الجميلات الثلاث، فوزية شويش السالم (الكويت)، رواية دار العين- القاهرة - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ٢٤ مايو/ أيار ٢٠١٧
جريدة الحياة
لنا عبدالرحمن


«الجميلات الثلاث» في رحلة الشتات والعودة


تمضي الكاتبة فوزية شويش السالم في روايتها «الجميلات الثلاث»- دار العين- القاهرة، في مسار أعمالها الروائية السابقة التي تقارب فيها الزمن من اتجاهات ورؤى عدة، بين الحاضر والأمس البعيد والقريب، وعبر أجيال عدة كما فعلت في روايتيها «مزون»، و «حجر على حجر».

تغطي رواية «الجميلات الثلاث» مساحات تاريخية وجغرافية كبيرة، وتتناول وقائع عدة أوطان وتحولاتها من خلال حيوات الأبطال، من إسطنبول إلى السعودية والكويت، مروراً بالبحرين، بما يتخلل ذلك من مغامرات ومفارقات قدرية تتحكم بالمنعطفات الرئيسة للسرد.

تبدأ الحوادث في الكويت مع الفتاة المراهقة «توناي عثمان» خلال أواخر السبعينات من القرن الماضي، ثم ينتقل السرد في الفصل الثاني إلى البوسفور عام 1913، ويستمر هذا التنقل في الأزمنة على مدار الرواية حتى عام 2016 مع الحديث عن التحولات الجغرافية التي حصلت في الكويت. في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان «البوسفور لا يعبأ بدموعها» يتبدل السرد بين الراوي العليم وعثمان مسترجعاً ماضيه، كاشفاً عن حياته مع أسرته العربية الأصل في إسطنبول، يقول: أغادر لإسطنبول بعمر ثماني سنوات، على عكس والدي جاء إليها بعمر الثامنة مع والده وإخوته الصبيان، كم تشابه مصيرانا وكم اختلفا، كلانا سينتزع من موطنه وحياته ليبذر في مجهول لن تفهم دوافعه لا الآن ولا بعد ذلك».

انطلاقاً من لحظة الرحيل هذه، تبدأ رحلة شتات لأسرة عثمان عبدالقادر، هذا الشتات يتنوع بين الواقعي والنفسي في كيانات الأبطال ويتجلى أكثر مع شخصية الأم «زينب خانم» ابنة قاضي إسطنبول الوحيدة والمدللة التي هجرت مدينتها بحكم ارتباطها مع رجل عربي قرر في لحظة ما العودة إلى صحرائه، ومنذ تلك اللحظة يبدأ شتات زينب ومعاناتها.

في المقابل، تحضر شخصية «توناي» الحفيدة الكويتية التي من المفترض أن تكون أكثر استقراراً على مستوى المكان، إلا أنها تبدو مسربلة بجينات الاغتراب النفسي عن الأماكن كلها، هذا يتجلى في الفصل الأخير مع قرارها زيارة مدينة «حائل»، وما يحدث لديها من تفاعلات نفسية عند عتبات «جبال السمرا» ومدينة «فيد» التاريخية؛ هكذا تستدعي شخصية «زبيدة» زوجة هارون الرشيد عند «درب زبيدة»، كما تستدعي «جيرترود بيل» الجاسوسة الملقبة بالخاتون، وتستحضر روح جدتها «زينب أوغلو». تتداخل دوافع وأغراض هذه الشخصيات الثلاث في داخل توناي مما يجعلها تقف مع ذاتها قائلة: «حين التقينا لم تلتق أهدافنا فلكل منا كان هدف... أنا الآتية وحدي من الكويت لأبحث عن بيت جد والدي، وبيت جدي وآثار جذوري النابتة والنابعة والممتدة من هنا حتى الكويت».

يمكن اعتبار الخريطة الأساسية للعمل هو الزمن؛ فالخريطة هنا ممتدة زمنياً وجغرافياً من تركيا إلى الخليج العربي، والسرد الذي يغطي حيوات الأبطال يغطي أيضاً تمزق الجغرافيا مثل تحطم قطار الشرق، ونكسة 1967، مروراً باحتلال العراق للكويت وأمثلة مفصلية أخرى.

بالترادف مع تشظي الزمن السردي للأمام والوراء، بما يوضح خريطة الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية التي تحضر أيضاً في شخصيات الشيوخ المعلقة على الحائط في بيت عثمان، وهو يحكي لبناته عن أسباب إعجابه بهذه الرموز: (سعود عبدالعزيز آل رشيد، جمال عبد الناصر، عبد السالم الصباح، وآتاتورك)، بما تحمله من دلالات رمزية لكل شخصية وتاريخها، حيث يقول الأب عثمان لابنته توناي: «هؤلاء هم شيوخنا العظماء الكبار يجب أن نصبح عليهم». ومن خلال هذه العبارة يمكن معرفة التكوين الفكري والنفسي لشخصية عثمان، والانعكاس الذي ستتركه آراؤه الحياتية على بناته، تحديداً توناي التي تتولى عملية نبش الماضي واستنطاقه.

يتبادل السرد ثلاثة أصوات، توناي بمراحل عمرية مختلفة، وعثمان والد توناي أيضاً في مراحل زمنية عدة، وراو عليم يكشف الكثير من الحوادث الماضية، وما لا يعرفه الأبطال سواء عن خبايا الحاضر أو عن ما دار في سنوات بعيدة تعود لأوائل القرن العشرين، حكايات تتعلق بالقبائل العربية، بالتحالفات والخصومات، بالنفوذ الأجنبي ووصوله إلى الشرق وتغلغله فيه.

يحيل عنوان «الجميلات الثلاث» لرموز أخرى في السرد، كما في مسرحية الملك لير، التي تذكرها البطلة في معرض حديثها عن أختيها... لكن مجرد حضور فكرة ثلاث نساء شقيقات يدفع للذهن تيمة تتعلق بالمرويات التراثية العالمية في حكايات الأطفال أيضاً... مع أن الأختين لا تحضران إلا بشكل طفيف جداً والسرد يظل من عدسة توناي.

يستدعي الفصل الذي غادر فيه عثمان السعودية ووصل إلى البحرين مغامرات الأبطال في «ألف ليلة وليلة»، هذا ينطبق أيضاً على فصل لقائه مع زوجته القوقازية شيرين، حياتها المبتورة ثم موتها في ريعان الشباب، وكأن ظهورها في حياته واختفاءها ليسا أكثر من حدثين سحريين غامضين، مما أدى لتعدد مستويات اللغة في السرد وفق المستوى العمري للرواة، فاللغة حينما تتكلم توناي في عمر الخامسة عشرة تختلف تماماً عن سنوات الصبا أو في سن النضوج، حيث يتدرج مستوى اللغة ويرتفع وفق نضج الشخصية، هذا ينطبق على عثمان أيضاً.

تقدم الكاتبة من خلال شخصة توناي واقع المرأة في سبعينات القرن الماضي. توناي مولعة بالقراءة لكنها تواجه تزمتاً في المدرسة لأنها تقرأ شعر «امرئ القيس»، ثم حين ترغب في دراسة الفنون الجميلة في إيطاليا لم تتمكن من تحقيق حلمها بسبب التقاليد العائلية التي تمنع الفتيات من السفر بمفردهن. لكن يمكن اعتبار «الجميلات الثلاث» أيضاً مقاربة للسيرة الذاتية رغم ابتعاد النص عن وجود دلالات السيرة، إلا أن الكاتبة تذكر في ص 218 عنوان رواية لها وهي تحكي عن التحولات المكانية تقول: «ابنته الكبرى ستحتفظ بصورة السالمية، خزان ذاكرة طفولتها سيضم نيجاتيف صورها»، حتى وإن غابت ومحيت أصولها. ستعيد بث حياة ماضيها مجدداً. ستكتبها مثلما اختزلتها ذاكرتها في روايتها «الشمس مذبوحة والليل محبوس».

لذا يمكن اعتبار «الجميلات الثلاث» رواية تمكنت من الدمج بشكل مشوق بين أكثر من مضمون حكائي بالتوازي مع تنوع في الأساليب السردية، حيث التاريخ يتجاور مع السيرة، والماضي يتداخل مع اللحظة الآنية سواء في تأمل الأماكن التي تخزن الأسرار ومحاولة استنطاقها، أو في مراجعة الذات والبحث عن طبيعة العلائق التي تسيرها. ولعل هذا الانفتاح السردي المكاني والزماني يحفز القارئ على مراجعة علاقته مع التساؤلات التي تتعلق بالجذور والهوية، باللهجات والكلمات، بالأصول والحداثة، بالأمس والغد والحاضر الممتد بينهما، بحثاً عن أرض ثابتة قد تتجلى في الفن، في الكتابة، كما حدث مع «توناي»، في العثور على هويتها الحقيقية عبر استنطاق الماضي تخيلياً، والتماهي مع الكتابة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)