قراءات - Comptes rendus de lecture

الأشياء ليست في أماكنها، هدى الجهوري (عُمان)، رواية al-Ashyā’ laysat fī amākinihā, al-Juhūrī, Hudá (Oman), Roman

, بقلم محمد بكري

الخميس، 2 شباط/ فبراير 2012
جريدة الحياة
سلمان زين الدين

جريدة الحياة

الروائية العمانية هدى الجهوري تضع أسئلة المجتمع على مائدة المرأة

هدى الجهوري روائية من سلطنة عُمان. في الجملة ما يُفاجئ وما يشد ومع ذلك علينا أن نتخطى تلك الصدمة الجاهزة التي تنطوي على اكتشاف. ذلك لأن رواية الجهوري الأولى «الأشياء ليست في أماكنها» الصادرة ضمن منشورات مجلة «نزوى» تستحق فعلاً أن تقرأ باهتمام عميق. رواية تكشف عن موهبة فذة، مجالها الكتابة باعتبارها حرفة، وعن رغبة عميقة في احتواء معاني الواقع، مجالها الحقيقة باعتبارها مقياساً لفهم ما يجري من حولنا. لن أتوقف طويلاً عند جرأة الكاتبة وهي تتصدى لعقدة متأصلة فينا وفي المجتمعات العربية، الخليجية بالأخص: حرية المرأة. يبدو لي أن الكاتبة قد تخطت تلك العقدة (من غير أن تهملها) إلى ما يقع وراءها: النظام الاجتماعي القائم على أساس التفاوت الطبقي والفئوي، وهو نظام لا يفرق بين البشر على أساس الجنس، بل على أساس المنشأ الطبقي والفئوي.

الروائية العمانية تضرب دائماً عصفوين بحجر واحد.

أمل (بطلتها) التي تقول لها أمها: «لست عبدة يا أمل، ولست حرة بالكامل أيضاً» تسأل خالتها: «ماذا سيحدث حين أقرأ كثيراً يا خالتي؟»

تجيبها الخالة: «ستعثرين على نفسك»

بعد أن شغفت بالكتب وبعالم القراءة لا تقوى أمل على البقاء في القرية وبالأخص بعد أن تقرر أن تفقد بإرادتها عذريتها مع (خلوف) الشاب المنبوذ الذي ينتمي إلى طبقتها من غير أن يتحلى بأخلاقها وتوقها إلى المعرفة، فتذهب إلى المدينة، لتقيم وتعمل هناك وتتماهى مع نمط خاص من العيش. يتبعها محسن، ابن قريتها وموقع ولهها القديم من أجل الدراسة ومن ثم العمل، وهو أيضاً عشيق منى، صديقتها وزوجها في ما بعد. أما منى فإن غرامها القديم بحازم الذي التقت به في أحدى الدورات (خارج عُمان) سرعان ما يستيقظ حين يحل حازم ضيفاً على البلد فيعوضها وجوده عن حرمانها من الزوج المغمور بأحواله العملية وغرامياته السرية التي يعيشها خلسة مع أمل. وحين تقرر منى إنهاء الوضع المزدوج الذي تعيشه مستلبة بين الزوج والعشيق لا تجد أمامها سوى أن تلجأ ليلاً إلى أمل، صديقتها القديمة. تروي لها حكاية تمزقها بصراحة وتعترف لها أنها قررت الذهاب مع حازم وترك عائلتها. غير أن الضربة القاضية تأتي صباح الغد حين ترجع أمل إلى البيت لتخبر منى بأن حازم الذي حدثتها عن إقامته في أحد فنادق البلدة لم يكن موجوداً وما هو إلا اختراع، تقدمت به مخيلتها من أجل أن يكون هروبها من وضعها السكوني الملل واقعياً. «ما من شخص يقيم في فنادق المدينة اسمه حازم» تقول أمل بثقة.

من وجهة نظري فإن المشهد الأخير من الرواية والذي تظهر فيه منى جالسة بين يدي الطبيب النفساني لتعرف ما تعانيه من انفصال نفسي هو مشهد لا معنى له. هو مشهد زائد ألحقته الكاتبة بالرواية لتدافع عن خيال الواقع ليس إلا. في الحقيقة فإن ما عاشته منى مع حازم من الوقائع يكفي للاعتراف بمخيلة روائية رائعة. وكما أرى فإن الروائية نجحت في الدفاع عن بطلتها بطريقة مسالمة. ذكرني كفاح منى بما كابدته أيما بوفاري وهي تسعى إلى الفضيلة عبر انحرافها الشخصي. فشلت منى في مسعاها كما بوفاري، غير أنها لم تكن حتى في فشلها إلا حالمة.

«الأشياء ليست في أماكنها» هي رواية تدعو إلى إعادة النظر في النظام الاجتماعي الذي يقصي المرأة، حرة كانت أم عبدة، من عدالته. تبدو أمل وهي التي صارت بعيدة من كل التزام أخلاقي شبيهة بما انتهت إليه منى (حالمة) وهي تقضي أيامها في غرفة عشيقها حازم. العبدة والحرة سواء حين يتعلق الأمر بالحرية الشخصية.

تتساءل منى: «قل لي هل ثمة ما يسعدني؟ وهل هذه حياة التي نعيش فيها؟ نعيش في بيت واحد، تتلاصق أظهر فراشي أسناننا، وتتجاور مناشفنا، صابونتي تجاور صابونتك، بالقرب من حوض الاستحمام، حذائي بالأسفل يكاد يلتصق بحذائك. وفي الخزانة ملابسي تشم عطر ملابسك. وبخوري يتسرب إلى كمتك ومصرك ودشاديشك، وهنا نتقاسم السرير ذاته، الغطاء ذاته، اللعنة! هل هو هذا الزواج؟ ألا تستطيع أن تشعر بشيء حيالي؟ أتستطيع أن تغضب أو تحب؟ أو أن تفعل أي شيء مختلف؟»

وكما أرى فإن ذلك الشيء المختلف هو سر الرواية. السر الذي من أجله كتبت هذه الرواية.

لم يكن حازم إلا حلماً بالنسبة لمنى. وهو المعنى الذي تحققت من خلاله أمل من أن عشيقها محسن كان موجوداً. لن يكون ذلك انتصاراً للعبدة المرغوبة على الحرة المهجورة. بقدر ما يتحقق من خلاله تخلخل الطبقات حين يتعلق الأمر بالحب والرغبات الجسدية.

كتبت هدى الجهوري رواية هي مزيج من الوقائع والأفكار، يضيع القارئ في متاهتها، فلا يجد متسعاً للفصل بين ما هو واقعي وبين ما هو خيالي. تشده الفكرة ليجد نفسه يسبح وسط وقائع لم تقع، وتسحره الواقعة فيضطر إلى الدفاع عن أفكار هي وليدة صراع، كان حتى تلك اللحظة مرجئاً.

عن موقع جريدة الحياة


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)