الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية. تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني 1892-1896 تيسير خلف - المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - أكتوبر 2019

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الإثنين 03-02-2020
المدن - ثقافة
أسامة فاروق


الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية : تجربة هنا كوراني


هنا كوراني


صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب تيسير خلف، “الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية: تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني 1892-1896”، ويتناول فيه تجربة كوراني التي تساهم دراستها في تعميق وعينا ببواكير نشوء الحركة النسوية في المشرق العربي، والاتجاهات الفكرية والفلسفية التي أثرت فيها. فهذه التجربة تمدنا بمادة غنية عن حالة نادرة من حالات التفاعل والمثاقفة بين الشرق والغرب.

في الفصل الأول، يعرض خلف لحضور هَنا كوراني مؤتمر شيكاغو. فهي حين ألقت فيه خطابها في عام 1893، اقتحمت مجتمع النخبة الأميركي بقوة بفضل كلماتها المؤثرة وألفاظها الإنكليزية البليغة وزيها الشرقي المميز، وتحولت سريعًا نجمة في صحافة العالم الجديد، وضيفة مميزة في صالونات الطبقة البرجوازية، ومحاضِرة محترفة في المنتديات الأدبية والاجتماعية للحديث عن عوالم الشرق المبهمة، وعاداته وتقاليده، وأوضاع نسائه ورجاله.

وتوضيحًا لذلك، يكتب المؤلف: “عبّرت هَنا كوراني في رسالة إلى صديقتها هند نوفل، رئيسة تحرير مجلة ’الفتاة‘، عن استغرابها الشديد موقفَ النساء الأميركيات اللواتي يتمتعن بالدرجة الأولى من التقدم، بسبب عدم اقتناعهن ’بما قسم المولى لهن‘، بحسب تعبيرها. وانتقدت في رسالتها ما سمّته ’دأب نساء أميركا على منازعة الرجل على إدارة أمور السياسة، وتولي المناصب الإدارية‘. وقالت: ’لست بحامدتهن على هذه الأطماع الكبرى، لأن هذا ممّا يشوش الراحة العمومية، ويخرب فوق كل شيء السعادة البيتية، فالأَولى بهن القناعة بمقامهن الرفيع وبذل مقدرتهن في نشل غيرهن من بنات جنسهن اللواتي قد حكم الزمان عليهن بالذل والهوان‘”.

لكن، مهما يكن من أمر بقاء هَنا كوراني في الولايات المتحدة بعد اختتام مؤتمر النساء العالمي ومعرض شيكاغو، فإن تحولًا مهمًا بدأ يظهر على تفكيرها بشأن حقوق المرأة والمشاركة السياسية، كما تدل تصريحاتها للصحافة الأميركية، بحسب خلف. ومن المؤكد أن هذا التحول كان بسبب ارتباطها بصداقة وثيقة مع سيدة أميركية كانت تُعَدّ أشهر داعية إلى حق المرأة في التصويت.

في بلاد العم سام

يتحدث خلف، في الفصل الثاني، “خطيبة محترفة في بلاد العم سام”، عن ارتباط كوراني في أثناء فعاليات المؤتمر النسائي العالمي بصداقة متينة مع سيدة أميركية، كانت تُعَدّ من أبرز رموز تحرير المرأة، وعرّابة حق التصويت للنساء في الولايات المتحدة، تدعى ماي رايت سيوول. وكان لهذه الصداقة أبلغ الأثر في التحولات الفكرية التي طرأت على كوراني، في الفترة التي أعقبت نهاية المعرض الكولومبي. وكان للندوات والمحاضرات والنقاشات آنذاك أثر بالغ في صقل أفكار كوراني في هذه المرحلة، لكن لا يمكن إغفال تأثير الجلسات التي كانت تنظمها ماي سيوول وزوجها في منزلهما في إنديانابوليس، حيث أمضت هَنا وقتًا ثمينًا في ضيافتهما، كما قالت في رسائلها. ولعل أبرز نتائج هذه الصداقة بين السيدتين ترشيح هَنا كوراني للمشاركة في المؤتمر السنوي الـ 26 لحق المرأة في التصويت في عام 1894.

وفي هذا السياق، يقول المؤلف: “أصبحت هَنا كوراني، بعد أن استضافتها أهم المنتديات النيويوركية، ضيفة لا تغيب عن الصحافة الأميركية؛ إذ تسابقت كبريات الصحف والمجلات الأميركية لكتابة تقارير عن نشاطاتها، وإجراء مقابلات معها، كلها مزينة برسمها الشهير، وهي ترتدي زيها الشرقي المميز”، وهو الزي الذي ارتدته حين ألقت خطابها الشهير في مؤتمر شيكاغو النسائي.

يضيف: “مضى عام 1894، وهَنا كوراني تواصل النجاح في إثر النجاح خطيبةً محترفة، ونجمة من نجمات مجتمع النخبة الأميركي، لا تكاد تجد وقتًا لتلبية الدعوات من المنتديات، والجمعيات التي باتت تنهال عليها من كل حدب وصوب. ويمكن القول إن تحولًا فكريًا كبيرًا طرأ عليها خلال هذا العام؛ إذ أصبحت أكثر جرأة في توجيه الانتقاد إلى المجتمع الذكوري في المشرق، المسؤول عن تجهيل الفتيات، وما عادت تنتقد المرأة في محاضراتها الأخيرة لمطالبتها بحقوقها، بل أصبحت تنادي علنًا بالمساواة في الحقوق السياسية، ومع ذلك كانت لا تغفل النواحي الإيجابية في المجتمع الشرقي، ولا تتوانى عن انتقاد مادية المجتمع الأميركي”.

قتلها السلّ

تلقت هَنا كوراني دروسًا في تعلم ركوب الدراجة الهوائية، والتقطت عدوى عُصيّة السل، وابحرت على متن السفينة “نيويورك” لتزور بعض الأصدقاء في باريس والإسكندرية قبل أن تذهب إلى مسقط رأسها قرب بيروت في سورية، على أن تعود إلى الولايات المتحدة الأميركية فور تحسن صحتها للحصول على الجنسية الأميركية.

يؤكد المؤلف أنه بعد عودة كوراني إلى بيروت، وعلى الرغم من حالتها الصحية، فقد ألقت في 26 أيار/ مايو 1896، محاضرة بعنوان “التمدن الحديث وتأثيره في الشرق”، تحدثت فيها بإسهاب عن ملامح الحضارة والتمدن في التاريخ القديم، ومنه التاريخ العربي الإسلامي، وفي العالم المعاصر، داعيةً أبناء وطنها إلى نهضة شاملة من خلال الاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى. وبعد أن أشادت بالمرأة العارفة العاملة، ذات التأثير الذي لا يحدُّ في ترقية البشرية مدنيًا ومعنويًا، دعت مواطناتها إلى أخذ زمام المبادرة؛ إذ يستحيل على المرأة مجاراة الرجل في سبق العلم والآداب إن لم تعوّل على نفسها، وتطرق باب الجد بيمينها، كما قالت، لأن “الرجال كما اشتهر عنهم يؤْثرون أنفسهم بالسيادة، ويختصون ذواتهم بكمال العقل والحكمة والدربة، فهم على ما يعتقدون سلاطين الكون، وأصحاب الحكم المطلق الذي يجب أن تخضع له وتنقاد إليه المخلوقات طرًّا، والمرأة من الجملة”.

توفيت هنا كوراني في كفر شيما في 6 أيار/ مايو 1898، متأثرة بإصابتها بداء السل. طار خبر وفاتها إلى الصحافة الأميركية التي تناولته بكثير من التأسف...

تيسير خلف

كاتب وروائي سوري من أصل فلسطيني، درس الصحافة في كلية الآداب بجامعة دمشق، وعمل محررًا في صحف ودوريات عربية، وباحثًا متفرغًا في مركز الشرق للدراسات في دمشق، ومديرًا تنفيذيًا لمركز أورينت فيجن للبحوث في دبي، ومدير تحرير في مركز الشرق للبحوث في دبي.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)