البدوي الصغير، مقبول العلوي (السعودية)، رواية دار الساقي - 2016

, بقلم محمد بكري


 ’البدوي الصغير’ رواية الخروج من العزلة إلى العالم الكبير


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 02-04-2016، العدد : 10233، ص(16)
الصفحة : ثقافة
العرب - بيروت


تتجلى مظاهر الحياة في القرية في العديد من الأعمال الروائية، وكثيرا ما شكل هذا العالم الصغير محور دراسة وتوثيق، لما فيه من خصوصيات، تظل منغلقة على نفسها، نتيجة لطبيعة الإنسان القروي. وتظل القرى السعودية التي اكتشف فيها النفط الأشهر على اعتبار أنها شهدت تحولات عديدة، هذه المتغيرات رصدتها كتابات تناولت حالة الخروج من العزلة إلى الانفتاح على الآخر وما شهدتها من مخاض عسير أثر، وبشكل كبير، في طبيعة الإنسان القروي، ومست عاداته وتقاليده، بعد أن اقتحم خلوته الذهب الأسود.

يرسم الروائي والقاص السعودي مقبول العلوي للقارئ في روايته الأحدث “البدوي الصغير”، وبسردية دافئة جذابة، عالما صغيرا من الواقع وما طرأ عليه من تطورات سلبية وإيجابية جعلته يخرج من عزلة سابقة إلى عالم كبير حاليا.

وفي هذا الخروج، على الرغم من سمات التقدم والرقي التي يتميز بها، قدر كبير من الألم الناتج عن وداع عالم زمن الطفولة والشباب في شبه انسلاخ سريع موجع يجعل من الذكريات مصدرا ذا محتوى متناقض يجمع بين الحنين واللذة والألم والشعور بالفقد.

تتناول أحداث الرواية، الصادرة عن دار الساقي، ببيروت، فترة لم يكن النفط فيها قد اكتشف في تلك المنطقة التي تقع فيها القرية وتمتد الحقبة من ستينات القرن العشرين إلى ثمانيناته وتحديدا إلى سنة 1983، وما شهده عالم القرية والعالم المحيط به من تغيرات مادية وبشرية إنسانية في تلك الحقبة.

قرية منسية

مسرح رواية “البدوي الصغير”، الواقعة في 207 صفحات من القطع المتوسط، هو قرية سعودية شبه مجهولة كل ما نعرف عن اسمها أن الكاتب أطلق عليها اسم قرية سعدون. وسعدون هو إحدى شخصيات الرواية ووالد غسان وهو الراوي في هذا العمل.

يقول الراوي عن قرية سعدون “في فترة الستينات والسبعينات الميلادية كانت قريتنا نسيا منسيا، شيئا لا قيمة له مثلها مثل المئات من القرى الأخرى الواقعة على الأطراف والبعيدة عن المراكز الحضرية على امتداد خارطة البلاد، لكن الأمر تغير بعد أن جاء هؤلاء الرجال ذوو الشعر الأشقر والعيون الزرقاء عندما قيل إن الصحراء التي تحيط بنا من كل الجهات تقف على كميات هائلة من البترول”.

ويتابع “كان المستر ديكان من بين هؤلاء الرجال وسرعان ما ربطته صداقة قوية بسعدون الذي كان يشتري له الليرات (الفرنسية) من البدو بثمن بخس لقاء الحصول على جهاز جرامافون وأسطوانات المغني الأميركي ألفيس بريسلي. حين ذهب غسان ليتلقى دروسا في اللغة الإنكليزية على يد نادين زوجة مدرسه، لم يكن يعلم أنه سيهيم عشقا بأجنيثا فلتسكوج مغنية فرقة (آبا) السويدية وأنه سيطاردها طول حياته”.

تبدأ الرواية بفصل بعنوان “المستر ديكان” وفيه يتحدث الكاتب عن ذلك الأميركي الذي عُيّن مسؤولا عن البعثة التي ستقوم بالحفر بحثا عن النفط في القرية. وغزت القرية الحفارات الكبيرة والشاحنات والآليات الضخمة وأنماط جديدة من الطعام والشراب وغيرها.

والواقع أن القصة هي قصة القرية نفسها. هذا العالم الصغير. ومن خلال قصص عن سائر الشخصيات كان يرسم عالم القرية والتطورات التي طرأت عليه.

سعدون هو صاحب “الدكان” الرئيسي في القرية وواحد من شخصياتها الأساسية. كان عالم القرية يتحرك ببطء شديد إلى أن جاء ذوو الشعر الأشقر والعيون الزرقاء بحثا عن “الذهب الأسود”.

وتحت عنوان “أشقر” كتب العلوي يقول “أطلق سعدون على المستر ديكان لقب صنقول. والصنقول كلمة محورة من كلمة صنقل والصنقل تعني باللهجة العامية في شريط تهامة الساحلي سوار الساعة المعدني ذهبي اللون الذي كان يشكل موضة رائجة للساعات الرجالية في فترة الستينات والسبعينات الميلادية من القرن الماضي”.

عالم متغير

يروي لنا الكاتب السعودي مقبول العلوي التغيرات التي طرأت على حياة سعدون بعد هدايا المستر ديكان التي كانت بينها أيضا هدية “سرية” هي خمسة أعداد من مجلة “بلاي بوي” الإباحية الأميركية الشهيرة.

أما غسان ابن سعدون، فإن معلمة اللغة الإنكليزية الحسناء ذات العشرين ربيعا وزوجة أستاذه التي يكبرها بأربعين سنة، فقد فتحت أمامه وهو الذي يعشق الموسيقى والغناء عبر الراديو وبعض المجلات عالما من الروعة وجعلت الموسيقى هدفا يعيش من أجله. وبعد علاقة بريئة بينه وبينها اقتصرت على صداقة كان كل منهما ينفس فيها عن وحشة هذا العالم الخشن، سافرت مع زوجها وهي شامية وهو فلسطيني دون رجعة. يحدثنا الكاتب عن خليل الوزير أو أبي جهاد وصلاح خلف أو أبي إياد وكيف قاما بالتدريس في هذا العالم النائي لمدة قصيرة جدا.

يختم غسان الرواية وهو يصف العالم الذي تغير وتغيرت معه قرية سعدون وامّحت ذكريات أهلها ويقول إنه وصل إلى الخمسين من عمره “أبهذه السرعة تطير الأعمار. خمسون سنة مرت قضيت جلها في مطاردة أخبار فرقة غنائية. فات الكثير من عمري وأنا أطارد سرابا يدعى أجنيثا فلتكسوج. سراب نعم سراب. كل شيء غير حقيقي وزائف حتى رغبتي في الإمساك باللحظات الهاربة من حياتي وذكرياتي”.

وتبقى هذه الرواية، بأحداثها، وملامحها شبيهة بأشهر الأعمال التي تناولت تحول الحياة البدوية من نمط بسيط إلى نمط معقد، وهي خماسية “مدن الملح”، للروائي السعودي الراحل عبدالرحمن منيف، التي سلطت الضوء على تبدّل الحياة في السعودية من حضارة ماء وترحال إلى حضارة نفط، وما ترتب عنه من متغيرات بعد اكتشاف الذهب الأسود.

ومقبول العلوي، قاص وروائي سعودي (45 عاما)، يعمل مدرسا للتربية الفنية، صدرت له مؤخرا رواية “زرياب” عن دار الساقي (2014). وصلت روايته “فتنة جدة” (2010) إلى اللائحة الطويلة لجائزة “البوكر”، فضلا عن روايته “سنوات الحب والخطيئة” (2011) التي ترشحت لجائزة الرواية السعودية عام 2012، يكتب في الصحف السعودية المحلية.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر



 الرواية أرض شهلا العجيلي ووطنها


جريدة الحياة


الأربعاء، ٦ أبريل/ نيسان ٢٠١٦
جريدة الحياة
لندن - مودي بيطار


يبدو الروائي السعودي الشاب مقبول العلوي كأنه يوازي بين نمو قرية وطقوس البلوغ لدى أحد أبنائها في رواية «البدوي الصغير» الصادرة عن دار الساقي، بيروت، لكنّ الكاتب السعودي يكتفي بتفصيل التفتّح الحضاري لحيّز مكاني ضيّق، ويبقي بطله أسير تخييل مراهق. يقابل الانفتاح على الآخر المختلف ثقافة وديناً، والخلاص الذي يوحيه، موقف بدائي أخلاقياً من المرأة يجعلها طريدة وموضوعاً مقبولاً لحب المحارم. الراوي يؤجّل التهام عروسه ويحلم بلقاء ضارٍ (الصفحة 155)، والمعلّم عبدالجليل، المربّي افتراضاً ولقباً، يقوّي حجّته لدى طلب شابة تصغره بعشرين عاماً بالقول لخالتها المفترض بها حمايتها إنها ستكون زوجته وابنته في آن (الصفحة 105).

يورد العلوي محطات من تاريخ قريته المعزولة في وادي الحلى، ومجيء منقبّين أجانب عن النفط ساهموا في تغييرها جغرافياً وثقافياً. بنوا هضبة لحمايتها من السيول، وحفروا بئراً لمياه الشرب، وعرّفوها إلى مولّد الكهرباء. قدّم مستر ديكان الأشقر الرياضي الذي مارس الركض والتصوير صورة أخرى أثارت الفضول عن حضارة أخرى خصوصاً لسعدون، صاحب الدكان. أهداه بضعة أعداد من مجلة بلاي بوي، فأغلق متجره ليحدّق في صور النساء اللواتي كن هنّ «الحريم وإلا فلا»، ويحصرهنّ بأميركا وحدها التي باتت زيارتها لا تحتمل التأجيل لكي يلمس بكل حواسه هذه الأجساد المثيرة (الصفحتان 29 و30). بقيت المجلات فتحاً في عالمه الضيق البسيط، وباعثاً على الخروج إلى العالم إلى أن أعادته سميرة توفيق مراهقاً بدوياً وأضحوكة رجال القرية قبل أن يراها بين ذراعَي البطل في «بدوية في لندن» ويصاب باكتئاب.

كان مستر ديكان أيضاً مثالاً للمستعمر النهّاب بشرائه الريالات الفضية النمسوية «الفرانسية» القديمة والمصوغات التقليدية بسعر بخس مقابل غراموفون وخمس إسطوانات لإلفيس برسلي، ابن مدينته ممفيس، هدية لسعدون. فتح الراديو العالم لأهل القرية الذين تجمعوا في دكان سعدون ليتابعوا الأخبار والتمثيليات والأغاني، واستفاد التاجر الصغير من تعامله مع ديكان فبنى بيوتاً حديثة تحوي حمامات أجرّها لاحقاً للمعلمين العرب الذين كان خليل الوزير «أبو جهاد» بينهم. يمتنّ الراوي لهؤلاء «الغرباء» الذين بدأت معهم شعلة التنوير تضيء ظلمة الجهل في القرية (الصفحة 65)، ويتعرّف إلى غريبة أخرى أضاءت حياته وربما غيّرتها.

كانت نادين، زوجة المعلم عبدالجليل، في العشرين، شقراء زرقاء العينين رائعة الجمال. ثمة شيء ناقص في رسم العلاقة بينهما، فمع أنه كان في الثامنة عشرة، وفي عزّ تفتّحه الجسدي، يُسمح لهما بالاختلاء لتلقّنه الإنكليزية. عرّفته إلى فرقة «أبا» السويدية، ففتنته موسيقاها، وأحبّ أغنيثا، إحدى المغنيتين، من النظرة الأولى. ثمة استبدال وتشوّش في تناول العلاقة مع نادين التي بدت الشقيقة التوأم لأغنيثا، ولقّبته «البدوي الصغير». يحكي عن شهرين من الارتباك اللذيذ و»الأحلام التي تصيبني برعشة» مع نادين (الصفحة 94) وعلى رغم المفردات الجنسية والأيحاء ينفي العلاقة بينهما أو الرغبة فيها. في تضامن نسائي نادر تحاول والدته حماية الشابة من ابنها «الذئب». على أنه يغيب مراراً عن المدرسة خلال فترة الدروس التي يستمعان فيها إلى أغاني «أبا» ويشعر بالقهر يأكله حين يقترب موعد مغادرتها القرية نهائياً.

تحوّل المحاذير الاجتماعية المرأة بين يديه حلماً كالمغنية السويدية، وليست صدفة تلازم مغادرة نادين القرية وتوقف «أبا» عن الغناء، كأن الأولى استحضار للثانية التي هي وهم أيضاً. يعيد ابتكار نفسه بعد الرسوب المدرسي، وتشكّل أغاني أبا وإلفيس برسلي ملاذاً من عالم القرية الجديد الزائف «غير المفهوم» بعد ظهور الإسلاميين فيها، فيقرّر هجرها إلى جامعة جدة بعد نجاحه بتفوق. يدرس الصحافة، ويلفت أستاذاً بمعرفته الموسيقية ويصحبه في جولاته لتسجيل الفولكلور في البلاد.

تغيب النساء المحليات باستثناء ظهور عابر لوالدة الراوي، مستنكر لسلوك زوجها وابنها. يغيب طفل الراوي أيضاً بعدما كلّف والدته رعايته، ويتسّع المدى المكاني بتحرّره من أي روابط شخصية بعد مأساة عائلية. يعمل في لندن ويقصد أميركا ثم السويد لحضور افتتاح معرض الفرقة التي غيّرت حياته ورؤية «سيدة أحلامي وقارب نجاتي طوال 30 عاماً». أشرف على الخمسين، وكانت أغنيثا في الثالثة والستين. يقرّر ألا يراها ويغادر، ويحس أنه أمضى حياته يطارد سراباً. يلتقي بدلاً منها قرينتها وصورتها الأخرى، نادين التي هاجرت مع زوجها إلى السويد (بالطبع) بعد مغادرتهما القرية. يعرف أنه لم يحبها، لكنه أعجب بها كمثل أعلى، ولم تعنِ له إلا كونها شبيهة المرأة المستحيل أغنيثا.

وردت باكورة العلوي في اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) ونال جوائز محلية. نثره بسيط عادي تشوبه كليشيهات وتصنّع أحياناً، كقوله في الصفحة 75: «نادين صدمة بصرية مفعمة بالتأويلات والخيالات الفضفاضة». ثمة أخطاء لغوية أيضاً كقوله في الصفحة 59: «يعقب ذلك إفطار خفيف».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)