البخور في سلطنة عُمان

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 14-10-2017، العدد : 10781، ص(20)
الصفحة : حياة وتحقيقات
العرب - مسقط


البخور العُماني يفوح برائحة التقاليد


يعتبر البخور في سلطنة عمان أحد المستلزمات الأساسية في مناسبات الأفراح كالأعراس والأعياد والمناسبات الأخرى، كما تحرص النساء أيضا على حرق بخور العود واللبان كل مساء حتى أصبحت الرائحة الزكية شيئا مميزا للبيت العماني ومظهرا من مظاهر الترحيب بالضيوف. ومع تراكم التجارب في صناعة البخور أصبحت هناك أصناف كثيرة بعضها كان معروفا والبعض الآخر ابتكر حديثا وبنفس الأسلوب والطريقة التقليديين للصناعة، لكن ما يهدد الطيب العماني عمليات الغش التي بدأت تتسرب إليه.

عرف البخور والعود والطيب في سلطنة عمان منذ أمد بعيد، فتفنن العمانيون في صناعتها في المنازل لاستخدامها في المناسبات المختلفة خاصة تلك المتعلقة بالأعراس والأفراح المختلفة، قبل أن تكون هذه الصناعة سلعة تباع في الأسواق داخل وخارج البلاد.

واتسعت شهرة البخور والعود العمانيين في الخليج والدول العربية الأخرى، ومع الإقبال المتزايد على هذا المنتوج ظهرت بوادر غش بغاية الربح السهل، ما جعل الخبراء يحذرون من خطر العود والبخور المغشوشين على صحة مستنشقيهما.

وفي السنة الماضية قبضت الشرطة العمانية على مجموعة من العمال الأجانب يصنعون البخور، وبتحليل السلع المحجوزة تبين أن هذه العمالة تستخدم مكونات مغشوشة عبارة عن نشارة الخشب المطحونة إضافة إلى عطور، والبضاعة المحجوزة لا تحتوي على بيانات باللغة العربية مما تعد مخالفة لقانون حماية المستهلك.

وتشتهر محافظة ظفار بإنتاج اللبان بكافة أنواعه وخاماته والذي يعتبر أحد أهم أنواع البخور، ويستخدم في تحضير بعض أنواع العطور والبخور المحليين.

وتعد صناعة العطور والبخور بالطريقة التقليدية إحدى سمات محافظات ومناطق السلطنة وخاصة محافظة ظفار منذ القدم، إذ كانت مصدر دخل للكثير من الأسر التي عملت على تطويرها والارتقاء بها تحقيقا لذائقة الكثير من الناس وعشاق العطر العربي.

وتلقى صناعة العطور والبخور رواجا كبيرا بين المواطنين والزوار، حيث تؤكد المصادر التاريخية بأن ظفار عرفت تجارة البخور منذ العصر الحجري والعصر الحديث حيث كان للبخور الظفاري دور بارز في النشاط التجاري بين المناطق القديمة والحضارات المختلفة.

وقد عرفت المحافظة صناعة أنواع مختلفة من البخور، حيث برعت المرأة العمانية وتفننت في تصنيعه باستخدام أنواع وألوان شتى من العطور والروائح الذكية.

ومع تطور الحياة وإيقاعها، تطورت كذلك أنواع البخور وتعددت أصنافه، ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة تحضر حاجتها من الدخون كما يسمى محليا في ظفار، اختصت بعض النسوة في تجميعه وتحضيره من خلطات عديدة وسميت كل واحدة من هذه الخلطات باسم خاص تعرف به واستخدام خاص أيضا، ومن أشهرها الصندلية وتتكون من الظفور والمسك والعطور وتستخدم بكثرة في تجهيز العرائس، كما نجد بخور القطرة ويتكون من العود والمسك والعطور ويستخدم في تعطير الملابس والمنازل.

ويوجد أيضا بخور يسمى المشحمية ويتكون من سحال العود والمسك والعطور ويستخدم أيضا في تعطير المنازل في المناسبات الخاصة.

وتقول العمانية سعيدة شعبان “تميزت المرأة في محافظة ظفار على وجه الخصوص بصناعة أنواع مختلفة من البخور، وذلك بمزج عدة أصناف من العطور والمسك والهيل وحطب العود ودهن العود وبعض أنواع التوابل. وأصبحت هناك اليوم من تخصصت في تجميعه وتحضيره من خلطات عديدة تحمل كل واحدة منها اسما خاصا تعرف به، كما أدخلت أساليب ومواد جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهي ذات جودة عالية وبعضها باهظ الثمن”.

ويتم اختبار جودة البخور بدوام رائحته ونفوذها، ولذلك يجب اختيار العطور ذات الروائح الأخاذة لأنها العنصر الأساسي الذي يتحكم في جودة البخور.

وتقول سعيدة إنه يوجد العديد من المتخصصات في تصنيع البخور الذي تتراوح قيمته حسب كميته ومكوناته ونوعية المواد العطرية المستخدمة في صناعته، وتعد بعض الوصفات المستخدمة في صناعة البخور وصفات سرية لا يمكن الإفصاح عنها، حيث تتفنن بعض النساء في صناعة البخور ويعرفن جيدا مكوناته ونسب كل منها، ويتم تحضيره من عجينة مكونة من حطب العود والمسك والعنبر، وقد يضاف إليها دهن العود وعدة أنواع من العطور المميزة تخلط معا إلى جانب أنواع يمكن تحضيرها على شكل أقراص مستديرة تستخدم جافة، وأنواع أخرى تكون سائلة، بالإضافة إلى الأنواع العادية من البخور التي تعتمد جودتها على كمية وجودة العطور المستخدمة فيها.

وقد أصبح البخور العماني سلعة اقتصادية هامة وصناعة عمانية خالصة تدر عائدا وافرا على من يمارس هذه الحرفة واستقطبت قطاعا كبيرا من النسوة اللاتي أصبحن يمتلكن أماكن خاصة ببيع البخور في الأسواق التقليدية والمجمعات التجارية التي انتشرت بشكل كبير في سلطنة عمان، كما تقوم بعض النسوة بتسويق بضاعتهن من البخور عن طريق البيع المنزلي حيث يتخذن من بيوتهن مكانا لبيع إنتاجهن والذي غالبا ما يكون على مستوى عال من الجودة.

وتختلف أسعار البخور حسب النوعية المعروضة والتي هي مزيج من عدة أصناف من العطور والمسك والهيل وحطب العود وبعض أنواع التوابل.

وهناك نوعان من البخور، السائل الذي يصنع من خلال وضع خشب العود فى مجموعة مختارة من العطور السائلة غالية الثمن لمدة معينة، ومن أفضل هذه الأنواع القطرة وغيرها من الأسماء.

وهناك البخور الجاف ويتم إعداده بخلط مجموعة من العطور بطريقة معينة، ويتم طحنه بواسطة المكائن الكهربائية ليصبح كالمسحوق ومنه أصناف عدة منها دخون الهيل والمخلطة والأميرات والماس وحافور والمشحمة وكنوز وقشاطية وغيرها، ويمكن تمييز كل نوعية ومدى جودتها بواسطة حرق كمية قليلة في المبخرة.

ويلقى البخور العماني إقبالا كبيرا من قبل الزوار والسياح من داخل السلطنة وخارجها، حيث يعد البخور من أهم الهدايا التي يحرص السياح والوافدون على شرائها من الأسواق العمانية.

مخاطر الغش

يرى خبراء في العطور العربية أن أخطر ما تواجهه صناعة البخور والعود في سلطنة عمان والخليج العربي هو الغش التجاري الذي بدأ يدخل في هذه الصناعة التي لا تحتمل الغش لما يخلفه على صحة الإنسان وخاصة الأطفال.

ويحذر خبراء الصحة من استخدام العود والبخور المغشوشين، لكونهما يتسببان عند حرقهما في إصدار كربون ضار يعتبر من المواد السامة للاستنشاق، كما أكدت مجموعة من الدراسات التي أنجزت لهذا الغرض أن المواد الكيميائية خاصة المغشوشة تحتوي على سموم ومواد سرطانية قد تؤدي إلى عيوب خلقية واضطرابات في الجهاز التنفسي.

وتحذر الدراسات العلمية من مخاطر حرق البخور، وربطت بين هذه العادة وإصابة الأطفال بالربو، وخلصت إلى أن الأطفال الذين يعيشون في منازل اعتاد أصحابها على حرق البخور يكونون أكثر عُرضة للإصابة بالربو الشعبي.

وكثرة استخدام البخور والدخان الناتج عنه خصوصا إذا كان مغشوشا، تهيّج الربو الشعبي وتسبب صعوبة السيطرة على استقرار الربو بالأدوية المعتادة.

وأظهرت النتائج التي نشرتها مجلة “يوروبيان ريسبيراتوري جورنال” الأوروبية المختصة بأمراض الجهاز التنفسي، أن الأطفال الذين يحرق آباؤهم البخور في المنزل معرضون للإصابة بالربو المزمن بنسبة 36 بالمئة أكثر من غيرهم، في حين تبلغ نسبة مَن يتعرضون لصعوبة التنفس أثناء التمرينات الرياضية 64 بالمئة.

والتعرض للبخور والعطور يسبب حدوث احتقان مزمن في الغشاء المخاطي المبطن للجهاز التنفسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإصابة بالالتهابات الفيروسية المتكررة للجهاز التنفسي.

وللخبراء مقاييس كثيرة لمعرفة الجيد من المغشوش، منها أنَّ العود الأصلي لا يدمع العين ولا يؤذيها عندما يحترق، أما المغشوش فثمنه رخيص ويعرف مباشرة بالرائحة الكريهة، وهو ضار جدا للصحة جراء تصاعد مواد كيميائية منه عند الاحتراق.

وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن حرق البخور قد يؤدي إلى أضرار خطيرة عند استخدامه بكميات مفرطة وبشكل مستمر، حيث أن تأثيره يزيد على أثر التدخين أو عادم السيارات في الأماكن المزدحمة والمغلقة.

أنواع الطيب

هناك أنواع عديدة من الطيب والعطر العماني الذي يتم تصنيعه من قبل النسوة في بعض مناطق السلطنة حيث يأتي “الورس″ في مقدمة تلك الأنواع، وهو ينقى ويدق ثم ينخل وينعم ويخلط مع قليل من الزيت قبل أن يدهن به الجسم.

وهناك عطر “السايحة” الذي يتكون من خشب العود والصندل والزعفران والمسك الأسود والعود المصلوح الذي يمزج فيه العود الناعم مع المسك والعنبر الأسود والسكر وماء الورد. ويأتي ماء الورد من ضمن أنواع الطيب العماني الذي يتم تقطيره وصناعته في الجبل الأخضر بمنطقة الداخلية من خلال تكثيف البخار الناتج من الاحتراق داخل إناء الفخار (البرمة).

وبسبب صناعة البخور ازدهرت حرفة صناعة المباخر الفخارية الرائعة، التي يتم إنتاجها بمختلف الأشكال والتصاميم والألوان في محافظة ظفار وغيرها من محافظات السلطنة. وتشكل هذه الحرفة إحدى الصناعات المهمة في التراث العماني الزاخر.

وتهتم السلطنة بالصناعات الحرفية باعتبارها جزءا مهما من الثقافة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية للمجتمع العماني، وأحد أهم الروافد العمانية حيث تقوم الهيئة العامة للصناعات الحرفية بإصدار التراخيص للحرفيين العمانيين المتمثلة في تطوير الموروثات الحرفية العمانية، وفق اللوائح والتشريعات المعتمدة.

ويقول سيف القاسمي المدير التنفيذي لشركة عطور عمانية إن “عطر أمواج أحد أغلى العطور يقوم على مكونات طبيعية حيث يتكون من 120 نوعا من العطور الطبيعية مثل اللبان الفضي من محافظة ظفار وزيت الورد الأحمر وزهرة الصخرة من الجبل الأخضر والزيزفون والليمون من منطقة الباطنة والعنبر من سواحل السلطنة”.

ويضيف أنه تمت إضافة إلى تلك المكونات الكلاسيكية الفريدة من نوعها مجموعة كبيرة من العطور تتمثل في رأس الزهر والياسمين وزهر الزنبق وقلب زهر المر والبتشول وخشب الصندل وقاعدة العنبر والزباد والمسك.

ويوجد في سلطنة عمان حاليا الكثير من الشركات العمانية المتخصصة في إنتاج العطور والكولونيا لتلطيف الجو والجسم كالعطور التي تأتي تحت مسمى طيب وريم، حيث يتم إنتاجها باستخدام مختلف العطور كالعنبر والزعفران والصندل والكيذا والنرجس والعود والياسمين.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)