ابتهاج قدورة من الرائدات البارزات في نهضة المرأة العربية 1893-1967

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 10-03-2018
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


عن ابتهاج قدورة التي أحرجت جمال باشا


<article4565|cycle|docs=5393,5394,5395,5396,5397,5398>


في “اليوم العالمي للمرأة”، يحلو الحديث عن الرائدات البارزات في نهضة المرأة اللبنانية، وعلى رأسهن ابتهاج قدورة، السيدة التي كرّست نفسها بتفانٍ رائع لهذه القضية، “فإذا بها تتلبّس الحركة النسائية، وإذا بالحركة النسائية تتجسّم فيها، حتى لم يعد بوسعك أن تميز بين الإثنين”، كما وصفتها المحامية لور مغيزل في العام 1964.

ولدت ابتهاج قدورة في بيروت العام 1893، في زمن نهاية الحكم العثماني، ونشأت وسط عائلة امتازت بثقافتها العالية. درس والدها اديب مصطفى قدورة الطب وتخرج العام 1881، فكان “أول طبيب مسلم في لبنان”، وتبعه شقيقها مصطفى الذي تخرّج صيدلياً العام 1899، فكان “أول صيدلي مسلم في لبنان”، ثم شقيقها الثاني حليم الذي تخرّج طبيباً العام 1900، ثم أكمل دراسته في فرنسا وتخصص في الجراحة، فكان “ثاني طبيب مسلم في لبنان” و"أول جرّاح مسلم في لبنان ونائب بيروت لدورتين"، كما روى الحفيد اديب قدورة في كتابه “حقائق ومواقف”.

تلقت ابتهاج قدورة علومها الابتدائية في جمعية المقاصد الإسلامية، ثم انتقلت إلى المدرسة الأميركية للبنات، وحازت شهادتها في 1909 بتفوق، وألقت في حفلة التخرج خطاباً تحدّثت فيه عن دور المرأة في الهيئة الاجتماعية، وشكّل هذا الخطاب بداية لمسيرتها الطويلة في هذه المعركة. في آذار 1914، تلقّت دعوة للاجتماع من قبل خمس آنسات أطلقن على أنفسهن لقب “سبطات الأمير عبد القادر الجزائري”، فلبّتها مع حشد كبير من الفتيات في بيروت.

تكرّرت هذه الاجتماعات، وأفضت إلى وضع دستور جمعية نسائية حملت اسم “جمعية يقظة الفتاة العربية”. جمعت هذه الجمعية مجموعة من الآنسات المسلمات، بينهن عنبرة سلام وأمينة حمزة وعادلة بيهم ووداد محمصاني وشفيقة غريب سلام، ونالت رخصة عملها من والي بيروت باسم السيدة نجلاء بيهم التي تولت كذلك رئاسة الجمعية، وذلك لكونها الوحيدة من بين العضوات التي ينطبق عليها قانون الجمعيات العثماني الذي لا يمنح مثل هذه الرخصة إلا لمن هن فوق سن الـ21 عاماً.

كانت “جمعية يقظة الفتاة العربية” أول جمعية نسائية إسلامية في بيروت، واضطرت إلى وقف نشاطها بعد أشهر بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، صيف 1914. سارعت يومها سيدات وفتيات بيروت إلى تأسيس ثلاث لجان، أوّلها لجنة للملاجئ، وثانيها لجنة للشؤون الاجتماعية، وثالثها لجنة المشغل، وتوّلت ابتهاج قدورة الأعمال الكتابية في اللجنة الاجتماعية. خلال هذه الأيام العصيبة، جاء الحاكم العثماني جمال باشا إلى بيروت لتفقّد الملاجئ، ثم عاد إلى اجتماع حضره جمع من كبار القوم. في هذا الاجتماع، ألقت ابتهاج خطاباً بالعربية، ودار بينها وبين جمال باشا حديث نقلته فايزة سعد الدين في كتابها “رائدة النهضة النسائية في القرن العشرين”. سأل الحاكم الصبية: “كيف لا تعرفين اللغة التركية وأنت من رعايا الدولة العثمانية؟”، فاستأذنت بسؤال، فأذن لها بذلك، فأردفت قائلة: “سعادتك مسلم فلماذا لا تعرف قرآنك؟”. فربّت الحاكم على كتفها وقال: “آمل أن نلتقي في العام المقبل، فأجدك تتحدثين التركية، وتجدينني أتكلم العربية”.

واصلت ابتهاج نشاطها الميداني، وأصيبت بمرض “التيفوس” أثناء عملها في ملاجئ الأطفال، وكادت أن تفقد حياتها، وبعد شفائها، شاركت في تأسيس “نادي جمعية الأمور الخيرية للفتيات المسلمات” في صيف 1917، كما شاركت في تأسيس “اللجنة النسائية لدار الأيتام الإسلامية”، وتسلّمت عمادتها من 1920 إلى 1945، وعملت خلال هذه السنوات على تأسيس الحركة النسائية المستقلة، ونجحت في لم شمل معظم الجمعيات النسائية العاملة في لبنان في كيان اتحادي جامع العام 1921، وبعد ثلاث سنوات، حمل هذا الاتحاد رسمياً اسم “الاتحاد النسائي في سوريا ولبنان”.

امتدّ هذا النشاط إلى مصر، وأدّى إلى انعقاد مؤتمر عام للسيدات العربيات بدعوة من رئيسة الاتحاد النسائي العربي العام، السيدة هدى هانم شعراوي، في القاهرة، في خريف 1944، إلا ان ابتهاج قدورة لم تتمكن من المشاركة فيه بسبب وعكة صحية ألمت بها. افتتحت صاحبة الدعوة خطابها بتحية إلى ابتهاج قدورة التي كان لها الفضل الأول في عقد هذا الإجتماع، وأشادت بمناقبها وأعمالها. بعد ثلاث سنوات، توفيت هدى شعراوي، وانتُخبت ابتهاج قدورة خلفاً لها بالتزكية، إثر ترشحها في مؤتمر الاتحاد النسائي العربي العام الذي عقد في اليونيسكو العام 1948. وقد شغلت هذا المنصب للمرة الأولى من 1949 إلى 1957، وتولّته من جديد في خريف عمرها العام 1962 وحتى وفاتها صيف 1967. وقالت الأديبة المصرية أمينة السعيد عند رحيلها: “لقد توارى بفقدها وجه من أكرم الوجوه العربية في تاريخنا الحديث، وبموتها ماتت هدى هانم شعراوي للمرة الثانية”.

رثت الصحافة “رائدة النهضة النسائية في لبنان”، وكتبت حنان الشيخ في مجلة “الحسناء”: “معظم رؤساء الدول العربية عرفوا ابتهاج قدورة وشجّعوا ثورتها من أجل مساواة المرأة بالرجل. فجأة انطفأت الشعلة المتوهجة طوال الأعوام السبعين الماضية. خمسون عاماً، رغم مرض السكري والتعب الذي داهمها، لم تتخلّف ابتهاج قدورة يوماً، عن مد يد المساعدة والتفكير في حياة أفضل للمرأة العربية”. استعادت الكاتبة مسيرة الراحلة، وقالت ان والدها أدخلها المدرسة الأميركية للبنات التي عُرفت يومها باسم “الكلية الانجيلية”، “كاسراً بذلك احتكار المسيحيات للعِلم”، وشكّلت هذه الخطوة “بداية عهد جديد انفتح أمام الطالبات المسلمات اللواتي أخذن يسجلن أنفسهن في المدرسة الأميركية”. ساهمت ابتهاج في تأسيس “يقظة الفتاة العربية”، ولم تقتصر جهودها على هذه الجمعية التي كانت كل عضواتها مسلمات، “بل انفتحت على الجمعيات المسيحية تشاركها أعمالها وأفكارها، فنادت بمحو الطائفية، في خطبة لها في عيد الجلاء، وقالت: لقد جلا الأجنبي عن بلادنا، وأرجو أن يحلّ دور جلاء الجهل والطائفية”.

وقالت السيدة إميلي فارس إبراهيم، وهي أوّل امرأة خاضت الانتخابات النيابة في لبنان: “أحد أعمدة الصرح النسائي هوى، بل الجسر الركيزة اقتلع. انها ابتهاج قدورة، الكبيرة في القيادة النسائية. انها ابتهاج قدورة، الانسانة التي لامست كل قلب. انها ابتهاج قدورة، الوداعة في الكبر والجندي في القيادة. حسبي ان أقول: على اسمها ستظل تحوم الخواطر كلما ذُكر نضال نسائي في دنيا العرب كلّها”.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)