قراءات - Comptes rendus de lecture

أنبئوني بالرؤيا، عبدالفتاح كيليطو (المغرب)، رواية Dites-moi le songe, Abdelfattah Kilito (Maroc), Roman

, بقلم محمد بكري


عبدالفتاح كيليطو (المغرب)

« أنبئوني بالرؤيا » الصادرة عن دار الآداب في بيروت هي الترجمة العربية لرواية عبد الفتاح كيليطو التي صدرت بالفرنسية بعنوان Dites-moi le songe الصادرة عن دار Actes Sud في فبراير شباط 2010. وقد أفردنا على موقعنا اللغة والثقافة العربية مقالاً عنها بمناسبة صدورها باللغة الفرنسية.
وللتعرف على هذه الرواية نقدم لكم بعض المقالات المنشورة على الشبكة بشأنها في جريدة الحياة العالمية التي تصدر في لندن، وجريدة الجريدة الكويتية، وجريدة الرياض السعودية، وجريدة الأخبار اللبنانية، وجريدة 14 أكتوبر اليمنية.

 جريدة الحياة

جريدة الحياة

الخميس، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2011
جريدة الحياة - دمشق - ابراهيم الحاج عبدي

عبدالفتاح كيليطو في متعة « ألف ليلة وليلة »

لطالما اشتغل الباحث والناقد المغربي عبدالفتاح كيليطو على التراث السردي العربي، وحاوره من زوايا عدة، وهو في اشتغاله، ذاك، استخدم النظريات الغربية الحديثة ليقارب التراث من منظور جمالي ونقدي بحت، فكانت الحصيلة كتباً شكّلت إضافة لافتة في هذا المجال، مثل: «الأدب والغرابة»، «العين والإبرة»، «الحكاية والتأويل»، «المقامات»، «الأدب والإرتياب»، «الغائب»... ويبدو أن ثمة أشياء تعذر على الباحث قولها لدى تبحره في التراث نقدياً، فآثر أن يقولها كروائي «زاده الخيال» الذي يبيح له الجهر بما سكت عنه في النقد الرصين، فجاءت روايته «أَنْبِئُوني بالرّؤيا» الصادرة بالفرنسية ، والتي صدرت ترجمتها العربية الموفّقة بتوقيع عبد الكبير الشرقاوي عن دار الآداب (بيروت - 2011).

«أنبئوني بالرؤيا». للوهلة الأولى، يبدو العنوان شاعرياً؛ بريئاً، غير أن متن الرواية يكشف عن حيلة سردية ماكرة، ذلك أن العنوان يحيل إلى حكاية في التوراة تقول إن الملك نبوخذ نصَّر حلم أحلاماً مزعجة منعته من النوم، فأمر أن يُدعى السحرة والعرافون والمنجمون، وقال لهم: حلمتُ حلماً فانزعجت، وأريد أن أعرف ما هو؟. أجابه المنجّمون: أخبرنا بالحلم فنبين تفسيره. فرد الملك: أنبئوني بالرؤيا وسأعلم أنكم قادرون على إعطائي التفسير»، ثم هددهم، إنْ عجزوا عن ذلك، أن يقطعهم قطعاً. هذا المطلب التعجيزي يكشف عن أن الملك أراد القول: ليس جديراً بتأويل الرؤى إلا ذاك القادر على كشفها. وثمة شيء مماثل ورد في «ألف ليلة وليلة» عندما قام هارون الرشيد من فراشه منقبض الصدر، فدعا وزيره جعفر الذي اقترح عليه القراءة علاجاً. وراح يقرأ من كتاب، وسرعان ما شرع في الضحك، ثم قرأ ثانية «وطفق يبكي حتى اخضلت لحيته». ولما سأله الوزير عن «علة ضحكه وبكائه تقريباً في الوقت ذاته» غضب الخليفة غضباً عظيماً، ليأمر وزيره: قد دخلت في ما لا يعنيك، فلا بد لهذا الأمر من عواقبه. آمرك بإحضار من يقول لي لماذا ضحكت وبكيت لما قرأت هذا الكتاب، ويعرف ما فيه من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، وإذا لم تجد هذا الرجل، ضربت عنقك، وبينتُ لك، آنذاك، ما الذي أضحكني وأبكاني».

اللغز

يذهب إسماعيل كَمْلو، وهو إحدى شخصيات الرواية التي تنجز بحثاً عن «ألف ليلة وليلة»، يذهب بهذه الفكرة إلى أقصاها، إذ يرى بدوره: ليس جديراً بتأويل عمل أدبي إلا القادر على كتابته. إذا انطلقنا من هذه المعضلة - اللغز، سنجد أن كيليطو يطرح ألغازاً على القارئ؛ يناوره في تلك الهوامش التي تعذرت عليه لدى انهماكه في أبحاثه النقدية؛ يمتحن صبره وذكاءه وهو يمضي به إلى متاهات «ألف ليلة وليلة» ذلك العمل السردي الفذ الذي ألهم أدباء العالم، وليس آخرهم بورخيس وماركيز، فهو كتاب، وفقاً لكيليطو، «يصاحب القارئ طوال حياته، يقرأه طفلاً ثم يافعاّ وبالغاً ويؤثر فيه عميقاً وإليه يعود دائماً». والآن، حين يكتب كيليطو نصاً؛ متعدد الدلالات، مستوحياً من ليالي شهرزاد؛ القاصة البارعة، فإنه يضع القارئ أمام تحد يتمثل في فهم أبعاد نصه المتقن، والعثور على مفاتيح تعينه في الولوج إلى فضاءات هذه الرواية المركبة؛ المكتوبة، للمفارقة، بلغة رشيقة فاتنة.

الرواية، في مستوى من مستوياتها، احتفاء بـ «ألف ليلة وليلة»، واستحضار لدوره ومكانته السامية في الثقافات العالمية، والترجمات العديدة له، إذ وجد هذا العمل النثري الفريد، رغم ضخامته وغرابة أجوائه، طريقه إلى مختلف لغات العالم. وها هو السارد في الرواية يفتتح النص بضمير المتكلم: أحب القراءة في الفراش، عادة مكتسبة منذ الطفولة، لحظة اكتشاف «ألف ليلة وليلة». كان الراوي مريضاً، آنذاك، في طفولته البعيدة، ولفت انتباهه هذا الكتاب، فراح يتوه في عوالمه الساحرة: «والحال أنّي بمقدار ما كنت أقرأ ويمضي الوقت، تتحسن حالي. ولما بلغت الصفحة الأخيرة، شُفيت تماماً. وكأنّ للأدب فضيلة علاجية».

هذه العبارة الأقرب إلى الحكمة، والتي تحيلنا، مباشرة، إلى قدرة شهرزاد على انتزاع نزعة القتل لدى شهريار بفعل «فضيلة القص المباركة»، وفقاً لماركيز، ليست الوحيدة في الرواية، بل هي تحفل بتأملات وبمقولات مماثلة تعلي من شأن الأدب والكتابة والقراءة، وتطرح أسئلة حول القضايا المتعلقة بها. ولعل هذه المسائل الشــائكة تبلغ ذروتها في الفصل الرابع والأخير؛ المسمى: «رغبة تافهة في البقاء». هنا، يطرح كيليطو مسألة الانتحال في الأدب، ويحاجج في تلك العبارة الشهيرة لرولان بارت القائلة بـ «موت المؤلف». يناقض الراوي - المؤلف بارت، إذ يقول: النص وحده لا يكفي، هناك أيضاً الشخصية، الصوت، الأناقة، الهيئة، الراء الباريسية (الأخيرة تنطبق على الفرانكوفونيين من أمثال الرواي). ثم يضيف: والعجب أن نقاداً وفلاسفة يتحدثون عن موت المؤلف! وتتحدث الرواية في هذا الفصل، كذلك، عمن تسميهم بـ «طفيلي الثقافة»، إذ يختار كيليطو معرضاً تشكيلياً للرسام مومن باري كي يوضح تفسيراته بصدد هذا الوصف. يتحول المعرض بالنسبة إلى أولئك «الطفيليين» إلى «حدث اجتماعي ومكان للقاءات. لا يعبأون إطلاقاً بالرسم. لكنهم يؤدون تمثيلية المبالغة في إبداء اهتمامهم». وحتى الرسام ذاته يقول جاداً، خلال نقاش: «أنا لا أقرأ يا سيدي، أنا أرسم»!

بين السرد والنقد

هذا الجدال الثقافي والنقدي الطاغي يكاد يُخرج النص من كونه رواية، ويحوله بحثاً نقدياً، وعلى كل حال، لم يسلم النص، الذي بين أيدينا، من نقاش دار حول جنسه، وإلامَ يُنسب؟ على رغم إشارة الناشر الصريحة إلى أنها «رواية». ومردّ هذا التشكيك في تصنيفه، وهو تشكيك، بالمناسبة، لا يقلل من قيمة النص، يعود إلى أن كيليطو لا يكترث بالوصف المادي؛ المحسوس الذي يعد أساسياً في الرواية، ولا يهتم بتلك الشخصيات الملتصقة بتفاصيل وصخب الحياة اليومية، كشخصيات نجيب محفوظ مثلاً. وهو لا يسرد ما يريد على نحو تقليدي، فلا «حبكة درامية»، ولا تصعيد في المواقف. إنه، بالأحرى، نص مفتوح يرصد أحوال الثقافة والمثقف، وبدلاً من أن نصادف لصاً أو عاشقاً أو حارساً أو مسؤولاً...، فإننا سنصغي إلى أبيات من الشعر العربي وإلى اقتباسات وشذرات من سوفوكليس وسرفانتس ونيتشه وجاك دريدا وهرمان ميلفيل وجوزيف كونراد وسواهم. وسنتعرف إلى أساليب البحث العلمي، وسنسمع هجاء للمؤسسة الأكاديمية... لكن قبل كل ذلك، بل بالرغم منه، بدت «أنبئوني بالرؤيا» سرداً ممتعاً لمذكرات مثقف صبور؛ شغوف بالقراءة إلى حدود الهوس، ينقّب في جماليات التراث، مثلما يمتح من النظريات الحديثة، ولا يلفت نظره شيء في هذي الحياة سوى «كتاب موضوع على رف»، وهو ما يذكرنا ببورخيس، الذي يرد ذكره على أي حال في الراوية، والذي قال مرة وبحسرة: كلما ذهبت إلى مكتبة، ووجدت كتاباً حول أحد الأمور التي تستهويني، أقول لنفسي: يا للأسف، أنا لا أستطيع شراء هذا الكتاب لأن لدي نسخة منه في البيت!

مراوغة اسلوبية

وعلاوة على هذه المراوغات السردية، ثمة مراوغة في عنونة الفصول، أيضاً، فالفصل الأول المعنون «إيدا في النافذة»، لا تظهر فيه إيدا أو (عايدة) إلا في صورة عابرة، لنعود ونلتقي بها، مطولاً، في الفصل الثالث: معادلة الصيني. هنا، نجد تركيزاً على صورة المرأة وعلاقتها مع الرجل. يدرج كيليطو في هذا الفصل فحوى حكاية الصيني الذي اشترطت عليه حبيبته ألا تمنحه حبها إن لم يقض الليل، مدة ثلاث سنوات، تحت نافذتها. كان العاشق يحضر في المساء ويجلس على مقعده، ولا يذهب إلا عند الفجر. لدى انقضاء السنة الثالثة، هذه الشخصية الطيّعة إلى هذا المقدار تناولت مقعدها وذهبت من دون نظرة إلى الوراء، نهائياً. هذه النهاية التراجيدية، غير المتوقعة، تكشف عن مقاربة الرواية للعلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة، وهي تكمل ما تضمره، كذلك، إيدا الغامضة، التي تتراءى للراوي كطيف، هنا وهناك. لكن ثمة ما تفصح عنه إحدى شخصيات الرواية في شأن إيدا: في المراهقة، قرأتْ إيدا «مدام بوفاري» لفلوبير، وصدمها في الأعماق أن لا أحد هب لإغاثة إيما في معاناتها، لا رجل. الحاصل، كان الرجال سبب انهيارها وانتحارها. هذه الرواية كان أثرها عميقاً في إيدا، مرضت من ذلك وبكت كثيراً. ومنذ ذاك، ترتاب بالرجال، مقتنعة أن المرأة لن تجني من معاشرتهم إلا الخيبة والمرارة».

ومع كل ذلك، يبقى «ألف ليلة وليلة»، وبدرجة أقل رحلة ابن بطوطة والمقامات والجاحظ وابن حزم الأندلسي، هو المحور الأساس للرواية التي تضيء جوانب في هذا الأثر الأدبي، إذ تفترض الرواية في الفصل الثاني «الجنون الثاني لشهريار» إن الملك شهريار لم يكن ينام أبداً، وأن أرقه المزمن كان، بنصيب كبير، في منشأ جنونه القاتل. فهو كان يسمع الحكايات في الليل، وينشغل، نهاراً، بشؤون الرعية، فمتى كان ينام، إذن؟ وفي المقابل «لو أغمضت شهرزاد عينيها ليلة واحدة، لكانت مقطوعة الرأس في الغد». ويبحث الراوي عن نهايات مفترضة لألف ليلة وليلة، فنهاية هذا العمل الضخم بدا ملتبساً إلى درجة دفعت الكثيرين إلى المضي في نسج حكايات من حوله، وليس كتاب «حكاية شهرازاد الثانية بعد الألف» لإدغار آلان بو استثناء في هذا السياق.

عن جريدة الحياة

يقدم موقع دارالحياة.كوم، إضافة إلى المحتوى الخاص به الذي ينشر على مدار الساعة، محتوى المطبوعات التي تنتجها« دار الحياة »، بنسخها الإلكترونية، وهي : الصحيفة اليومية « الحياة » الطبعة الدولية على العنوانين الأول أو الثاني، والحياة السعودية الطبعة السعودية، والمجلة الأسبوعية لها. ويضم دارالحياة.كوم أيضاً حاضنة للخدمات الرقمية على العنوان.

دارالحياة.كوم محطة تزود الزوار بالمستجدات والتقارير والتحليلات وبمواد أدبية، من صحافيين ومراسلين من الحياة، ومتعاونين آخرين. ويسعى إلى تأمين التواصل بين القراء وكتاب المطبوعات. كما يؤدي دور الواجهة التي تروج لمحتوى المواقع الثلاثة الأخرى. كذلك، يرعى دارالحياة.كوم مشاريع صحافية مستقلة ويستضيفها.


 جريدة الجريدة

أنبئوني بالرؤيا لعبد الفتاح كيليطو... سفر في عشق ألف ليلة وليلة - محمد الحجيري بيروت

صدرت عن «دار الآداب» في بيروت الترجمة العربية لرواية «أنبئوني بالرؤيا» للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو، بترجمة عبد الرحمن الشرقاوي. يأتي هذا الإصدار في سياق اهتمام الباحث المعروف بكتاب «ألف ليلة وليلة» وبالأحلام والمنامات، وإذا كانت كتبه عن الليالي جاء أكثرها نوعاً من البحث المعمق أو الدراسة المتنوعة، ففي هذا الكتاب نوع من سفر في عشق الليالي من خلال سرد حكاية الحكاية .

يبحث كيليطو دائماً عن مواضيع تسحر القارئ العربي والغربي، وشكلت أعماله، ومن بينها: «الأدب والغرابة»، «الحكاية والتأويل»، «الكتابة والتناسخ»، «الغائب»، «المقامات: السرد والأنساق الثقافية»، «لسان آدم» والخيط والإبرة» ومن شرفة ابن رشد» وحصان نتشيه»، موضوع مقالات وتعليقات صحافية، كذلك نُقل بعضها إلى لغات من بينها الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية.

في روايته الجديدة، يكتب كيليطو نصاً تختلط فيه أمور كثيرة وأفكار متعددة، هي انعكاس لمساره في الكتابة وتأويل الحكايات العربية والتراثية، فالرواية مفعمة بالذكريات والأحلام والتأمّلات، وعلى خلفية بحث الكاتب الثابت وعلاقته الحميمة والطويلة بكتاب «ألف ليلة وليلة» ورد إسم هذا الكتاب منذ السطر الأول في الرواية: «أحبّ القراءة في الفراش. عادة مكتسبة منذ الطفولة، لحظةَ اكتشاف «ألف ليلة وليلة».

بينما يرى البعض أن «الليالي» هي بمثابة «ديوان القصص الشعبية باللغة العربية»، يذهب كيليطو الى القول إن «كتاب ألف ليلة وليلة أحد الكتب التي تصاحب القارئ طوال حياته، يقرأه طفلاً ثم يافعاً وبالغاً ويؤثر فيه عميقاً وإليه يعود دائماً»، وهو يستعمله ذريعة للكتابة والقص والتأويل والسرد. يقول الراوي: «في داخل كل قارئ شهريار غافياً»، وفي هذا الإطار يقول المترجم على غلاف الرواية: «ألا يمكن القول كذلك: «في داخل كاتب شهرزاد غافية؟، فماذا لو كانت شهرزاد وشهريار، في الخيط الرفيع من الدم والقسوة والفن والخيال الذي يجمع بينهما، هما النموذج والنبض البعيد الحاضر في كل رواية وكل سرد؟ وماذا لو كانت ألف ليلة وليلة هي نغمة القرار في كل صوت من أصوات الرواة وهم ينغمون عالمهم الروائي؟ وماذا لو كان ما كتب من الروايات... ليس سوى تنويع على صوت شهرزاد الهامس بحكاياته في ليل بغداد؟». يضيف شرقاوي بأن «هذه الرواية يتشابك رواتها، وشخصياتها آتية إلينا من دائرة السحر التي خلقتها وتخلقها شهرزاد حتى لا ينقطع السرد ولا الكلام ولا الفن».

يسعى كيليطو في روايته التأويلية إلى السفر بقرائه بين ثنايا الطرائف والنوادر المستلهمة من الحياة اليومية. في الفصل الثاني بعنوان «الجنون الثاني لشهريار»، يعود الكاتب إلى المغرب لنتعرّف إلى قصة طالب لامع يدعى إسماعيل كملو حضّر أطروحة حول خاتمة كتاب «ألف ليلة وليلة» تحت إشراف كيليطو، قلب فيها بلا رويّة، أسلوب العمل الجامعي المعهود، ذلك في الفترة التي كان كيليطو أصدر بحثه حول النوم، أو ليالي الأرق، في حكايات شهرزاد، ودخل في حالة اكتئابٍ تثبّت مقولةً أشار إليها في هذا البحث ومفادها أن هذه الحكايات قد تشكّل مصدر خطر أو ضرر لمَن يقرأها أو يصغي إليها حتى النهاية.

في الفصل الثالث بعنوان «معادلة الصيني»، يعود كيليطو إلى الفترة التي سبقت سفره وهو شاب إلى أميركا، وهي فترة يقول إنه سكن خلالها في استوديو صغير (في فرنسا؟) ترك ساكنه السابق فيه كتاب رحلات ابن بطوطة ومقالات كثيرة مصوّرة، بينها مقالة لإسماعيل كملو حول حكاية مجهولة من كتاب «ألف ليلة وليلة». أما في الفصل الرابع والأخير بعنوان «رغبة تافهة في البقاء»، فينتقل كيليطو إلى الفترة التي كان يحضّر خلالها أطروحة الدكتوراه في المغرب حول كتاب «ألف ليلة وليلة»، ليروي قصّة (خيالية؟) مع صديقٍ يدعى عمر لوبارو لم يتردد في الافتراء عليه، بعدما نشر كيليطو ديوانه الشعري الأول باسمه، وفي الترويج لإشاعةٍ مفادها أن كيليطو هو الذي يعاني من حالة تعلّق مرضية به، ويحاول سرقة إنجازاته الشعرية.

يمكن وصف رواية كيليطو بأنها رواية حول علاقة الكاتب بالرواية والكتب، أو أنها استمرار للقص الشهرزادي بطريقة الكتابة على نسق ماركيز الذي يقول «عشت» لأروي، فكيليطو يكتب ليحب الحكاية.

من الرواية

أحبّ القراءة في الفراش. عادة مكتسبة منذ الطفولة، لحظةَ اكتشاف «ألف ليلة وليلة».

كنت أرقد في غرفة جدّتي، على أريكة موضوعة أسفل سريرها. أثناء مرض من أمراضي ـ لا بد أنه كان من الخطورة كي تتأبّد ذكراه عند الأسرة ـ كنت على الدوام غائصاً في رقادٍ سُباتيّ. وفي اللحظات القليلة التي أستردّ فيها وعيي، أسمع أصوات الزائرات المستخبرات عن حالي. ما إن أدرك أني موضوع همسهنّ حتى أغوص ثانية في النوم.

عندما أخذت في التعافي، رفعن من صوتهنّ وتكلّمن عن هذا وذاك من الأشياء. لم أعد محور أحاديثهنّ. تكدّرتُ لذلك، فأخذت أتحسّر على المرض، لكن لا جدوى من التصنّع، كنت أعرف بالتجربة أن جدّتي لا تنخدع أبداً بأكاذيبي. وفي العمق، ما كنت بحاجة إلى المراوغة، فما زلت واهناً وانتكاسة قد تطرأ في كلّ لحظة.

في هذا الظرف جذب انتباهي كتابٌ موضوع بالقرب منّي، «ألف ليلة وليلة»، في طبعة بيروت، المسمّاة أيضاً بالكاثوليكية. ماذا كان يصنع في بيت لا يهتمّ فيه أحد بالأدب؟ من الذي جعله قريباً من أريكتي، في متناول يدي؟ من الظاهر أن إحدى الزائرات قد نسيته ولم ترجع لاسترداده، لذا ظلّ قرب فراشي طوال نقاهتي. كنت أجهل ذاك الوقت أن الفقرات الجنسية قد استُبعدت منه بعناية، لكن لم ينل ذلك من قوّة الحكايات وظلّ جانبها الفاضح كاملاً. وإلاّ لماذا انتابني شعور مبهم بأنه لا ينبغي لي أن أقرأه؟ إذا ما دخل شخص إلى الغرفة، أخفيه تحت الأغطية، لا سيّما إذا كان والدي. هكذا كنت إذاً أتصدى للقراءة، للأدب، تحت شارة المرض والإثم. ذلك كان الكتاب الأوّل الذي حاولت قراءته، الكتاب العربيّ الأوّل، الكتاب الأوّل بلا زيادة.

كنت أقرأ في الفراش، على ضوء النهار… نقيض شهرزاد التي تروي في الليل وتسكت في الصباح. كنت بقطعي القراءة في المساء، أخالف إشارتها الضمنية وأعكس نظام الأشياء.

والحال أني بقدر ما كنت أقرأ ويمضي الوقت، تتحسّن حالي. وعندما بلغت الصفحة الأخيرة، شُفيت تماماً. وكأن للأدب فضيلة علاجية. فإن لم يكن يشفي أمراض البدن، فهو يسكّن آلام النفس، هذه إحدى ثيمات كتاب «الليالي». أميل إلى الظن أنني استعدت الصحة بفضل شفاعته؛ بفضلها هي أيضاً، الزائرة الغامضة التي نسيته عند رأس فراشي.


 جريدة الرياض

عبدالفتاح كيليطو في روايته الجديدة «أنبئوني بالرؤيا» عندما يفكر الباحث روائياً - فاطمة المحسن

لا يكفي أن نقول اننا في عصر الرواية، حين نرى الكتابة الروائية تحتل جزءاً من نتاجات الباحثين والنقاد العرب، فهذا دافع من دوافع الخوض في المغامرة الروائية لكتاب حازوا الشهرة في ميدانهم، ولكنهم وجدوا أنفسهم مندفعين إلى استكمال جانب من عملهم في تخييل الواقع وتقريب الأفكار من القاريء، بل الاستمتاع باللعبة الروائية التي تسع كل الأجناس الكتابية. بيد أن من الصعوبة أن نجد في تلك الأعمال ما ينافس نتاجات الروائيين العرب منذ نجيب محفوظ الذي تقدمت أعماله على «الأيام» السيرة او الرواية الوحيدة لعميد الأدب العربي، و»سارة « للعقاد، رغم أهمية العملين لكونهما نتاج مرحلة لم ينتشر فيها أدب السيرة المتخيلة على النحو الذي نراه الآن.

تلك مفارقة تحسب على الرواية العربية نفسها، وعلى تصور الكاتب الذي لم يبدأ نشاطه الكتابي بالرواية. فكثير من الروايات التي أنتجها باحثون، طواها النسيان على رغم ما يتمتع به أصحابها من شهرة وصيت وترويج لكل نتاجاتهم، في حين تنافس النتاجات الروائية والمسرحية التي انتجها مفكرون ومنظّرون مثل: سارتر، وسيمون دي بوفوار، وكامو، وامبرتو ايكو، وسواهم، تنافس رواياتهم أعمالهم الأخرى.

ربما يحيلنا هذا الفشل إلى مشكلة فهم وظيفة الرواية عند الباحث او الناقد العربي، ما بين قدرتها على استكمال عدته، أو لكونها مجرد هواية ونزوة «يتسلى» بها بعد تعب من الكتابة الاخرى؟

رواية «انبئوني بالرؤيا» للباحث المغربي عبد الفتاح كيليطو، تختلف على نحو ما، عن كثير من الروايات التي ظلت على هامش نتاجات كتّاب مثل العروي وعبدالكبير الخطيبي وعدد من القادمين من ميادين أخرى.

فرواية كيليطو التي ترجمها عن الفرنسية مترجم كتبه عبدالكبير الشرقاوي، هي محاولة «تطبيقية» لجملة اختباراته البحثية، وفي مقدمتها «الأدب والغرابة» كتابه اللافت.

ومع أن مدخل الرواية الذي يدور حول «ألف ليلة وليلة» يبدو باهتاً ومتورطاً في موضوع استهلكته الكتابات العربية، غير ان الأمر يستوي للنص بعد أن يقطع القارئ الشوط الأكبر من روايته، ليجد بين ثناياه شيفرات البحوث مجسدة روائيا، وهذا جديد هذه الرواية.

يحاول الكاتب تخييل المصطلح النقدي عبر خلق فعل حكائي يوازيه، من فكرة المؤلف المجهول في الليالي العربية التي تعادل «موت المؤلف» عند رولان بارت، إلى قضية الانتساب، انتساب النص إلى مكتشفه الفرنسي، بعد ان طواه النسيان عند العرب. يتتبع كيليطو، معنى الغرابة والخوارق في فكرة البطل الممسوس، بما يعادل صورة الباحث الأكاديمي وهو يسائل النص عن أثر التوالد، وأثر المؤلف الأصيل والمنتحل، والقارئ والتأويل، وتأويل التأويل عند الناقد وسواها. كل تلك المواضيع تنبثق في اندفاعات عبر صوت السارد، الشخصية الممسوسة التي تساعد مرونة عبور خاطراتها وأفكارها بين الواقعي والخيالي، في تماهي المواقع. يوحي السارد لنا في مطارح من الرواية بتطابق روايته مع سيرته الأكاديمية، أو سيرة قرين البطل ونظيره، كما يمنع عنا، صيغة التماهي مع هذه الفكرة عبر نقلها إلى حيز الشخصية الملتبسة، البهلول الذي يفشل في علاقة التواصل مع الآخر، مثلما يفشل في الإمساك بموضوعه.

رحلة البطل في البحث عن «الليالي العربية» في مكان غربي، هو الولايات المتحدة، تبدو وكأنها تستقصي الذات المغتربة عن موضوعها، بعد أن فقد الموضوع مكانه الأول. فالجزم بجدارة الحكاية العربي، تتطلب أدوات تقصي خارجها، وتتصل بنظم المعلومات التي تشح في بلد المنشأ وعلى الباحث أن يجد تحققها أو وجودها في فضاء آخر. ولكن هذا الأمر يحيلنا إلى تيه الحكاية نفسها بين الأقاليم، يقول السارد «هبطت ببضاعتي الشرقية، سندباد من دون جدارة، لان السندباد البحري، عندما يطأ بلادا غريبة بعد غرق مركبه، يكون عاريا ومعوزا تماما، رجل القطيعة، فلا بد له من أن يبدأ من الصفر، يعيد خلق نفسه وخلق العالم، وإذ يعود إلى بيته، فهو محمّل بثروات جديدة اكتسبها بجهده. كنت بالأحرى السندباد البري، حمّال بائس ينوء تحت ثقل تراث منفصم انفصاما واضحا عن العالم الحديث» هنا يصبح الموضوع مادة للصراع في امتلاك الحيز، حيز هذا العالم الذي تخلّف الشرقي او العربي عن إدراك موقعه فيه.

فالبطل وهو يبحث في المكتبة الاميركية عن قصص «الليالي» الضائعة في مجلدات تركها غير باحث غربي، يكتشف عبث المحاولة، مثل القصة المفقودة التي ضاع فيها الأمير نور الدين في أرض الظلمات. فهو من خلال فحصة الحكاية التي يرجح انها منحولة شفاهيا، ومضافة الى النص الأصلي، يثير اسئلة في محاضرته عنها، حول الدلالة في اسم البطل «نور الدين» واسم المكان أرض الظلمات، «أرضا حالكة، أشبه بليل الجاهلية» وفي هذه الحكاية التي يمتنع فيها حصان الأمير عن الدخول في المتاهة، يصبح للحكاية بعد آخر يتعلق بشخصية الحصان الخارقة التي تفهم بالهواجس، ما لا يفهمة الانسان. تلك النهاية المفتوجة، التي يتابع فيها البطل طريقه رغم صهيل الحصان، تفضي إلى فكرة التداخل بين الوجود المفترض للحكايات واحتمال تكررها في الأدب الغربي، او احتمال اقتباسها منه او العكس، وهي تثير لدى البطل اسئلة حول النهايات المفتوحة في القص الناجح.

من خلال صيغة البحث عن أصل الحكاية ودلالات، ينتقل البطل عبر شخصية أخرى، إلى بلده، وإلى مهنة التدريس، حيث يلتقي طالبا يصبح في نهاية المطاف قرينا له، ولكنه يمثل حالة التمرد في داخله، ضد المؤسسة الجامعية، ليكتشف ان الرابطة التي تربطه به تدخله في التباس الأدب بين الغريب والمتوقع، ودلالة حكايات الليالي. حتى المرأة المفقودة التي تزوه خلال نومه الطويل، وتمتنع عنه في النهار، يجدها في أوراق القرين. فكرة التكرار، التي تربط الحكايات العربية والمصائر بعضها، وتنقلها إلى فضاء آخر، تفتح التوقعات عن النفس والاخر، لا على مستوى العلاقة الطبيعية والاتصال والتواصل المكاني، بل عبر ارتحال النصوص في ممالك الأدب، فالبطل الذي يدخل مملكة الليالي، يصيبه المس، فيتحول بطلا من أبطالها، حتى وإن أضاع دربه في بحر ظلماتها.


 جريدة الأخبار

عبد الفتاح كيليطو التراث دائماً على حقّ - محمود عبد الغني

تحت عنوان «أنبئوني بالرؤيا»، نشرت «دار الآداب» الطبعة العربيّة لروايته الصادرة بالفرنسيّة عن دار «آكت سود». الباحث المغربي يطبّق أشغاله الأثيرة حول «ألف ليلة وليلة» على ميدان الخيال، تاركاً للبطل أن ينطق باسمه

محمود عبد الغني
حتى حين يكتب الرواية، لا يبتعد عبد الفتاح كيليطو عن صورته كباحث، التي ألفناها في أعماله العديدة. ليس باحثاً في التراث ـــــ فهو ينفي عن نفسه هذه الصفة ـــــ بل باحثاً في الأدب، وفي الكتب التراثية الشهيرة، ومتمحّصاً في قضايا الترجمة والقراءة.
بطل روايته «أنبئوني بالرؤيا» (الآداب ـــــ ترجمة عبد الكبير الشرقاوي) هو صورة عنه وصنوه. العمل هو ترجمة عن الأصل الفرنسي لرواية Dites-moi le songe الصادرة العام الماضي عن دار «سندباد ـــــ آكت سود»، وقد اختار المترجم عنوانه العربي. يمتهن البطل/ الراوي التدقيق في التفاصيل العابرة، تماماً كالباحث المغربي الشهير. يروي لنا في مستهلّ الرواية كأنّه اكتسب عادة القراءة في الفراش، منذ اكتشافه «ألف ليلة وليلة»، يشير إلى أنّ الكتاب كان في طبعة بيروت، المسمّاة أيضاً الكاثوليكية. وهذا التمحيص في الأصل، هو عادة فكرية أثيرة على منهج كيليطو في مجمل أبحاثه ومحاضراته. في روايته هذه مثلاً، يعثر الراوي على نص غير منشور في كتاب «ألف ليلة وليلة»، لا في طبعة القاهرة ولا في طبعة كالكوتا. يقودنا الراوي والمؤلف في رحلة مشوّقة للبحث عن أصل ذلك النص، مورداً سلسلة فرضيات تؤكّد أنّ ذلك النص هو بالفعل جزء من «الليالي». يبحث عن هوية مدوّن غامض، كتب ملاحظة على المخطوط المجهول. ثمّ يميل إلى الاعتقاد أنه أميركي أو بريطاني، لأن الأميركيين والبريطانيين هم وحدهم من يدعون «ألف ليلة وليلة» بـ «الليالي العربية». كأنّنا بعبد الفتاح كيليطو، يتمّم بواسطة الخيال هذه المرة، كتبه وأبحاثه السابقة.
في«أنبئوني بالرؤيا»، يُدعى الراوي/ البطل إلى الولايات المتحدة الأميركية، بفضل «الليالي». فقد سبق أن نشر بحثاً في إحدى المجلات لنيل شهادة الماجستير في موضوع «النوم في ألف ليلة وليلة». أوصى أستاذه المشرف «ك»، بنشر النصّ في إحدى المجلات العلمية المعروفة، هو الذي لم يكن يتخيّل، حتى في أحلامه، أن يرد اسمه في فهرست تلك الدوريّة الرفيعة. في أميركا، يستقبله الباحث الدكتور مايكل هامويست وزوجته، وتبدأ شخصيته بالتكشّف أمامنا: فهو مدخن شره، ومرتاب، إنكليزيته ضعيفة، لكنّ ثقافته واسعة ومتنوعة، لا يوفر فرصة لإظهارها. ما إن يلج بيت هامويست ويرى جدران غرفة الاستقبال مكسوّة بالكتب، حتى يعلّق قائلاً إنّها مكتبة بورخيسية، فيثير انتباه الزوجة ذات الثقافة الإسبانية. ثمّ يستدرجهما إلى نقاش أدبي غزير، يبدأ بتأثير «الليالي» على الكثير من كتّاب أميركا اللاتينية، أمثال بورخيس، ومانويل سكورزا... مع التبحر في عالم الأدب، تدخل امرأة رائعة الجمال اسمها إيدا (أو عايدة). كان بوده لو يهمس في أذنها، ويمنِّيها بأشياء تجعلها تنساق وراءه.
ومنذ ذلك اللقاء، يبدأ بحثه المحموم عن سرقة قلبها العصي. وبدا المثقف المتبحِّر حائراً، جاهلاً، صغيراً أمام لغة تتكلمها امرأتان أمامه، من دون أن يفهم ما تقولان. صار النوم مستعصياً عليه، وعندما غفا صار ينطق باسمها مرات عدة وبصيغ شتى: إيدا، أدا، عايدة. أما هي، فترفض إقامة علاقة مع الرجال منذ قراءتها ـــــ وهي مراهقة ـــــ رواية «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبير، لكنّ البطل يبقى مغرماً بإيدا، لا يشغله عنها إلا البحث عن سبل لنشر مقالته حول النص غير المنشور في «ألف ليلة وليلة» الذي عثر عليه. وبعد عودته إلى الوطن وانشغاله بتأليف كتاب عن «الليالي»، أو الإشراف على أطروحات، منها أطروحة بعنوان «الجنون الثاني لشهريار» لطالبه إسماعيل كملو، الذي سلمه تقريراً عن الأطروحة واختفى، ثم عاود الظهور في عواصم عديدة، إيدا أيضاً تعود لتظهر من جديد.
لم يبتعد كيليطو في روايته «أنبئوني بالرؤيا» كثيراً عن بحثه الأكاديمي الأثير في ميدان التراث العربي، وتحديداً نصوص «ألف ليلة وليلة»، و«الإمتاع والمؤانسة»، و«رحلة ابن بطوطة»... ولا يمكن كيليطو أن يذكر هذه المتون في نصه السردي، من دون أن يطرح حولها الأسئلة والشروح والفرضيات المدهشة. يأخذنا على هامش العمل الروائي، في رحلة مشوّقة جنباً إلى جنب مع نظريات رولان بارت، وميشال فوكو، ومترجمي «ألف ليلة وليلة».

عن جريدة الأخبار اللبنانية

مقالات « الأخبار » متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى « الأخبار » ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا
صدر العدد الاول من « الأخبار » في 14 آب 2006
تصدر « الأخبار » عن شركة «أخبار بيروت» وفق رخصة لجريدة « الأخبار » التي تأسست عام 1953.
لقراءة المزيد حول الأخبار أنقر هنا.


 جريدة 14 أكتوبر

الكاتب المغربي عبد الفتاح كليطو يحير القارئ بإبداعه - حسن سعودي

تشكل رواية (أنبئوني بالرؤيا) الترجمة العربية للعمل الأخير لعبد الفتاح كليطو (ديت موا ، لو سونج) التي ستصدر قريباً عن (دار الآداب) بلبنان، سفرا في نوادر وطرائف من ألف ليلة وليلة) لكن بقوالب مجددة ومختلفة وشخوص قد تحيل أحيانا على أعمال أخرى للكاتب.

ويستلهم عبد الفتاح كيليطو راويته (أنبئوني بالرؤيا) التي افتتحت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بتقديمها ضمن لقاءاتها الأدبية الشهرية، من ذكريات طفولته، وخياله، ومن تأملاته حول الكتابة والقراءة، وخاصة قراءته المغايرة للتحفة الأدبية (ألف ليلة وليلة) التي تأثر بها في كتاباته الأولى.

قال كليطو لوكالة المغرب العربي للأنباء أن رواية (أنبئوني بالرؤيا)هو العنوان الذي اختاره عبد الكبير الشرقاوي للترجمة بالعربية لعملي (ديت مو لو سونج) الصادر بالفرنسية عن منشورات (سنديباد أكت سود)، مبرزا أنها مستوحاة في مجملها من (ألف ليلة وليلة) التي حاولت تجديد بعض من مشاهدها.

وأصر كليطو على أن (ألف ليلة وليلة) إبداع كوني يشد القارئ ويجعله يتحدث عنه دون ملل ولا كلل، كما أن هذا العمل ليس كتابا وإنما هو مجموعة كتب، إذ أن كل طبعة تتفرد عن غيرها، وكل ترجمة تختلف عن سابقاتها، بل إنها خزانة متنقلة من العشرات من (ألف ليلة وليلة).

وفي تقديمها لـ(أنبئوني بالرؤيا) قالت كل من أمينة عاشور (أن عبد الفتاح كليطو استعاد لبعض من حكايات (ألف ليلة وليلة) بمقاربة جديدة ترتكز على فضول جامح وتساؤلات متجددة لا حصر لها من قبيل، ما هي ألف ليلة وليلة، كيف يمكن قراءتها وإعادة كتابتها؟).

وباحت آسية بلحبيب روائية وأستاذة جامعية أن (أنبئوني بالرؤيا) مجموعة من القصص لا يدري المرء إن كان يتعلق الأمر برواية أو حكايات أو هي من وحي خيال المؤلف، مبرزة أنها إبداع يحير القارئ، بإرادة من صاحبه الذي يسعى إلى السفر بقرائه بين ثنايا الطرائف والنوادر المستلهمة من الحياة اليومية لشخوص سريالية وأحيانا وهمية تهيم بين متاهات الحياة العادية، لكنها متيمة بالأدب.

وأضافت أن (ألف ليلة وليلة) بالنسبة للكاتب ليست سوى ذريعة، خاصة وأن كاتب “أنبئوني بالرؤيا” كان دائما مغرماّ بهذا الموروث الفكري الذي يجمع ثقافات شعبية عدة في كتاب واحد، والذي “يصاحب القارئ طوال حياته، يقرأه طفلاً ثم يافعاّ وبالغاّ ويؤثر فيه عميقاً وإليه يعود دائماً ، كما قال كليطو نفسه خلال هذه الأمسية.

ولا غرو إذا أن يكون العمل الجديد لعبد الفتاح كليطو، المولود سنة 1945 بالرباط التي درس ويدرس بها، تتمة لاهتماماته بالجوانب التراثية، ولما لا جواب عن أسئلة إشكالية خاصة وأن الكتابة عن نص أو كتاب عند كيليطو كما يقول هو نفسه هي (مسألة حب أولا).

يذكر أن كليطو تابع دراسته بثانوية مولاي يوسف بالرباط، ثم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمدينة نفسها، قبل أن يرحل إلى جامعة السوربون الجديدة بباريس حيث حصل سنة 1982 على دكتوراه حول موضوع السرد والأنساق الثقافية في مقامات الهمداني والحريري.

ويعمل كليطو أستاذاً بكلية الآداب جامعة محمد الخامس (الرباط) منذ سنة 1968، وقد ألقى العديد من المحاضرات، وشارك في لقاءات ثقافية في المغرب وخارجه، كما قام بالتدريس كأستاذ زائر بعدد من الجامعات الأوروبية والأميركية من بينها جامعة بوردو، والسربون الجديدة، وكوليج دو فرانس، وجامعة رينستون، وجامعة هارفارد.

وشكلت أعماله، ومنها (الأدب والغرابة)، و(الحكاية والتأويل)، و(الكتابة والتناسخ)، و(الغائب)، و(المقامات: السرد والأنساق الثقافية)، و(لسان آدم) و(الخيط والإبرة) و (من شرفة ابن رشد) و(حصان نتشيه)، موضوع مقالات وتعليقات صحفية، وكتب، وأبحاث جامعية، بالعربية والفرنسية، كما نقلت بعضها إلى لغات من بينها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والإيطالية.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)