أنا والسينما للمصري إبراهيم عبد المجيد الدار المصرية اللبنانية - 2018

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثلاثون العدد 9173 الخميس 3 أيار (مايو) 2018 - 17 شعبان 1439 هـ
عاطف محمد عبد المجيد - شاعر ومترجم مصري


إبراهيم عبد المجيد… وأساطيره السينمائية


لم تكن السينما مجرد فيلم شاهدته وعدت إلى البيت، لكنها كانت مشوارًا رائعًا مع أصدقاء افتقدتهم في الحياة في ما بعد، مشوار رائع في طرقات وشوارع فقدت بريقها وجمالها، ومدن اختفت تقريبًا، رغم أنها لا تزال تحمل أسماءها. هذا ما يقوله الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد في كتابه “أنا والسينما” الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية.

عبد المجيد يصف السينما، كما عرفها، بأنها تاريخ وطن وتجليات لروح ذلك الوطن، ومن هنا فكر في الكتابة عن السينما، رغم أنه لم يعد، في السنوات العشر الأخيرة، من روادها إلا نادرًا، بحكم السن والقدرة على الحركة في بلد أقصى آمالك فيه أن تعود سالمًا إلى البيت، أو تذهب إلى موعد بدون تأخير. عبد المجيد الذي لم يكن يعرف وهو صغير أن دور السينما في الإسكندرية وراءها تاريخ طويل يمكن إجماله في أنها كانت المدينة الأولى التي تم بها أول عرض سينمائي في مصر، وهو فيلم الأخوين لوميير الفرنسيين الذي يعتبر أول فيلم في تاريخ السينما، يقول إنه كثيرًا ما جاء ذكر السينما في أعماله الروائية، وكان قد كتب مقالات كثيرة في السينما لكنها ضاعت منه، غير أنه حاول هنا الوصول إلى بعضها بمساعدة بعض الأصدقاء، الذين وفروا له المطبوعات التي نشرتها له. المؤلف يُرْجع صدور هذا الكتاب إلى مطالبة الأصدقاء له بأن ينشر حكاياته عن السينما، بعد أن تحدث معهم عنها كثيرًا. وبعد أن تردد كثيرًا في هذا تساءل ولمَ لا؟ خاصة أن هذه الكتابة ستحمل جانبًا من سيرته الذاتية في ما يخص علاقته وشغفه بالسينما وحكاياتها التي لا تنتهي.

فتنة السينما

هنا يبدو عبد المجيد مفتونًا إلى حد كبير بالسينما بكل تفاصيلها وتاريخها المرتبط لديه بمدينة الإسكندرية، ذات التاريخ الطويل، التي لا تزال منبع الفنانين، وستستمر رغم أي تدهور فيها، طالما بقيت أصل هذا الفن الجميل الذي كان أحد أهم ملامحها الروحية. وبعد محاولته إحصاء دور السينما في الإسكندرية، ذاكرًا منها ما بعُدَ عن منزله وما قرُب، يقول عبد المجيد إنه، وهو صغير، صار له مشوار إسبوعي إلى السينما، يعطيه أبوه قرشين، فيدخل السينما بأحدهما، وبالآخر يشتري ما يريد. كانت سينما النيل من أوائل دور السينما التي ذهب إليها، وشاهد على شاشتها أفلامًا أجنبية كثيرة، ومنها عرف أسماء ممثلين مثل غلين فورد، غاري كوبر، بيرت لانكستر، ريتشارد ويدمارك، كيرك دوغلاس وغيرهم. مثلما عرف كمال الشناوي، شكري سرحان، فريد الأطرش، عمر الشريف، عبد الحليم حافظ، شادية، فاتن حمامة، صباح وماجدة وغيرهم.
متذكرًا مشواره مع السينما يسرد عبد المجيد تفاصيل حياته منذ أن كان طفلاً وانتقاله من مدرسة إلى أخرى ودخوله السينما كل جمعة وحده، أو مع أصدقائه في حي كرموز. هنا يسرد عبد المجيد ذكرياته في دخول سينما ألدورادو التي تردد عليها كثيرًا، رغم ازدحامها وسوء معاملة بائع التذاكر، وفيها شاهد «ليالي الحب» و»جعلوني مجرمًا» و»القلب له أحكام» و»قطار الليل». في سينما النيل، التي ظل مواظبًا على دخولها، شاهد عبد المجيد أفلامًا لا ينساها، بل ظلت تمشي معه في الحياة، يتذكرها فيتذكر السينما التي تفوح من أرضها كل صباح رائحة الصابون، ويتذكر وجه لاعب الثلاث ورقات الذي لا ينسى. ذاكرًا الأفلام التي فتنته وفتنت أصحابه كأفلام الكاوبوي لأودي ميرفي.

الأفلام كالطعام

هنا أيضًا يؤكد عبد المجيد حبه لسينما الهلال في منطقة القباري، التي ذهب إليها كثيرًا مع أصدقائه، وكان الزحام عليها شديدًا، إذ كانت تعرض أفلام شارلي شابلن وأفلام لوريل وهاردي الصامتة، التي كانوا يفرحون بها جدا ويضحكون من قلوبهم. كان حلم عبد المجيد وهو في المرحلة الإعدادية أن يدخل سينما الدرجة الأولى، لكنه وجد البديل في سينما الدرجة الثانية، التي كانت تذكرتها ثلاثة قروش، بينما كان جمال سينما الدرجة الثالثة بالنسبة له أنها كانت تعرض فيلمًا أجنبيًّا وآخر عربيًّا، بينما جمال سينما الدرجة الثانية أنها تعرض فيلمين أجنبيين باستثناء سينما ريتس وسينما ركس، التي كانت تعرض فيلمًا عربيًّا وفيلمًا أجنبيًّا وثلاثة أفلام في رمضان، وقد اقتضت سينما الدرجة الثانية التزويغ من المدرسة، ومن هنا اكتشف أن للإسكندرية ومدارسها وطلابها نظامًا في التزويغ من المدرسة.
منذ المرحلة الإعدادية أصبحت اللغة الإنكليزية توفر لعبد المجيد قراءة عنوان الرواية الأصلية للفيلم الأجنبي، وأحس أن الأفلام المأخوذة عن روايات أجمل من غيرها، وعرف أن الأساطير اليونانية عن هرقل وغيره موجودة في كتب سأل عنها وعرف أن على رأسها «الإلياذة» لهوميروس بترجمة دريني خشبة، التي قرأها وهو في المرحلة الثانوية.
من «أنا والسينما» نعرف أن نعيمة عاكف ماتت مبكرًا بمرض السرطان، وأن عبد المجيد شاهد كل أفلام سامية جمال تقريبًا، وأنه أحب فاتن حمامة وشادية ولبنى عبد العزيز وهند رستم ومريم فخر الدين وماجدة وزهرة العلا. وأن أهله عرفوا عشقه للسينما وذهابه إليها كل أسبوع، ولم يُخْفِ عنهم ذهابه أكثر من مرة في الأسبوع، رغم أنه كان «يزوّغ» من المدرسة. وأنه كان الطالب الذي لا يستطيع أحد أن يجاريه في ذكر عناوين الأفلام، وكانوا يقيمون أحيانًا رهانًا يكسب فيه من يذكر اسم خمسين فيلمًا، ودائمًا ما كان عبد المجيد هو الفائز الذي صارت الأفلام بالنسبة له مثلها مثل الطعام. أيضًا نعرف أن عبد المجيد، الطفل الشقيّ، لم يكن يضع السجائر المشتعلة، كأقرانه، في بناطيل الكمسارية، لكنه كان يجذب سلك الترام ليخرج عن سلك الكهرباء ليتوقف، وكان يقفز بمهارة والترام مسرع، وكذلك فعل في الأوتوبيسات والقطارات.

حكايات رائعة

ومع مرور الزمن اقتنع عبد المجيد بأن هناك سينما جديدة وممثلين جددًا لم يكونوا موجودين في طفولته، هو الذي ظل يمشي حاملاً معه أبطال الخمسينيات والستينيات وما قبلهما، كما عرف من قراءاته ومشاهداته كيف تنتهي حياة العظماء الذين لا يتفقون أبدًا مع المجتمع من حولهم، حتى لو أعلنوا ذلك، لا يتفق مع المجتمع إلا الأغبياء، والرفض أمر فطري في الموهوبين الكبار، ولا يتفق مع المجتمع إلا أنصاف الموهوبين والانتهازيين من المثقفين والمبدعين، وما أكثرهم في كل عصر.
وأخيرًا أكرر ما كُتب على غلاف الكتاب الأخير، واصفًا محتواه بأنه حكايات رائعة لا تُملّ، حكاها إبراهيم عبد المجيد عن السينما منذ طفولته، تعيد إلينا بشرًا جميلا، ومدنًا اختفت، وسينمات هُدمت، وأفلامًا لا تُنسى، وكيف تقدَّم فهمه للسينما مع مرور الزمن، وأثر ذلك على حياته الأدبية.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


عن صحيفة القدس العربي

القدس العربي”، صحيفة عربية يومية مستقلة، تأسست في لندن في نيسان/أبريل 1989. تطبع في الوقت نفسه في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وتوزع في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا. يتابع موقع الصحيفة يوميا على الانترنت مئات الآلاف من أنحاء العالم كافة.
اكتسبت الصحيفة سمعة عربية ودولية طيبة، بسبب نشرها للاخبار الدقيقة ولتغطيتها الموضوعية للأحداث، والتحليل العميق للقضايا العربية والعالمية، معتمدة في ذلك على مجموعة من المراسلين والكتاب المميزين.

تواصل الصحيفة تطورها خلال الاشهر القليلة الماضية، حيث انضم الى طاقمها مجموعة جديدة من المحررين والمراسلين الاكفاء والكتاب المرموقين. وتحرص الصحيفة على التواصل مع قرائها، ونشر تعليقاتهم وآرائهم على صفحات نسختها الورقية وعلى موقعها الألكتروني و”فيسبوك” و”تويتر”.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)