الحداثة والتقليد في المجتمع العربي

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ٢٧ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
جريدة الحياة
إبراهيم الحيدري


الحداثة والتقليد في المجتمع العربي


كانت حملة نابليون على مصر عام 1798 صدمة حضارية للعرب والمسلمين الذين وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع الغرب المتقدم علمياً وتكنولوجياً وهو يملك أسباب وأدوات الحضارة والمدنية والمعرفة ويهيمن عليها. هذه الصدمة هزت صورة الشرق العريق مهبط الأديان والحضارات وجعلته يدرك الواقع ويعيه... إذ اكتشف فجأة أنه متأخر والآخر متقدم عليه وشعر بالهوة الحضارية وأن الغرب سبقه خمسة قرون.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر أخذ العرب يتطلعون إلى تغيير الواقع الفكري والاجتماعي والثقافي وفق رؤية منفتحة على الحضارات وفتحوا أبواب الحوار مع الثقافات الأخرى ومواكبة أفكار التقدم والتطور الاجتماعي، بعد أن شعروا بــأنــهم ما زالوا مكبلين بقيود في مـقـدمها الدولة العثمانية الاستبدادية وسلطتها البيروقراطية. وفي الوقت الذي بدأت فيه الدولة العثمانية تشيخ وتهرم ، بدأت هيمنة الدول الاستعمارية على العالم العربي ودخول عناصر الحضارة الغربية المادية والمعنوية.

في مثل هذه الفترة من القلق والتساؤل بدأ رواد النهضة العربية- الإسلامية يلعبون دوراً في إثارة روح التذمر وإصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتردية استناداً إلى الفكر الإسلامي المتفتح وفتح باب الاجتهاد وإذكاء روح النقد والمعارضة.

ويلاحظ الباحث الاجتماعي أنه كلما يفقد المسلمون قيادة عالمهم يتحولون إلى العقيدة الإسلامية يبحثون فيها ثانية عن هويتهم الضائعة والتخلص من محنتهم وضياعهم.

إن الوعي الديني والحماسة الوطنية وتطور الأفكار القومية والليبرالية والاشتراكية من جهة، وتأثير الاستعمار الغربي وما ارتبط به من اقتصاد رأسمالي تابع ومشوه من جهة أخرى، كل هذا قاد إلى يقظة شاملة دفعت المصلحين الاجتماعيين نحو حركة تحرر تهدف إلى إصلاح شامل، وهو اجتماعي- اقتصادي أولاً وثقافي - سياسي ثانياً، وبالتالي تحقيق الهوية على أساس مبدأ «الاجتهاد «، خصوصاً بعد أن دخلت إلى العالم العربي والإسلامي مفاهيم جديدة لم يألفها من قبل كالحرية والاستقلال والتقدم العلمي والتكنولوجي وحقوق الإنسان. هذا الوعي والحماسة ظهرا في صرخة عبد الله النديم: لماذا تتقدمون ونحن نتأخر؟! ولماذا هم أقوياء (ونحن ضعفاء)؟!

أثارت العلاقة المعقدة، بين الشرق والغرب وبين الماضي والحاضر وبين التراث والمعاصرة وبين الأنا والآخر، تساؤلات وردود أفعال عدة من بينها محاولة تحديث الفقه عن طريق فتح باب الاجتهاد وربط الخطاب الديني بمقتضيات العصر وكذلك محاولات تحديث المجتمع وإدخال بعض عناصر الحضارة المادية إليه.

إن صدمة الحداثة الحضارية والسيكولوجية أحدثت صراعاً وتناشزاً بين فئتين واسعتين أطلق عليهما علي الوردي، «فئة المجددين» و «فئة المحافظين» واحدة دعت إلى الإصلاح والتحديث والأخذ بعناصر الحضارة الغربية المادية والمعنوية، والأخرى تمسكت بالنظام القائم ومؤسساته التقليدية وطالبت بالرجوع إلى الإسلام الأول وقراءته وإعادة إنتاجه من جديد.

نشأت أربعة تيارات رئيسية سيطرت على الساحة آنذاك وهي:

1- التيار الديني التقليدي: أكد ضرورة بقاء الخلافة الإسلامية المستمدة من الشرع والقرآن وضرورة الدفاع عنهما متمسكاً بمقولة طاعة ولي الأمر/السلطان المطلقة على أساس أنها واجب ديني. (الماوردي وابن تيمية)

2- التيار الديني الإصلاحي: الذي نادى بالإصلاح عن طريق إحياء الإسلام والعودة إلى الأصول وتوحيد المسلمين في أمة واحدة لمواجهة الغزو الأوروبي السياسي والثقافي، والطريق إلى إنقاذ الأمة يكون عن طريق الجامعة الإسلامية على شرط الأخذ بأسباب الحضارة ولكن عدم التخلي عن الدين. (الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا)

3- التيار الليبرالي: يمثل مجموعة من القوميين العرب الذين عملوا على إحياء اللغة العربية وآدابها والسعي لإقامة الوحدة على أساس اللغة والأرض والانتماء الاثني على أساس علماني. (ناصيف اليازجي وأحمد فارس الشدياق وبطرس البستاني وجرجي زيدان وقاسم أمين وصدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وغيرهم.)

4- التيار التقدمي: وهو تيار عقلاني نادى بالمبادئ الاشتراكية للتخلص من الاستبداد والتخلف، عن طريق إحياء المعارف والعلوم (عبد الرحمن الكواكبي وشبلي شميل وفرح أنطوان).

وكرد فعل على الاحتكاك مع الغرب صدر كتاب عبد الرحمن الجبرتي (1754 ـ 1822 ) الموسوم «التقديس في زوال دولة الفرنسيس» وسمى الفرنسيين «غزاة أرض الخلافة» وأنها دولة دهرية إلحادية ومارقة عن الدين. ومن جهة أخرى أثار الغرب المتقدم انبهار رافع الطهطاوي (1801-1873) الذي زار فرنسا وغير نظرته إلى الغرب فقال: «عرف الآخر الدنيا فعرف الدين، وعرفت أنا الدين فجهلت الدين والدنيا معاً». كما قال: «لقد وجدت الإسلام في فرنسا ولم أجده في بلاد الإسلام». ودعا إلى نقل العلوم والآداب وتعليم المرأة وغيرها.

أما جمال الدين الأفغاني (1839 - 1897) فقد دعا المسلمين إلى فهم الدين فهماً صحيحاً وإعادة بناء وحدة الأمة وذلك عن طريق قطف ثمار العقل والعلم. مؤكداً أن العلم والإسلام لا يتناقضان. (مجلة العروة الوثقى)

إن ردود الفعل المتناقضة من الغرب أحدثت صراعاً فكرياً انعكس في موقفهم من النهضة وعبر عن انتكاسة الفكر وتخلف المجتمع. فما هي أسباب فشل مشروع النهضة؟!

أولاً– تخلف البنى الفكرية والمجتمعية. فالتربة لم تكن صالحة لنمو الحداثة، فلم يتطور مجتمع صناعي ونظام رأسمالي يراكم الثروة.

ثانياً- غياب العقل النقدي وعدم تحقيق استقلالية العقل وخضوعه لما هو خارج عنه وتجريده من الفاعلية النقدية وكذلك نقده لمرجعتيه. وبذلك عجز عن الوقوف أمام الأيديولوجية السلفية المغلقة في أبعادها الغيبية الأسطورية.

ثالثاً- عدم تحقيق قطيعة مع الماضي، إذ وقفت العادات والتقاليد والأعراف العشائرية حائلاً أمام دخول عناصر الحداثة.

رابعاً- الحرية هي جوهر النهضة وفي مقدمها الحرية الفكرية وتحقيق الاستقلال الذاتي للعقل العربي وجعله عقلاً نقدياً تنويرياً.

خامساً- ضرورة تلازم التحديث المادي مع المعنوي على مستوى التطبيق العملي (تحديث المعرفة والثقافة والتعليم والقيم والسلوك والأخلاق).

اقتحم التحديث بنيات المجتمع التقليدية الراكدة ولكنه مس سطح المجتمع وقشرته الخارجية ولم يدخل في عمقه الداخلي. فالحداثة دخلت من الأبواب الخلفية وليس الأمامية وهو ما أحدث صراعاً اجتماعياً وقيمياً وأخلاقياً. فالعرب أخذوا منجزات الحضارة المادية (السيارة والطائرة والإنترنت والموبايل) دون قيمها ومعاييرها وأفكارها العلمية والتقنية التي صنعتها، في حين بقيت قيمنا وسلوكنا مشدودة إلى القرون الوسطى على رغم أننا نستخدم تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)