّم “العصفور” سنة 1973، ثم “وداعا بونابرت” سنة 1985، وحصل في 1997 على جائزة اليوبيل الذهبي من المهرجان، وذلك عن مجموع الأفلام التي أخرجها خلال مشواره الفني الطويل.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)