أن تعشق الحياة، علوية صبح (لبنان)، رواية دار الآداب - 2020

, بقلم محمد بكري

في لحظة رحيل يوسف، تُفتح ذاكرةٌ متَّقدةٌ يقودها جسدٌ متشنِّج. تزداد تشجنُّاتُ بسمة، لكنَّ صورةَ يوسف تستدعي البسمةَ دائمًا. ما بين ذاكرةِ ماضٍ مرصوفٍ بالفقد والحبّ، وحاضرٍ أكثرَ قسوةً لمدنٍ عربيَّةٍ تتهاوى، تتشبَّث بسمة بجسدها الذي لا يتوقَّف عن خيانتها.

فمن قال إنَّ حياتَنا وأجسادَنا ليست كحكايا مدننا؟ ومَن منَّا ليعرف إنْ كانت رقصتُنا الأخيرةُ هي رقصةَ الوداع، أم بدايةً جديدةً؟

على موقع دار الآداب

مقالات ذات صلة :


بعد الفراغ من رواية “أن تعشق الحياة” (دار الآداب) للكاتبة علوية صبح، تظنّ لوهلة أنّك قرأت عملاً بعنوانٍ آخر هو “أن تكتب الحياة”. وليس “العشق” عند علوية سوى مرادف بديهي لفعل “الكتابة”، هي التي اعتادت أن تُنفق سنوات من عمرها في رواياتٍ شكلّت جميعها حضوراً أدبياً هائلاً.
بعد ثلاث روايات شكلّت علامة بارزة في تاريخ الرواية العربية المعاصرة، قد يسأل أحدنا عن الجديد الذي تحمله علوية صبح لقارئها. وإذا بها تأتي برواية تستكمل فيها مهمة الحفر في الذات الإنسانية، بموازاة حفرٍ سوسيولوجي وايديولوجي وبوليتيكي أعمق.
اختارت علوية صبح أن تحكي قصة امرأة، فإذا بها تحكي قصة “الحياة” برمتها، ما فوق الأرض وما تحتها. أيّ رواية هذه التي لا تكتفي بسرد حيوات الناس، بل تشقّ الأرض لتُسمعنا حكايات الأموات؟

استخدمت علوية صبح، هذه الحكّاءة الرهيبة، صوت بسمة لتكشف جحيم وجودنا في هذه الأوطان الهشّة. ثمّ انتقلت بنا عبر مشاهد كثيفة وبديعة لتُسمعنا أصوات الموتى من داخل قبورهم. هم أيضا لهم حكاياتٍ اختلطت برفاتهم، بانتظار من يرويها. “ألصقتُ أذني بالأرض. سمعتُ أنيناً وشهقات دموع لعظامٍ في طبقات قريبة وبعيدة وعميقة تحت الأرض. بكاء رفات لقتلى ومخطوفين دفنوا أحياءً، استغاثات نساء مغتصبات ومذبوحات ومقتولات، وأشلاء أطفال تحنّ أن تلتئم في أحضان أمهاتهم...” (ص13).

حكاية بسمة هي متوالية زمنية، تبدأها عبر حوارٍ افتراضي مع شخص تقصّ عليه حكايتها. تنعقد علاقتهما في السرد من خلال الأسئلة التي تطرحها بسمة كي تضمن حسن متابعته لقصتها: “أنا غير قادرة على سرد حكايتي في تسلسلها الزمني. ولكن الى أين وصلت بالكلام؟” (ص9). ثمّ تنتقل بخفّة بين الأزمنة، معتمدةً الاستباق مرّة والاسترجاع مرّات، ما يمنح السرد شيئاً من سلاسة الحكاية الشفوية التي تتخذ شكل المذكرات الحميمة...

المصدر: النهار العربي- نبذة من مقال مايا الحاج

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)