اتساع شهرة مارسيل خليفة وفرقته الميادين

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ٨ أبريل/ نيسان ٢٠١٦
جريدة الحياة
وليد محمود عبد الناصر - كاتب مصري


ظاهرة مارسيل خليفة تجاوزت حدود لبنان والعالم العربي


مرَّت أكثر من ثلاثة عقود على المرة الأولى التي شاهدتُ فيها عرضاً حياً للفنان اللبناني مارسيل خليفة وفرقته «الميادين»، وفي كل مرة يكون العرض خارج حدود الوطن العربي، وتحديداً في الغرب بمعناه الثقافي والحضاري، وعلى وجه التحديد في كل من القارة الأوروبية وقارة أميركا الشمالية. ومن وجهة نظري الشخصية المتواضعة، فإنني أصنف مارسيل خليفة باعتباره حالة فريدة وخاصة جداً، أو ما يمكن وصفه بـ «الظاهرة»، علماً بأنني استخدم هنا هذا التعبير ليس بأي مدلول سلبي أو وقتي، بمعنى اعتباره «تقليعة» مثلاً أو صعوداً موقتاً يعقبه خفوت واختفاء. بل أوظف هذا التعبير هنا باعتباره أمراً جديراً بالنظر إليه بقدر كبير من الاهتمام وأيضاً التقدير، وهو بالتأكيد أمر تستحقه تلك «الظاهرة» أياً كان الموقف الفكري أو الأيديولوجي من صاحبها. وفي هذا السياق، يهمني أن أذكر عدداً من الملاحظات، أولها أنه رغم مرور أكثر من أربعة عقود على بدايات شهرة مارسيل خليفة، فإنه لم يفقد رونقه. وبالدرجة نفسها، فإنه لم يفقد جاذبيته الجماهيرية أو ما يمكن أن نطلق عليه بتعبير علوم النفس والاجتماع والسياسة «الكاريزما»، أي درجة القبول الشعبي به من قبل محبيه. ولم يفقد كذلك حماسه، الذي يعكس مدى صلابة إيمانه وعمق اقتناعه بما يؤديه من كلمات وألحان، وما تحتويه من مضمون وما تحمله من رسالة. تيقنه من صدق ما يتغنى به، هو تيقن مدهش وحاسم من منظوره الخاص، ويثير الإعجاب بلا شك، حتى ولو اختلف المرء مع كل أو بعض هذا المضمون أو تلك الرسالة.

أما الملاحظة الثانية، وهي بدورها تتصل بالملاحظة السابقة، فهي أن هناك أجيالاً متتالية من العرب، شيوخاً ورجالاً وشباباً، ونساءً وفتيات، تشاهد وتعجب بالفنان الكبير وتتفاعل معه في شكل إيجابي ونابض وحي على مر الأزمنة المتتالية منذ بروز نجمه، وذلك رغم أن هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن الاختلافات والخلافات، سواء في التركيبة الذهنية أو في الطبائع الشخصية أو في الاهتمامات العامة أو في الميول الثقافية والفنية أو غير ذلك من وجوه تباين بين تلك الأجيال على تعاقبها وتواليها. ويدفع هذا إلى الحديث عن حالة وظاهرة متواصلة وليس عن مجرد ملحن أو مغن أو فنان أو موسيقي عادي. ومن ثم يدفع ذلك إلى الحاجة للتعمق في تحليل وتفسير صعود نجم هذه الظاهرة واستمرارها من دون انقطاع أو تراجع، بل ربما بتزايد، لمدة أربعة عقود أو أكثر.

أما الملاحظة الثالثة، فترتبط بكون شعبية مارسيل خليفة تتخطى حدود وطنه لبنان، وحدود الوطن العربي الكبير، وتشمل، وربما بقوة دفع أكبر، قطاعات واسعة من عرب المهجر، ومرة أخرى بغض النظر عن هوياتهم الأصلية، ومن أي دولة عربية جاءوا. ومدلول هذه الملاحظة هو أن هناك مكونات في الفن الذي يقدمه ذلك الفنان الكبير تجتمع عليها ما يمكن تسميتها بحالة مزاجية عربية مشتركة، أو على الأقل غالبة، والتفسير الوحيد المنطقي لذلك أن هذا الغناء يشبع احتياجاً عاطفياً وذهنياً ونفسياً موجوداً داخل تلك الجموع، التي قد تكون متنوعة البلدان ولكنها في أغلبها موحدة المشاعر العربية والإنسانية الفياضة، التي تحس بتلك الكلمات وبمنهج تلحينها وإلقائها من قبل مارسيل خليفة، وتتعطش مع سماعها لقيم الكرامة والعزة والحرية والعدالة وغيرها.

ومن الطبيعي أن ننتقل الآن إلى تناول الملاحظة الرابعة، وهي ترتبط بالمضمون الذي يغنيه مارسيل خليفة. فهذا المضمون ارتبط في وجدان الكثيرين بفترة زمنية معينة من التاريخ العربي المعاصر، وهي مرحلة حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وبما جسده فن مارسيل خليفة من بناء ما يطلق عليه «فن مقاوم» لتحولات كانت تتحرك في اتجاه معين في منطقتنا العربية خلال تلك الحقبة. وهو موقف كلف الفنان الكثير، بما في ذلك الحرمان من دخول بعض الدول العربية خلال فترات زمنية معينة، ولكنه مكَّنه في المقابل من بناء نوع متميز وخاص به من «الفن الملتزم» بقضايا تخص وطنه لبنان أو تخص مجمل الأمة العربية. كما أنه فن تجاوز الحدود المتعارف عليها لما هو «سياسي» بالمعنى الحرفي للكلمة إلى تناول قضايا تاريخية بإعادة تفسير الأحداث الماضية من منظور جديد يخصه من جهة، ومعالجة قضايا مجتمعية ملحة أو مزمنة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، برؤية مغايرة من جهة أخرى. ورغم أن كثيرين راهنوا على أن هذا المحتوى في أغنيات وفن مارسيل خليفة قد ولى زمنه ومضى عهده، فإن استمرار الإقبال الواسع على حضور حفلاته ينقض هذه المقولة من حيث الجوهر. بل ونذهب خطوة أبعد لنقول إن هذا التجاوب الجماهيري المستمر، بل وأحياناً المتصاعد، مع الفنان وأدائه، يمثل نفياً لهذا الطرح المضاد في الصميم، فيبدو الواقع واضحاً من جهة أن ما يمثله الفنان وفنه يلبي مطالب لم تجد من يشبعها ويعالج قضايا لم تحل بعد ويعيد التذكير بجروح لم تندمل.

وتتصل بالملاحظة السابقة أخرى خامسة تتعلق بأن الفنان الكبير، وبجانب تناول الموضوعات المذكورة في الفقرتين السابقتين، فقد سعى إلى الحفاظ على وإحياء فنون أزمنة سابقة عليه. ومن ذلك، إسهاماته في استلهام الموسيقى والغناء الأندلسي القديم وإعادة تقديمهما، وأحياناً برؤيته الذاتية، بالإضافة إلى تقديم فن بعض الفنانين الذين سبقوه من دون حرج، وذلك مثل حالة فنان الشعب الشيخ سيد درويش، وكذلك أحسن خليفة في توظيف فنه لتقديم ألحان وأغنيات لكلمات شعراء كبار، ويبرز هنا في شكل خاص اسم الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، الذي ارتبط بما يشبه الشراكة الفنية مع مارسيل خليفة، وهو الأمر الذي ساهم في المحافظة على تلك الروائع الشعرية باللغة العربية وترجمتها إلى كلمات يتغنى بها العرب، بغض النظر عن دولهم أو أماكن إقامتهم.

أما الملاحظة السادسة والأخيرة، فهي أنه على رغم استمرار الشعبية، فإن مارسيل خليفة يدرك بذكائه الفني وبوعيه الثقافي أن تلك الشعبية تتيح له الفرصة دائماً للدفع بفنانين شبان وشابات وتعريف جمهوره الواسع بهم، وهذا أمر ليس وليد اللحظة، بل حدث منذ بداية مشوار شهرته وشهدناه على مدار العقود الأربعة السابقة. وكلنا يذكر كيف بزغ نجم عدد من الفنانين والفنانات من خلال ارتباطهم به في مرحلة أو أكثر، وهم كثر ولا يتسع المجال لذكرهم هنا، وبالتالي فإن دفع الفنان الكبير بنجليه، وخاصة خلال الأعوام الأخيرة وعلى مدار العروض التي قدمها في عدد من العواصم والمدن العربية والأجنبية ليس إلا استمراراً لهذا التوجه لديه. كما أنه لا يوجد ما يعيب الفنان الكبير في ذلك، فهو يقدم الفرصة لنجليه بشار ورامي لإظهار وبلورة وصقل وتطوير موهبتهما، معه وبرعايته، كما قدم فرصاً مماثلة لغيرهما في الماضي، وفي نهاية المطاف فإن الجمهور هو الفيصل والحكم، ولا مجال لفرض فنان على الجمهور، إنما الموهبة والصدق والتميز هي المعايير التي تؤدي إلى النجاح والنبوغ والبزوغ والانتشار أو إلى غير ذلك في حالة غياب تلك المعايير.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عن صورة المقال

مارسيل خليقة على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)