التهديدات والأضرار التي تنتج من العواصف الرملية والغبارية

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ١ فبراير/ شباط ٢٠١٨
جريدة الحياة
بيروت - «البيئة والتنمية»


خسائر المنطقة العربية 13 بليون دولار سنوياً


اجتاحت سلسلة من العواصف الرملية الهائلة مقاطعة ريغان في جنوب شرق إيران سنة 2016، فغطّت 16 قرية، وألحقت أضراراً بالثروة الزراعية والحيوانية بلغت قيمتها 9 ملايين دولار. وبعد أشهر، غلّفت سحبٌ من الرمل والغبار إمارة أبو ظبي، فانخفض مجال الرؤية حتى 500 متر، وارتفع عدد المرضى الذين دخلوا المستشفيات بسبب الربو بمقدار 20 في المئة. وكانت عاصفة غبارية عنيفة ضربت مناطق واسعة من بلاد الشام سنة 2015، بلغت أشدها في مناطق شمال شرق سورية، حيث انعدمت الرؤية وتوقفت حركة السير في كل من الحسكة ودير الزور.

هذه أمثلة عن التهديدات والأضرار التي تنتج من العواصف الرملية والغبارية التي تتشكل من تأثير الرياح الهائجة القوية في الأراضي الجافة وشبه الجافة، فتعمل على حت الصخور وتآكل حبيبات الرمل والطمي، وتنقلها على مقربة من الأرض، ثم تعصف بالجزيئات الناعمة إلى مسافات أبعد وعلى مستويات أعلى في الغلاف الجوي. وكان تقرير صدر مؤخراً عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة وضع العواصف الرملية والغبارية ضمن أبرز التحديات البيئية المستجدة.

وتعد الصحراء الكبرى والشرق الأوسط من أهم المناطق التي تنشأ فيها العواصف الترابية والرملية في العالم. وهي تشهد زيادة ملحوظة في التعرية الريحية والعواصف المرتبطة بها، بخاصة في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية وشرق البحر المتوسط وجنوب بلاد الرافدين. وفي كثير من الحالات، كانت زيادة تواتر وشدة هذه العواصف نتيجة للأنشطة البشرية التي تشمل خلخلة سطح التربة والتصحر وتدهور الأراضي، إلى جانب التغير المناخي.

يمكن العواصف الغبارية أن تسافر آلاف الكيلومترات عبر القارات والمحيطات، حاملةً معها الملوثات والعناصر المعدنية والعضوية الدقيقة. فالغبار الذي يتشكل في الصحراء الكبرى يصل غرباً إلى الأميركتين، وشمالاً إلى أوروبا، وشرقاً إلى الصين. كما أن العواصف التي تهبّ في وسط آسيا والصين تحمل الغبار معها إلى شبه الجزيرة الكورية واليابان وجزر المحيط الهادئ وأميركا الشمالية، حتى أن عمود غبار تشكل في الصين سنة 1990 سافر باتجاه الشرق في رحلة تزيد عن 20 ألف كيلومتر، ووصل إلى جبال الألب في أوروبا في غضون أسبوعين.

مخصّبات وملوّثات

يلعب الغبار دوراً مهماً في العمليات الكيميائية الحيوية في أغلب أنحاء الأرض. فالتربة التي تذروها الرياح إلى مسافات بعيدة ذات خصوبة مرتفعة للغاية. ويوجد أوسع انتشار للتربة الخصبة من هذا النوع في شمال الصين ضمن وادي النهر الأصفر، كما توجد في أماكن كثيرة شمال فرنسا، وكذلك في مناطق محدودة جنوب إنكلترا.

ويحتوي الغبار على مواد معدنية مغذية مثل الحديد وعناصر أخرى تحتاجها النظم البيئية البرية والبحرية. الغابات المطرية في هاواي تتلقى المواد المغذية من الغبار الذي تحمله الرياح القادمة من آسيا الوسطى، كما يوفر غبار الصحراء الكبرى الإضافات الفوسفورية التي توازن ما تفقده غابة الأمازون المطرية نتيجة جريان الأنهار. وتستفيد العوالق النباتية في البحر المتوسط من المعادن والمغذيات التي تنقلها رياح الصحراء الآتية من شمال ليبيا، ويُخشى أن يؤثر الجفاف المتزايد لطبقات التربة العليا في حوض البحر المتوسط في نظامه الحيوي الذي تشكل العوالق قاعدة هرمه الغذائي.

وفي المقابل، يحمل الغبار القادم من آسيا وأفريقيا كميات ضخمة من الملوثات الكيميائية والميكروبية، التي تؤثر سلباً في النظم الإيكولوجية في الأميركتين والكاريبي وشمال المحيط الهادئ. وتقترح دراسة نُشرت في دورية «بيوساينس» قبل سنوات أن تكون العوامل الممرضة التي تنتقل مع الغبار سبباً في الانتشار الواسع لبعض الأمراض التي تصيب الشعاب المرجانية وموائلها.

وبالنسبة الى البشر، يمكن أن يؤدي استنشاق جزيئات الغبار الدقيقة، مع ما تحمله من ملوثات وبكتيريا وفطريات، إلى الإصابة بالربو الذي يتسبب عند تفاقمه بحصول أمراض تنفسية خطيرة. ومن مشاكل الغبار الشائعة التهاب العين وتهيج الجلد. وفي بلدان الساحل الأفريقي، ترتبط كميات الغبار القادمة من الصحراء الكبرى بتفشي التهاب السحايا. وتساهم العواصف الغبارية في تردي نوعية الهواء، علماً أن منظمة الصحة العالمية تقدر أن سبعة ملايين شخص يموتون سنوياً نتيجة تلوث الهواء.

ولا يقتصر ضرر الغبار على آثاره الصحية. فالعواصف الغبارية تتسبب في حصول خسائر اقتصادية واسعة. على المدى القصير، تشمل الخسائر أمراض الماشية ونفوقها، وتلف المحاصيل، والأضرار التي تلحق المباني والبنى التحتية وتعطل وسائط النقل، وتكاليف ترحيل أطنان الرمال المترسبة. أما على المدى الطويل، فهي تتضمن تعرية التربة وتلوث النظم الإيكولوجية والتصحر، إلى جانب تكاليف العلاج الصحي وخسارة اليد العاملة. وتقدّر إحصائية نشرتها الأمم المتحدة في سنة 2016 أن الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية يخسر نحو 13 بليون دولار كل سنة، نتيجة العواصف الغبارية.

الحلقة المغلقة للجفاف والغبار

تعزى العواصف الرملية والغبارية إلى أسباب عدة، منها العوامل الطبيعية المرتبطة بوجود الصحارى والمناطق الجرداء، ومنها الأنشطة البشرية التي تعد مسؤولة عن نحو 25 في المئة من انبعاث الغبار العالمي. وتتضمن الأنشطة البشرية تغيّر استخدامات الأراضي، وما يتصل بها من استنزاف المياه الجوفية وتحويل المياه السطحية لأغراض الري، وكذلك تجفيف المسطحات المائية وإزالة الغابات وتراجع خصوبة الأراضي الزراعية، ما يعرض التربة للتعرية بفعل الرياح.

وتُظهر محاكاة حاسوبية، نشرت نتائجها في سنة 2010، أن انبعاث الغبار عالمياً ازداد ما بين 25 إلى 50 في المئة اعتباراً من سنة 1900 لأسباب مجتمعة، أهمها تغير استخدام الأراضي وتغير المناخ. ويقترح الدكتور فاروق الباز، في مقال نشرته مجلة «البيئة والتنمية» عام 2002، أن الأعمال الحربية إلى جانب الجفاف تساهم في زيادة العواصف الترابية في منطقة الخليج، حيث تؤدي حركة الآليات الكثيفة إلى تعرية سطح الصحراء من طبقة الصلبوخ (الحصباء) تاركةً حبيبات التربة الناعمة عرضةً لعصف الرياح.

وتوجد العديد من الأمثلة الصريحة عن الدور البشري في زيادة العواصف الغبارية، إذ أدت مشاريع تحويل المياه في لوس أنجلوس سنة 1913 إلى جفاف بحيرة أوينز، فأصبحت تشكّل مصدراً للغبار في كاليفورنيا. ونتيجةً لرعي الماشية غير المستدام في بتاغونيا جنوب الأرجنتين، صارت المنطقة جرداء تهب منها العواصف الغبارية. وكذلك أصبح حوض الغانج الهندي مصدراً رئيسياً للغبار في جنوب أفريقيا بسبب الأنشطة الزراعية الكثيفة.

وفي وسط آسيا، كان للمشاريع الزراعية الضخمة التي استنزفت مياه نهري سيرداريا وأموداريا دور حاسم في انحسار المياه في أغلب بحر آرال. ومع جفاف المنطقة، التي كانت تصب فيها المنصرفات الزراعية بما تحويه من مخلفات الأسمدة ومبيدات الآفات، تحولت مساحات شاسعة في حوض البحر إلى مصدر نشط للغبار الخطير على الصحة العامة.

كما أن قلة الموارد المائية في الأهوار والمسطحات المائية الممتدة بين العراق وإيران، والتي تعرضت للجفاف خلال السنوات الأخيرة لعدة أسباب، أهمها السياسات المتبعة في بناء السدود على طول نهري الفرات ودجلة واستنزاف المياه والدورات الزراعية الخاطئة، ساهمت في زيادة العواصف الترابية في المنطقة. وكانت الحكومة العراقية أحصت 122 عاصفة ترابية و283 يوماً غبارياً في سنة واحدة.

إن المناطق الجافة التي تنشأ فيها العواصف الرملية والغبارية تتعرض حالياً لمزيد من الجفاف، بفعل الأنشطة البشرية وتغير المناخ. وسيساهم ذلك في مزيد من الغبار في الجو. وبدوره، يؤثر الغبار المتزايد في منظومة المناخ، ويعزز حدة الجفاف في المناطق القاحلة. ومن جانب آخر، يمكن الغبار أن يساهم في زيادة فرص هطول الأمطار في المناطق التي تكثر فيها السحب.

وبالتالي، ترتبط العواصف الرملية والغبارية بمجموعة من القضايا البيئية والتنموية التي تمتد عبر الحدود الوطنية والإقليمية والقارية. وعلى رغم أن التغير المناخي سيفاقم مشاكل الإدارة غير المستدامة للأراضي ومصادر المياه في مناطق تولد العواصف الرملية والغبارية، إلا أنه بالإمكان تقليص هذا التهديد من خلال التعاون بين الدول واتخاذ إجراءات سريعة وفعالة.

جدران خضراء لوقف الرمال

لمواجهة أخطار العواصف الرملية والغبارية، يجب أن تنصب الجهود على السياسات الوقائية، مثل نظم الإنذار المبكر وإجراءات الحد من الكوارث، إلى جانب التوعية العامة وتعزيز خدمات الطوارئ في المستشفيات. ولا بد أن يشمل التأهب توفير الوقاية من طريق زرع الأشجار أو نصب الحواجز في اتجاه الرياح لحماية المناطق المأهولة بالسكان.

وعلى المدى البعيد، يجب أن ينصب الاهتمام على الاستراتيجيات التي تعزز الإدارة المستدامة للأراضي والمياه في سائر البيئات الطبيعية، بما فيها الأراضي الزراعية والمراعي والصحارى والمناطق الحضرية. وتبقى هذه الاستراتيجيات قاصرة ما لم تتكامل مع تدابير التكيّف مع التغير المناخي وتلطيف آثاره، إلى جانب الحفاظ على التنوع الحيوي والموائل الطبيعية.

وكانت الصين طبقت منذ سنة 1978 برنامج «السور الأخضر العظيم» في شمال البلاد لمواجهة مشكلة تعرية التربة، التي تسبب فيضانات وعواصف غبارية نتيجة استغلال الموارد الطبيعية بطريقة غير مستدامة. ويُظهر تقييم البرنامج الصيني وجود تحسن ملحوظ في مؤشر الغطاء النباتي، حيث بلغ عدد الأشجار المزروعة نحو 66 بليون شجرة على طول 4500 كيلومتر، ساهمت إلى حد بعيد في خفض شدة العواصف الغبارية.

كذلك تلقى مبادرة الجدار الأخضر العظيم في أفريقيا نجاحاً من خلال العمل على المستويين المحلي والمجتمعي. وكانت المبادرة انتقلت من رؤية تتعلق بزراعة الأشجار إلى التركيز على التنمية المستدامة الأوسع نطاقاً. وفي السنغال شملت المبادرة زراعة 12 مليون شجرة محلية لا تحتاج إلى الري ضمن مساحة بلغت 400 كيلومتر مربع، ما ساهم في تحسين النظام الإيكولوجي من خلال زيادة كثافة النباتات وأعداد الحيوانات. وتقوم المجتمعات المحلية في موريتانيا وتشاد والنيجر وإثيوبيا ونيجيريا بزراعة البساتين الصغيرة على هامش الأراضي الجافة، ما يوفر فرص العمل للشباب ويدفعهم لرفض الهجرة والارتباط بالأرض.

أما على المستوى الدولي، فترتبط مواجهة أخطار العواصف الرملية والغبارية بالإجراءات الموصى بها لاحتواء تدهور الأراضي (اتفاقية مكافحة التصحر) والحفاظ على التنوع الحيوي البري (اتفاقية التنوع البيولوجي) والحد من انبعاث غازات الدفيئة (الاتفاقية الإطارية في شأن التغير المناخي). وهي تتصل بأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، لاسيما تلك المتعلقة بسلامة الأراضي والموارد المائية وإدارتها.

وفي إطار الجهود الدولية لمواجهة مشكلة العواصف الرملية والغبارية، اعتمدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية نظاماً للتقييم والإنذار المبكر يعزز قدرة البلدان على وضع تنبؤات دقيقة بالعواصف وتقديم معلومات وافية للمواطنين.

كما تعمل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) على تشجيع الزراعة التي تحفظ الموارد في المناطق القاحلة. وحيث إن الزراعة مسؤولة عن 70 في المئة من جميع عمليات استخراج المياه العذبة، فإن انتهاج أفضل الممارسات في استخدام المياه يحول دون شح المياه والتصحر، ويحد بالتالي من تشكل العواصف الرملية والغبارية.

وتبقى هناك حاجة إلى تحسين التكامل الدولي وتنسيق البحوث من أجل تعزيز المعارف حول العلاقة بين الغبار والعمليات الكيميائية الحيوية العالمية والمنظومات المناخية. ويعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة على تطوير آلية تحسين أساليب الرصد والتنبؤ ونظم الإنذار المبكر، وتقييم التكاليف الاقتصادية والإجراءات التخفيفية ذات الصلة، وتحسين فاعلية الإجراءات خلال مراحل مواجهة العواصف الرملية والغبارية.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)