تراث

الأمير محمد علي في كتابه «الرحلة الشامية»

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٦ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤
جريدة الحياة
أنيس الأبيض


ضمن سلسلة الكتب التي تضمّنت أخبار الرحالة العرب إلى الديار الشامية في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، وقفنا على كتاب الأمير محمد علي «الرحلة الشامية». ونقرأ في مقدمة الكتاب الأسباب التي دفعت صاحبها إلى تنظيم هذه الرحلة بعد ما أمضى حوالى ثلاثين يوماً في جو البلاد الأوروبية، وطاف في حواضرها وقراها، حتى أنّه لم يترك شيئاً من آثارها التاريخية ومعاهدها العلمية ومعالمها الصناعية إلا وزاره.

لقد شدّه الحنين إلى أن يشدّ الرحال إلى دمشق عاصمة بلاد الشام، على رغم المشقّة وعدم توافر وسائل الراحة. لقد تسنى لصاحب الرحلة سماع بعض الأخبار عن بعض الطوائف في تلك البقاع التي تحسن اختيار الخيل وتجيد ركوبها على أتمّ ضروب الفروسية وأكمل خواصها، وأخص هذه الطوائف في هذا المعنى وأشهرهم به «فوارس الدنادشة وأبطال العكاكرة».

تبدأ رحلة الأمير من بورسعيد في 21 ربيع الأول سنة 1328هـ - 1910، باتجاه مدينة بيروت التي وصل إليها يوم السبت في 22 من ربيع الأول.

يصف الأمير الاستقبال الذي أعدّ له في ميناء بيروت من جانب كاتب أسرار الولاية وقومندان الجندرمة ومندوب الحكومة العثمانية لدى شركة السكك الحديد، ثم ناموس متصرف جبل لبنان مع بعض أعيان مدينة بيروت وأعضاء المجلس البلدي فيها، وكان منهم أيضاً «دولة ناظم باشا» الوالي وأركان الولاية وأعيانها الذين استقبلوه في فندق «أوروبا».

ثم ينقلنا إلى زيارة متصرف جبل لبنان يوسف باشا فرانكو. وبعد أن يصف طبيعة الاستقبال الذي خصّه به المتصرف عند مدخل السراي بفرقة من العساكر ومعها موسيقاها، يبدي إعجابه بفرقة العساكر وبارتداء الجند السلط والسراويل، وبأنّهم رجال ضخام الأجسام طوال القامات فهم صفوة الفرسان.

بعد ذلك، ينقلنا إلى القشلاق وفيه مركز «جناب قومندان» الموقع العسكري في حكومة بيروت. ومما لفت نظره في بهوه الكبير ساعة كبيرة تدق «للساعات العربية والإفرنكية» وهي هدية من إمبراطور ألمانيا حينما ساح سياحته في البلاد الشامية وجاء إلى بيروت وتغير منزله في تلك الثكنة حيث أعدّ له مكان خاص فيه مدة وجوده في المدينة.

ينوّه الأمير بزيارة المدرسة الحربية أو كما يصفها بالمدرسة العسكرية الابتدائية، وكان موقعها من المدينة في قسم الباشورة. وهي تحتوي على سبعين تلميذاً تتراوح أعمارهم بين سبع سنين وأربع عشرة سنة. «أما العلوم التي يتدارسونها فهي علوم الجغرافية والهندسة والتاريخ».

ولا ينسى أن يعرّج على زيارة «المدرسة الملكية»، حيث رحّب به بخطاب تركي ألقاه أحد التلاميذ. وبعد تجواله في مدائر المدرسة وزيارة كل أقسامها أثنى الأمير محمد علي على رئيس المدرسة الأستاذ الشيخ أحمد أفندي عباس الذي سعى إلى حض التلاميذ على الاهتمام بالعلم.

ثم يتحدث عن نزهة في ضواحي المدينة، ويخصّ بالذكر غابة كبيرة من شجر الصنوبر «كان قد أمر بغرسها جدنا المرحوم إبراهيم باشا الأكبر».

يورد الأمير أسماء الكثيرين ممن التقاهم في بيروت ومنهم «البلّوني المسكوفي كونت برانتيبيسكي أحد عظماء بلاد روسيا».

ولا ينسى أن يذكر زيارته مجلس بيروت البلدي، إجابة لدعوة رئيس البلدية الذي أعدّ له مأدبة شاي جميلة في حديقة الحرية، وهي في باب سراي الحكومة وكانت تسمى بالحديقة الحميدية منذ عشرين سنة. و «في حضور الوالي ناظم باشا والمتصرف يوسف باشا فرانكو ارتجل الحاج منيح أفندي رمضان خطاباً في غاية الدقة والرزانة، ثم قام حضرة الشيخ أحمد طبارة وألقى كذلك خطبة أشاد فيها بروابط الوداد وعلائق الاتحاد بين الشعبين المصري والشامي».

يبدي الأمير إعجابه بمدينة بيروت، فهي أكبر ميناء في بلاد الشام وعدد سكانها حوالى 150 ألف نسمة، وعدد العسكر فيها يقرب من 1100 جندي منهم 800 من البيادة والطوبجية وحوالى 300 من السواري.

أما مدارس المدينة فكثيرة، إذ تبلغ حوالى مئة مدرسة، للمسيحيين منها سبعون مدرسة، أربعون للبنين وثلاثون للبنات، وللمسلمين ثلاثون مدرسة، خمس وعشرون للذكور، وخمس فقط للإناث. كما أنّ للمسيحيين ما يزيد عن الأربعين كنيسة بينما مساجد المسلمين لا تربو على خمسة وعشرين.

يبدي الأمير إعجابه بمستوى التعليم في مدينة بيروت، ما يسر أنصار العلم وعشاق المعارف ومحبي التقدم والرقي. لهذا، كان يرى أنّ معظم الأهالي يجيدون القراءة والكتابة «وقلّما وجدت مدينة أهلها كذلك في كل بلاد الشام».

أما مطابع بيروت، فإنّها ليست أقل أهمية من مدارسها، وأقدمها الأميركان ثم اليسوعيين ثم مطبعة «حديقة الأخبار». ومما امتازت به هذه المدينة عن سائر مدن الشام أنّها تصدّر كثيراً من مطبوعاتها إلى البلاد الشامية وغيرها من البلاد الأجنبية.

ثم يورد أنه يوجد في المدينة معامل لحل الحرير «الإفرنكي» وللصابون والدباغة والفخار.

السفر إلى دمشق

وتحط هذه الرحلة الشامية بالأمير في دمشق الشام «حيث خفّ لاستقباله روحي بك مدير البوليس وفخر الدين بك مدير الأمور الأجنبية وحسين بك قومندان الدرك وأحمد أفندي الحسيبي وكيل رئيس البلدية».

كما يزور «بعض وجهاء دمشق كسعادة محمد باشا العظم الذي زاره في داره الشامية الأثرية، كما أبدى تقديره لأهل الشام الذين لا يزالون إلى اليوم محافظين على آثار أسلافهم وتاريخ عمائرهم».

ولا ينسى زيارة أسواق دمشق كسوق الحميدية الجديدة وسوق الخوجة وسوق محمد علي فهمي وخانات المدينة، إلا أنّ أقدمها هو خان أسعد باشا وخان سليمان باشا.

كما يشير إلى وجود بعض الأعاجم الذين اتخذوا محال لنقش الأختام، وجماعة كثيرة من الكتاب العموميين يجلسون متفرقين في طول السوق وحولهم زحام من أهل البلد يستكتبون لهم العروض والجوابات.

كما لم ينس الإشارة إلى مدرسة «الظاهر بيبرس» ومكتبة الحكومة التي جمعت عند قبره، واشتهرت في تلك الدائرة بنفائس الأسفار العربية وغرائب الكتب الفنية.

ووصل الأمير في رحلته إلى بعلبك عبر سهل البقاع، وفي محطة رياق خف لاستقباله «سعادة عبدالحميد الدروبي باشا سيد مدينة حمص وقائمقام بعلبك وحضرة مطران بك من أسرة مطران الشهيرة في بلاد الشام ومنها إلى بعلبك التي لا يزيد سكانها آنذاك عن خمسة آلاف ومئتي نفس، جميعهم من طوائف المسيحيين وفيها حامية صغيرة وديران روميان وآخران مارونيان ومدرستان للبنات إحداهما لراهبات القديس يوسف والأخرى للبعثة الإنكليزية، وفيها أيضاً مساجد ومزارات لبعض الأولياء وروضة أنيقة ونبع يسمى برأس العين». وبعد أن يستعرض تاريخ المدينة وأهلها يسهب في الحديث عن قلعة بعلبك وعظمة آثارها.

إلى حمص وحماة

وحط الأمير عصا الترحال في مدينة حمص التي يبلغ عدد سكانها 8 آلاف نسمة منهم ألفان من الروم الأورثوذكس وألف من اللاتين والبقية من طوائف مختلفة.

ومنها انتقل إلى حماة «وفي محطتها عظماء الناس وأكابرهم وكان بعضهم من رؤساء البيوت الكبيرة فيها مثل زعيم أسرة الكيلاني الشهيرة ورئيس أسرة الأزهري التي هي من أضخم الأسر في تلك المدينة». ويسجل عن هذه المدينة كبر مساحتها عن مدينة حمص وسكانها يبلغون حوالى 9 آلاف نسمة، أما المسلمون فيها فهم متمسكون بدينهم تمسكاً شديداً، كما أنهم في غاية الشهامة والشجاعة.

إلى حلب

عند وصوله إلى مدينة حلب «خف لاستقباله فخري باشا الوالي وتوفيق باشا قومندان عسكر الأزدي السابع في ولاية حلب وأسعد باشا جابري وحضرات العلماء والرؤساء الروحيين».

وأبدى الأمير إعجابه بالوالي فخري باشا، وعبر عن ذلك بقوله: «وقد كان عطوفة والي حلب يتدفق علماً ويتوقد فطنة وذكاء». كما أبدى إعجابه بقلعة حلب الواقعة وسط المدينة على تل مرتفع مرصوف بالحجارة، ويقال إنّ الذي بنى هذه القلعة هو سلوقي الذي اختطّ حلب وبناها فهي على هذا عتيقة متوغلة في القدم.

أما سكان حلب فعددهم يقارب الـ200 ألف نسمة، والثلثان من هذا العدد مسلمون والثلث الباقي من طوائف مختلفة. منهم 12 ألف من الروم ومثلهم من اليهود و4 آلاف من الأرمن المتحدين والمارونيين والكاثوليك. ويوجد فيها جمعية بروتستانتية للإنكليز. وفيها مدارس عدة ابتدائية وثانوية بعضها لطائفة الفرنسيسكان، وفيها أيضاً مدرسة للبنات تديرها راهبات القديس يوسف، وأهل المدينة يجيدون اللغة التركية وعدد الإفرنج فيها أكثر من عددهم في مدينة دمشق، ولعل السبب في ذلك هو أنّ حلب بمثابة مستودع لكثير من متاجر الأوروبيين بحكم موقعها الجغرافي. كما سجّل إعجابه ببيوتات المدينة المبنية من حجارة منقوشة مزخرفة لا فرق في ذلك بين طبقاتها العليا وأدوارها السفلى.

إلى طرابلس

قادت هذه الرحلة الأمير إلى مدينة طرابلس، فبدت من معالم المدينة القائمة على شاطئ البحر الروائح التركية التي تفوح من أزاهير الأترج والبرتقال.

وجد في استقباله «جمهوراً عظيماً من فرسان العكاكرة وفي مقدمهم سعادة عمر باشا العكاري باحتفال مهيب وسعادة عاكف بك متصرف مدينة طرابلس في مقدم عدد كبير من رجال الحكومة وأعيان المدينة وعلمائها ووجهائها».

أما طرابلس فهي أحد ألوية ولاية بيروت وعدد سكانها 30 ألف نسمة. ويبلغ عدد المسلمين منهم حوالى 24 ألف نسمة، والبقية من طوائف مختلفة غالبيتهم من الروم الأورثوذكس، ويوجد في المدينة 14 مسجداً ومعبد لليهود و14 كنيسة للمسيحيين لكل مذهب عدد يخصّه.

ثم إنّ للراهبات الفرنسيات ملجأ للأطفال ومدرسة للبنات، وللقسس الأميركيين مركز للتبشير ومدرسة. كما للمسلمين مكتبات جميلة.

ويورد بعض الأرقام عن واردات طرابلس من الأقطان والمصنوعات التي بلغت حوالى عشرة ملايين وسبعمئة ألف فرنك، ويقول إنّ الصادرات من الغلال والصوف والحرير والصابون والإسفنج بلغت تقريباً سبعة ملايين ومئة ألف فرنك. وأهم ما فيها من الصناعات صناعة الحرير التي اشتهرت بها جداً المناطق الحريرية، وكذلك صناعة الصابون.

ويقول إنّ «ضواحي طرابلس خصبة التربة جيدة المعارف وفيها الكثير من شجر الزيتون والبرتقال والليمون وشجر التوت، وهو أكثر من كل المغروسات لتربية دود الحرير. وفيها أيضاً يزرع الدخان الذي لا تزال زراعته تتقدم شيئاً فشيئاً».

أما شوارع المدينة فهي مرصوفة بالحجارة وعليها أقبية وعقود يذكّر منظرها بالقرون الوسطى، وفيها سوق للحرير الذي يصنع بها وعدد كبير من الخانات وأجملها خان الصاغة.

عند عودته إلى بيروت سجّل صاحب الرحلة الشامية زيارة المدرسة الأهلية وكلية الأميركان ومكتبتها المدرسية التي تحتوي الكتب النفيسة وكذلك المتحف الذي توجد فيه مجموعة كبيرة من حيوانات محنّطة مختلفة أنواعها.

كما التقى في الكلية «جناب قنصل أميركا»، كما تحدّث عن زيارة لمعمل «الخواجة خوري السيوفي وهو معمل كبير للمصنوعات الخشبية وحركاته الصناعية تجري كلها بواسطة الأدوات والآلات».

إلى صيدا

من بيروت انتقل الأمير إلى مدينة صيدا «التي يبلغ عدد سكانها 11 ألفاً و500 نسمة منهم 8 آلاف مسلمون و2500 من اللاتين و800 من اليهود و200 من المذهب البروتستانتي. وفيها أسقفان للروم الأورثوذكس وأسقف للمارونيين وفيها مدارس إسلامية بعضها للبنين وبعضها للبنات ومدرسة للإسرائيليين تسمى مدرسة الاتحاد الإسرائيلي. كما أن فيها للبعثة الإنكليزية مدرستين إحداهما للذكور والأخرى للإناث، ولللاتين مدرسة للبنين ولراهبات القديس يوسف مدرسة وملجأ للأيتام وللجيزويت بعثة تبشير وكنيسة ومدارس عدة، كذلك يوجد فيها للمارون وللروم الاتحاديين وللروم الأورثوذكس كنائس ومدارس خاصة».

وأنهى الأمير رحلته الشامية بتسجيل انطباعاته عن الربوع الشامية التي حافظت على القديم من تقاليدها وعوائدها. وأما عوائد الناس وأخلاقهم وأزياؤهم، فإنّها لم تختلف عن حالتها الفطرية إلا قليلاً في بعض الجهات التي يكثر فيها وجود الأجانب كما الشواطئ والمراسي التجارية الشهيرة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)